شرح الحديث 82 من باب اليقين والتوكل - من كتاب رياض الصالحين

[82] التاسع: عن أم المُؤمنينَ أمِّ سَلَمَةَ (وَاسمها: هِنْدُ بنتُ أَبي أميةَ حذيفةَ المخزومية) _رضي الله عنها_:

أنَّ النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ، قَالَ :

«بِسْمِ اللهِ تَوَكَّلتُ عَلَى اللهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» حديثٌ صحيح، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحةٍ. قَالَ الترمذي: (حديث حسن صحيح) . وهذا لفظ أبي داود.

 

ترجمة أم سلمة هندٍ بِنْتِ أَبِيْ أُمَيَّةَ أم المؤمنين المخزومية _رضي الله عنها_:

 

قال الذهبي _رحمه الله_ في "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 741):

"أمَّ سَلَمَةَ: أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، هندَ بنتَ أَبِي أُمَيّة بْن المُغِيرة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيَّةُ، [الوفاة: 61 - 70 ه]___بِنْتُ عَمِّ أَبِي جَهْلٍ، وَبِنْتُ عَمِّ خَالِدِ بن الوليد.

بَنَى بِهَا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سَنَةِ ثَلاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ، وَهُوَ أَخُو النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الرَّضَاعَةِ." اهـ

 

وقال أبو نعيم في في "معرفة الصحابة" (6/ 3218):

"أُمُّ سَلَمَةَ، وَاسْمُهَا: هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ،

كَانَتْ تَحْتَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، فَوَلَدَتْ لَهُ: سَلَمَةَ، وَعُمَرَ، وَزَيْنَبَ. فَتُوُفِّيَ عَنْهَا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ، فَخَلَّفَ عَلَيْهَا رَسُولَ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_.

وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ، عُمِّرَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ دَهْرًا، وَهِيَ آخِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْتًا،

تُوُفِّيَتْ فِي أَيَّامِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَقِيلَ: أَبُو هُرَيْرَةَ، نَزَلَ فِي قَبْرِهَا أَبْنَاؤُهَا عُمَرُ، وَسَلَمَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ، وَقُبِرَتْ بِالْبَقِيعِ." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

التاسع: عن أم المُؤمنينَ أمِّ سَلَمَةَ (وَاسمها: هِنْدُ بنتُ أَبي أميةَ حذيفةَ المخزومية) _رضي الله عنها_:

أنَّ النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ، قَالَ :

«بِسْمِ اللهِ تَوَكَّلتُ عَلَى اللهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ،

 

[تعليق]:

وفي ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (40/ 34) للإثيوبي:

"(مِنْ أَنْ أَزِلَّ) بفتح الهمزة، وكسر الزاي، وتشديد اللام، منْ الزلّة، وهي الذنب بغير قصد، تشبيها لها بزَلّة الرّجل. قَالَ الطيبيّ رحمه الله تعالى: الزلّة السيئة بلا قصد، استعاذ -صلى الله عليه وسلم- منْ أن يصدر عنه ذنبٌ بغير قصد، أو قصد." اهـ

 

أَوْ أظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ،

 

[تعليق]:

وفي "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (40/ 34) للإثيوبي: "ومن أن يظلم النَّاس فِي المعاملات، أو يؤذيهم فِي المخالطات." اهـ

 

أَوْ أجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» حديثٌ صحيح، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحةٍ. قَالَ الترمذي: (حديث حسن صحيح) . وهذا لفظ أبي داود.

 

وفي "فيض القدير" (5/ 123) للمناوي:

"(أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ علي)، أي: أفعل بالناس فِعْلَ الْجُهَّالِ مِنَ الْإِيْذَاءِ والْإِضْلاَلِ، ويحتمل: أن يراد بقوله (أجهل أو يجهل علي) الحال الذي كانت العرب عليها قبل الإسلام من الجهل بالشرائع والتفاخر بالأنساب والتعاظم بالأحساب والكبرياء والبغي ونحوها." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه أبو داود في "سننه" (4/ 325) (رقم : 5094)، والترمذي في "سننه" (3725)، والنسائي في "سننه" (رقم : 5486 و 5539) وابن ماجه في "سننه" (3884).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (2/ 754) (رقم : 2442)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 859) (رقم: 4709)، و"تخريج الكلم الطيب" (ص: 90) (رقم: 60)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" (7/ 486) (رقم: 3163)

 

 

من فوائد الحديث:

 

الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/ 68) لابن المنذر النيسابوري :

"ذِكْرُ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الصَّلَاةِ" اهـ

 

تحفة الأحوذي (9/ 272) للمباركفوري :

"قَالَ الطِّيبِيُّ : "إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُعَاشِرَ النَّاسَ وَيُزَاوِلَ الْأَمْرَ، فَيَخَافُ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ :

* فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرِ الدِّينِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَضِلَّ أَوْ يُضَلَّ،

* وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا :

فَإِمَّا بِسَبَبِ جَرَيَانِ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُمْ بِأَنْ يَظْلِمَ أَوْ يُظْلَمَ

وَإِمَّا بِسَبَبِ الِاخْتِلَاطِ وَالْمُصَاحَبَةِ:

فَإِمَّا أَنْ يَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ، فَاسْتُعِيذَ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا بِلَفْظٍ سَلِسٍ مُوجَزٍ، وَرُوعِيَ الْمُطَابَقَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَالْمُشَاكَلَةُ اللَّفْظِيَّةُ." اهـ

 

"المدخل" لابن الحاج (2/ 90):

"يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْ الْمَشْيِ فِي ثَنِيَّاتِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَقْتَدِي بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِهَلَاكِ بَعْضِهِمْ فِيهَا بَلْ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ الْجَادَّةِ فَإِنَّ فِيهَا السَّلَامَةَ، وَإِنْ بَعُدَتْ." اهـ[1]

 

وفي "شرح حديث لبيك اللهم لبيك" (ص: 102) لابن رجب :

"فَمن سلم من ظلم غَيره وَسلم النَّاسُ من ظلمه، فقد عوفي، وعوفي النَّاس مِنْهُ، وَكَانَ بعض السّلف يَدْعُو : "اللَّهُمَّ سلمني، وَسلم مني." اهـ

 

[تعليق]:

وقال الشيخ عبد الرزاق البدر _حفظه الله_ في "فقه الأدعية والأذكار" (3/ 103) :

"ومَن سلِم من الغلط مع غيره في شيء من هذه الخصال ومن أن يَغلطَ معه غيرُه في شيء منها، فقد عوفِي وعوفي الناسُ منه،

فالحديث فيه التعوُّذُ من هذه الأمور من الطرفين، من طرف المتعوِّذ نفسِه، ومن طرف الناس الذين يلقاهم ويحتكُّ بهم، وكان بعضُ السَّلف يقول في دعائه: "اللَّهمَّ سلِّمنِي وسلِّم منِّي"، ومَن كان هذا شأنُه سالِماً من شرِّ الناس، والناسُ سالِمون من شرِّه فهو على خير عظيم." اهـ

 

"التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 246) للمناوي:

فَإِذا اسْتَعَانَ العَبْد بِـ(بسْم اللهِ) هداه وأرشده وأعانه فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة والدنيوية. وَإِذا توكل عَلَيْهِ، وفوَّض أمره إِلَيْهِ، كَفاهُ، فَيكون حَسْبَهُ." اهـ

 

فيض القدير (5/ 124) للناوي :

"قال الطيبي: "فإذ استعاذ العبد بالله باسمه المبارك، فإنه يهديه ويرشده ويعينه في الأمور الدينية وإذا توكل على الله وفوض أمره إليه كفاه فيكون حسبه {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]،

ومن قال (لا حول ولا قوة، إلا بالله)، كفاه الله شرَّ الشيطانِ." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (40/ 34_35)

فِي فوائده:

(منها) : ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان استحباب الاستعاذة منْ الضلال.

(ومنها) : مشروعية الاستعاذة منْ كل سوء، سواء المذكور فِي هَذَا الْحَدِيث، أو غيره.

(ومنها): ما قاله الطيبي رحمه الله تعالى :

"إن الإنسان إذا خرج منْ بيته لابدّ___أن يعاشر النَّاس، ويزاول الأمر، فيخاف أن يعدل عن الصراط المستقيم، فإما أن يكون فِي أمر الدين، فلا يخلو منْ أن يضلّ، أو يُضلّ، وإما أن يكون فِي أمر الدنيا، فإما بسبب جريان المعاملة معهم، بأن يظلم، أو يُظلم، وإما بسبب الاختلاط، والمصاحبة، فإما أن يَجهل، أو يُجهل، فاستُعيذ منْ هذه الأحوال كلها بلفظ سَلِس، موجز، وروعي فيه المطابقة المعنوية، والمشاكلة اللفظيّة." اهـ

 

فقه الأدعية والأذكار (3/ 99) للشيخ عبد الرزاق البدر :

"وهو حديثٌ عظيمٌ ودعاءٌ مبارَك يجدر بالمسلمِ أن يُحافظَ عليه عند خروجه من منزله تأسِّياً بالنَّبِيِّ _صلى الله عليه وسلم_ الذي كان يحافظ عليه عند كلِّ خروجٍ من مَنْزله،

كما يدلُّ على ذلك قول أمِّ سلمة _رضي الله عنها_:

(مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلاَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ)، فقال، ثم ذكرَتْ هذا الدعاء." اهـ

 

وفي "فقه الأدعية والأذكار" (3/ 100):

"وكلامُها _رضي الله عنها_ في أوَّل هذا الحديث، فيه دلالةٌ ظاهرةٌ على مواظبة النَّبِيِّ _صلى الله عليه وسلم_ على قول هذا الدعاء في كلِّ مرَّة يخرج فيها _صلوات الله وسلامه عليه_ من منْزله،

وفي هذا دلالةٌ على أهميَّة مواظبة المسلم على هذا الدعاء في كلِّ مرَّة يخرج فيها من منزله تأسيًّا بالنبيِّ _صلى الله عليه وسلم_، وفي ذلك الخيرُ والبركةُ والسلامة والغنيمة." اهـ

 

وفي "فقه الأدعية والأذكار" (3/ 102):

"وقوله: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ)،

فيه: تعوُّذٌ بالله من الضلال وهو ضِدُّ الهداية، وسؤاله تبارك وتعالى الإعاذة من الضلال متضمِّنٌ طلبَ التوفيق للهداية." اهـ

 

وفي "فقه الأدعية والأذكار" (3/ 103):

"فهذا دعاءٌ عظيم ينبغي على المسلم أن يُحافِظَ عليه كلَّما خرج من منزله؛ ليكون ملتجئاً إلى الله ومعتصماً به _سبحانه_ من أن يناله شيءٌ من تلك الأمور،

ثم عليه مع هذا الالتجاء أن يأخذَ بالأسبابِ فيحذرَ أشدَّ الحَذر من الضلال والزلل والظلم والجهل، فيكون بذلك جامعاً بين فعل الأسباب والاستعانة عليها بالله _تبارك وتعالى_." اهـ



[1]  انظر هذا الكلام في شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1904)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 60 من رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي