شرح الحديث 128 من الأدب المفرد

  

128 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:

كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - وَغُلَامُهُ يَسْلُخُ شَاةً - فَقَالَ:

"يَا غُلَامُ، إِذَا فَرَغْتَ، فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: (الْيَهُودِيُّ - أَصْلَحَكَ اللَّهُ -؟)

قَالَ: "إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يُوصِي بِالْجَارِ، حَتَّى خَشِينَا أَوْ رُئِينَا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ."

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث:

 

* حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ (ثقة ثبت: ت. 218 هـ، و قيل 219 هـ بـ الكوفة):

الفضل بن دُكَيْن (عمرو) بْنِ حمَّادِ بْنِ زُهيْرِ القرشي التيمي الطلحي مولاهم، الأحول، أبو نعيم الْمُلَائِيُّ الْكُوْفِيُّ (مشهور بكنيته)، من صغار أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

* قَالَ: حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ سُلَيْمَانَ (ثقة يغرب):

بشير بن سلمان الكندي، أبو إسماعيل الكوفي ( والد الحكم بن بشر )، من الذين عاصروا صغار التابعين، روى له:  بخ م د ت س ق

 

* عَنْ مُجَاهِدٍ (ثقة إمام فى التفسير و فى العلم: ت. سنة 101 أو 102 أو 103 أو 104 هـ):

مجاهد بن جبر المكي، أبو الحجاج القرشي المخزومي مولاهم، من الوسطى من التابعين، روى له:  خ م د ت س ق 

 

* كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (ت 63 هـ):

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد القرشي السهمي، أبو محمد، روى له:  خ م د ت س ق

 

نص الحديث وشرحه:

 

كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - وَغُلَامُهُ يَسْلُخُ شَاةً -، فَقَالَ:

"يَا غُلَامُ، إِذَا فَرَغْتَ، فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: (الْيَهُودِيُّ - أَصْلَحَكَ اللَّهُ -؟)

قَالَ: "إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يُوصِي بِالْجَارِ، حَتَّى خَشِينَا أَوْ رُئِينَا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ."

 

وفي "الأدب المفرد" (ص: 50):

"سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، يَقُولُ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»

 

وفي "البر والصلة" للحسين بن حرب (ص: 112):

"عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:

كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَغُلَامٌ لَهُ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِذَا فَرَغْتَ فَأَبْدَأْ بِجَارِنَا الْأَدْنَى» حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: "كَمْ تَذْكُرُ الْيَهُودِيَّ؟"

قَالَ: إِنَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ «يُوصِي بِالْجَارِ حَتَّى حَسِبْنَا أَوْ رَأَيْنَا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»

 

وفي "شرح مشكل الآثار" (7/ 220):

عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:

"كُنَّا نَأْتِي عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، وَعِنْدَهُ غَنَمٌ لَهُ. فَكَانَ يَسْقِينَا لَبَنًا سُخْنًا، فَسَقَانَا يَوْمًا لَبَنًا بَارِدًا. فَقُلْنَا: "مَا شَأْنُ اللَّبَنِ بَارِدًا؟" قَالَ: "إِنِّي تَنَحَّيْتُ عَنِ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّ فِيهَا الْكَلْبَ." وَغُلَامُهُ يَسْلُخُ شَاةً. فَقَالَ: "يَا غُلَامُ..."

 

وفي "مكارم الأخلاق" للخرائطي (ص: 89):

"فَقَالَ: يَا غُلَامُ، إِذَا سَلَخْتَ فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالُوا لَهُ: كَمْ تَقُولُ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُوصِينَا بِالْجَارِ حَتَّى خَشِينَا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ "

 

وقال نصر بن محمد، الشهير بـ"أبي الليث السمرقندي" (المتوفى: 373 هـ) _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين" (ص: 144)

"وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، أَنَّهُ قَالَ:

عَشْرَةُ أَشْيَاءَ مِنَ الْجَفَاءِ:

أَوَّلُهَا: رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلَا يَدْعُو لِوَالِدَيْهِ وَالْمُؤْمِنِينَ.

وَالثَّانِي: رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَلَا يَقْرَأُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ آيَةً.

وَالثَّالِثُ: رَجُلٌ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.

وَالرَّابِعُ: رَجُلٌ يَمُرُّ عَلَى الْمَقَابِرِ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَدْعُ لَهُمْ.

وَالْخَامِسُ: رَجُلٌ دَخَلَ مَدِينَةً فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ، ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ الْجُمْعَةَ.

وَالسَّادِسُ: رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ نَزَلَ فِي مَحِلَّتِهِمَا عَالَمٌ، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ أَحَدٌ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ.

وَالسَّابِعُ: رَجُلَانِ تَرَافَقَا وَلَمْ يَسْأَلْ أَحَدُهُمَا عَنِ اسْمِ صَاحِبِهِ.

وَالثَّامِنُ: رَجُلٌ دَعَاهُ رَجُلٌ إِلَى ضِيَافَةٍ فَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى الضِّيَافَةِ.

وَالتَّاسِعُ: شَابٌّ يَضِيعُ شَبَابُهُ وَهُوَ فَارِغٌ وَلَمْ يَطْلُبِ الْعِلْمَ وَالْأَدَبَ.

وَالْعَاشِرُ: رَجُلٌ شَبْعَانُ وَجَارُهُ جَائِعٌ وَلَا يُعْطِيهِ شَيْئًا مِنْ طَعَامِهِ." اهـ

 

وقال نصر بن محمد، الشهير بـ"أبي الليث السمرقندي" (المتوفى: 373 هـ) _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين" (ص: 144)

"تَمَامُ حُسْنِ الْجِوَارِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:

أَوَّلُهَا: أَنْ يُوَاسِيهِ بِمَا عِنْدَهُ.

وَالثَّانِيْ: أَنْ لَا يَطْمَعَ فِيمَا عِنْدَهُ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَمْنَعَ أَذَاهُ عَنْهُ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَصْبِرَ عَلَى أَذَاهُ." اهـ

 

قال الشيخ عطية بن محمد سالم المصري (المتوفى : 1420هـ) _رحمه الله_ في "شرح الأربعين النووية" (39 / 10):

"ويذكر لنا بعض شيوخنا في المدينة، وهو الشيخ عبد الرحمن الإفريقي _رحمه الله_، أنه كان يسكن في المدينة، وأولاده يلعبون مع أولاد الجيران، فتشاجر الأولاد مع بعض،

فجاء والد أحد الأولاد وضرب ولد الشيخ، وذهب الأولاد واشتكوا، فأخذ الرجل وحبس،

وفي الظهر علم الشيخ بذلك، فقال: أين الرجل؟ قالوا: محبوس، فذهب بنفسه إلى الشرطة وقال: هذا ولدي، وأنا وليه، وليس لنا دعوى على أحد." اهـ

 

وقال نصر بن محمد، الشهير بـ"أبي الليث السمرقندي" (المتوفى: 373 هـ) _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين" (ص: 143):

"وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "لَيْسَ حُسْنُ الْجِوَارِ كَفُّ الْأَذَى عَنِ الْجَارِ، وَلَكِنْ حُسْنُ الْجِوَارِ الصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى مِنَ الْجَارِ." اهـ

 

وقال محمد بن عبد الباقي بن يوسف المصري الأزهري المعروف بـ"أبي عبد الله الزُّرْقَانِيُّ المالكي" (المتوفى 1122 ه) _رحمه الله_ في "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" (4 / 385):

"قال ابن أبي جمرة:

وإكرام الجار من كمال الإيمان، والذي يشمل جميعَ وجوه الإكرام إرادةُ الخيرِ له وموعظته بالحسنى والدعاء له بالهداية وترك الإضرار على اختلاف أنواعه حسيا كان أو معنويا، إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار بالقول أو الفعل،

والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم وغير الصالح كفه عما يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه وإظهار محاسنه والترغيب فيه برفق والفاسق بما يليق به برفق فإن أفاد وإلا هجره قاصدا تأديبه مع إعلامه بالسبب." اهـ

 

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (1 / 56):

"وإكرامُه يكون بأن يصل إليه برُّه، وأن تحصل له السلامةُ من شرِّه، والجيران ثلاثة:

ـ جارٌ مسلم ذو قربى، له ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام.

ـ وجارٌ مسلم ليس بذي قُربى، له حق الإسلام والجوار.

ـ وجار ليس بمسلم ولا ذي قُربى، له حقُّ الجوار فقط.

وأولى الجيران بالإحسان مَن يكون أقربَهم باباً؛ لمشاهدته ما يدخل في بيت جاره، فيتطلَّع إلى إحسانه إليه." اهـ

 

شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري - (9 / 24):

"ويحصل امتثال الوصية بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة: كالهدية، والسلام، وطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقد حاله ومعاونته فيما يحتاج إليه، وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه، حسيةً كانت أو معنويةً." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 50 و 58) (رقم: 105 و 128)، وأبو داود في "سننه" (4/ 338) (رقم: 5152)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (4/ 333) (رقم: 1943)، والحميدي في "مسنده" (1/ 504) (رقم: 604)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 220) (رقم: 25417)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب (2/ 160) (رقم: 6496)، والحسين بن حرب المروزي في "البر والصلة" (ص: 112) (رقم: 216)، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" (ص: 101) (رقم: 321)، والبزار في "مسنده" = "البحر الزَّخَّار" (6/ 371) (رقم: 2388)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (3/ 38) (رقم: 2403)، وفي "مكارم الأخلاق" (ص: 384) (رقم: 199_201)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (7/ 220) (رقم: 2792_2793)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/ 81)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (ص: 88_89) (رقم: 219_220)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (3/ 306)، وفي "الأربعون على مذهب المتحققين" (ص: 52) (رقم: 23)، و"تسمية ما روي عن الفضل بن دكين" (ص: 39) (رقم: 12)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (12/ 106_108) (رقم: 9115_9116)، وفي "الآداب" (ص: 29) (رقم: 70)." اهـ

 

واحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 688) (رقم: 2574)، صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 287) (رقم: 1722)

 

فوائد الحديث :

 

وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله في "فيض القدير" (5 / 447):

"فمن التزم شرائع الإسلام تأكد عليه إكرام جاره لعظيم حقه." اهـ

 

وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله في "فيض القدير" (5 / 448):

"وللجوار مراتب، منها: الملاصقة، ومنها: المخالطة بأن يجمعهما مسجد أو مدرسة أو سوق أو غير ذلك، ويتأكد الحق مع المسلم، ويبقى أصله مع الكافر." اهـ

 

وقال محمد بن عبد الباقي بن يوسف المصري الأزهري المعروف بـ"أبي عبد الله الزُّرْقَانِيُّ المالكي" (المتوفى 1122 ه) _رحمه الله_ في "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" (4 / 385):

"والذي يتحصل عند النظر أن الجار له مراتب:

الأول الملاصقة، والثاني المخالطة بأن يجمعهما مسجد أو مجلس أو بيوت ويتأكد الحق مع المسلم ويبقى أصله مع الكافر والمسلم وقد يكون مع العاصي بالتستر عليه." اهـ

 

وقال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (6/ 62):

"وَاسْمُ الْجَارِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ وَالْعَابِدَ، وَالْفَاسِقَ وَالصَّدِيقَ وَالْعَدُوَّ وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ وَالْقَرِيبَ وَالْأَجْنَبِيَّ وَالْأَقْرَبَ دارا والأبعد.

وله مراتب بعضه أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ، فَأَعْلَاهَا: مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْأُوَلُ كُلُّهَا ثُمَّ أَكْثَرُهَا وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى الْوَاحِدِ وَعَكْسِهِ مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْأُخْرَى كَذَلِكَ فَيُعْطَى كُلٌّ حَقَّهُ بِحَسَبِ حَالِهِ. وَقَدْ تَتَعَارَضُ صِفَتَانِ فَأَكْثَرُ فَيَرْجَحُ أَوْ يُسَاوِي

وَقَدْ حَمَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّاوِي عَلَى الْعُمُومِ فَإِنَّهُ أَمَرَ لَمَّا ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ أَنْ يُهْدِيَ مِنْهَا لِجَارِهِ الْيَهُودِيِّ

 

وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله في "فيض القدير" (5 / 448)

قال في "العارضة":

"نبه بذلك على أن الحقوق إذا تأكدت بالأسباب، فأعظمها حُرْمَةُ الجِوارِ، وهو قرب الدار، فقد أنزل بذلك منزلة الرحم، وكاد يوجب له حقا في المال." اهـ

 

وقال محمد بن عبد الباقي بن يوسف المصري الأزهري المعروف بـ"أبي عبد الله الزُّرْقَانِيُّ المالكي" (المتوفى 1122 ه) _رحمه الله_ في "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" (4 / 384):

"قال القرطبي: فمن كان مع هذا التأكيد الشديد مضرا لجاره كاشفا لعوراته حريصا على إنزال البوائق به، كان ذلك منه دليلاً على فساد اعتقادٍ ونفاقٍ، فيكون كافرا.

ولا شك أنه لا يدخل الجنة، وأما على امتهانه بما عظم الله من حرمة الجار، ومن تأكيد عهد الجوار، فيكون فاسقا فسقا عظيما، ومرتكبَ كبيرةٍ، يخاف عليه من الإصرار عليها أن يختم له بالكفر،

فإن المعاصي بريد الكفر، فيكون من الصنف الأول، فإن سلم من ذلك، ومات بلا توبة، فأمره إلى الله، وقد كانوا في الجاهلية يبالغون في رعايته وحفظ حقه." اهـ

 

وقال محمد بن عبد الباقي بن يوسف المصري الأزهري المعروف بـ"أبي عبد الله الزُّرْقَانِيُّ المالكي" (المتوفى 1122 ه) _رحمه الله_ في "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" (4 / 385):

"وهنا تنبيه وهو أنه إذا أمر بإكرام الجار مع الحائل بين الإنسان وبينه فينبغي أن يرعى حق الحافظين اللذين ليس بينه وبينهما جدار ولا حائل،

فلا يؤذيهما بأنواع المخالفات في مرور الساعات، فقد ورد أنهما يسران بالحسنات ويحزنان بالسيئات،

فينبغي إكرامهما ورعاية جانبهما بالإكثار من عمل الطاعات والمواظبة على تجنب المعاصي فهما أولى بالإكرام من كثير من الجيران." اهـ

 

وقال محمد بن إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير الصنعاني" (المتوفى: 1182هـ) _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع الصغير" (9 / 397)

"وفيه: رعاية حقه بعد الموت. والجار يعم العدل والفاسق والقريب والبعيد،

ثم هم مراتب: فَجَارُ الدَّارِ الملاصِقُ أعظم حقًّا من البعيد، وجارُ المخالطةِ في مسجدٍ أوْ سُوْق، حَقُّهُ دونهما ونحْوُ ذلك،

فيجب رعاية حقه، وأهم الحقوق: تعليمُهُ الشرائِعُ ومناصحتُهُ في دينه. وحقوق الجار كثيرة، من أراد استفاءها، فعليه بالإحياء للإمام الغزالي[1]، فقد أطال نفسه في ذلك." اهـ

 

وفي "التحبير لإيضاح معاني التيسير" (6/ 632) للأمير الصنعاني:

قال ابن أبي جمرة:

"الميراث على قسمين: حسي ومعنوي، فالحسي المراد هنا، والمعنوي ميراث العلم، ويمكن أن يلحظ هنا أيضاً؛ فإن من حق الجار على الجار أن يعلمه." اهـ

 

وقال محمد بن إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير الصنعاني" (المتوفى: 1182هـ) _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع الصغير" (9 / 398):

"فيه: تنبيه على أن للجار حقاً في مال جاره، فتُعِيْنُهُ إذا احتاج، وتُقْرِضُهُ إذا اقترض." اهـ

 

وقال عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر _حفظه الله_ في "شرح سنن أبي داود" – الشاملة (585 / 14):

"وهذا يدل على عظم شأن حق الجار، وأنه ما دام بهذه المنزلة، فحقيق أو حري أن يجعل له نصيب من مال الإنسان إذا مات.

فمعنى ذلك: أن حق الجار عظيم، وأن الإنسان يحسن إليه ويهدي إليه، ويصل إليه معروفه في حياته مادام أن الرسول صلى الله عليه وسلم ظن أنه سيورث ويجعل له نصيب من ماله إذا مات، وإن لم يحصل التوريث، والتوريث إنما هو للأقارب كما جاء في الكتاب والسنة.

وجاءت أحاديث كثيرة تدل على حق الجار وعلى الابتعاد عن أذاه، وأن أذى الجار أعظم من إيذاء غيره؛ لأن له حقاً على جاره،

ولهذا جاء في الحديث عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) [خ م]،

وقال _صلى الله عليه وسلم_: (والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه) [خ] يعني: غوائله وشروره." اهـ

 

وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (41/ 142_143):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان التشديد في حقّ الجار، حتى إنه _صلى الله عليه وسلم_ من كثرة وصيّة جبريل _عَلَيْهِ السَّلامُ_ به ظنّ أنه سيجعله من جملة الورثة.

قال ابن عبد البرّ _رَحِمَهُ اللهُ_:

"في هذا الحديث الحضّ على برّ الجار، وإكرامه، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره"،

والله -عَزَّ وَجَلَّ- قد أوصى بالجار ذي القربى، والجار الجنب." انتهى ["التمهيد لابن عبد البرّ" (21/ 41)].

2 - (ومنها): بيان شدّة عناية الشريعة الإسلاميّة بالمحافظة على حقوق الجوار، وهو من الأمور التي يستحسنها العقل، ولو لم يَرِدْ بها الشرع،

ولذا كان أهل الجاهليّة يتفاخرون بها، قال ابن عبد البرّ: وذكر مالك عن أبي حازم بن دينار، أنه قال: كان أهل الجاهلية أبرّ بالجار منكم، وهذا قائلهم يقول [من الكامل]:

نَارِي وَنَارُ الْجَارِ وَاحِدَةٌ ... وَإِلَيْهِ قَبْلِي يَنْزِلُ الْقِدْرُ

مَا ضرَّ جَارٌ أَلَّا أُجَاوِرَه ... أَلَّا يَكُونَ لِبَابِهِ سِتْرُ

أَعْمَى إِذَا مَا جَارَتِي بَرَزَتْ ... حَتَّى يُوَارِي جَارَتِي الْخِدْرُ

3 - (ومنها): أنه اختُلف في حدّ الجار، قال الإمام البخاريّ _رَحِمَهُ اللهُ_ في "صحيحه": "باب حقّ الجوار في قرب الأبواب" (5674) - حدّثنا حجاج بن منهال، حدّثنا شعبة، قال: أخبرني أبو عمران، قال: سمعت طلحة، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أُهدي؟ قال: "إلى أقربهما منك باباً" ["صحيح البخاريّ" (5/ 2241)].

قال في "الفتح": "قوله: (أقربهما)؛ أي: أشدّهما قرباً، قيل: الحكمة فيه___أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره، من هدية وغيرها، فيتشوَّف لها، بخلاف الأبعد، وأن الأقرب أسرع إجابة لِمَا يقع لجاره من المهمات، ولا سيما في أوقات الغفلة، وقال ابن أبي جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب؛ لأن الهدية في الأصل ليست واجبةً، فلا يكون الترتيب فيها واجباً،

ويؤخذ من الحديث أن الأخذ في العمل بما هو أعلى أَولى، وفيه تقديم العلم على العمل.

واختُلف في حدّ الجوار، فجاء عن عليّ - رضي الله عنه -: من سمع النداء فهو

جار، وقيل: من صلى معك صلاة الصبح في المسجد، فهو جار، وعن عائشة: حدّ الجوار أربعون داراً من كل جانب، وعن الأوزاعيّ مثله،

وأخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" مثله عن الحسن، وللطبرانيّ بسند ضعيف، عن كعب بن مالك، مرفوعاً: "ألا إن أربعين داراً جار."[2]

وأخرج ابن وهب عن يونس، عن ابن شهاب: أربعون داراً عن يمينه، وعن يساره، ومن خلفه، ومن بين يديه، وهذا يَحْتَمِل كالأُولى، ويَحْتَمِل أن يريد التوزيع، فيكون من كل جانب عشرةً. انتهى ["الفتح" 13/ 568، كتاب "الأدب" رقم (6020)].

قال الجامع _عفا الله عنه_:

"عندي أن من صلى الصلوات معك دائماً، ولا سيّما صلاة الصبح هو جار لك؛ لأن هذا يدلّ على قربه من دارك، ويرى كل ما يدخل في بيتك، أو بعضه، ولو صحّ حديث: "أربعون داراً جارٌ" لكان نصّاً في التحديد، لكنه ضعيف[3]، فلا يصلح للاحتجاج به، فتنبّه، والله تعالى أعلم." اهـ

 



[1] كان الغزالي _رحمه الله_ يمر بأربع مراحل: حرحلة الاعتزال، ومرحلة الكلام، ومرحلة التصوف، وفي المرحلة الأخيرة مال إلى إلى مذهب السلف أهل السنة الحقيقية، والله أعلم.

[2] أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (19/ 73) (رقم: 143)، وقال:

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِرْقٍ الْحِمْصِيُّ، وَعَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفًّى، ثنا يُوسُفُ بْنُ السَّفَرِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

أَتَى النَّبِيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ رَجُلٌ، فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَزَلَتُ فِي مَحِلَّةِ بَنِي فُلَانٍ، وَإِنَّ أَشَدَّهُمْ لِي أَذًى أَقْدَمُهُمْ لِي جِوَارًا."

فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ فَيَقُومُونَ عَلَى بَابِهِ فَيَصِيحُونَ: أَلَا إِنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ خَافَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ."

والحديث ضعيف جدا: صرح به الألباني _رحمه الله_ في "ضعيف الترغيب والترهيب" (2/ 157) (رقم: 1518).

[3] راجع: "إرواء الغليل" للشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (6/ 100).

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث 12 من رياض الصالحين