شرح الحديث 60 من رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

وَالآيات في البابِ كثيرة معلومة. وأَمَّا الأحاديثُ :

 

[60] فالأول : عن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ قَالَ:

بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ ذَاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عَلَينا رَجُلٌ شَديدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَديدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عَلَيهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيهِ إِلَى رُكْبتَيهِ، وَوَضعَ كَفَّيهِ عَلَى فَخِذَيهِ[1].

* وَقالَ : "يَا مُحَمَّدُ، أخْبرني عَنِ الإسلامِ، فَقَالَ رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_:

«الإسلامُ: أنْ تَشْهدَ أنْ لا إلهَ إلا الله وأنَّ مُحمَّداً رسولُ الله، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيتَ إن اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبيلاً» .

قَالَ : "صَدَقْتَ". فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقهُ!

* قَالَ : فَأَخْبرنِي عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ: «أنْ تُؤمِنَ باللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِر، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ» .

قَالَ : "صَدقت".

* قَالَ : فأَخْبرني عَنِ الإحْسَانِ. قَالَ : «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ».

* قَالَ : فَأَخْبِرني عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ : «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» .

* قَالَ: فأخبِرني عَنْ أمَاراتِهَا. قَالَ: «أنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وأنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ في البُنْيَانِ» .

ثُمَّ انْطَلقَ فَلَبِثْتُ مَلِيّاً،

ثُمَّ قَالَ : «يَا عُمَرُ، أَتَدْري مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ : اللهُ ورسُولُهُ أعْلَمُ.

قَالَ : «فإنَّهُ جِبْريلُ أَتَاكُمْ يعْلِّمُكُمْ دِينَكُمْ». رواه مسلم.

ومعنى «تَلِدُ الأَمَةُ رَبَّتَهَا» أيْ سَيِّدَتَهَا؛ ومعناهُ: أنْ تَكْثُرَ السَّراري حَتَّى تَلِدَ الأَمَةُ السُّرِّيَّةُ بِنْتاً لِسَيِّدِهَا وبنْتُ السَّيِّدِ في مَعنَى السَّيِّدِ وَقيلَ غَيْرُ ذلِكَ. وَ«العَالَةُ»: الفُقَراءُ. وقولُهُ: «مَلِيّاً» أَيْ زَمَناً طَويلاً وَكانَ ذلِكَ ثَلاثاً.

 

ترجمة عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ :

 

وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (1 / 40_41) للقاري :

"(عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ): وَهُوَ النَّاطِقُ بِالصَّوَابِ، الْمُسَمَّى بِالْفَارُوقِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : وَهُوَ عَدَوِيٌّ قُرَشِيٌّ يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ،

كَنَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي حَفْصٍ، وَهُوَ لُغَةً: الْأَسَدُ،

وَلَقَّبَهُ بِالْفَارُوقِ لِفُرْقَانِهِ بَيْنَ الْحَقِّ، وَالْبَاطِلِ.

قَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء: 60]

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنْ مُنَافِقًا خَاصَمَ يَهُودِيًّا فَدَعَاهُ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدَعَاهُ الْمُنَافِقُ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ،

ثُمَّ إِنَّهُمَا احْتَكَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَكَمَ لِلْيَهُودِيِّ، فَلَمْ يَرْضَ الْمُنَافِقُ،

وَقَالَ: نَتَحَاكَمُ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ لِعُمَرَ: قَضَى لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَرْضَ بِقَضَائِهِ، وَخَاصَمَ إِلَيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْمُنَافِقِ: أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: مَكَانَكُمَا حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكُمَا فَدَخَلَ فَأَخَذَ سَيْفَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فَضَرَبَ بِهِ عُنُقَ الْمُنَافِقِ حَتَّى بَرَدَ، وَقَالَ: هَكَذَا أَقْضِي لِمَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَنَزَلَتْ.

وَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ عُمَرَ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ» فَسُمِّيَ: الْفَارُوقَ.

وَقِيلَ بِإِسْلَامِهِ، إِذْ أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُ كَانَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْخَفَاءِ، وَبَعْدَهُ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الظُّهُورِ، وَالْجَلَاءِ، أَسْلَمَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَعَشَرَةٍ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ النُّبُوَّةِ.

وَقِيلَ: أَسْلَمَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، وَسِتُّ نِسْوَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ عُمَرُ، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] .

بُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِ الصِّدِّيقِ بِعَهْدِهِ إِلَيْهِ، وَنَصِّهِ عَلَيْهِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَفَتَحَ الْبِلَادَ الْكَثِيرَةَ، وَالْفُتُوحَ الشَّهِيرَةَ، وَاسْتُشْهِدَ عَلَى يَدِ نَصْرَانِيٍّ اسْمُهُ أَبُو لُؤْلُؤَةٍ غُلَامُ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ بِالْمَدِينَةِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ عَامَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ عَشْرَ سِنِينَ وَنِصْفًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ صُهَيْبٌ،

رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ، وَبَاقِي الْعَشَرَةِ، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، أَحَادِيثُهُ الْمَرْفُوعَةُ خَمْسُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ، لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ انْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ مِنْهَا بِأَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَمُسْلِمٌ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ،

نَقْشُ خَاتَمِهِ: كَفَى بِالْمَوْتِ_____شَدِيدًا فِي أَمْرِ اللَّهِ، عَاقِلًا مُجْتَهِدًا صَابِرًا مُحْتَسِبًا، جُعِلَ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِهِ، وَأُعِزَّ الدِّينُ بِهِ، وَاسْتَبْشَرَ أَهْلُ السَّمَاءِ بِإِسْلَامِهِ، وَلَهُ فَضَائِلُ لَا تُحَدُّ، وَشَمَائِلُ لَا تُعَدُّ." اهـ

 

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 138) للذهبي : "عمر بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْن عَبْدِ العُزَّى بْن رياح بْن قُرط بْن رزَاح بْن عديّ بْن كعْب بْن لُؤيّ، أمير المؤمنين، أَبُو حفص، القُرَشي العدوي، الفاروق رضي الله عنه. [المتوفى: 23 ه]،

اسْتُشْهِدَ في أواخر ذي الحجة. وأمّه حَنْتَمَة بنت هشام المخزومية أخت أبي جهل. أسلم في السنة السادسة من النُّبُّوة وله سبعٌ وعشرون سنة." اهـ

 

شرح الحديث:

 

أخرجه مسلم في صحيحه (رقم : 8) بسنده : صحيح مسلم (1/ 36)

عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ:

"كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ - أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ -،

فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ،

فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ،

قَالَ: «فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي»،

وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ «لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ»

ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ..."

 

 

عن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ قَالَ:

بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ ذَاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عَلَينا رَجُلٌ شَديدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَديدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عَلَيهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيهِ إِلَى رُكْبتَيهِ، وَوَضعَ كَفَّيهِ عَلَى فَخِذَيهِ[2].

* وَقالَ : "يَا مُحَمَّدُ، أخْبرني عَنِ الإسلامِ، فَقَالَ رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_:

«الإسلامُ: أنْ تَشْهدَ أنْ لا إلهَ إلا الله وأنَّ مُحمَّداً رسولُ الله، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيتَ إن اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبيلاً» .

قَالَ : "صَدَقْتَ". فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقهُ!

* قَالَ : فَأَخْبرنِي عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ: «أنْ تُؤمِنَ باللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِر، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ[3]» .

قَالَ : "صَدقت".

* قَالَ : فأَخْبرني عَنِ الإحْسَانِ[4]. قَالَ : «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ[5]، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ[6]».

* قَالَ : فَأَخْبِرني عَنِ السَّاعَةِ[7]. قَالَ : «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» .

* قَالَ: فأخبِرني عَنْ أمَاراتِهَا[8]. قَالَ: «أنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا[9]، وأنْ تَرَى الحُفَاةَ[10] العُرَاةَ[11] العَالَةَ[12] رِعَاءَ الشَّاءِ[13] يَتَطَاوَلُونَ في البُنْيَانِ[14]» .

ثُمَّ انْطَلقَ فَلَبِثْتُ مَلِيّاً[15]،

ثُمَّ قَالَ : «يَا عُمَرُ، أَتَدْري مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ : اللهُ ورسُولُهُ أعْلَمُ.

قَالَ : «فإنَّهُ جِبْريلُ أَتَاكُمْ يعْلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»[16] . رواه مسلم.

ومعنى «تَلِدُ الأَمَةُ رَبَّتَهَا[17]» أيْ سَيِّدَتَهَا؛ ومعناهُ: أنْ تَكْثُرَ السَّراري حَتَّى تَلِدَ الأَمَةُ السُّرِّيَّةُ بِنْتاً لِسَيِّدِهَا وبنْتُ السَّيِّدِ في مَعنَى السَّيِّدِ وَقيلَ غَيْرُ ذلِكَ. وَ «العَالَةُ»: الفُقَراءُ. وقولُهُ: «مَلِيّاً» أَيْ زَمَناً طَويلاً وَكانَ ذلِكَ ثَلاثاً.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه مسلم في "صحيحه" (1/ 36) (رقم : 8)، وأبو داود في "سننه" (4/ 223) (رقم : 4695)، والترمذي في "سننه" (5/ 6) (رقم : 2610)، ابن ماجه في "سننه" (1/ 24) (رقم : 63)

 

منزلة الحديث :

 

شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 36) :

"وهذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين وعليه اعتماده فإنه قد جمع أركانه." اهـ

 

التعيين في شرح الأربعين (1/ 76_77) للطوفي :

"واعلم أنه لو لم يكن في الأربعين، بل في السنة جميعها غير هذا الحديث___لكان وافيا بأحكام الشريعة لاشتماله على جملها مطابقة، وعلى تفاصيلها تضمنا، وجمعه بين الطاعات المتعلقة بالقلب والبدن أصولا وفروعا." اهـ

 

المعين على تفهم الأربعين ت دغش (ص: 96) لابن الملقن:

"هذا حديث عظيم مُتَّفَق على عِظَمِ مَوْقِعِهِ وَجَلالَتِهِ، يَكَادُ يكونُ مَدَارُ الإسلام عليه؛ لأنّهُ قاعِدَةٌ مِنْ قواعِدِه، مُشْتَمِلٌ على أساسِهِ، مفصِّلٌ طاعاته القَلْبِية والبَدَنِية أُصُولًا وفُرُوعًا، وعلى أمرِ الغَيْبِ، حتى قال بعضُهُم[18]: (لو لَمْ يَكُن في هذه "الأربعين" -بل في السُّنَّةِ جميعها- غيرهُ لكان وافيًا بأحكَام الشَّريعة، لاشتماله على جُملَتِها مُطَابقةً، وعلى تفصيلها تَضَمُّنًا)."

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 289) للعيني:

"وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: "قد اشْتَمَل على شرح جَمِيع وظائف الْعِبَادَات الظَّاهِرَة والباطنة من عُقُود الْإِيمَان وأعمال الْجَوَارِح وإخلاص السرائر وَالْحِفْظ من آفَات الْأَعْمَال حَتَّى أَن عُلُوم الشَّرِيعَة كلهَا رَاجِعَة إِلَيْهِ ومتشعبة مِنْهُ." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 288_289):

"قَالَ النَّوَوِيّ: "هَذَا أصل عَظِيم من أصُول الدّين وَقَاعِدَة مهمة من قَوَاعِد الْمُسلمين وَهُوَ عُمْدَة الصديقين وبغية السالكين__وكنز العارفين ودأب الصَّالِحين." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 65) لعلي بن سلطان القاري:

"وَهَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ سُمِّيَ (حَدِيثَ جِبْرِيلَ)، وَ(أُمَّ الْأَحَادِيثِ)، وَ(أُمَّ الْجَوَامِعِ)؛ لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلشَّرِيعَةِ، وَالطَّرِيقَةِ، وَالْحَقِيقَةِ بَيَانًا إِجْمَالِيًّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَتَمِّ الَّذِي عُلِمَ تَفَاصِيلُهَا مِنَ السُّنَنِ النَّبَوِيَّةِ، وَالشَّرَائِعِ الْمُصْطَفَوِيَّةِ _عَلَى صَاحِبِهَا أُلُوفُ التَّحِيَّةِ_، كَمَا أَنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ تُسَمَّى (أُمَّ الْقُرْآنِ)، وَ(أُمَّ الْكِتَابِ) لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَعَانِي الْقُرْآنِيَّةِ، وَالْحِكَمِ الْفُرْقَانِيَّةِ بِالدَّلَالَاتِ الْإِجْمَالِيَّةِ." اهـ

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 37) لعبيد الله الرحمني المباركوري :

"وبالجملة إنه حديث جليل فيه وحده كفاية لمن تأمل فيه، سمي "حديث جبريل" و"أم الأحاديث"؛ لأن العلوم الشرعية التي يتكلم عليها فرق المسلمين من الفقه والكلام والمعارف والأسرار كلها منحصرة فيه، راجعة إليه، ومتشعبة منه، كما أن فاتحة الكتاب تسمى أم القرآن وأم الكتاب؛ لاشتمالها على المعاني القرآنية والمقاصد الفرقانية إجمالاً." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

شرح النووي على مسلم (1/ 160)

قَوْلُهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ) فِيهِ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ وَالْإِحْسَانَ تُسَمَّى كُلُّهَا دِينًا

 

شرح النووي على مسلم (1/ 160)

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنَ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ وَالْآدَابِ وَاللَّطَائِفِ بَلْ هُوَ أَصْلُ الْإِسْلَامِ كَمَا حُكِينَاهُ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ فِيهِ جُمَلٌ مِنْ فَوَائِدِهِ.

وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرُهُ مِنْ فَوَائِدِهِ :

أَنَّ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْعَالِمِ إِذَا عَلِمَ بِأَهْلِ الْمَجْلِسِ حَاجَةً إِلَى مَسْأَلَةٍ لَا يَسْأَلُونَ عَنْهَا أَنْ يَسْأَلَ هُوَ عَنْهَا لِيَحْصُلَ الْجَوَابُ لِلْجَمِيعِ.

وَفِيهِ : أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَرْفُقَ بِالسَّائِلِ وَيُدْنِيَهُ مِنْهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ سُؤَالِهِ غَيْرَ هَائِبٍ وَلَا مُنْقَبِضٍ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلسَّائِلِ أَنْ يَرْفُقَ فِي سُؤَالِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 290)

فِي ذَلِك (استنباط الْأَحْكَام) وَهُوَ على وُجُوه.

الأول : أَن الْإِيمَان هُوَ أَن يُؤمن العَبْد بِاللَّه وَمَلَائِكَته وبلقائه وَرُسُله ويؤمن بِالْبَعْثِ والنشور.

الثَّانِي : أَن الْإِسْلَام أَن تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان.

الثَّالِث : إِن الْإِحْسَان أَن تعبد الله كَأَنَّهُ يراك وتراه.[19]

الرَّابِع : احْتج بِهِ من يَدعِي تغاير الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَمَعَ هَذَا تقدم غير مرّة أَن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَالدّين عِنْد البُخَارِيّ عِبَارَات عَن معنى وَاحِد،

وَقَالَ محيي السّنة : "جعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِسْلَام اسْما لما ظهر من الْأَعْمَال وَالْإِيمَان اسْما لما بطن من الِاعْتِقَاد وَلَيْسَ ذَلِك لِأَن الْأَعْمَال لَيست من الْإِيمَان والتصديق بِالْقَلْبِ لَيْسَ من الْإِسْلَام بل ذَلِك تَفْصِيل لجملة هِيَ كلهَا شَيْء وَاحِد وجماعها الدّين، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " أَتَاكُم جِبْرِيل يعلمكم دينكُمْ " والتصديق وَالْعَمَل يتناولهما الِاسْم وَالْإِيمَان وَالْإِسْلَام جَمِيعًا".[20]

وَقَالَ ابْن الصّلاح :

"مَا فِي الحَدِيث بَيَانٌ لأصل الْإِيمَان وَهُوَ التَّصْدِيق الْبَاطِن، وأصل الْإِسْلَام وَهُوَ الاستسلام والانقياد الظَّاهِر، ثمَّ اسْم الْإِيمَان يتَنَاوَل مَا فُسِّرَ بِهِ الْإِسْلَام وَسَائِرُ الطَّاعَات لكَونهَا ثَمَرَات للتصديق الْبَاطِن الَّذِي هُوَ أصل الْإِيمَان، وَلِهَذَا فسر الْإِيمَانُ فِي حَدِيث الْوَفْد بِمَا هُوَ الْإِسْلَام هَهُنَا، وَاسم الْإِسْلَام يتَنَاوَل أَيْضا مَا هُوَ أصل الْإِيمَان وَهُوَ التَّصْدِيق الْبَاطِن ويتناول الطَّاعَات، فَإِن ذَلِك كُله استسلام، فتحقق مَا ذكرنَا : إنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِيهِ ويفترقان،

وَقَالَ من قَالَ : إنَّهُمَا حقيقتان متباينتان، إِن حَدِيث جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام جَاءَ على الْوَضع الْأَصْلِيّ بالتفرقة بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام. فالإيمان فِي اللُّغَة : التَّصْدِيق مُطلقًا، وَفِي الشَّرْع : التَّصْدِيق بقواعد الشَّرْع، وَالْإِسْلَام فِي اللُّغَة "الاستسلام والانقياد"،

وَمِنْه: قَوْله تَعَالَى {قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا}،

وَفِي الشَّرْع: الانقياد فِي الْأَفْعَال الظَّاهِرَة الشَّرْعِيَّة، لَكِن الشَّرْع توسع، فاطلق الْإِيمَان على الْإِسْلَام فِي حَدِيث وَفد عبد الْقَيْس، وَقَولِه " الْإِيمَان بضع وَسَبْعُونَ بَابا أدناها إمَاطَة الْأَذَى عَن الطَّرِيق"،

وَأطلق الْإِسْلَام يُرِيد بِهِ الْأَمريْنِ قَالَ الله تَعَالَى {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام}،...

الْخَامِس : فِيهِ وجوب الْإِيمَان بِهَذِهِ الْمَذْكُورَات فِي الحَدِيث.

السَّادِس : فِيهِ عظم مرتبَة هَذِه الْأَركان الَّتِي فسر الْإِسْلَام بهَا،

السَّابِع : فِيهِ جَوَاز قَول رَمَضَان بِلَا شهر،

الثَّامِن : فِيهِ غظم مَحل الْإِخْلَاص والمراقبة،

التَّاسِع : (لَا أَدْرِي) من الْعلم وَالِاعْتِرَاف بِعَدَمِ الْعلم وَإِن ذَلِك لَا ينقصهُ وَلَا يزِيل مَا عرف من جلالته بل ذَلِك دَلِيل على ورعه وتقواه ووفور علمه وَعدم يبجحه بِمَا لَيْسَ عِنْده،

الْعَاشِر : فِيهِ دَلِيل على تمثل الْمَلَائِكَة بِأَيّ صُورَة شاؤا من صور بني___آدم كَقَوْلِه تَعَالَى {فتمثل لَهَا بشرا سويا} وَقد كَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يتَمَثَّل بِصُورَة دحْيَة وَلم يره النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا غير مرَّتَيْنِ.___

الْحَادِي عشر : قَالَ الْقُرْطُبِيّ : "هَذَا الحَدِيث يصلح أَن يُقَال لَهُ أم السّنة لما تضمن من جملَة عِلّة السّنة". وَقَالَ الطَّيِّبِيّ : "لهَذِهِ النُّكْتَة، استفتح بِهِ الْبَغَوِيّ كِتَابَه "المصابيح وَشرح السّنة" اقْتِدَاءً بِالْقُرْآنِ فِي افتتاحه بِالْفَاتِحَةِ، لِأَنَّهَا تَضَمَّنت عُلُوم الْقُرْآن إِجْمَالا،

وَقَالَ القَاضِي عِيَاض : "اشْتَمَل هَذَا الحَدِيث على جَمِيع وظائف الْعِبَادَات الظَّاهِرَة والباطنة من عُقُود الْإِيمَان ابْتِدَاء وَحَالا ومآلا وَمن أَعمال الْجَوَارِح وَمن إخلاص السرائر والتحفظ من آفَات الْأَعْمَال حَتَّى أَن عُلُوم الشَّرِيعَة كلهَا رَاجِعَة إِلَيْهِ ومتشعبة مِنْهُ."

الثَّانِي عشر : فِيهِ دَلِيل على أَن رُؤْيَة الله _تَعَالَى_ فِي الدُّنْيَا بالأبصار غير وَاقعَة،

فَإِن قلت : فالنبي _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_ قد رَآهُ،

قلت : قَالَ بَعضهم : "وَأما النَّبِي _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_، فَذَاك لدَلِيلٍ آخرَ."

قلت : رُؤْيَة النَّبِي _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_ ربه _عز وَجل_ لم يكن فِي دَار الدُّنْيَا، بل كَانَت فِي الملكوت الْعليا، وَالدُّنْيَا لَا تطلق عَلَيْهَا،

وَالدَّلِيل الصَّرِيح على عدم وُقُوع رُؤْيَة الله تَعَالَى بالأبصار فِي الدُّنْيَا : مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي أُمَامَة قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام " وَاعْلَمُوا أَنكُمْ لن تروا ربكُم حَتَّى تَمُوتُوا "

وَأما الرُّؤْيَة فِي الْآخِرَة فمذهب أهل الْحق أَنَّهَا وَاقعَة بالأبصار.

 

وَقَالَ ابْن الْمُنِير : "فِيهِ دلَالَة على أَن السُّؤَال الْحسن يُسمى علما وتعليما لِأَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لم يصدر مِنْهُ سوى السُّؤَال وَمَعَ ذَلِك فقد سَمَّاهُ معلما وَقد اشْتهر قَوْلهم. السُّؤَال نصف الْعلم (الأسئلة والأجوبة)."

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 60)

هذا حديث عظيم، مشتمل على جميع الأعمال الظاهرة والباطنة. وعلومُ الشريعة راجعة إليه، فهو كالأمَّ للسُّنَّة. كما سُمَّيت الفاتحة: أم القرآن." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 289)

وَحَاصِله الْحَث على كَمَال الْإِخْلَاص فِي الْعِبَادَة وَنِهَايَة المراقبة فِيهَا[21]

 

شرح النووي على مسلم (1/ 157)

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)

هَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ أَحَدَنَا قَامَ فِي عِبَادَةٍ وَهُوَ يُعَايِنُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَحُسْنِ السَّمْتِ وَاجْتِمَاعِهِ بِظَاهِرِهِ___وَبَاطِنِهِ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِتَتْمِيمِهَا عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهَا إِلَّا أَتَى بِهِ،

فَقَالَ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ : اعْبُدِ اللَّهَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكَ كَعِبَادَتِكَ فِي حَالِ الْعِيَانِ، فَإِنَّ التَّتْمِيمَ الْمَذْكُورَ فِي حَالِ الْعِيَانِ إِنَّمَا كَانَ لِعِلْمِ الْعَبْدِ بِاطِّلَاعِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ،

فَلَا يُقْدِمُ الْعَبْدُ عَلَى تَقْصِيرٍ فِي هَذَا الْحَالِ لِلِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ مَعَ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْعَبْدِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ. فَمَقْصُودُ الْكَلَامِ : الْحَثُّ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ وَمُرَاقَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي إِتْمَامِ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ." اهـ[22]

 

شرح النووي على مسلم (1/ 158)

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)

فِيهِ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ وَالْمُفْتِي وَغَيْرِهِمَا إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ: (لَا أَعْلَمُ)، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُهُ، بَلْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وَرَعِهِ وَتَقْوَاهُ وَوُفُورِ عِلْمِهِ وَقَدْ بَسَطْتُ هَذَا بِدَلَائِلِهِ وَشَوَاهِدِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْخَيْرِ لَا بُدَّ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مِنْ مَعْرِفَةِ مِثْلِهَا وَإِدَامَةِ النَّظَرِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَم." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (1/ 199) لابن هبيرة:

* في هذا الحديث من الفقه: أن من الناس من يقرأ القرآن ويتقفر العلم إلا أنه إذا كان ذا خلل في عقيدته أو ذاهبًا في بدعة في الدين فإنه لا يصعد له عمل، وإن نفقتهم غير مقبولة، والذي منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم سواء عقائدهم؛ لأن العقائد هي الأس، ولا يرفع بناء ليس أسه على تقوى من الله ورضوان.

وفي قوله: (تقوى من الله ورضوان)، دليل على أن التقوى رهن على أن تقبل فيضم إليها الرضوان.

* وفيه أيضًا من الفقه أن كل قائل (إن الأمر أنف وأن لا قدر)، أي لم يسبق قدر الله وعلمه؛ فإنه ضال.

* وفيه أيضًا: أنه ينبغي للعالم أن يبسط السائل ويدينه ليتمكن من السؤال غير هائب ولا متقبض؛ ألا تراه يقول: (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه).

* وفيه أيضًا: أن من توفيق السائل إذا سأل في ملأ أن يسأل عن مسألة تعمه وتعم الحاضرين، كما سأل جبريل فقال: ما الإسلام؟ فلما أخبره بأركانه قال :___صدقت، وقد كان ذلك من الله سبحانه وتعالى في تثبيت قلوب المسلمين حتى استنفذ المسائل وإلا فتصديقه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد سؤاله إياه دليل واضح في أنه لم يسأله عن جهل وإنما سأله ليعلم.

* وفي هذا أيضًا من الفقه: أن من طرق التعليم أن يسأل العالم من مسألة وهو يعرفها ليجاب عنها بمشهد غيره فيتعلم تلك المسألة من لم يعلمها.

* وفيه أيضًا من الفقه: أن الإيمان درجة ومقام في الإسلام، وأنه لا يوصف بالألف واللام اللتين للتعريف إلا أن يكون إيمانًا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر (63/ أ) والقدر كله خيره وشره.

* وفيه أيضًا من الفقه: أن الإسلام والإيمان إذا حصل لعبد اقتضيا درجة الإحسان، وهو استشعار قرب الله تعالى من عبده وأن يعبده كأنه يراه، وإن لم يقو على تلك الرتبة فليعبده، معتقدًا أن الله تعالى يراه.

* وفيه أيضًا: جواز أن يسأل الإنسان العالم عما يعلم أنه لا يعلمه ليرد عليه جوابًا يسكت الناس عن التعرض للسؤال عن ذلك، لقوله: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل).

* وفيه أيضًا: أن أشراط الساعة إذا علمها الإنسان كانت مما يزيد حذره.

والذي أراه في حكمة الله عز وجل في إخفاء علم الساعة: أنها مقام إنصاف لكل مظلوم، وارتجاع لكل مغصوب، وإيتاء كل ذي فضل فضله، وإيصال كل ذي حق حقه، ولقاء كل مشوق لمن يشتاقه، فهي من حيث اقتضاء وعد الله وعدله كالمخوف هجومها صباح مساء من حيث حكمة الله في خلقه، وإنها هي الواحدة القاضية ليس بعدها غيرها، وإن الخلائق محبوس أولهم ليلحق آخرهم، وإن___عظمة الله سبحانه وتعالى، وما أوسع في خلقه علمها لابد أن تكون وتوجد، فإنه لابد من كون ذلك ووجوده؛ ليتكامل الخلائق، ليجتمع الآخرون بالأولين، ويشمل الحشر من عدد الخلائق لما لا يتعرض فكر مخلوق للطمع في حصره إظهارًا لملك الله عز وجل وقوة سلطانه بحيث إن حال يوم القيامة في العظمة يكون كل لحظة منه مضاهية كل عظمة كانت في الدنيا، ويثبت من عظمة الرب سبحانه وتعالى في قلوب خلقه إذا شاهدوا يوم القيامة، ورأوا إحياء الموتى والتقاء الأولين والآخرين، وأحيي كل عظم رفات، وكل دابة، وكل ذي جناح، وأخبر الله عز وجل كل واحد من خلقه بكل حركة تحركها وسكنة سكنها في مدة حياته، وأنه سبحانه وتعالى لم يعزب عن علمه مثقال ذرة، ولا عن قدرته صغيرة ولا كبيرة، وقامت سوق الحق وجيء بالنبيين والشهداء وأشرقت الأرض بنور ربها، ورأى المؤمنون انتصار حزب الحق يومئذ، وبان صدق ما آمنوا به في دنياهم وخسر هنالك الكافرون، وخزي المبطلون، وفاز المتقون فذلك يقتضي زيادة التوقع. وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - قد انتهى إليهم الأمر واستتب الشرع ولم يبق إلا العمل به، ولقد كان من أحسن ما حافظت به القلوب على عبادة الله تعالى، وأن لا يطول عليها الانتظار إخفاء وقت علم الساعة، فكل وقت لا يؤمن أن تقوم فيه الساعة، وكل زمان بين يديها فقد أعطيناه للعمل، ولذلك قال الله تعالى: {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها، والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد}، وأي يوم يوم القيامة؟

* وقوله: (أن تلد الأمة ربتها) يعني بها أن يكثر في الملوك التسري لكثرة الفتوح.

* وقوله: (أن ترى الحفاة العراة يتطاولون في البنيان) فالمعنى أن الدنيا تفتح عليهم، وهذا من أمارات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث أخبر بفتح الدنيا على أمته؛___وصدق - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبرنا به من ظهور العرب وملكهم." اهـ

 

الميسر في شرح مصابيح السنة للتُّورِبِشْتِي (1/ 40_43) :

"قوله عليه السلام (فأخبرني عن الساعة)

قد علم جبريل عليه السلام أن علم الساعة مما استأثر الله به___وإنما سأل عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ليسمع الأمة بما يجيب عنه فيعلموا أن العلوم المكنونة مع معرفة أماراتها بمعزل عن دركتها العقول فضلاً عن رجم الظنون فيقفوا على حد الأدب وينتهوا إلى معالم العبودية ولا يتطلعوا إلى___البحث عنه والخوض فيه.

وقد كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الساعة فانزل الله تعالى: (يسألونك عن___الساعة أيان مرساها). الآية وأنزل: (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله) الآية فلم يسأل عنها." اهـ

 

تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 33) للبيضاوي :

"والحكمة في هذا السؤال والجواب: هو الفصل بين ما يمكن معرفته ويحسن النظر فيه، وما لا يمكن، ولا يفيد الخوض فيه والسؤال___عنه، والإقناط الكلي لمن يطمع التطلع." اهـ

 

شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 29)

"وفيه: دليل على تحسين الثياب والهيئة والنظافة عند الدخول على العلماء والفضلاء والملوك، فإن جبريل أتى معلما للناس بحاله ومقاله." اهـ[23]

 

شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 29)

وقد استفيد من هذا الحديث: أن الإسلام والإيمان حقيقتان متباينتان لغة وشرعاً وهذا هو الأصل في الأسماء المختلفة، وقد يتوسع فيهما الشرع فيطلق أحدهما على الآخر على سبيل التجوز." اهـ

 

شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 31)

"ومذهب السلف وأئمة الخلف: أن من صدق بهذه الأمور[24] تصديقاً جازماً لا ريب فيه ولا تردد: كان مؤمنا حقا سواء كان ذلك عن براهين قاطعة أو عن اعتقادات جازمة." اهـ

 

شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 32) :

"وفي الحديث : كراهة ما لا تدعو الحاجة إليه من تطويل البناء وتشييده وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يؤجر ابن آدم في كل شيء إلا ما وضعه في هذا التراب"[25]. ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يضع حجراً على حجر ولا لبنة على لبنة: أي لم يشيد بناءه ولا طوله ولا تأنق فيه." اهـ[26]

 

التعيين في شرح الأربعين (1/ 50_51) لسليمان بن عبد القوي الطوفي (ت 716 هـ) :

البحث الثالث: قوله: "يا محمد أخبرني عن الإسلام" فيه فوائد:

الأولى: جواز تسمية المتعلم شيخه، والمرؤوس رئيسه باسمه، لكن قد غلب في العرف تسمية المشايخ والرؤساء بالأسماء الشريفة المفخمة، فينبغي اتباعه إلا أن يعلم أن الشيخ لا ينقبض من تسميته باسمه الأصلى، ولا يكون ذلك على سبيل الوضع منه،

فيكون ذلك هو الأولى اتباعا لهذه السنة وغيرها، ولأنه أقرب إلى التواضع وأولى بالصدق.

الثانية : أن للمسؤول من مفت وغيره أن يجيب عن السؤال معتمدا على ما فهم بالقرينة، وذلك لأن هذا السائل قال: "أخبرني عن الإسلام"،

وهو سؤال مجمل، يحتمل أن يكون عن حقيقة الإسلام، وعن شروطه، وعن أركانه، وعن زمانه ومكانه، وغير ذلك من لواحقه، ثم إنه عليه الصلاة والسلام أجابه بماهية الإسلام وحقيقته مبادرًا من غير استفسار، وما ذلك إلا لما فهمه بالقرينة من أنه سأل عن الماهية، ولأن القرائن كالنصوص فجاز الاعتماد عليها في الخطاب سؤالًا وجوابًا وشواهده كثيرة.

الثالثة : فيه دليل على أن الإسم غير المسمى لأن جبريل قال: ما الإسلام؟ ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ فأتى بأسمائها وأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعانيها، ولو كان الإسم هو المسمى لما احتاج إلى السوال عنه لعلمه به، ولما أجابه___النبي - صلى الله عليه وسلم - بل كان يقول له: إنك عالم بمسمى ما سألت عنه، لأنك عالم باسمه لتلفظك به.[27]

 

التعيين في شرح الأربعين (1/ 68) لنجم الدين الطوفي:

"وقوله _عليه الصلاة والسلام_ لعمر: "أتدري من السائل" إلى آخره،

فيه: دليل على استحباب تنبيه المعلم تلاميذه والرئيس مَنْ دونه على سائر فوائد العلم وغرائب الوقائع طلبا لنفعهم وفائدتهم." اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 38_39) للزيداني:

"وظهور جبريل - عليه السلام - على هذه الهيئة يدل على أشياء :

* أحدها: أن الملك ممكنٌ خروجُهُ بصورة البشر بأمر الله تعالى، وليس ذلك باختياره وقوله، بل بتصيير الله إياه على أيِّ شكل شاء الله.

* فإن قيل : هل يمكن لجميع الملائكة الخروجُ بصورة البشر أم لا؟

قلنا: هذا من علم الغيب، لا يعلمه أحدٌ إلَّا بطريق الوحي. وصاحبُ الوحي نبينا _عليه السلام_ أخبر عن نزول الملائكة على صورة البشر راكبين على الأفراس يوم البدر، ويوم حُنين، وفي غزوة الخندق، وغزوة بني قريظة،

فما وجدنا فيه نصًا نعتقده ونتحدث به، وما لم نجدْ فيه نصًا نَكِلُ علمه إلى الله تعالى وإلى الرسول، ولا نتكلم به،

ولا عبرة بأقوال الحكماء وأصحاب المعقول، فإن الدينَ سمعيٌّ عن صاحب الشريعة، وليس فيها للعقل استقلالٌ واهتداءٌ بنفسه دون إخبار صاحب الشريعة.

* والثاني : أن النظافةَ وبياضَ الثوب سنةٌ مرضية لله تعالى؛ لأنه لو لم يكن___مرضيًا لم يصيِّر الله تعالى جبريل على تلك الهيئة.

* والثالث : زمان طلب العلم هو زمان الشباب؛ لأن سواد الشعر يكون في زمان الشباب؛ فإن الشابَّ إذا صرف مدة من عمره في طلب العلم، تبقى مدة أخرى من عمره إلى زمان الشيخوخة يعمل بذلك العلم ويعلِّمه الناس.

وفي الجملة: طلبُ العلم قدرَ ما يعرف به الرجل صحةَ ما يجب عليه وفسادَه فريضةٌ على كل بالغ عاقل من الرجال والنساء والشبان والشيوخ،

وأما قدرُ ما زاد على ما يجبُ عليه، فمستحبٌّ أيضًا للشبان والشيوخ، إلا أنه في حق الشبان أكثر استحبابًا.

وفي الجملة: طلبُ العلم بقدرِ ما يصير الرجل صاحبَ الإفتاء والاجتهاد والقضاء فرضٌ على الكفاية، ينبغي أن يكون بكلِّ ناحية رجلٌ واحد بهذه الصفة حتَّى يفتيَ ويقضيَ ويقومَ ويحفظَ أمورَ الشرع، وإن لم يكن في ناحية واحدٌ بهذه الصفة، عصى جميعُ أهل تلك الناحية حتى يبلغَ واحدٌ منهم إلى هذه الصفة في العلم." اهـ

 

وقال ابن الملقن في "المعين على تفهم الأربعين" – ت. دَغَش (ص: 121_122)

والحديث: دالٌّ على أن الربَّ -جل جلاله- يُمَكِّن الملائكةَ أن يتَمَثَّلُوا فيما شاءوا مِن صُوَر بني آدم، كَمَا نصَّ الله على ذلك في قوله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17]. وقد كانَ جبريل يتمثَّل لنبينا _عليه أفضَل الصلاة والسلام_ في صُورةِ دِحْية بن خليفة، وقد رآهُ على هيئته مرتين،" اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 40) :

"وإنَّما جلس جبريل عند النبي _عليه السلام_ هكذا؛ ليتعلم الحاضرون كيفيةَ جلوس السائل عند المسؤول؛ لأن الجلوس على الركبة أقربُ إلى التواضع والأدب،[28]

واتصالُ ركبة السائل بركبة المسؤول يكون أبلغَ في استماع كلَّ واحدٍ من السائل والمسؤول كلامَ صاحبه، وأبلغَ في حضور القلب، وألزمَ في الجواب؛ لأن الجلوس على هذه الهيئة دليلٌ على شدة حاجة السائل إلى المسؤول، وتعلق قلبه واهتمامه إلى استماع الجواب،

فإذا عرف المسؤولُ هذا الحرصَ والاحتياجَ من السائل يُلزِم على نفسِهِ جوابَهُ، وبالغ في الجواب أكثر وأتم مما سأل السائل." اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 48) :

"اعلم أنه لا يرى أحدٌ اللهَ _تعالى_ في الدنيا، ومن قال: إن أحدًا يرى الله تعالى، فقد أخطأ، فإن النبي _عليه السلام_ قال: "فإنَّه لن يَرَى أحدُكم ربَّه حتَّى يموتَ"[29]،

وقال عليه السلام أيضًا: "الموتُ قبلَ لقاءِ الله تعالى"[30]، وهذا إجماعُ أهل العلم، ومن قال بخلاف هذا، فهو جاهل،

وتجوز رؤية الله تعالى في النوم.

والأصحُّ أن رسول الله _عليه السلام_ رأى ليلة المعراج، وهو مخصوصٌ به _عليه السلام_، لم تكن لأحد قبله، ولا تكون لأحد بعده في الدنيا." اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 51):

"من علامات القيامة: أنْ ترى أهل البادية ممن ليس لهم لباس جميل ولا مَداسٌ، بل كانوا رعاء الإبل والشاء يتوطَّنون في البلاد، ويتخذون العقار، ويبنون الدور والقصور المرتفعة.[31]

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 53) :

"وقوله عليه السلام: "أتاكم يعلمكم دينكم" يدُّل على أشياء:

* أحدها: أن السؤالَ عن مسألة تعلم أن السامعين يحتاجون إليها مستحبٌّ اقتداءً بجبريل عليه السلام.

* والثاني: أن العالم لا يجب عليه تعليمُ الناس إلا إذا سأله أحدٌ عن مسألة يحتاج إليها، أو رأى أحدًا يعمل أو يقول منهيًا، فيلزمه حينئذ تعليمه ما هو الحقُّ؛ لأن النبي - عليه السلام - لم يُعلِّم الصحابةَ ما سأل جبريل قبل سؤال جبريل.

وهذا إذا ظن العالم أن الحاضرين عنده والمترددين إليه يعلمون ما هو فرضٌ عليهم، أما إذا علم أنهم لا يعلمون ما هو فرضٌ عليهم، فيجب عليه أن يعلمهم الفرائض.

* والثالث: أن الرجل إذا ظن أنه لم يجب عليه شيءٌ غير ما علم، لم يأثمْ بترك تعلم غير ما علم؛ لأن رسول الله - عليه السلام - ما عاب الصحابة وما نسبهم إلى الإثم بترك سؤالهم عما سأل جبريل قبل سؤال جبريل." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 126):

"فَقَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فِي تَفْسِيرِ الْإِحْسَانِ : (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)، إِلَخْ.

يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْعَبْدَ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَهِيَ اسْتِحْضَارُ قُرْبِهِ وَأَنَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْخَشْيَةَ وَالْخَوْفَ وَالْهَيْبَةَ وَالتَّعْظِيمَ،

كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ» .

وَيُوجِبُ أَيْضًا النُّصْحَ فِي الْعِبَادَةِ، وَبَذْلَ الْجَهْدِ فِي تَحْسِينِهَا وَإِتْمَامِهَا وَإِكْمَالِهَا. وَقَدْ وَصَّى النَّبِيُّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ." اهـ[32]

 

ورد حديث جبريل في رواية أبي داود في سننه (4/ 225) (رقم : 4698) النسائي في سننه (8/ 101) (رقم : 4991)  :

عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا:

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَصْحَابِهِ، فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ فَلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ، فَطَلَبْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ،

قَالَ: فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا مِنْ طِينٍ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَكُنَّا نَجْلِسُ بِجَنْبَتَيْهِ، وَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْخَبَرِ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ فَذَكَرَ هَيْئَتَهُ، حَتَّى سَلَّمَ مِنْ طَرَفِ السِّمَاطِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ: «فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

 

قال ابن الْمُلقِّن _رحمه الله_ في "المعين على تفهم الأربعين"، ت. دغش (ص: 102_103) معلقا رواية أبي داود والنسائي عن أبي ذر وأبي هريرة المذكورة في المربع :

"وفيه خمسُ فوائِدَ :

* ابتِداءُ الدَّاخل بالسَّلام؛

* وإقبَالُهُ على رأسِ القَوْم، حيثُ قال: "السَّلامُ عليكم"، فَعَمَّ، ثم قال: "يا محمد"! فَخَصَّ.[33]

* والاستئذانُ في القُرب مِن الإِمَام مِرارًا، وإن كانَ الإمامُ في مَوْضِعٍ مَأْذُونٍ في دُخوله.

* وتَرْكُ الاكتفاء بالاستئذان مَرَّةً أو مرَّتين علي جِهَةِ التعظيم والاحتِرام،

* وجَوازُ اختصاص العالِم بِمَوْضِعٍ مُرْتَفِع مِنَ المَسْجِد إذا دَعَت إلي ذلِكَ ضرورة تعليم أو غيره." اهـ

 

المعين على تفهم الأربعين ت دغش (ص: 103) لابن الملقن:

"لا بُدَّ مِن مجموع الشَّهَادَتين في الإسلام، فإن اقتَصَرَ علي إِحدَاهُما لم يكفِ." اهـ

 

المعين على تفهم الأربعين ت دغش (ص: 114)

ينبغي للعالِم والمُفْتِي وغيرهما إذا سُئِلَ عما لا يعلم فليقل: لا أعلم. وأنَّ ذلك لا ينقصه، بل يُسْتَدَلُّ به على ورعِه وتقواه ووُفور عِلْمِه.

 

المعين على تفهم الأربعين ت دغش (ص: 119_120) :

"والقَصْدُ مِن الحديث: الإخبارُ عن تبدُّلِ الحالِ، بأن يستولي أهلُ البادِيَة الذينَ هذهِ صِفاتُهُم على أهلِ الحاضِرة، ويَتَمَلَّكُوا بالقَهْر والغَلَبَة، فَتكثر أموالُهُم، وتتَّسِع في الحُطَام آمالهم، فَتَنْصَرف همَّتُهم إلى تشييد المباني، وهَدْمِ الدِّين وشريف المعاني، وقد جاءَ في الحديث: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يَكونَ أسعَدَ الناس بالدُّنْيَا لُكَعُ بنُ لُكَع"[34]___

وقَدْ شُوهِدَ ذلِكَ وبَانَ صِدقُ الشَّارع فيما هنالك، فإذا صار أسافِلُ الناس رؤوسًا فقد طاب المَوْتُ، وإذا وُسِّدَ الأمر إلى غيرِ أهلِهِ فانتظِر السَّاعة، فقد فاتَ الفَوْت." اهـ

 

شرح المصابيح لابن الملك (1/ 20):

"فيه: إرشادٌ إلى استحباب النظافة بأبلغ الوجوه في مجالس السادات والعلوم، واستحباب البياض في الثياب.

"شديد سواد الشعر": بالإضافة أيضًا.

وفيه: إرشادٌ إلى أن العلم ينبغي أن يُطلَب في عنفوان الشباب؛ لأن سواد الشعر يكون في زمان الشباب." اهـ

 

شرح المصابيح لابن الملك (1/ 20)

"لا يُرى عليه أثر السفر": من شعث وقشف ونحوهما.

فيه إشار إلى أن إزالة أثرِ السفرِ مقدَّمٌ على حضور مجالس السادات." اهـ

 

شرح المصابيح لابن الملك (1/ 21)

"وأسندَ ركبتيه إلى ركبتيه"؛ أي: ألصقهما إلى رُكبتي النبي _صلى الله عليه وسلم_. فيه: إشارةٌ إلى أن هذه الجلسة كانت كجلسة المتشهد، إلا أنه كان مفترش القدمين يتحقق إسناد الركبتين." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 56)

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: هَذَا الْحَدِيثُ بَيَانُ أَصْلِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ، وَالْإِسْلَامِ، وَهُوَ الِانْقِيَادُ، وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَإِنَّمَا أَضَافَ إِلَيْهِمَا الْأَعْمَالَ الْمَذْكُورَةَ؛ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ شَعَائِرِهِ، ثُمَّ قِيلَ: الْإِيمَانُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ قَيْسٍ، وَاسْمُ الْإِسْلَامِ يَتَنَاوَلُ أَصْلَ الْإِيمَانِ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ، وَالطَّاعَاتُ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ اسْتِسْلَامٌ فَعُلِمَ أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ، وَيَفْتَرِقَانِ، وَأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَهَذَا التَّحْقِيقُ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ اهـ.

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 228)

(ثم قال: يا عمر أتدري من السائل)

* فيه ندب تنبيه العالم تلامذته والكبير من دونهم على فوائد العلم وغرائب الوقائع طلباً لنفعهم وتيقظهم

(قلت: الله ورسوله أعلم)

* فيه ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من حسن الأدب معه يرد العلم إلى الله وإليه،

* وأنه ينبغي لمن سئل عما لا يعلم أن يقول ذلك كما تقدمت الإشارة إليه." اهـ

 

التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية (ص: 10_11) إسماعيل بن محمد الأنصاري (المتوفى: 1417هـ) :

"يستفاد منه :

1 - تحسين الثياب والهيئة والنظافة عند الدخول على الفضلاء، فإن جبريل أتى معلما للناس بحاله ومقاله.

2 - الرفق بالسائل وإدناؤه، ليتمكن من السؤال غير منقبض ولا هائب.

3 - سؤال العالم مالا يجهله السائل، ليعلمه السامع.

4 - بيان الإسلام والإيمان والإحسان، وتسميتها كلها دينا.

5 - التفرقة بين مسمى الإسلام، ومسمى الإيمان، حيث جعل الإسلام في الحديث اسما لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسما لما بطن منها،

وقد جمع العلماء بين هذا وبين ما دلت عليه النصوص المتواترة من كون الإيمان قولا وعملا، بأن هذين الاسمين إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر، ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده،___وإذا قرن بينها دل أحدهما على بعض ما يدل عليه بانفراده ودل الآخر على الباقي.

6 - وجوب الإيمان بالقدر، وهو على درجتين إحداهما _ الإيمان بأن الله سبق في علمه ما يعلمه العباد من خير وشر وطاعة ومعصية قبل خلقهم وإيجادهم، ومن هو منهم من أهل الجنة، ومن هو منهم من أهل النار، وأعد لهم الثواب والعقاب جزاء لأعمالهم قبل خلقهم وتكوينهم وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه. الثانية _ أن الله خلق أفعال العباد كلها من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان. وشاءها منهم، ومع ذلك لا يحتج به في المعاصي.

7 - أن وقعة قيام الساعة مما استأثر الله بعلمه.

8 - أن العالم إذا سئل عما لا يعلم يصرح بأنه لا يعلمه. ولا يعبر بعبارات مترددة بين الجواب والاعتراف بعد م العلم، وأن ذلك لا ينقصه، بل هو دليل على ورعه وتقواه، وعد تكثره بما ليس عنده.

9 - أن من أشراط الساعة انعكاس الأمور بحيث يصير المربي مربيا. والسافل عاليا.

10 - أن السؤال الحسن يسمى علما وتعليما، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في جبريل: (يعلمكم دينكم، مع أنه لم يصدر منه سوى السؤال)." اهـ

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 56)

من فوائد هذا الحديث:

هذا الحديث فيه فوائد كثيرة، فلو أراد الإنسان أن يستنبط مافيه من الفوائد منطوقاً ومفهوماً وإشارة لكتب مجلداً، لكن نشير إشارة قليلة إلى ما يحضرنا إن شاء الله تعالى، فمنها:

1_بيان حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يجلس مع أصحابه ويجلسون إليه، وليس ينفرد ويرى نفسه فوقهم، بل إن الجارية تأخذ بيده حتى توصله إلى بيتها ليحلب لها الشاة من تواضعه صلى الله عليه وسلم_[35] ___

واعلم أنك كلما تواضعت لله ازددت بذلك رفعة، لأن من تواضع لله رفعه الله عزّ وجل.

2_جواز جلوس الأصحاب إلى شيخهم ومن يفوقهم، لكن هذا بشرط: إذا لم يكن فيه إضاعة وقت على الشيخ ومن يفوقه علماً. لأن بعض الناس يأتي إلى من يحافظ على وقته ويستغله في العلم، فيجلس عنده ويطيل الحديث،

فالمحافظ على وقته، يتململ ويوري مثلاً بقصر الليل أو ما أشبه ذلك، ولكن الآخر لشدة محبته له والتحدث إليه يبقى.

3_إن الملائكة _عليهم السلام_ يمكن أن يتشكلوا بأشكال غير أشكال الملائكة، لأن جبريل أتى بصورة هذا الرجل كما جاء في الحديث.

فإن قال قائل: وهل هذا إليهم، أو إلى الله عزّ وجل؟

فالجواب: هذا إلى الله عزّ وجل، بمعنى: أنه لايستطيع الملك أن يتزيَّى بزيّ الغير إلا بإذن الله _عزّ وجل_.

4_الأدب مع المعلم كما فعل جبريل عليه السلام، حيث جلس أمام النبي صلى الله عليه وسلم جلسة المتأدب ليأخذ منه.

5_جواز التورية لقوله: (يا مُحَمَّد)،

وهذه العبارة عبارة الأعراب، فيوري بها كأنه أعرابي، وإلا فأهل المدن المتخلقون بالأخلاق الفاضلة لاينادون الرسول _صلى الله عليه وسلم_ بمثل هذا.

6_فضيلة الإسلام، وأنه ينبغي أن يكون أول ما يسأل عنه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرسل الرسل للدعوة إلى الله أمرهم أن يبدؤوا قبل كل شيء بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

7_إن أركان الإسلام هي هذه الخمسة، ويؤيده حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْس وسيأتي شرحه.[36]____

8_فضل الصلاة وأنها مقدمة على غيرها بعد الشهادتين.

9_الحث على إقامة الصلاة، وفعلها قويمة مستقيمة، وأنها ركن من أركان الإسلام.

10_إن إيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من أركان الإسلام، وكذلك بقية الأركان.___

11_الانتقال من الأدنى إلى الأعلى، فالإسلام بالنسبة للإيمان أدنى، لأن كل إنسان يمكن أن يسلم ظاهراً، كما قال الله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (الحجرات: الآية14) لكن الإيمان - اللهم حقق إيماننا- ليس بالأمر الهين فمحله القلب والاتصاف به صعب.

12_أن الإسلام غير الإيمان، لأن جبريل عليه السلام قال: أخبرني عن الإسلام وقال: أخبرني عن الإيمان وهذا يدل على التغاير.

وهذه المسالة نقول فيها ما قال السلف:

إن ذكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام، وإن ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان،

فقوله تعالى: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) (المائدة: الآية3) يشمل الإيمان،

وقوله تعالى: (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) (آل عمران: الآية20) يشمل الإيمان.

كذلك الإيمان إذا ذكر وحده دخل فيه الإسلام، قال الله تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف: الآية13) بعد أن ذكر (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) (الصف: الآية11) قال: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف: 13.

أما إذا ذكرا جميعاً فيفترقان، ويكون الإسلام بالأعمال الظاهرة من أقوال اللسان وعمل الجوارح، والإيمان بالأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها. مثاله: هذا الحديث الذي معنا، ويدل على التفريق قول الله عزّ وجل: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات: الآية14) .___

13_أن أركان الإيمان ستة كما سبق، وهذه الأركان تورث للإنسان قوة الطلب في الطاعة والخوف من الله عزّ وجل.

14_أن من أنكر واحداً من هذه الأركان الستة فهو كافر، لأنه مكذّب لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

15_إثبات الملائكة وأنه يجب الإيمان بهم.____

16_أنه لابد من الإيمان بجميع الرسل، فلو آمن أحد برسوله وأنكر من سواه فإنه لم يؤمن برسوله، بل هو كافر، واقرأ قول الله عزّ وجل: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء: 105)

مع أنهم إنما كذبوا نوحاً ولم يكن قبله رسول، لكن تكذيب واحد من الرسل تكذيب للجميع. وكذلك تكذيب واحد من الكتب في أنه نزل من عند الله تكذيب للجميع.

17_إثبات اليوم الآخر الذي هو يوم القيامة الذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاء، حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم.

وقد أنكر البعث كل المشركين، قال الله _عزّ وجل_ :

(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (يّس: 78) أي يتفتت،

فأجاب الله عزّ وجل بأن أمر نبيه أن يقول: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يّس: 79)

فهذا دليل، ووجه كونه دليلاً: أن القادر على الإيجاد قادر على الإعادة،

وقال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه) (الروم: الآية27)

فإذا كان ابتداء الخلق هيناً وأنتم أيها المشركون تقرون به فإعادته أهون، والكل هين على الله _عزّ وجل_ وهذا الدليل الأول في الرد على منكري البعث."

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 73_74)

ومن فوائد هذا الحديث:

19_أن القدر ليس فيه شر، وإنما الشر في المقدور، وتوضيح ذلك بأن القدر بالنسبة لفعل الله كله خير، ويدل لهذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: وَالشّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ (1) أي لاينسب إليك، فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شرٌّ أبداً، لأنه صادر عن رحمة وحكمة، لأن الشر المحض لا يقع إلا من الشرير، والله تعالى خير وأبقى.

إذاً كيف نوجّه وتؤمن بالقدر خيره وشرّه؟

الجواب: أن نقول: المفعولات والمخلوقات هي التي فيها الخير والشر، أما أصل فعل___الله تعالى وهو القدر فلا شرّ فيه، مثال ذلك: قول الله عزّ وجل: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) (الروم: الآية41) هذا بيان سبب فساد الأرض، وأما الحكمة فقال: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: الآية41) إذن هذه مصائب من جدب في الأرض ومرض أو فقر، ولكن مآلها إلى خير، فصار الشرّ لايضاف إلى الرب، لكن يضاف إلى المفعولات والمخلوقات مع أنها شر من وجه وخير من وجه آخر، فتكون شراً بالنظر إلى ما يحصل منها من الأذية، ولكنها خير بما يحصل منها من العاقبة الحميدة (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41) ." اهـ

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 76) :

20_أن الساعة لا يعلمها أحد إلا الله عز وجل، لأن أفضل الرسل من الملائكة سأل أفضل الرسل من البشر عنها، فقال: ما المَسْؤولُ عَنْهَا بَأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ.

ويترتب على هذه الفائدة أنه لو صدَّق أحد من الناس شخصاً ادعى أن الساعة تقوم في الوقت الفلاني، فإنه يكون كافراً، لأنه مكذب للقرآن والسنة.

21_عظم الساعة، ولهذا جاءت لها أمارات وعلامات حتى يستعد الناس لها - رزقنا الله وإياكم الاستعداد لها -.

22_أننا إذا كنا لا نعلم الشيء فإننا نطلب ما يكون من علاماته، لأن جبريل عليه السلام قال: أخبرني عن أماراتها.

23_ضرب المثل بما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: أن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وفي لفظ: ربَّهَا والعلامة الثانية: أنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رُعَاءَ الشَّاءِ يَتْطَاوَلُوْنَ فَي البُنْيَانِ.

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 77_78) :

24_أن الملائكة يمشون إذا تحولوا إلى بشر، لقوله: ثم انْطَلَقَ

25_إلقاء العالم على طلبته ما يخفى عليهم، لقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: (أَتَدْرُوْنَ مَنِ السَّائِل).

26_أن السائل عن العلم يكون معلماً لمن سمع الجواب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإنه جبريل أَتَاكُم يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ مع أن الذي علمهم النبي صلى الله عليه وسلم لكن لما كان سؤال جبريل هو السبب جعله هو المعلم.

ويتفرع على هذا: أنه ينبغي لطالب العلم إذا كان يعلم المسألة وكان من المهم معرفتها أن يسأل عنها وإن كان يعلمها، وإذا سأل عنها وأجيب صار هو المعلم.

27_أن السبب إذا بني عليه الحكم صار الحكم للسبب، ولهذا ذكر العلماء لهذه القاعدة مسائل كثيرة منها:

لو شهد رجلان على شخص بما يوجب قتله من ردة أو حرابة، ثم حكم القاضي بذلك ثم رجعوا وقالوا: تعمدنا قتله، فإن هؤلاء الشهود يقتلون، لأن الحكم مبني على شهادتهم وهم السبب.___

28_أن ما ذكر في هذا الحديث هو الدين، لقوله: يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ ولكن ليس على سبيل التفصيل، بل على سبيل الإجمال." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 482_484) للعثيمين :

وفي هذا الحديث من الفوائد : ___

1_ إلقاء السائل علي الطلبة ليمتحنهم، كما القي النبي عليه الصلاة والسلام_ المسالة علي عمر رضي الله عنه.

2_ وفيه أيضا: جواز قول الإنسان: (الله ورسوله أعلم)، ولا يلزمه إن يقول: الله ثم رسوله اعلم، لان علم الشريعة الذي يصل إلى النبي _ عليه الصلاة والسلام_ من علم الله، فعلم الرسول من علم الله_ سبحانه وتعالى_ فصح إن يقال: الله ورسوله اعلم، كما قال الله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) (التوبة: من الآية59) ،

ولم يقل: ثم رسوله، لان الإيتاء هنا إيتاء شرعي، وإيتاء النبي صلي الله عليه وسلم الشرعي من إيتاء الله. فالمسائل الشرعية يجوز إن تقول: الله ورسوله، بدون (ثم) أما المسائل الكونية، كالمشيئة وما أشبهها، فلا تقال: الله ورسوله، بل: الله ثم رسوله، ولهذا لما قال رجل للنبي صلي الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. قال: ((اجعلني لله ندا، بل ما شاء الله وحده))،

3_ وفي هذا دليل علي إن السائل إذا سال عن شئ يعلمه من أجل أن ينتفع الآخرون فانه يكون معلما لهم، لا الذي أجاب: النبي_ عليه الصلاة والسلام_ وجبريل سائل لم يعلم الناس، لكن كان سببا في هذا الجواب الذي ينتفع به الناس.

فقال بعض العلماء: انه ينبغي لطالب العلم إذا جلس إذا مع عالم في مجلس إن يسال عن المسائل التي تهم الحاضرين وان كان يعلم حكمها،___من اجل إن ينفع

الحاضرين ويكون معلما لهم.

4_ وفي هذا دليل علي بركة العلم، وان العلم ينتفع به السائل والمجيب، كما قال هنا: ((يعلمكم دينكم)) .

5_ وفيه أيضا دليلا إن هذا الحديث حديث عظيم يشتمل علي الدين كله، ولهذا قال: ((يعلمكم دينكم)) لأنه مشتمل علي أصول العقائد وأصول الأعمال. أصول العقائد وأصول الأعمال هي أركان الإسلام الخمسة. والله الموفق." اهـ

 

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 17)[37]:

"في حديث جبريل دليل على أنَّ الملائكةَ تأتي إلى البشر على شكل البشر،

ومثل ذلك ما جاء في القرآن من مجيءِ جبريل إلى مريم في صورة بشر، ومجيءِ الملائكة إلى إبراهيم ولوط في صورة بشر، وهم يتحوَّلون بقدرة الله عزَّ وجلَّ عن الهيئة التي خُلقوا عليها إلى هيئة البشر، وقد قال الله عزَّ وجلَّ في خلق الملائكة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} ، وفي صحيح البخاري (4857) ، ومسلم (280) أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى جبريل وله ستمائة جناح." اهـ

 

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 17) :

"في مجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلوسه بين يديه بيان شيء من آداب طلبة العلم عند المعلِّم، وأنَّ السائلَ لا يقتصر سؤاله على أمور يجهل حكمها، بل ينبغي له أن يسأل غيره وهو عالم بالحكم ليسمع الحاضرون الجواب،

ولهذا نسب إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث التعليم، حيث قال: "فإنَّه جبريل أتاكم يعلِّمكم دينكم"، والتعليم حاصل من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأنَّه المباشر له، ومضاف إلى جبريل؛ لكونه المتسبِّب فيه." اهـ

 

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 27_28) :

"وعلامات الساعة تنقسم إلى قسمين: علامات قريبة من قيامها، كخروج الشمس من مغربها، وخروج الدجَّال، وخروج يأجوج ومأجوج، ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء وغيرها، وعلامات قبل ذلك، ومنها العلامتان المذكورتان في هذا الحديث." اهـ

 

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 28)

مِمَّا يُستفادُ من الحديث :

1_ أنَّ السائلَ كما يسأل للتعلُّم، فقد يسأل للتعليم، فيسأل مَن عنده علم بشيء من أجل أن يسمع الحاضرون الجواب.

2_ أنَّ الملائكةَ تتحوَّل عن خِلقتِها، وتأتي بأشكال الآدميِّين، وليس في هذا دليل على جواز التمثيل الذي اشتهر في هذا الزمان؛ فإنَّه نوعٌ من الكذب، وما حصل لجبريل فهو بإذن الله وقدرته.

3_ بيان آداب المتعلِّم عند المعلِّم.

4_ أنَّه عند اجتماع الإسلام والإيمان يُفسَّر الإسلام بالأمور الظاهرة، والإيمان بالأمور الباطنة.

5_ البدء بالأهمِّ فالأهمِّ؛ لأنَّه بُدىء بالشهادَتين في تفسير الإسلام، وبدىء بالإيمان بالله في تفسير الإيمان.___

6_ أنَّ أركان الإسلام خمسة، وأنَّ أصولَ الإيمان ستة.

7_ أنَّ الإيمان بأصول الإيمان الستة من جملة الإيمان بالغيب.

8_ بيان التفاوت بين الإسلام والإيمان والإحسان.

9_ بيان علوِّ درجة الإحسان.

10_ أنَّ علم الساعة مِمَّا استأثر الله بعلمه.

11_ بيان شيء من أمارات الساعة.

12_ قول المسئول لِمَا لا يعلم: الله أعلم." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (37/ 204_205)

فِي فوائده:

(منها) : ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان نعت الإسلام.

(ومنها) : أن فيه أن الملك يجوز أن يتمثل لغير النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فيراه، ويتكلم بحضرته، وهو يسمع، وَقَدْ ثبت عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما أنه كَانَ يسمع كلام الملائكة.

(ومنها) : أن فيه دليلاً عَلَى أن الله تعالى مكّن الملائكة منْ أن يتمثّلوا فيما شاءوا منْ صور بني آدم، كما نصّ الله عز وجل عَلَى ذلك فِي قوله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17] وَقَدْ كَانَ جبريل -عليه السلام- يتمثل للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي صورة دحية بن خليفة الكلبيّ -رضي الله عنه-، وَقَدْ كَانَ لجبريل صورة خاصّة، خُلق عليها، لم يره النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عليها غير مرّتين، كما صح الْحَدِيث بذلك. قاله فِي "المفهم" 1/ 152.

(ومنها) : استحباب تحسين الثياب والهيئة، والنظافة عند الدخول عَلَى العلماء، والفضلاء، والملوك، فإن جبريل -عليه السلام- أتى معلّمًا للناس، كما أخبر به النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فيكون تعليمه بحاله، ومقاله.

(ومنها) : ابتداء الداخل بالسلام عَلَى جميع منْ دخل عليهم، وإقباله عَلَى رئيس القوم، فإن جبريل -عليه السلام- قَالَ: "السلام عليكم"، فعمّ، ثم قَالَ: "يا محمد"، فخصّ.

(ومنها) : جواز الاستئذان فِي القرب منْ الإمام مرارًا، وإن كَانَ الإمام فِي موضع مأذون فِي دخوله. (ومنها) : ترك الاكتفاء بالاستئذان مرّة، أو مرّتين عَلَى جهة التعظيم، والاحترام.

(ومنها) : جواز اختصاص العالم بموضع مرتفع منْ المسجد، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، لضرورة التعليم، أو غيره؛ لما يأتي فِي حديث الباب التالي: "فبنينا له دكّانًا منْ طين، كَانَ يجلس عليه".

(ومنها) : أنه ينبغي لمن حضر مجلس العالم إذا علم بأهل المجلس حاجةً إلى___مسألة، لا يسألون عنها، أن يسأل هو عنها؛ ليحصل الجواب للجميع.

(ومنها) : أنه ينبغي للعالم أن يرفق بالسائل، ويُدنيه منه؛ ليتمكّن منْ سؤاله، غير هائب، ولا منقبض، وأنه ينبغي للسائل أن يرفق فِي سؤاله.

(ومنها) : أنه ينبغي للعالم إذا سئل عما لا يعلم، أن يصرح بأنه لا يعلمه، ولا يكون فِي ذلك نقص منْ مرتبته، بل يكون ذلك دليلا عَلَى مزيد ورعه. قاله النوويّ رحمه الله تعالى.

(ومنها) : ما قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى: مقصود هَذَا السؤال كَفُّ السامعين عن السؤال، عن وقت الساعة؛ لأنهم قد أكثروا السؤال عنها، كما ورد فِي كثير منْ الآيات، والأحاديث، فلما حصل الجواب بما ذُكر هنا، حصل اليأس منْ معرفتها، بخلاف الأسئلة الماضية، فإن المراد بها استخراج الأجوبة، ليتعلمها السامعون، ويعملوا بها، ونبه بهذه الأسئلة عَلَى تفصيل ما يمكن معرفته، مما لا يمكن.

(ومنها) : ما قاله ابن المُنَيِّر رحمه الله تعالى: فِي قوله: "يعلمكم دينكم"، دلالة عَلَى أن السؤال الحسن، يُسَمَّى علمًا، وتعليمًا؛ لأن جبريل -عليه السلام- لم يصدر منه سوى السؤال، ومع ذلك فقد سماه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- معلما، وَقَدْ اشتهر قولهم: حُسنُ السؤال نصف العلم"، ويمكن أن يؤخذ منْ هَذَا الْحَدِيث؛ لأن الفائدة فيه انبنت عَلَى السؤال والجواب معا.

(ومنها) : ما قاله القرِطبي رحمه الله تعالى: هَذَا الْحَدِيث يصلح، أن يقال له: أم السنة؛ لما تضمنه منْ جُمَل علم السنة، كما سُمّيت الفاتحة أم الكتاب؛ لِمَا تضمّنته منْ جمُل معاني القرآن. وَقَالَ الطيبي: لهذه النكتة استفتح به البغوي، كتابيه "المصابيح"، و"شرح السنة"؛ اقتداء بالقرآن فِي افتتاحه بالفاتحة؛ لأنها تضمنت علوم القرآن إجمالا.

وَقَالَ القاضي عياض قد اشتمل هَذَا الْحَدِيث، عَلَى جميع وظائف العبادات، الظاهرة والباطنة، منْ عقود الإيمان، ابتداء، وحالا، ومآلا، ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السرائر، والتحفظ منْ آفات الأعمال، حَتَّى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه، ومتشعبة منه. قَالَ: وعلى هَذَا الْحَدِيث، وأقسامه الثلاثة، ألّفنا كتابنا الذي سمّيناه بـ"المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان"، إذ لا يشذّ شيء منْ الواجبات، والسنن، والرغائب، والمحظورات، والمكروهات عن أقسامه الثلاثة. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ



[1] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 287)

وَالضَّمِير فِي (فَخذيهِ) يعود على النَّبِي _عَلَيْهِ السَّلَام_، وَقَالَ النَّوَوِيّ : "على فَخذي نَفسه، يَعْنِي : نفس جِبْرِيل _عَلَيْهِ السَّلَام_"، وَأعَاد الضَّمِير إِلَيْهِ، وَتَبعهُ على ذَاك التُّوْرِبِشْتِيُّ شَارِح المصابيح،

وَلَيْسَ كَذَلِك بل الضَّمِير يعود على النَّبِي _عَلَيْهِ السَّلَام_ كَمَا ذكرنَا،

وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا جَاءَ فِي روية سُلَيْمَان التَّيْمِيّ (ثمَّ وضع يَدَيْهِ على ركبتي النَّبِي)،

وَبِه جزم الْبَغَوِيّ وَإِسْمَاعِيل التَّيْمِيّ وَرجحه الطَّيِّبِيّ من جِهَة الْبَحْث،

وَالظَّاهِر أَنه لم يقف على رِوَايَة سُلَيْمَان فَلذَلِك رَجحه من جِهَة الْبَحْث، وَنظرُ النَّوَوِيّ فِي مَا قَالَه التَّنْبِيهُ على أَنه جلس كَهَيئَةِ المتعلم بَين يَدي من يتَعَلَّم مِنْهُ لإقتضاء بَاب الْأَدَب ذَلِك وَلَكِن على رِوَايَة سُلَيْمَان إِنَّمَا فعل جِبْرِيل ذَلِك لزِيَادَة الْمُبَالغَة فِي تعمية أمره ليقوى ظن الحاضربن أَنه من جُفَاة الْأَعْرَاب وَلِهَذَا تخطى النَّاس حَتَّى انْتهى إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا ذكرنَا نافي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ وَلِهَذَا استغربت الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم صَنِيعَة لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْبَلَد." اهـ

[2] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 287)

وَالضَّمِير فِي (فَخذيهِ) يعود على النَّبِي _عَلَيْهِ السَّلَام_، وَقَالَ النَّوَوِيّ : "على فَخذي نَفسه، يَعْنِي : نفس جِبْرِيل _عَلَيْهِ السَّلَام_"، وَأعَاد الضَّمِير إِلَيْهِ، وَتَبعهُ على ذَاك التُّوْرِبِشْتِيُّ شَارِح المصابيح،

وَلَيْسَ كَذَلِك بل الضَّمِير يعود على النَّبِي _عَلَيْهِ السَّلَام_ كَمَا ذكرنَا،

وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا جَاءَ فِي روية سُلَيْمَان التَّيْمِيّ (ثمَّ وضع يَدَيْهِ على ركبتي النَّبِي)،

وَبِه جزم الْبَغَوِيّ وَإِسْمَاعِيل التَّيْمِيّ وَرجحه الطَّيِّبِيّ من جِهَة الْبَحْث،

وَالظَّاهِر أَنه لم يقف على رِوَايَة سُلَيْمَان فَلذَلِك رَجحه من جِهَة الْبَحْث، وَنظرُ النَّوَوِيّ فِي مَا قَالَه التَّنْبِيهُ على أَنه جلس كَهَيئَةِ المتعلم بَين يَدي من يتَعَلَّم مِنْهُ لإقتضاء بَاب الْأَدَب ذَلِك وَلَكِن على رِوَايَة سُلَيْمَان إِنَّمَا فعل جِبْرِيل ذَلِك لزِيَادَة الْمُبَالغَة فِي تعمية أمره ليقوى ظن الحاضربن أَنه من جُفَاة الْأَعْرَاب وَلِهَذَا تخطى النَّاس حَتَّى انْتهى إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا ذكرنَا نافي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ وَلِهَذَا استغربت الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم صَنِيعَة لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْبَلَد." اهـ

[3] وفي المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/ 50) لأبي العباس القرطبي :

"القَدَر : مصدرُ قَدَرْتُ الشيءَ - خفيفة الدال - أقْدِرُهُ وأقْدُرُه قَدْرًا وقَدَرًا : إذا أحَطْتَ بمقداره ، ويقال فيه : قدَّرْتُ أُقَدِّرُ تقديرًا ، مشدَّدَ الدالِ للتضعيف ؛ فإذا قلنا : إنَّ الله تعالى قدَّرَ الأشياءَ ، فمعناه : أنَّهُ تعالى علِمَ مقاديرها وأحوالَهَا وأزمانَهَا قبل إيجادها ، ثُمَّ أوجَدَ منها ما سبَقَ في علمه أنَّهُ يُوجِدُهُ على نحو ما سبَقَ في علمه ؛ فلا مُحْدَثَ في العالمِ العُلْويِّ والسُّفلْيِّ إلاَّ وهو صادرٌ عن علمِه تعالى وقدرتِه وإرادتِه .

هذا هو المعلومُ من دِينِ السلف الماضين ، والذي دلَّت عليه البراهين." اهـ

[4] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 288)

قَوْله " مَا الْإِحْسَان " وَهُوَ يسْتَعْمل لمعنيين احدهما مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ كَقَوْلِك احسنت كَذَا إِذا حسنته وكملته منقولة بِالْهَمْزَةِ من حسن الشَّيْء وَالْآخر بِحرف الْجَرّ كَقَوْلِك أَحْسَنت إِلَيْهِ إِذا أوصلت إِلَيْهِ النَّفْع وَالْإِحْسَان وَفِي الحَدِيث بِالْمَعْنَى الأول فَإِنَّهُ يرجع إِلَى اتقان الْعِبَادَات ومراعاة حق الله تَعَالَى ومراقبته وَيُقَال الْإِحْسَان على مقامين الأول كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ " فَهَذَا مقَام. الثَّانِي قَوْله " فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك "

[5] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 289)

وتلخيص مَعْنَاهُ أَن تعبد الله عبَادَة من يرى الله تَعَالَى وَيَرَاهُ الله تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يستبقي شَيْئا من الخضوع وَالْإِخْلَاص وَحفظ الْقلب والجوارح ومراعاة الْآدَاب مَا دَامَ فِي عِبَادَته

[6] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 289) للعيني :

"وَقَوله (فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك) يَعْنِي : أَنَّك إِنَّمَا تراعي الْآدَاب إِذا رَأَيْته ورآك لكَونه يراك لَا لكونك ترَاهُ وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود وَإِن لم تره لِأَنَّهُ يراك." اهـ

[7] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 289) :

"وَفِي عرف أهل الشَّرْع عبارَة عَن يَوْم الْقِيَامَة وَفِي عرف المعدلين جُزْء من أَرْبَعَة وَعشْرين جزأ من أَوْقَات اللَّيْل وَالنَّهَار."

وفي المعين على تفهم الأربعين ت دغش (ص: 113) للهيتمي : "والموقتون اصطَلَحوا على أنها: جزءٌ مِن أربعةٍ وعِشرين جُزءًا مِنَ الليل والنهار."

وفي التعيين في شرح الأربعين (1/ 64) للطوفي :

أي: كلانا سواء في عدم العلم بزمن وقوعها {إن الله عنده علم الساعة} [سورة لقمان: 34] {إن الساعة آتية أكاد أخفيها} [سورة طه: 15] {يسئلونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي} [سورة الأعراف: 187] الآيات.

وفي الصحيح "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله" وتلا {إن الله عنده علم الساعة}، الآيةَ." اهـ

[8] وفي التعيين في شرح الأربعين (1/ 65) :

"وقد ذكر للساعة أمارات وشروط كثيرة في كتب الحديث، كطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والدجال، ويأجوج ومأجوج، وكثرة الهرج، وفيض المال حتى لا يقبله أحد، وأن يحسر الفرات عن جبل من الذهب، ونحو ذلك كثير.

ولعله إنما اقتصر في هذا الحديث على هاتين الأمارتين تحذيرا للحاضرين وغيرهم منها، أعني كثرة اتخاذ السراري وبيعهن، والتطاول في البنيان، وتوسيد الأمر إلى غير أهله، لاقتضاء الحال ذلك إذ لعلهم كانوا يتعاطون شيئًا من ذلك فزجرهم عن ذلك." اهـ

[9] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 289)

قَوْله (إِذا ولدت الْأمة رَبهَا)، أَي : مَالِكهَا وسيدها وَذكروا فِي معنى هذا أوجها :

الأول : قَالَ الْخطابِيّ : "مَعْنَاهُ اتساع الْإِسْلَام واستيلاء أَهله على بِلَاد الشّرك وَسبي دراريهم فَإِذا ملك الرجل الْجَارِيَة واستولدها كَانَ الْوَلَد فِيهَا بِمَنْزِلَة رَبهَا لِأَنَّهُ ولد سَيِّدهَا".

وَالثَّانِي : مَعْنَاهُ أَن الْإِيمَاء يلدن الْمُلُوك فَتكون أم الْملك من جملَة الرّعية، وَهُوَ سَيِّدهَا وَسيد غَيرهَا من رَعيته، وَهَذَا قَول إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ.

وَالثَّالِث : مَعْنَاهُ أَن تفْسُدَ أَحْوَالُ النَّاس فيكثر بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد فِي آخر الزَّمَان فيكثر تردادُها فِي أيدي المشترين حَتَّى يَشْتَرِيهَا ابْنُهَا، وَهُوَ لَا يدْرِي.

وعَلى هَذَا القَوْل لَا يخْتَص بأمهات الْأَوْلَاد بل يتَصَوَّر فِي غَيْرهنَّ فَإِن الْأمة قد تَلد حرا بوطئ غير سَيِّدهَا بِشُبْهَة أَو ولدا رَقِيقا بِنِكَاح أَو زنا، ثمَّ تبَاع الْأمة فِي بيع لأمهات الْأَوْلَاد.

وَالرَّابِع : أَن أم الْوَلَد لما عتقت بِوَلَدِهَا فَكَأَنَّهُ سَيِّدهَا وَهَذَا بطرِيق الْمجَاز لِأَنَّهُ لما كَانَ سَببا فِي عتقهَا بِمَوْت أَبِيه، أطلق عَلَيْهِ ذَلِك.

وَالْخَامِس : أَن يكثر العقوق فِي الْأَوْلَاد، فيعامل الْوَلَد أمه مُعَاملَة السَّيِّد أَمَتَه من الإهانةِ وَغيرِ ذَلِك، وَأطلق عَلَيْهِ رَبُّهَا مجَازًا لذَلِك، وَقَالَ بَعضهم لذَلِك.

وَقَالَ بَعضهم : "يجوز أَن يكون المُرَاد بالرب "المربي"، فَيكون حَقِيقَة، وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَوْجه عِنْدِي لعمومه."

قل : هَذَا لَيْسَ بأوجه الْأَوْجه، بل أضعفها، لِأَن النَّبِي _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_ إِنَّمَا عد هَذَا من أَشْرَاط السَّاعَة لكَونه على نمط خَارج على وَجه الاستغراب أَو على وَجه دَال على فَسَاد أَحْوَال النَّاس،

وَالَّذِي ذكره هَذَا الْقَائِل، لَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل، فَافْهَم!

وَأما رِوَايَة (بَعْلهَا)، فَالصَّحِيح فِي مَعْنَاهَا أَن البعل هُوَ السَّيِّد أَو الْمَالِك، فَيكون بِمَعْنى رَبهَا على مَا سلف. قَالَ أهل اللُّغَة : "بعل الشَّيْء : ربُّه ومالِكُهُ، قَالَ تَعَالَى {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [الصافات: 125]، أَي : رَبًّا، قَالَه ابْن عَبَّاس والمفسرون، وَقيل : المُرَاد هُنَا الزَّوْج. وعَلى هَذَا، مَعْنَاهُ نَحْو مَا سبق أَنه يكثر بيع السرارى حَتَّى يتَزَوَّج الْإِنْسَان أُمَّهُ وَلَا يدْرِي، وَهَذَا أَيْضا معنى صَحِيح، إِلَّا أَن الأول أظهر لِأَنَّهُ إِذا أمكن حمل الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْقَضِيَّة الْوَاحِدَة على معنى وَاحِد كَانَ أولى". اهـ

[10] تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 34) للبيضاوي : "و(الحفاة) جمع: حاف, وهو الذي لا نعل له, من: حفي يحفى حفية وحفاية." اهـ

[11] وفي المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 51) للزيداني : "والعراة: المتجردون عن الثياب، والحافي: متجرد القدم عن النعل." اهـ

[12] وفي معالم السنن (4/ 322) للخطابي : "والعالة : الفقراء، واحدهم عائل. يقال : "عال الرجل يعيل إذا افتقر". و"عال أهله يعولهم إذا مار أهله"، و"أعال الرجل يعيل إذا كثر عياله"." اهـ

[13] وفي شرح النووي على مسلم (1/ 159) : "وَالرِّعَاءُ _بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ_ وَيُقَالُ فِيهِمْ : "رُعَاةٌ" بِضَمِّ الرَّاءِ، وَزِيَادَةِ الْهَاءِ بِلَا مَدٍّ." اهـ

[14] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 289_290) للعيني :

"قَوْله (وَإِذا تطاول رُعَاة الْإِبِل البهم فِي الْبُنيان)

الْمَعْنى : أَن أهل الْبَادِيَة أهل الْفَاقَة تنبسط لَهُم الدُّنْيَا حَتَّى يتباهوا فِي إطالة الْبُنيان يَعْنِي الْعَرَب تستولي على النَّاس وبلادهم وَيزِيدُونَ فِي بنيانهم وَهُوَ إِشَارَة إِلَى اتساع دين الْإِسْلَام كَمَا أَن الْعَلامَة الأولى أَيْضا فِيهَا اتساع الْإِسْلَام قَالَ الْكرْمَانِي ومحصله أَن من أشراطها تسلط الْمُسلمين على الْبِلَاد والعباد وَقَالَ ابْن بطال مَعْنَاهُ أَن ارْتِفَاع الأسافل من العبيد والسفلة الجمالين وَغَيرهم من عَلَامَات الْقِيَامَة...

وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ الْمَقْصُود الْأَخْبَار عَن تبدل الْحَال بِأَن يستولي أهل الْبَادِيَة على الْأَمر ويتملكوا الْبِلَاد بالقهر فتكثر أَمْوَالهم وتنصرف هممهم إِلَى تشييد___الْبُنيان والتفاخر بِهِ وَقد شاهدنا ذَلِك فِي هَذَا الزَّمَان وَقَالَ الطَّيِّبِيّ الْمَقْصُود أَن علاماتها انقلاب الْأَحْوَال والقرينة الثَّانِيَة ظَاهِرَة فِي صيرورة الأعزة أَذِلَّة." اهـ

[15] التعيين في شرح الأربعين (1/ 47) للطوفي : "قوله : (فلبثت مليا)، قال الشَّيخ : هو بتشديد الياء أي: زمانًا كثيرًا، وكان ذلك ثلاثا. هكذا جاء مبينًا في رواية أبي داود والترمذي وغيرهما انتهى." اهـ

وفي المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 51) : "(مليًّا) بياء مشددة؛ أي : زمانًا طويلاً، وهو من المَلاوة، وهي المدة، يقال: عشت مع فلان مَلاوةً من الدهر؛ أي: مدة طويلة." اهـ

[16] وفي التعيين في شرح الأربعين (1/ 65) : "قيل : إنه عليه الصلاة والسلام لم يعرف جبريل حين سأله، وإنما عرفه بعد ذلك بوحي أو نظر." اهـ

[17] الربَّة : مذكرها الربُّ، وفي المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 48) : "(الرب) : السيد، والرب هو الله تعالى، وحيث يكون الرب بغير إضافة لا يطلق إلَّا على الله تعالى، وإطلاقُ الرب على غير الله تعالى لا يجوز إلَّا بالإضافة، يقال: رب البيت، ورب المال؛ أي: مالكه وسيده." اهـ

[18] يعني : الطوفي كما مر بنا قريبا

[19] وفي شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 31) : "وقوله في الإحسان : (أن تعبد الله كأنك تراه) الخ. حاصله : راجع إلى إتقان العبادات ومراعاة حقوق الله ومراقبته واستحضار عظمته وجلالته حال العبادات." اهـ

[20] وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 107_108) لابن رجب :

"وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَزُولُ الِاخْتِلَافُ، فَيُقَالُ: إِذَا أُفْرِدَ كُلٌّ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ بِالذِّكْرِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ، وَإِنْ قُرِنَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ.___

وَالتَّحْقِيقُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ، وَإِقْرَارُهُ، وَمَعْرِفَتُهُ، وَالْإِسْلَامُ: هُوَ اسْتِسْلَامُ الْعَبْدِ لِلَّهِ، وَخُضُوعُهُ، وَانْقِيَادُهُ لَهُ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْعَمَلِ، وَهُوَ الدِّينُ، كَمَا سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْإِسْلَامَ دِينًا، وَفِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ وَالْإِحْسَانَ دِينًا، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الِاسْمَيْنِ إِذَا أُفْرِدَ دَخَلَ فِيهِ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قُرِنَ أَحَدُ الِاسْمَيْنِ بِالْآخَرِ. فَيَكُونُ حِينَئِذٍ الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ: جِنْسَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ، وَبِالْإِسْلَامِ جِنْسَ الْعَمَلِ

[21] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 289) :

"وَقد ندب أهل الْحَقَائِق إِلَى مجالسة الصَّالِحين ليَكُون ذَلِك مَانِعا من تلبسه بِشَيْء من النقائص احتراما لَهُم واستحياء مِنْهُم فَكيف بِمن لَا يزَال الله تَعَالَى مطلعا عَلَيْهِ فِي سره وعلانيته". اهـ

[22] وفي مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 40) لعبيد الله الرحمني المباركفوري :

"وقال السندي : وليس المقصود على تقدير الحالية أن ينتظر بالعبادة تلك الحال فلا يعبد قبل تلك الحال، بل المقصود تحصيل تلك الحال في العبادة، والحاصل أن الإحسان هو مراعاة الخشوع والخضوع وما ي معناهما في العبادة على وجه مراعاته لو كان رائياً، ولا شك أنه لو كان رائياً حال العبادة لما ترك شيئاً مما قدر عليه من الخشوع وغيره، ولا منشأ لتلك المراعاة حال كونه رائياً إلا كونه رقيباً مطلعاً على حاله، وهذا موجود وإن لم يكن العبد يراه تعالى. ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - في تعليله: فإن لم تكن تراه فإنه يراك، أي هو يكفي في مراعاة الخشوع على ذلك الوجه." اهـ

[23] وفي التعيين في شرح الأربعين (1/ 49) للطوفي :

"وفيه : _أيضًا_ استحباب التجمل وتحسين الهيئة للعالم والمتعلم، لأن هذا الرجل هو جبريل - عليه السلام - كما بين في آخر الحديث وهو معلم من جهة لقوله _عليه الصلاة والسلام_ : "جاء يعلمكم دينكم" ومتعلم من جهة أنه في سورة سائل." اهـ

وفي الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 142) للهيتمي:

"ففيه ندب تنظيف الثياب، وتحسين الهيئة بإزالة ما يؤخذ للفطرة، وتطييب الرائحة عند الدخول للمسجد، وعلى نحو العلماء، وندب ذلك للعلماء والمتعلِّمين؛ لأنه معلِّمٌ؛ بدليل: "يعلمكم دينكم"، ومتعلِّمٌ بمقاله وحاله، ومن ثَمَّ استحبَّ عمر رضي اللَّه عنه البياض للقارئ، واستحبه بعض أئمتنا لدخول المسجد.

أقول: ينبغي ندبه لكل اجتماعٍ ما عدا العيد إذا كان عنده أرفع منه؛ لأنه يوم زينةٍ وإظهارٍ للنعمة." اهـ

[24] يعني : أركان الإيمان.

[25] اللفظ الذي ساقه ابن دقيق العيد لم أظفر به، لكن أخرج البخاري في صحيحه (7/ 121) (رقم : 5672) : عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ، نَعُودُهُ، وَقَدْ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّا أَصَبْنَا مَا لاَ نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلَّا التُّرَابَ، وَلَوْلاَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ» ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَهُوَ يَبْنِي حَائِطًا لَهُ، فَقَالَ: «إِنَّ المُسْلِمَ لَيُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُنْفِقُهُ، إِلَّا فِي شَيْءٍ يَجْعَلُهُ فِي هَذَا التُّرَابِ»

وأخرجه الترمذي سنن الترمذي ت شاكر (4/ 651) (رقم : 2483)، سنن ابن ماجه (2/ 1394) (رقم : 4163)

[26] وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 141) :

"وَفِي قَوْلِهِ: " يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ " دَلِيلٌ عَلَى ذَمِّ التَّبَاهِي وَالتَّفَاخُرِ خُصُوصًا بِالتَّطَاوُلِ فِي الْبُنْيَانِ، وَلَمْ يَكُنْ إِطَالَةُ الْبِنَاءِ مَعْرُوفًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، بَلْ كَانَ بُنْيَانُهُمْ قَصِيرًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ."

[27] قال دغش العجمي _حفظه الله_ في تحقيقه وتعليقه على "المعين على تفهم الأربعين (ص: 125) لابن الملقن :

"المؤلف لم يُوفَّق في مسألة "الاسم والمسمى" وهذه المسألة انقسم الناس فيها إلى الأقوال التي حكاها المؤلف. وتحرير المسألة هو: أن مسألة الاسم والمسمى من المسائل التي حدثت بعد القرون المفضلة، والتي اختلط فيها الحق بالباطل.

قال إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري في "صريح السنة" (26 - 27): "وأَمَّا القول في الاسم أهو المسمى أو غير المسمى فإنه من الحَمَاقات الحادِثة التي لا أثرَ فيها فيُتَبع، ولا قولٌ من إمام فَيُسْتَمع، فالخوض فيه شَيْن والصمت عنه زين.___

وحسب امرئ من العلم به والقول فيه أن ينتهي إلى قول الله- عزَّ وجلَّ ثناؤه- الصادق وهو قوله: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] وقو له: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] " اهـ.

وكان سبب حدوث هذه المسألة، أن الجهمية قالوا: إن الاسم غير المسمى وأسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق، لأن الله -تعالى- وحده هو الخالق، وما سواه مخلوق، فإذا كانت أسماؤه غيره، فهي مخلوقة. فرد عليهم السلف، واشتد نكيرهم عليهم، لأن أسماء الله من كلامه، وكلام الله غير مخلوق، فهو الذي سمى نفسه بهذه الأسماء. فكان مراد الذين يقولون الاسم غير المسمى هو هذا.

ولهذا قال الإمام الشافعي: "إذا سمعتَ الرجُلَ يقول: الاسم غير المسمى، فاشهد عليه بالزندقة". [رواه ابن عبد البر في "الانتقاء" (133)، و"الجامع" (2/ 941 رقم 1793)، والهروي في "ذم الكلام" (6/ 88 رقم 1139)، والبيهقي في "مناقب الشافعي" (1/ 405)، و"الاعتقاد" (64)].

والصواب -الذي لا محيد عنه- هو أن الاسم للمسمى، وهذا القول هو الذي دل عليه الكتاب والسنة، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، وقال سبحانه: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، وقال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8]، وقال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر: 24].

ومِن السُّنة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن للهِ تِسْعَة وتسْعِينَ اسمًا"! [رواه البخاري (2736)، ومسلم (2677)].

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لي خمسةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا محمد، وأَحمَدُ، وأنا المَاحِي الذي يَمْحُو اللهُ بي الكُفْرَ، وأنَا الحاشِرُ الذي يُحشَرُ الناسُ على قَدَمِي، وأَنَا العاقب". [رواه البخاري: (3532)، ومسلم (2354)]. وهذا مذهب عامة أهل السنة.

وأحيانا لا يُطلِقُون بأنه المُسَمَّى، أو غيره، بل يُفَصِّلون، حتى يزول اللبس. فإذا قيل لهم: أهو المسمى أم غيره؟ قالوا: ليس هو نفس المسمى، ولكن يراد به المسمى.

وإن أُريد بأنه غيره، كونه بائنًا عنه، فهو باطل، لأن أسماء الله من كلامه وكلامه صفة له، قائمة به، لا تكون غيره.

واسم الله تعالى في مثل إذا قيل: "الحمد لله" أو "باسم الله" يتناول ذاته وصفاته، لا ذاتًا مجردة عن الصفات، ولا صفات مجردة عن الذات. وقد نص الأئمة على أن صفاته، داخلة في مسمى أسمائه، فلا يقال: إن علمه وقدرته، زائدة عليه.

والخلاصة في هذه المسألة ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وقد تنازع الناس في الاسم هل هو المسمى أو غيره، وكان الصواب أن يمنع من كِلا الإطلاقين، ويقال كما قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وكما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ للهِ تِسْعَة وتسعِينَ اسْمًا".___

والذين أطلقوا أنه المسمى كان أصل مقصودهم أن المراد به هو المسمى، وأنه إذا ذُكِرَ الاسم فالإشارة به إلى مسماه، وإذا قال العبد: حَمِدْتُ الله ودَعَوْتُ الله .. فهو لا يريد إلا أنه عبد المسمى بهذا الاسم". "مجموع الفتاوى" (12/ 169).

وقال في الذين قالوا الاسم غير المسمى: "فيقولون: الاسم غير المسمى، وأسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق؛ وهؤلاء هم الذين ذمهم السلف وغَلظُوا فيهم القول؛ لأن أسماء الله من كلامه وكلام الله غير مخلوق؛ بل هو المتكلم به، وهو المسمي لنفسه بما فيه من الأسماء".

وقال: "والذين قالوا الاسم هو المسمى كثير من المنتسبين إلى السنة: مثل أبي بكر عبد العزيز، واللالكائي، والبغوي صاحب "شرح السنة" وغيرهم؛ وهو أحد قولي أصحاب أبي الحسن الأشعري اختاره أبو بكر بن فورك وغيره .. وهؤلاء الذين قالوا: إن الاسم هو المسمى لم يُرِيدُوا بذلك اللَّفظ المُؤَلَّف من الحروف هو نفس الشخص المسمى به؛ فإن هذا لا يقوله عاقل. ولهذا يقال لو كان الاسم هو المسمى لكان من قال نار احترق لسانه. ومن الناس من يظن أن هذا مُرادهم وَيُشنِّعُ عليهم وهذا غَلَطٌ عليهم؛ بل هؤلاء يقولون: اللفظ هو التسمية، والاسم ليس هو اللفظ؛ بل هو المراد باللفظ؛ فإنك إذا قلت: يا زيد! يا عمر! فليس مرادك دعاء اللفظ؛ بل مرادك دعاء المسمى باللفظ، وذكرت الاسم فصار المراد بالاسم هو المسمى.

وهذا لا ريب فيه إذا أخبر عن الأشياء فَذُكِرت أسماؤها، فقيل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}، {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}، فليس المراد أن هذا اللفظ هو الرسول، وهو الذي كلمه الله .. فإنما تذكر الأسماء والمراد بها المسميات، وهذا هو مقصود الكلام". "الفتاوى" (6/ 186 - 188) وله -رحمه الله- "قاعدة في الاسم والمسمى" انظرها في "الفتاوى" (6/ 185 - 212). ونعتذر عن الإطالة وذلك لأهمية المسألة فالخطأ في مسائل الاعتقاد لا ينبغي التنبيه عليه بكلمة بل لا بد من التوضيح الرَّافع للإشكال، القائم على نصوص السنة والقرآن، وكلام أهل العلم والإيمان.

وانظر -للفائدة-: "التبصير" للطبري (108 - 109)، و"اعتقاد الإسماعيلي" (33)، ورسالة السجزي (179)، و"الحجة" للأصبهاني (2/ 162)، ومنهاج السنة" (2/ 593)، و"الصواعق المرسلة" (3/ 938)، و"بدائع الفوائد" (1/ 16 - 20)، و"شرح الطحاوية" (1/ 102)." اهـ كلام الشيخ دغش وتعليقه _جزاه الله خيرا_

[28] وفي المعين على تفهم الأربعين ت دغش (ص: 101) لابن الملقن :

"وهذا جُلُوس المُتَعَلِّم بين يديْ شيخه للتَّعلُّم؛ وإِنَّمَا فَعَلَ ذلِكَ جبريل للتنبيه على ما ينبغي للسائل مِن قُوةِ النَّفْسِ عِندَ السُّؤال، وعَدَمِ المبالاة بِمَا يَقطَعُ عليهِ خَاطِرهُ -وإنْ كانَ المَسْؤُولُ مِمَّن يَحْتَرِمُهُ ويَهَابُهُ-، وعلي ما ينبغي للمسؤول مِنَ التَّواضع والصَّفحِ عن السائل، وإنْ تَعَدَّى ما يَنْبَغي مِنَ الاحترام والأدب." اهـ

[29] أخرجه مسلم في "صحيحه" (4/ 2245) (رقم: 169)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (4/ 508) (رقم: 2235) عن ابن عمر _رضي الله عنهما.

وأخرجه أحمد في "مسنده" – ط. عالم الكتب (5/ 433) (رقم: 23672)، وابن أبي عاصم في السنة (رقم : 430) عن بعض الصحابة _رضي الله عنهم جميعا_، وصححه الألباني في "ظلال الجنة" (1/ 187) (رقم: 430)، وقال: "إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم وجهالة الصحابي لا تضر." اهـ

[30] أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2066) (رقم : 2684)

[31] وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 139) :

"فَإِنَّهُ إِذَا صَارَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رِعَاءُ الشَّاءِ - وَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ وَالْجَفَاءِ - رُؤُوسَ النَّاسِ، وَأَصْحَابَ الثَّرْوَةِ وَالْأَمْوَالِ، حَتَّى يَتَطَاوَلُوا فِي الْبُنْيَانِ، فَإِنَّهُ يَفْسَدُ بِذَلِكَ نِظَامُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ رَأْسُ النَّاسِ مَنْ كَانَ فَقِيرًا عَائِلًا، فَصَارَ مَلِكًا عَلَى النَّاسِ، سَوَاءً كَانَ مُلْكُهُ عَامًّا أَوْ خَاصًّا فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُعْطِي النَّاسَ حُقُوقَهُمْ، بَلْ يَسْتَأْثِرُ عَلَيْهِمْ بِمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ،

فَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لِأَنْ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى فَمِ التِّنِّينِ، فَيَقْضِمُهَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَمُدَّهَا إِلَى يَدِ غَنِيٍّ قَدْ عَالَجَ الْفَقْرَ".

وَإِذَا كَانَ مَعَ هَذَا جَاهِلًا جَافِيًا، فَسَدَ بِذَلِكَ الدِّينُ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ هِمَّةٌ فِي إِصْلَاحِ دِينِ النَّاسِ وَلَا تَعْلِيمِهِمْ، بَلْ هِمَّتُهُ فِي جِبَايَةِ الْمَالِ وَاكْتِنَازِهِ، وَلَا يُبَالِي بِمَا فَسَدَ مِنْ دِينِ النَّاسِ، وَلَا بِمَنْ ضَاعَ مِنْ أَهْلِ حَاجَاتِهِمْ.

وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ " «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَسُودَ كُلَّ قَبِيلَةٍ مُنَافِقُوهَا» ".

وَإِذَا صَارَ مُلُوكُ النَّاسِ وَرُؤُوسُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ انْعَكَسَتْ سَائِرُ الْأَحْوَالِ، فَصُدِّقَ الْكَاذِبُ، وَكُذِّبَ الصَّادِقُ، وَائْتُمِنَ الْخَائِنُ، وَخُوِّنَ الْأَمِينُ، وَتَكَلَّمَ الْجَاهِلُ، وَسَكَتَ الْعَالِمُ، أَوْ عَدِمَ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَأَخْبَرَ: أَنَّهُ يُقْبَضُ الْعِلْمُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقَ عَالِمٌ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَّلُّوا وَأَضَلُّوا.» وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَصِيرَ الْعِلْمُ جَهْلًا، وَالْجَهْلُ عِلْمًا. وَهَذَا كُلُّهُ مِنِ انْقِلَابِ الْحَقَائِقِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَانْعِكَاسِ الْأُمُورِ." اهـ

[32] وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 128) : إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أُمِرَ بِمُرَاقَبَةِ اللَّهِ فِي الْعِبَادَةِ،___وَاسْتِحْضَارِ قُرْبِهِ مِنْ عَبْدِهِ، حَتَّى كَأَنَّ الْعَبْدَ يَرَاهُ، فَإِنَّهُ قَدْ يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَيَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِإِيمَانِهِ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ، وَيَطَّلِعُ عَلَى سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ وَبَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ." اهـ

[33] روى ابن عبد البر في "الجامع" (1/ 580 رقم 992)، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" (1/ 199 رقم 347):

عن علي بن أبي طالب _رضي الله عنه_ أنه قال : "مِن حَقّ العالِم عليكَ إذا أتيتهُ : أن تُسَلِّمَ عليه خاصّة، وعلى القومِ عامةً، وتجلس قُدَّامهُ، ولا تُشِر بيديكَ، ولا تغمز بعينيك، ولا تقل: قال فلانٌ خلاف قولك، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه في السؤال، فإنه بمنزلة النخلة المرطبة لا يزال يسقط عليك منها شيء."

[34] رواه أحمد (38/ 334) (رقم : 23303)، والترمذي: الفتن (4/ 70) (رقم : 2209) عن حُذيفة _رضي الله عنه_. وهو حديث صحيح، وقد صححه الألباني في "صحيح الترمذي" (رقم : 1799).

[35] ورد في معناه في حديث الهجرة عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم خيمة أم معبد الخزاعية ولم يجد عندها طعاماً ولا شراباً فحلب لها الشاة الضعيفة الهزيلة التي لا لبن لها بيديه الشريفتين بعد أن مسح على ضرعها، رواه الحاكم في المستدرك، كتاب: الهجرة، (4274)

[36] أخرجه البخاري- كتاب: الإيمان، باب: (دعاؤكم إيمانكم) لقوله عز وجل: (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) (8) . ومسلم - كتاب: الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، (16) ، (21)

[37] المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين