شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

 

7 - (الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير).

112 - (1) [حسن] عن أبي هريرةَ قال:

قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"إن مما يَلحقُ المؤمنَ من عملِهِ وحسناتِهِ بعد موته:

* علماً علَّمه ونَشَرَه،

* وولداً صالحاً تركه،

* أو مصحفاً ورَّثه،

* أو مسجداً بناه،

* أو بيتاً لابن السبيل بناه،

* أو نهراً أجراه،

* أو صدقةً أخرجها من مالِهِ في صحته وحياتِه، يلحقُه من بعدِ موتِه".

رواه ابن ماجه بإسناد حسن والبيهقي، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" بنحوه (1).

 

__________

(1) قلت: وتقدم هذا الحديث والذي بعده (1 - باب/ 11 - 13 - حديث).

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 88) (رقم : 242)، وابن خزيمة في صحيحه (4/ 121) (رقم: 2490)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 121) (رقم : 3174)[1]

 

الحديث حسن: حسنه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 443) (رقم: 2231)، و"أحكام الجنائز" (1/ 177).

 

من فوائد الحديث:

 

1/ عَدُّ الولد من العمل صحيح

 

مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (4/ 435)

"عَدُّ الولد من العمل صحيح؛ لأن الوالد سبب في وجوده، وسبب في صلاحه بإرشاده إلى الهدى، كما جُعل نفس العمل في قوله تعالى: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46]،

ولأنه _صلى الله عليه وسلم_ جعله من كسب الرجل، كما سيأتي للمصنّف بسند صحيح من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أطيب ما أكلَ الرجلُ من كسبه، وإن ولده من كسبه"، فسماه كسبًا (صَالِحًا) قيّده به؛ لأن الصالح هو الذي تستجاب دعوته، وتقبل أعماله، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]. وقَال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]." اهـ

 

مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (4/ 437)

في فوائده:

1 - (منها): ما ترجم له المصنّف، وهو بيان ثواب معلّم الناس الخير، وهو واضح.

2 - (ومنها): بيان فضل الله على عباده المؤمنين، حيث جعل بعض أعمالهم لا تنقطع بعد الموت، بل جعلها جارية ما دام أثَرَهَا قائمًا.

3 - (ومنها): الترغيب إلى الصدقة في الحياة والصحّة؛ لكونه أفضل أنواع الصدقة، فقد أخرج الشيخان في "صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله أَيُّ الصدقة أفضل؟ قال: "أَنْ تَصَدَّقَ وأنت صحيح حَرِيصٌ، تَأْمُل الغنى، وتَخْشَى الفقر، ولا تُمْهِل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان".

4 - (ومنها): أن فيه أن الكتب الموروثة من الشخص تكون من حسناته التي تبقى بعد موته، وإن انتقل ملكه إلى الورثة، فلا يشترط كونها موقوفة، فقد صرّح في هذا الحديث بقوله: "ومصحفًا ورّثه"، وهذا من فضل الله العظيم." اهـ

 

السندي في "حاشيته على سنن ابن ماجه" (1/ 106)

"قَوْلُهُ: (فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ)، أَيْ: أَخْرَجَهَا فِي زَمَانِ كَمَالِ حَالِهِ وَوُفُورِ افْتِقَارِهِ إِلَى مَالِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ،

وَفِيهِ: تَرْغِيبٌ إِلَى ذَلِكَ لِيَكُونْ أَفْضَلَ صَدَقَةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ جَوَابُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَالَ:

«أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا فَقَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ» الْحَدِيثَ،

وَإِلَّا فَكَوْنُ___الصَّدَقَةِ جَارِيَةً لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ." اهـ

 

وقال عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي _حفظه الله_ في "شرح سنن ابن ماجة" – الشاملة (16/ 9):

"والصدقة حال الصحة والحياة أفضل، يقول النبي في صحيح البخاري لما سئل: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل -أي: لا تؤخر- حتى إذا بلغت -يعني: الروح- الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)،

فأفضل الصدقة ما كان في زمن الصحة والشح، (وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى) بخلاف ما إذا كان الإنسان مريضاً، وبسبب مرضه رخص عنده المال، بخلاف وقت الصحة يكون المال غال ونفيس؛ فإن تصدق في هذه الحالة كان أفضل. ومعلوم أن النية تسبق العمل، فمن تصدق بشيء فهو على حسب نيته." اهـ

 

2_ فيه أن هذه الأعمال مما يجْرِي على الْمُؤمن ثَوَابهَا ويتجدد من بعد مَوته، وهي لا تنافي ما جاء أنها ثلاثة أعمال، فَإِن الْمَذْكُورَات تندرج فِي تِلْكَ الثَّلَاث

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 351)

"هَذِه الْأَعْمَال الْمَذْكُورَة يجْرِي على الْمُؤمن ثَوَابهَا ويتجدد من بعد مَوته، فَإِذا مَاتَ انْقَطع عمله إِلَّا مِنْهَا،

وَلَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ هُنَا الْحصْرُ الْمَذْكُورُ فِي الحَدِيثِ الْمَارِّ:

"إِذا مَاتَ ابْن آدم، انْقَطع عمله، إِلَّا من ثَلَاث." [م]

فَإِن الْمَذْكُورَات تندرج فِي تِلْكَ الثَّلَاث، لِأَن الصَّدَقَة الْجَارِيَة تَشْمَل: الْوَقْفَ، وَالنّهْرَ، والبِئْرَ، وَالنَّخْل، وَالْمَسْجِدَ، والمصحف،

فَيمكن ردُّ جَمِيعِ مَا فِي الْأَحَادِيثِ إِلَى تِلْكَ الثَّلَاثِ، وَلَا تعَارض." اهـ

 

لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (1/ 594_595):

"فيه الإشارة إلى أنه لو جمع التعليم والولد بأن يعلم الولد كان أولى وأحرى ليكون دعاؤه للوالد أفضل___وأقرب إجابة." اهـ

 

وقال محمد الأمين بن عبد الله الأُرَمي العَلَوي الهَرَري الشافعي (المتوفى 1441 هـ) في "مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى" (2/ 328):

"الوالد هو سبب في وجوده وسبب لصلاحه بإرشاده إلى الهدي، كما جعل نفس العمل في قوله تعالى: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46]." اهـ

 

وقال عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن السلمان (المتوفى: 1422هـ) _رحمه الله_ في "موارد الظمآن لدروس الزمان" (1/ 8):

"فائدة عظيمة النَّفع:

وَقَفَ قومَ على عَالِمَ فَقَالوا لَهُ: (إِنَّا سَائِلِوُكَ، أفَمُجِيبُنَا أَنْتَ)

قَالَ: (سَلُوا، وَلا تُكْثُرُوْا، فإِنَّ النَّهار لَنْ يَرْجِعَ، والعُمَرَ لَنْ يَعُودْ، والطَّالِبَ حَثْيث في طَلَبَه)،

قالوا: (فأوْصِنَا)،

قال: (تَزوَّدُوا عَلَى قَدْرِ سَفرِكْمْ، فَإنَّ خَيْرَ الزَّاد مَا أبْلَغَ البُغْيَةَ)،

ثُمَّ قَالَ: (الأيَّامُ صَحَائِفَ الأعمال، فَخَلِّدْهَا أحْسَنَ الأعمال، فإنَّ الفُرصَ تَمرُّ مَرَّ السَّحَاب، والتَّوانِيَ مِن أخْلاق الكُسالى. ومنَ اسْتَوطْنَ مَرْكَبَ العَجْز، عَثَرَ بِه، وتَزَوَّجَ التَّوانِيْ بالكَسل فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا الخُسْران) أ. هـ.

 

موارد الظمآن لدروس الزمان (1/ 8)

فائدة عظيمة النَّفع

أَشْرَفُ الأشْيَاءِ قَلْبُكَ وَوَقْتُكَ، فإذَا أَهْمَلْتَ قَلْبَكَ وضيَّعْتَ وَقْتَكَ، فَمَاذَا بَقِيَ مَعَك، كلُ الفَوَائِدِ ذَهَبَتْ.

 

فتح البيان في مقاصد القرآن (11/ 349)

"ينتفع الميت بكل ما قررته شريعة الإسلام في كتاب الله وهدي رسوله." اهـ

 

وقال عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي القحطاني الحنبلي النجدي (المتوفى: 1392هـ) _رحمه الله_ في "الإحكام شرح أصول الأحكام" (3/ 363):

"والحديث دليل على أنه ينقطع أجر كل عمل بعد الموت إلا هذه الثلاثة الأشياء. فإنه يجري أجرها بعد الموت. ويتجدد ثوابها. لكونه كاسبًا لها.

وفيه فضيلة الصدقة الجارية. والعلم الذي يبقى بعد موته. والتزوج الذي هو سبب وجود الأولاد." اهـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

113 - (2) [صحيح] وعن [أبي] (2) قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"خَيرُ ما يُخلِّف الرجلُ من بعده ثلاثٌ: ولدٌ صالح يَدعو له، وصدقةٌ تَجري يبلغُه أجرُها، وعلمٌ يُعملُ به من بعده".

رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

 

وتقدم [1 - باب/ 12] حديث أبي هريرة:

"إذا مات ابنُ آدمَ انقطعَ عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له".

رواه مسلم.

 

__________

(2) سقطت من الأصل ومن مطبوعة عمارة، واستدركتها من المخطوطة و"ابن ماجه"، وقد سبق على الصواب في (1 - الترغيب في العلم وطلبه).

 

ترجمة أبي قتادة الأنصاري _رضي الله عنه_:

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 194) _رقم: 7574):

"ع: أَبُو قتادة الأَنْصارِيّ[2]، صاحب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسَلَّمَ وفارسه،

قِيلَ: اسمه الحارث بْن ربعي[3]، وقيل: النعمان بْن ربعي، وقيل: عَمْرو بْن ربعي، والمشهور: الحارث بْن ربعي بْن بلدمة ابن خناس بْن سنان بْن عُبَيد بن عدي بن غنم بن كعب بْن سلمة السلمي المدني." اهـ

 

وقال تقى الدين أبى الطيب الفاسى (ت سنة 832 هـ‍) _رحمه الله_ في "العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين" (6/ 315):

"أمير مكة لعلي، ثم عزله بِقُثَمَ[4]، ذكره المصنف فى ترجمة قثم."اهـ

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 194)

"وأمه: كبشة بنت مُطَهَّر بْن حرام بْن سواد بْن غنم ابن كعب بْن سلمة.

وقِيلَ: كبشة بنت عباد بْن مطهر.

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 195):

"ذكره محمد بن سعد فِي الطبقة الثانية، وَقَال: شهد أحدا والخندق وما بعد ذلك من المشاهد مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.

وَقَال الحاكم أَبُو أَحْمَد: يقال كَانَ بدريا، ولا يصح ذَلِكَ.[5]

 

وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (12/ 205)

"قال الشعبي: "وكان بدرِيًّا." ورجح هذا ابن القطان، ولكن قال البيهقي: "رواية موسى والشعبي غَلَطٌ لاجماع أهل التاريخ على أن أبا قتادة بقي إلى بعد الخمسين." قلت: ولأن أَحَدًا لم يوافق الشعبي على أنه شهد بدرا، والظاهر: أن الغلط فيه ممن دون الشعبي والله تعالى أعلم." اهـ

 

وفي "الأموال" لابن زنجويه (2/ 713) (رقم: 1213):

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ، وَهُوَ عَلَى رِجْلَيْهِ، وَكَانَ اسْتَنْقَذَ لِقَاحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «خَيْرُ فُرْسَانِنَا أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ»

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 196)

قال الواقدي (3) ، عن يحيى بْن عَبد اللَّهِ بْن أَبي قتادة: توفي أَبُو قتادة بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن سبعين سنة...

وَقَال عَمْرو بْن علي: مات بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.

وَقَال الهيثم بْن عدي، وغير واحد: مات بالكوفة، وصلى عَلَيْهِ علي. قال بعضهم: سنة ثمان وثلاثين.[6]

قال الواقدي: "ولم أر بين ولد أَبِي قتادة وأهل البلد عندنا اختلافا: أن أبا قتادة توفي بالمدينة، وروى أهل الكوفة أنه توفي بالكوفة وعلي بْن أَبي طالب بها، وهو صلى عَلَيْهِ، فالله أعلم

 

ومن فضائل أبي قتادة: ما ورد في "صحيح مسلم" (1/ 472) (رقم: 681):

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ، وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إِنْ شَاءَ اللهُ غَدًا»،

فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ،

قَالَ: فَنَعَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ،

قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى تَهَوَّرَ اللَّيْلُ، مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ،

قَالَ: فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ،

قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ، مَالَ مَيْلَةً هِيَ أَشَدُّ مِنَ الْمَيْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، حَتَّى كَادَ يَنْجَفِلُ، فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» قُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ،

قَالَ: «مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّي؟» قُلْتُ: مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ، قَالَ: «حَفِظَكَ اللهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ»."

 

نص الحديث:

 

وعن أبي قتادةَ _رضي الله عنه_ قال:

قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"خيرُ ما يُخلِّفُ الرجلُ من بعده ثلاثٌ: ولدٌ صالح يدعو له، وصدقةٌ تجري يبلغُه أجْرُها، وعِلمٌ يُعملُ به من بعده".

رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه ابن ماجه في "سننه" (1/ 88) (رقم : 241)، والنسائي في "السنن الكبرى" (9/ 400) (رقم : 10863)، وابن خزيمة في "صحيحه" (4/ 122) (رقم : 2495)، وابن حبان في "صحيحه" (1/ 295) (رقم : 93) و (11/ 266) (رقم : 4902)، والطبراني في "المعجم الصغير" (1/ 242) (رقم : 395)، وفي "المعجم الأوسط" (4/ 7) (رقم : 3472)، وأبو بكر الدِّيْنَوَرِيُّ[7] في "المجالسة وجواهر العلم" (8/ 207) (رقم : 3500)، وابْنُ بِشْرَانَ الأموي البغدادي في "الأمالي" - الجزء الأول (ص: 326) (رقم : 757)[8]، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 70) (رقم : 54)، والهَكَّارِي[9] في "هدية الأحياء إلى الأموات وما يصل إليهم" (ص: 177) (رقم : 9)، والشّجَرِيُّ كما في "ترتيب الأمالي الخميسية" (1/ 92) (رقم : 351).

 

من فوائد الحديث :

 

صحيح ابن خزيمة (4/ 122):

"بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ أَجْرَ الصَّدَقَةِ الْمُحْبَسَةِ يُكْتَبُ لِلْمُحْبِسِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا دَامَتِ الصَّدَقَةُ جَارِيَةً

 

صحيح ابن حبان - مخرجا (1/ 295)

ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ خَيْرِ مَا يَخْلُفُ الْمَرْءَ بَعْدَهُ

 

صحيح ابن حبان - مخرجا (11/ 266)

ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ اتِّخَاذَ الْأَحْبَاسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ خَيْرِ مَا يَخْلُفُ الْمَرْءُ بَعْدَهُ

 

الترغيب والترهيب للمنذري – ت. عمارة (1/ 110):

"وناسخ العلم النافع، له أجْرُه وأجْرُ من قرأه أو نسخه أو عمل به من بعده ما بقي خطه والعمل به، لهذا الحديث وأمثاله،

وناسخ غير النافع مما يوجب الاثم عليه وزره ووزر من قرأه، أو نسخه، أو عمل به من بعده ما بقي خطه، والعمل به لما تقدم من الأحاديث: (من سنّ سنة حسنة أو سيئة)، والله أعلم." اهـ

 

[تعليق]: حديث: (من سنّ سنة حسنة أو سيئة)، سبق بنا في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 135) (رقم: 65) من رواية الطبراني في المعجم الكبير (22/ 74) (رقم : 184)، وفي مسند الشاميين (3/ 407) (رقم : 2560) عن واثلة بن الأسقع _رضي الله عنه_، وهو حديث حسن صحيح.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 414) للإثيوبي :

"جعل الشارع الولد من جملة كسب الإنسان، فقد أخرج ابن ماجه بإسناد صحيح، من حديث عائشة -رضي الله عنها-، مرفوعًا : "إن أطيب ما أكل الإنسان من كسب يده، وإن ولده من كسبه"[10]،

فسمّاه كسبًا، كما عدّه في هذا الحديث من أعماله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 415_416) للإثيوبي :

"في فوائده :

1 - (منها): بيان ما يلحق الإنسان بعد موته من الثواب، وهو ثواب الصدقة الجارية، وهو يعمّ ما فعله الإنسان قبل موته، مِنْ وَقْف، ونحوه، مما له البقاء بعد موته.

2 - (ومنها): أن فيه دليلًا على صحّة الوقف، وعظيم ثوابه، والردّ على من أنكر ذلك.

3 - (ومنها): أن فيه فضيلة العلم، والحثّ على الاستكثار منه، والترغيب في توريثه بالتعليم، والتصنيف، والإيضاح، وأنه يُختار من العلوم الأنفع، فالأنفع.

4 - (ومنها): أن فيه فضيلة الزواج؛ لرجاء ولد صالح، وقد سبق في "كتاب النكاح" بيان اختلاف أحوال الناس فيه، وأوضحنا ذلك هناك، ولله الحمد والمنّة.

5 - (ومنها): أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، وكذلك الصدقة[11]، وهما مجمعٌ عليهما، وكذلك قضاء الديون، وأما الحجّ فيجزي عن الميت عند الشافعيّ، وموافقيه، وهو الحقّ، كما تقدّمت أدلّته في "كتاب الحجّ"، قال____النوويّ : وهذا داخل في قضاء الدَّين إن كان حجًّا واجبًا، وإن كان تطوّعًا وأوصى به، فهو من باب الوصايا، وأما إذا مات، وعليه صيامٌ، فالصحيح أن الوليّ يصوم عنه؛ لصحّة أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وأما قراءة القرآن، وجَعْل ثوابها للميت، والصلاة عنه، ونحوهما، فمذهب الشافعيّ، والجمهور أنها لا تَلْحَق الميت، وفيها خلاف. انتهى كلام النوويّ رحمه الله.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الجمهور عندي هو الأرجح؛ لعدم دليل صحيح على وصول ثواب القرآن، ونحوه إلى الأموات، فمن جاءنا بنصّ صحيح صريح لذلك، فعلى الرأس والعين، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}." اهـ

 

صحيح ابن حبان - مخرجا (7/ 286)

ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ عُمُومَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ انْقَطَعَ عَمَلُهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا كُلَّ الْأَعْمَالِ

 

مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (4/ 427_428):

"في فوائده:___

1 - (منها): ما ترجم له المصنّف، وهو بيان فضل معلّم الناس الخير، وهو واضح.

2 - (ومنها): أن أعمال العبد تنقطع بعد موته، كما ثبت في الحديث الآخر: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة. . ." الحديث، أخرجه مسلم.

3 - (ومنها): أن هذه الخصال الثلاث إنما جرى عملها بعد الموت على من نُسِبت إليه؛ لأنه تسبّب فيها، وحَرَصَ عليها، ونواها، ثم إن فوائدها متجدّدة بعده، دائمة، فصار كأنه باشرها بالفعل، وكذلك حكم كلّ ما سنّه الإنسان من الخير، فتكرّر بعده، بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من سنّ في الإسلام سنّة حسنة، كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة"، رواه مسلم.

4 - (ومنها): أنه إنما خصّ هذه الثلاث بالذكر في هذا الحديث؛ لأنها أصول الخير، وأغلب ما يَقصِدُ أهلُ الفضل بقاءها.

5 - (ومنها): أن الصدقة الجارية هي الْحُبُس، أي الوقف، وفيه حجة على من يُنكر الْحُبُس.

6 - (ومنها): أن فيه ما يدلّ على الحضّ على تخليد العلوم الدينيّة بالتعليم، والتصنيف.

7 - (ومنها): أن فيه الترغيب في الزواج؛ لرجاء الولد الصالح الذي يقوم بالدعاء لوالديه بعد موتهما.

8 - (ومنها): الحضّ على الاجتهاد في تربية الأولاد تربية حسنة، والاجتهاد في حملهم على طريق الخير والصلاح، ووصيّتهم بالدعاء له عند موته.

9 - (ومنها): أن الدعاء يصل إلى الميت، وكذلك الصدقة، وهما مما أجمعوا عليه، وكذلك قضاء ديونه، واختُلف في الحجّ، والصواب أنه يصل إليه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ

 

الروح (ص: 122):

"أخْبر أَنه إِنَّمَا ينْتَفع بِمَا كَانَ تسبب إِلَيْهِ فِي الْحَيَاة وَمَا لم يكن قد تسبب إِلَيْهِ فَهُوَ مُنْقَطع عَنهُ." اهـ

 

وقال محمد بن محمد بن محمد، شمس الدين الْمَنْبِجِيُّ[12] (المتوفى: 785هـ) _رحمه الله_ في "تسلية أهل المصائب" (ص: 35):

"واعلم أن النية في طلب الولد وفقده وقصد بقائه، إذا صحت النية، حصل الثواب الجزيل على النيتين جميعاً، لأن الأعمال بالنيات." اهـ

 

وقال محمد بن محمد بن محمد، شمس الدين الْمَنْبِجِيُّ[13] (المتوفى: 785هـ) _رحمه الله_ في "تسلية أهل المصائب" (ص: 52):

"البكاء لا ينفع الميت بل ينفعه العمل الصالح، وليعلم أن البكاء المجرد، ليس فيه منفعة للميت البتة وإنما ينفعه عمله." اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 303):

"الأجر جزاء العمل الصالح، والعملُ ينقطعُ بموتِ الرَّجل إلا إذا فعل فعلًا في الحياة يدوم خيره، وإذا كان كذلك يلحقه أجره

 

حاشية السيوطي على سنن النسائي (6/ 251)

قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ إِنَّمَا أَجْرَى عَلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ الثَّوَابَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِوُجُودِ ثَمَرَةِ أَعْمَالِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ كَمَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي حَيَاتِهِمْ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 285)

إِنَّ فَائِدَتَهَا لَا تَنْقَطِعُ عَنْهُ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يُثِيبُ الْمُكَلَّفَ بِكُلِّ فِعْلٍ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ بِوَجْهِ مَا عَلَى كَسْبِهِ، سَوَاءٌ فِيهِ الْمُبَاشَرَةُ وَالتَّسَبُّبُ." اهـ

 

البدر التمام شرح بلوغ المرام (6/ 399_400):

"الحديث فيه دلالة على أنه لا ينقطع ثواب هذه الثلاثة الأشياء بالموت، وأنه يجري بعد الموت،

قال العلماء _رحمهم الله تعالى_:

معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة؛ لكونه كان سببها؛ فإن الولد من كسبه، وكذلك الذي خلَّفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف.

وفيه: دلالة على فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح، وسيأتي في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى، اختلاف أحوال الناس فيه،

وعلى فضيلة العلم والحث على الاستكثار منه، والترغيب في توريثه بالتعليم والتصنيف والإيضاح، وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع،

وعلى أن الدعاء___يصل ثوابه إلى الميت من الولد، وكذلك غيره؛ وهو الصدقة وقضاء الدين، وهو مجمع على ذلك، وأما الحج فيجزئ عن الميت." اهـ

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (5/ 99_100):

"ما يؤخذ من الحديث:

1 - المؤلف ذكر هذا الحديث في هذا الباب؛ لأنَّ الوقف من الصدقة الجارية.

2 - أول من وقف في الإسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، كما أخرج ابن أبي شيبة: "إنَّ أول من وقف في الإسلام وقف عمر" وسيأتي إن شاء الله.

3 - الدنيا جعلها الله تعالى دار عمل يتزود منها العباد من الخير، أو يحملون معهم من الشر للدار الأخرى، التي هي دار الجزاء، وسيفلح المؤمنون، كما سيخسر المفرطون.

4 - إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاَّ من هذه الأعمال الثلاثة، التي هي من آثار عمله، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12].

5 - الأول: الصدقة الجارية كوقف العقار الذي ينتفع به، والحيوان المنتفع بركوبه، والأواني المستعملة، وكتب العلم، والمصاحف الشريفة، والمساجد والربط، فكل هذه وأمثالها أجرها جار على العبد ما دامت باقية، وهذا أعظم فضائل الوقف النافع الذي يعين على الخير، والأعمال الصالحة من علمٍ وجهادٍ وعبادةٍ، ونحو ذلك.___

6 - من هذا نستدل على أنَّ الوقف الشرعي الصحيح هو ما كان على جهة بر من قريبٍ، أو فقيرٍ، أو جهةٍ خيريةٍ نافعة.

7 - الثاني: العلم الذي يُنتفع به بعد وفاته من طلاب محصلين ينشرون العلم، وكتب مؤلفة يستفاد منها، أو كتب طبعها وأعان على نشرها بين الناس، ففي الحديث الصحيح؛ "لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لكَ من حُمْر النَّعَم".

8 - الثالث: الولد الصالح، سواء كان ولد صلب، أو ولد ولد، ذكرًا كان أو أنثى، فينتفع بدعائه وإهدائه القُرب والأعمال الصالحة إليه، وإذا عبد الله تعالى استفاد والده، أو جده من عمله.

9 - قد يجتمع للعبد الثلاثة كلها، بأن يجعل صدقة جارية، ويستفاد من عليه، أو نشره الكتب، ويكون له ذرية صالحون، يدعون له، ويهدون إليه الأعمال الصالحة، ففضل الله واسع.

10 - قال ابن الجوزي: من علم أنَّ الدنيا دار سباق، وتحصيل الفضائل، وأنَّه كلما علت مرتبته في علم وعمل، زادت مرتبته في دار الجزاء، أنهب الزمان، ولم يُضِعْ لحظة، ولم يترك فضيلة تمكنه إلاَّ حصلها، ومن وُفِّق لهذا فليغتنم زمانه بالعلم، وليصابر كل محنةٍ وفقرٍ إلى أن يحصل له ما يريد." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (4/ 279_281):

"وفي هذا الحديث فوائد:

أولاً: الحث على العمل الصالح والمبادرة به؛ لقوله: "إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله"،

والإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت؛ فإذا كان لا يدري متى يفجؤه الموت، وقد علم أنه إذا مات انقطع عمله. أوجب له ذلك كثرةَ العمل الصالح، والمبادرةَ به، وعدمَ الكسلِ والتهاونِ.

ومن فوائد الحديث: فضيلة الصدقة الجارية لقوله: "إلا من ثلاثٍ: صدقة جارية".___

ومن فوائده أيضًا: فضيلة العلم، وأن الإنسان إذا خلَّف علمًا، وانتفع الناس به بعد موته، فهو عمل له يكسب به أجرًا،

الغالب أن انتفاع الناس بالعلم أكثر من انتفاعهم بالمال، والدليل على ذلك أنك ترى أهل العلم الذين انتفع الناس بعلمهم سواءٌ انتفعوا بروايتهم أو بتفقههم، تجد انتفاع الناس بهم مُنْذُ سنواتٍ عديدةٍ،

والصدقات الجارية تندثر وتزول، انظر مثلاً: صدقة عمر رضي الله عنه التي تصدق بها في خيبر، أين هي؟ تَلِفَتْ!

انظر إلى علم أبي هريرة تجده باقيًا، وكذلك عِلْمُ عمر فيما رواه عن النبي _صلى الله عليه وسلم_، وفيما رواه تفقهًا،

إنما العلم أعظم نفعًا، وأكثر وأعم من الصدقة الجارية.

ومن فوائد الحديث: إثبات مشروعية الوقف، وأن الوقف ليس من الأمور البِدْعِيَّةِ، بل هو من الأمور المشروعة؛ لأنه داخل في قوله: "صدقة جارية".

ومن فوائد الحديث: الحث على نشر العلم، وأنه ينبغي لطالب العلم أن ينتهز الفرص، وألا يَدَعَ فرصةً تذهب، إلا وهو ناشر لعلمه؛ لأنه كلما انتشر العلم كثر الانتفاع بالعلم، وكلما كثر الانتفاع، كثر الأجر والثواب، فينبغي لك أن تنشر العلم.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يشترط أن يكون العلم كثيرًا وافرًا؛ لأن كلمة علم نكرة، والنكرة تدل على الإطلاق، فهو علم بلا قيد، أي علم ينتفع به؛ فإنه ينفعك بعد موتك حتى لو علَّمْتَ الناسَ بِسُنَّة من السنن الرواتب، أو بسنة مما يفعل أو يقال في الصلاة، وانتفع الناس بها بعد موتك، كان لك أجرها جاريًا كما قلت،

وجه الدلالة من الحديث: أنه مطلق "علم ينتفع به" لم يقل: "علم كثير"، فكلُّ علْمٍ يُنْتَفَعُ به ولو قَلَّ؛ فإنه يكتب للإنسان بعد موته،

هل نقول: لو أن الإنسان أوقف شيئًا على طباعة كتب العلم هل يدخل في الصدقة الجارية أو في العلم الذي ينتفع به؟ في الاثنين؛ لأنه صدقة جارية وعلم ينتفع به؛ لأن الإعانة على العلم لها أجر العلم.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يعتني بتربية أولاده على الصلاح؛ لقوله: "أو ولد صالح"

ومعلوم أن التربية لها أثر كبير في إصلاح الأولاد، وأنت إذا اتقيت الله تعالى فيهم في التوجيه والأدب اتقوا الله فيك،

وإذا أهملت حق الله فيهم فيوشك أن يهملوا حق الله فيك جزاءً وفاقًا، إذن نأخذ من كلمة "ولد صالح" أنه ينبغي _إنْ لَمْ نَقُلْ يجب_ أن يعتني بتربية أولاده على الصلاح.

ومن فوائد الحديث: أن الدعاء للميت أفضل من إهداء القرب إليه، يعني: أن تدعو له أفضل من أن تصلي له ركعتين، أو أن تتصدق عنه بدرهمين، أو أن تضحي عنه، أو أن تحج عنه، أو أن تعتمر عنه،

فالدعاء أفضل، ووجه ذلك: أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال (وهو يتحدث عن العمل): "أو ولد صالح يدعو له"

ولم يقل: "أو ولد صالح يصلي له أو يتصدق عنه أو يصوم عنه"، أو ما___أشبه ذلك،

ولهذا لم يكن من عهد السلف أن يكثروا التصدق أو العمل للأموات، وإنما حدث هذا في الأزمنة المتأخرة.

فلو سألنا سائل: "ما تقولون: أيهما أفضل أن أصوم يومًا لأبي الميت، أو أدعو له؟"

قلنا: الأفضل أن تدعو له، وصُمْ لنفسك، وادعوا الله له، ولاسيما عند الفطر،

لو سألنا: هل الأفضل أن أعتمر لأبي أو أدعو له؟

قلنا: اعتمر لنفسك وادع الله له في الطواف في السعي، وهذا هو الأحسن، وأنت أيضًا سوف تحتاج للعمل سيمر بك الذي مر على أبيك، فلا تُوَزِّعْ عَمَلَكَ على فلانٍ وفلانٍ، واجعلِ الْعمَلَ لك، وهؤلاء ادع الله لهم.

ومن فوائد الحديث: أن الأولاد غير الصالحين لا يؤمل فيه الخير؛ لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قَيَّدَ ذلك بالولد الصالح؛

فالولد غير الصالح لا يؤمل في الخير، وهذا هو الغالب أن الولد غير الصالح يكون نكدًا على أبيه وعلى أهله،

ولكن مع ذلك ينبغي للإنسان إذا وهب الله له ولدًا غير صالح أن يحرص على إصلاحه، وأن يلح على الله بالدعاء في أن يصلحه، وألا ييأس من روح الله، فكثيرًا ما يصلح الولد بعد أن كان فاسدًا،

لا يقول: "والله، عجزت، وهذا لا ينصلح حاله."

هذا لا يجوز؛ لأنك لا تدري كم أناس صلحوا بعد أن كانوا فساقًا!" اهـ

 

وقال عبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البخاري الدِّهلوي الحنفي (والمتوفى سنة 1052 هـ) _رحمه اللَّه تعالى_ في "لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح" (1/ 530)

وأما الثلاثة المذكورة في هذا الحديث فإنها أعمال محدثة بعد وفاته لا ينقطع عنه؛ لأنه سبب تلك الأعمال، فهذه الأشياء يلحقه منها ثواب طارئ خلاف أعماله التي مات عليها، كأنه ينقطع عمله المنضم إلى عمل الغير إلا عن ثلاثة، هذا حاصل كلام التُّورِبِشْتِي والطيبي، وجعل الطيبي المرابط داخلة في الصدقة الجارية، ولا يخلو عن خفاء، فتدبر، واللَّه أعلم.



[1]  وأخرجه أبو بكر الصفار كما في "مجموع فيه عشرة أجزاء حديثية" (ص: 37) (رقم : 23).

[2] وقال مصطفى بن عبد الله القسطنطيني العثماني المعروف بـ «كاتب جلبي» وبـ «حاجي خليفة» (المتوفى 1067 هـ) سلم الوصول إلى طبقات الفحول (2/ 7): "وهو ممن غلبت عليه كنيته من الصحابة." اهـ

[3] وفي الإصابة في "تمييز الصحابة" (7/ 272) لابن حجر: "المشهور: أن اسمه الحارث." اهـ

[4]  هو قُثَمُ بن العباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، صحابي جليل، المتوفي سنة 57 هـ بـ سمرقند (وقيل: مرو)، روى له:  ص  (النسائي في خصائص علي)

[5] وفي الإصابة في تمييز الصحابة (7/ 272): "اختلف في شهوده بدرا، فلم يذكره موسى بن عقبة ولا ابن إسحاق، واتفقوا على أنه شهد أحدا وما بعدها." اهـ

[6] وفي تهذيب التهذيب (12/ 204_205): "وحكى__خليفة أن ذلك كان سنة ثمان وثلاثين، وهو شاذ. والأكثر: على أنه مات سنة أربع وخمسين. قلت: ومما يؤيد ذلك أن البخاري ذكره في "الأوسط" في فصل من مات بعد الخمسين إلى الستين، ثم روى بإسناده إلى مروان بن الحكم قال: "كان واليا على المدينة من قبل معاوية أرسل إلى أبي قتادة ليريه مواقف النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ وأصحابه." اهـ

[7]  وفي اللباب في تهذيب الأنساب (1/ 526) لابن الأثير:

"الدِّيْنَوَرِي _بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون وَالْوَاو وَفِي آخرهَا الرَّاء_ : هَذِه النِّسْبَة إِلَى الدينور وَهِي بَلْدَة من بِلَاد الْجَبَل عِنْد قرميسين ينْسب إِلَيْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ الدينَوَرِي الْمَعْرُوف ببرهان أحد الصَّالِحين أَصْحَاب الكرامات." اهـ

[8] وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (17/ 450) (رقم: 303_304):

"ابْنُ بِشْرَانَ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ الأُمَوِيُّ * الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، الوَاعِظُ، المُذَكِّرُ، مُسْنِدُ العِرَاقِ؛ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ بِشْرَان بن مُحَمَّدِ بنِ بِشْرَان___بْن مِهْرَانَ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ الأَمَالِي الكَثِيْرَة." اهـ

[9]  وفي اللباب في تهذيب الأنساب (3/ 390) :

"الهَكَّارِي _بِفَتْح الْهَاء وَالْكَاف الْمُشَدّدَة وَبعد الْألف رَاء_ : هَذِه النِّسْبَة إِلَى الهكَّارية وَهِي ولَايَة تشْتَمل على حصون وقرى من أَعمال الْموصل،

مِنْهَا : أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن يُوسُف بن جَعْفَر بن عَرَفَة الهكاري الملقب بشيخ الاسلام وَهُوَ من ولد عتبَة بن أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة كَانَ كثير الْخَيْر وَالْعِبَادَة." اهـ

[10]  أخرجه : سنن أبي داود (3/ 288) (رقم : 3528)، سنن الترمذي ت شاكر (3/ 631) (رقم : 1358)، سنن النسائي (7/ 240) (رقم : 4449)، سنن ابن ماجه (2/ 723 و 768) (رقم : 2137 و 2290)،

صححه الألباني في "صحيح الأحكام" (171) ، الإرواء (6 / 66) ، المشكاة (2770).

[11]  وفي عون المعبود وحاشية ابن القيم (8/ 62) لشرف الحق العظيم آبادي :

"وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ بَيَانِ أَنَّ الْإِسْنَادَ مِنَ الدِّينِ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ وَيَنْتَفِعُ بِهَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَلْحَقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَوَابٌ فَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَخَطَأٌ بَيِّنٌ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ وَلَا تَعْرِيجَ عَلَيْهِ انْتَهَى." اهـ

[12] وفي "اللباب في تهذيب الأنساب" (3/ 259):

"المنبجي (بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعدهَا جِيم): هَذِه النِّسْبَة إِلَى مَنْبِجٍ، وَهِي إِحْدَى مدن الشَّام، وبناها كِسْرَى لما غلب على الشَّام، وسماها مُنَبّه فعربت وَقيل منبج،

نسب إِلَيْهَا كثير من الْعلمَاء، مِنْهُم:

* عمر بن سعيد بن سِنَان المنبجي الْحَافِظ، يروي عَن أَحْمد بن أبي شُعَيْب الْحَرَّانِي، وَأبي مُصعب الزُّهْرِيّ، وَهِشَام بن عمار، روى عَنهُ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمدَ الطَّبَرَانِيّ، وَعبدُ اللهِ بْنُ عَدِيٍّ الْجِرْجَانِيُّ، وَغَيرُهُمَا،

* وَأَبُو عَليّ الْحسن بن سَلامَة بن ساعد المنبجي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ، تفقه على أبي عبد الله الدَّامغَانِي، وروى الحَدِيث عَن أبي نصر الزَّيْنَبِي وَغَيره سمع مِنْهُ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ بِبَغْدَاد." اهـ

[13] وفي "اللباب في تهذيب الأنساب" (3/ 259):

"المنبجي (بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعدهَا جِيم): هَذِه النِّسْبَة إِلَى مَنْبِجٍ، وَهِي إِحْدَى مدن الشَّام، وبناها كِسْرَى لما غلب على الشَّام، وسماها مُنَبّه فعربت وَقيل منبج،

نسب إِلَيْهَا كثير من الْعلمَاء، مِنْهُم:

* عمر بن سعيد بن سِنَان المنبجي الْحَافِظ، يروي عَن أَحْمد بن أبي شُعَيْب الْحَرَّانِي، وَأبي مُصعب الزُّهْرِيّ، وَهِشَام بن عمار، روى عَنهُ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمدَ الطَّبَرَانِيّ، وَعبدُ اللهِ بْنُ عَدِيٍّ الْجِرْجَانِيُّ، وَغَيرُهُمَا،

* وَأَبُو عَليّ الْحسن بن سَلامَة بن ساعد المنبجي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ، تفقه على أبي عبد الله الدَّامغَانِي، وروى الحَدِيث عَن أبي نصر الزَّيْنَبِي وَغَيره سمع مِنْهُ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ بِبَغْدَاد." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين