شرح الحديث 35 من بلوغ المرام

 

بَابُ الْوُضُوءِ

35 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_:

"إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (1/ 43) (رقم: 162)، ومسلم في "صحيحه" (1/ 233/ 87) (رقم: 278)، وأبو داود في "سننه" (1/ 25) (رقم: 103 و 105)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (1/ 36) (رقم: 24)، والنسائي في في "سننه" (1/ 6 و 1/ 99 و 1/ 215) (رقم: 1 و 161 و 441)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 138) (رقم: 393) _رحمهم الله جميعا_.

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (1/ 187) (رقم: 164)

 

من فوائد الحديث:

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 182_183):

"على هذا، نستفيد من هذا الحديث فوائد:

* منها: أن الإنسان إذا استيقظ من النوم فإنه لا يجوز أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا للنهي، والأصل في النهي التحريم.___

* ومنها: هل يجوز أن يغمس بعضها لقوله: "فلا يغمس يده"؟ لا؛ لأن الأصل فيما أضيف إلى اليد أن يكون عاما لها، واليد إذا أطلقت فإنها إلى الكف، وإذا قيدت إلى المرفق تقيدت به، لكن عند الإطلاق تكون إلى الكف، ويحتمل أن يقال: نرجع إلى القاعدة العامة "أن المنهي عنه يتناول النهي فيه جزأه وكله"، وأن غمس بعض اليد كغمس اليد كلها، وهذا هو الأصح؛ لأن الأصل في النهي عنه أن يعم جميع المنهي عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"، وعلى هذا فيكون النهي شاملا لغمس اليد كاملة أو غمس جزء منها.

* ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجب تطهير ما يشك في كونه نجسا لقوله: "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده"،

وهذا مبني على أن التعليل هذا يعني أنه ربما تلوثت يده بنجاسة وهو لا يدري، لكن هذا القول ضعيف، ولذلك لما كان هذا التعليل هو الذي ذهب إليه بعض العلماء___

قال آخرون: إن النهي هنا ليس للتحريم، وإنما هو للكراهة؛ لأن الأشياء لا تنجس بمجرد الظن، ولكن الصواب أن معنى قوله: "لا يدري أين باتت يده": أنه ربما يكون الشيطان قد عبث بها وأدخل فيها الأوساخ والأقذار وهو لا يعلم.

* ومن فوائد هذا الحديث: أن فيه إثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن مثل هذا لا يعلم بالحس وإنما يعلم بالوحي؛ إذ إن هذا حال الإنسان وهو نائم لا يعلم أحد ما يحدث له.

* ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ذكر الحكم مقرونا بالعلة.

* ومنها: سلوك جانب الاحتياط لقوله: "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" بخلاف الأول، فإن الأول يقول: "فإن الشيطان يبيت على خيشومه" ففيه الجزم بأن الشيطان يبيت على خيشومه، أما هذا فيقول: "فإنه لا يدري أين باتت يده" ففيه إيماء إلى سلوك جانب الاحتياط، وأن الإنسان ينبغي له أن يبتعد عما يحتمل أن يكون فيه مضرة عليه، فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثا فهل يتغير الماء أو لا يتغير أو يأثم أو لا يأثم؟

إذا قلنا: إن النهي للتحريم فهو آثم، وإذا قلنا للكراهة فليس بآثم، أما الماء فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض له، فالصواب أنه يكون طهورا وأنه لا يتأثر بنجاسة، ولا يتأثر بانتقاله من طهورية إلى طاهر، بل الأصح أنه ليس هناك قسم يسمى طاهرا." اهـ

 

وفي "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (1/ 143_144) (رقم: 35):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» .

قَالَ أَبُو بَكْرٍ:

وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى كُلِّ نَائِمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ نَائِمًا عَلَى حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ نَائِمٍ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لَمَّا قَرَنَ النَّوْمَ إِلَى الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْغَائِطَ وَالْبَوْلَ حَدَثَانِ يُوجِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الطَّهَارَةَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ ذَلِكَ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْرُونُ إِلَيْهِمَا، وَهُوَ النَّوْمُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ النَّوْمُ،

وَالْأَخْبَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا عَلَى الْعُمُومِ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ إِلَى بَاطِنِهِ وَلَا عَنْ عُمُومِهِ إِلَى خُصُوصِهِ إِلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ،

وَلَا حُجَّةٍ مِنْ حَيْثُ ذَكَرْنَا مَعَ مَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عَلَى النَّائِمِ فِي حَالٍ وَأَسْقَطَهُ عَنْهُ فِي حَالٍ أُخْرَى.

وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ مَذْهَبُهُ إِيجَابُ الْوُضُوءِ عَلَى كُلِّ نَائِمٍ بِأَنْ قَالَ: (لَا يَخْلُو النَّوْمُ فِي نَفْسِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَدَثًا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ، أَوْ غَيْرَ حَدَثٍ، فَإِنْ كَانَ النَّوْمُ حَدَثًا كَالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، فَعَلَى النَّائِمِ الْوُضُوءُ عَلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَ النَّوْمُ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ أَوْ لَا يَكُونُ النَّوْمُ حَدَثًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَلَيْسَ يَجِبُ عَلَى نَائِمٍ الطَّهَارَةُ عَلَى أَيِّ جِهَةٍ___كَانَ النَّوْمُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ حَدَثٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ.

وَاحْتَجَّ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى إِيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ أُغْمِيَ بِمَرَضٍ، إِذَا أَفَاقَ عَلَى أَيِّ حَالٍ، كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ،

قَالَ: فَكَذَلِكَ النَّائِمُ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ. مَعَ أَنَّ الْأَخْبَارَ مُسْتَغْنًى بِهَا عَنْ كُلِّ قَوْلٍ،

وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِظَاهِرِ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» [د ق][1]." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (7/ 147)

"عندي أن ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من وجوب الغسل، وكون النهي للتحريم هو الأرجح؛ لظاهر النصّ، وسيأتي تحقيق البحث فيه قريبًا - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (7/ 151)

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن الأرجح ما ذهب إليه الجمهور من استحباب غسل اليد بعد الاستيقاظ من النوم، وليس ذلك على الوجوب، والذي صرف الأمر بالغسل عن الوجوب ما صحّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه توضّأ بعد الاستيقاظ من دون أن يغسل يديه، كما هو في "الصحيحين"، وغيرهما من حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -، حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - توضّأ من شنّ معلَّق بعد قيامه من النوم، ولم يرو عنه أنه غسل يديه، فدلّ على أن هذا الأمر للاستحباب، لا للوجوب.

ولا يقال: إنه من خصوصيّات النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه صحّ عنه أنه غسل يديه قبل إدخالهما الإناء حال اليقظة، فاستحبابه بعد النوم يكون من بابِ أولى، ويكون تركه لبيان الجواز، فتبصّر.

وقد ذكرت في "شرح النسائيّ" على هذا الحديث عشرين مسألةً مهمةً، فراجعه، تستفد علمًا جمًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ

 

طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 44)

وَالصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اقْتَرَنَ بِالْأَمْرِ مَا دَلَّ عَلَى النَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِالشَّكِّ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ مَسَّتْ يَدُهُ نَجَاسَةً لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ يَدِهِ.

 

وفي "فتح الباري" لابن حجر (1/ 265):

"وَفِي الْحَدِيثِ:

* الْأَخْذُ بِالْوَثِيقَةِ وَالْعَمَلُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَةِ،

* وَالْكِنَايَةُ عَمَّا يُسْتَحْيَا مِنْهُ إِذَا حَصَلَ الْإِفْهَامُ بِهَا،

* وَاسْتِحْبَابُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ ثَلَاثًا، لِأَنَّهُ أَمَرَنَا بِالتَّثْلِيثِ عِنْدَ تَوَهُّمِهَا، فَعِنْدَ تَيَقُّنِهَا أَوْلَى.

* وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ قَوْمٌ فَوَائِدَ أُخْرَى، فِيهَا بُعْدٌ، مِنْهَا:

* أَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ مَخْصُوصٌ بِالرُّخْصَةِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ.

* وَمِنْهَا: إِيجَابُ الْوضُوء من النّوم، قَالَه بن عَبْدِ الْبَرِّ.

* وَمِنْهَا: تَقْوِيَةُ مَنْ يَقُولُ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، حَكَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحه عَن بن عُيَيْنَةَ.

* وَمِنْهَا: أَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِإِدْخَالِ الْيَدِ فِيهِ لِمَنْ أَرَادَ الْوضُوء، قَالَه الْخطابِيّ صَاحب "الْخِصَال" من الشَّافِعِيَّة." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (7/ 148_149):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان النهي عن غمس من استيقظ يده في الإناء قبل غسلها ثلاثًا.

2 - (ومنها): أنه استُدِلَّ به على التفرقة بين ورود الماء على النجاسة، وبين ورود النجاسة على الماء، وهو ظاهر.

3 - (ومنها): أن النجاسة تؤثِّر في الماء، قال في "الفتح": وهو صحيح، لكن كونها تؤثر التنجيس، وإن لم يتغير فيه نظرٌ؛ لأن مطلق التأثير لا يدلّ على خصوص التأثير بالتنجيس، فيحتمل أن تكون الكراهة بالمتيقَّن أشدَّ من الكراهة بالمظنون، قاله ابن دقيق العيد، ومراده أنه ليست فيه دلالةٌ قطعيةٌ على من يقول: إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير. انتهى.

4 - (ومنها): أن فيه الأخذَ بالوثيقة، والعملَ بالاحتياط في العبادة، ما لم يخرج عن حدّ الاحتياط إلى حدّ الوسوسة.

5 - (ومنها): استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يُتَحاشَى من التصريح به، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَدرِي أين باتت يده"، ولم يقل: فلعل يده وقعت على دبره، أو ذكره، أو نجاسة، أو نحو ذلك، وإن كان هذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز، والأحاديث الصحيحة، وهذا إذا عُلِم أن السامع يَفهَم بالكناية المقصودَ، فإن لم يكن كذلك، فلا بُدَّ من التصريح؛ لينفي اللبس، والوقوعَ في خلاف المطلوب، وعلى هذا يُحْمَل ما جاء من ذلك مصرَّحًا به، والله تعالى أعلم، قاله النووي رحمه الله (1).

6 - (ومنها): استحباب غسل النجاسة ثلاثًا؛ لأنه أَمَرَنا بالتثليث عند توهمها فعند تيقنها أولى.

7 - (ومنها): أن موضع الاستنجاء مخصوص بالرخصة في جواز الصلاة، مع بقاء أثر النجاسة عليه، قاله الخطابيّ.___

8 - (ومنها): ما قيل: إن موضع الاستنجاء لا يطهر بالأحجار، بل يبقى نجسًا معفوًّا عنه في حقّ الصلاة، قاله النوويّ (1).

قال الجامع عفا الله عنه: تقييده بالصلاة فيه نظر؛ لأن الشارع حينما شرع الاستنجاء بالأحجار شرعه مطهّرًا، وإن بقي الأثر، سواء كان في الصلاة، أم في غيرها، وأما الأمر بالغسل للمستيقظ، فلا يستلزم النجاسة، فتفطّن، والله تعالى أعلم.

9 - (ومنها): إيجاب الوضوء من النوم، قاله ابن عبد البر، وفي استنباطه من الحديث خفاء.

10 - (ومنها): تقويةُ مَن يقول بالوضوء مِن مس الذكر، حكاه أبو عوانة في "صحيحه"، عن ابن عيينة، وفيه نظرٌ، كسابقه.

11 - (ومنها): أن القليل من الماء لا يصير مستعملًا بإدخال اليد فيه لمن أراد الوضوء، قاله الخفّاف، صاحب "الخصال" من الشافعية.

12 - (ومنها): أن النجاسة المتوهّمة تُغسل ثلاثًا استحبابًا.

13 - (ومنها): أن النجاسة المتوهَّمة يستحبّ فيها الغسل، ولا يؤثّر فيها الرشّ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "حتى يغسلها"، ولم يقل: حتى يغسلها، أو يرشّها، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) (1/ 253_254):

"أمرُهُ بغسل يده قبل أن يدخلها الماء الذي يريد أن يتوضأ به، أَمْرُ أدَبٍ واستحبابٍ لا أمر إيجاب وإلزام، وذلك لأنه علقه بالشك والارتياب،

والأمر المضمن بالشك والارتياب لا يكون واجبا، وأصل الماء الطهارة. وبدن الإنسان على حكم الطهارة كذلك أيضا، وإذا ثبتت الطهارة يقينا لم تزل بأمر مشكوك فيه، وإنما جاء هذا في المياه التي هي في حد القلة إذ كان قد جرت عاداتهم باستعمال الآنية الصغار في طهورهم كالمخاضب والركاء ونحوها___دون المياه التي في الحياض والبرك والمصانع الواسعة، فإنه إذا كان الماء في حد الكثرة لم يكن هذا المعنى موهوبا [موهوما]، وذهب بعض أهل الظاهر إلى إيجاب غسل اليد قبل إدخالها الإناء، فإن أدخلها فيه قبل غسلها فسد الماء. وفرق بعضهم بين نوم الليل ونوم النهار. قال: وذلك لأن الحديث إنما جاء في نوم الليل بدليل قوله: (أين باتت يده)، والمبيت إنما يكون ليلا، فإن الإنسان لا ينكشف لنوم النهار كما ينكشف لنوم الليل، فتطوف يده في أطراف بدنه كما تطوف يد النائم ليلا، وربما أصابت موضع العورة." اهـ

 

وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (1/ 214_216):

"ما يؤخذ من الحديث:

1 - وجوب غسل اليدين بعد القيام من نوم الليل، ثلاث مرَّات، فلا تكفي الغسلة ولا الغسلتان، واليد عند الإطلاق: يراد بها الكف فقط، فلا يدخل فيها الذراع؛ وهذا هو مذهب الإمام أحمد، والجمهور: على أنَّه مستحب.___

2 - قيدناه بنوم الليل؛ لقوله: "فإنَّه لا يدري أين باتت يده"، والبيتوتة: اسم لنوم الليل، وسيأتي مذهب الجمهور: أنَّها تغسل من عموم النوم، ليلاً أو نهارًا.[2]

3 - النَّهي عن إدخالهما الإناء قبل غسلهما ثلاثًا، لكن لو غسل يدًا واحدة ولم يغسل الأُخْرى، فله إدخالها وحدها؛ فلكلِّ يد حكمها.

وذكر الإناء دليلٌ على أنَّ النَّهي مخصوص بالأداة، دون البِرَكِ والحياض.

4 - أخذ أصحابنا من هذا الحديث أنَّ الماء المغموس فيه يد القائم من نوم الليل سلبت الطهورية منه، وأنَّه أصبح طاهرًا غير مطهِّر، ولكن هذا قول مرجوح، والصحيح: أنَّه باقٍ على طهوريته لما تقدَّم، من أنَّ الماء لا ينجس، إلاَّ إذا تغيَّرت صفة من صفاته بالنجاسة.

5 - قال الخطابي: فيه أنَّ الأخذ بالاحتياط في باب العبادات أولى.

قال النووي: ما لم يخرج عن حدِّ الاحتياط، إلى حدِّ الوسوسة.

6 - فيه استحباب الكناية عمَّا يستحيا منه، إذا حصل الإفهام بها.

7 - يجب على السَّامع لِسُنَّةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يتلقَّاها بالقبول، وإذا لم يفهم المعنى، فَلْيَرُدَّ هذا إلى قصور في العقل البشري؛ وإِلَّا فأحكام الله تعالى مبنيَّةٌ على المصالح؛ والله تعالى يقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}، أمَّا الخواطر الرديئة، فليدفعها عن نفسه؛ فإنَّها من إلقاء الشيطان ووسوسته.

* خلاف العلماء:

ذهب الشافعي والجمهور: إلى أنَّ كلَّ نومٍ من ليلٍ أو نهار، يشرع بعده غسل اليدين؛ لعموم قوله: "من نومه"؛ فإنَّه مفرد مضاف، وهو يعم كل نوم،

وأمَّا قوله: "أين باتت يده" فهو قيدٌ أغلبيٌّ، ومتى كان القيد أغلبيًّا، فهو عند الأصوليين لا مفهوم له؛ كما قال تعالى:

{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}

فهنا قيدان:

أحدهما: {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}. فهذا قيد مقصود، ولذا جاء مفهومه، وهو قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}.

القيد الثاني: قوله تعالى: {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}؛

فهذا قيدٌ أغلبيٌّ، والقيد الأغلبي لا مفهوم له، ولذا لم يأتِ له مفهوم في الآية الكريمة.

ومثل هذا القيد في حديث الباب، بقوله: (باتت يده)؛ فإنَّه قيدٌ أغلبيٌّ، فلا يقتضي التخصيص، ولا مفهوم له،

وإذًا فليس نوم الليل شرطًا في غسل اليد ثلاثًا من النوم.

وأمَّا المشهور من مذهب الإمام أحمد: فإنَّه لا أثر لنوم النَّهار، وإنَّما وجوب الغسل خاص بنوم الليل؛ لقوَّة: (فإنَّ أحدكم لا يدري أين باتت يده).

واختلف العلماء في الحكمة من غسل اليدين ثلاثًا، بعد الاستيقاظ من النوم:

* فذهب بعضهم: إلى أنَّها من الأمور التي طُوِيَتْ عَنَّا حِكْمتُها، فلم نعْلَمْها، مع اعتقادنا أنَّ أحكام الله تعالى مبنيَّة على المصالح والمنافع، وأنَّ قول النَّبي _صلى الله عليه وسلم_: (لا يدري أين باتت يده)، يشير إلى هذا الخفاء في العلَّة.

* وبعضهم قال: لها علَّة مدركة محسوسة، والإنسان يده معه حال نومه، وإنَّما فيه إشارة إلى أنَّ يد النَّائم تجول في بدنه بدون إحساس، وأنَّها قد تلامس أمكنة من بدنه، لم يتم تطهيرها بالماء؛ فَتَعْلَقُ بها النجاسة.

أمَّا شيخ الإِسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ فيقول:

"إنَّ مشروعية غسل اليدين، هو ملامسة الشيطان لهما؛ ويدل على ذلك التعليل: (فإنَّ أحدكم لا يدري أين باتت)،

ومثله جاء في الحديث الذي قبله: "فَإنَّ الشيطان يبيت على خيشومه" [رواه البخاري (3295) ومسلم (238)].

وهذا تعليل مرضيٌّ مقبول؛ ولعلَّ المصنِّف لم يقرن الحديثين هنا، إلاَّ إشارة إلى تقارب المعنى بينهما، والله أعلم.

واختلف العلماء -أيضًا- هل لهذا الأمر معنًى، أم أنَّه تعبدي؟:

والرَّاجح من قولي العلماء: أنَّه معقول؛ ويدل عليه قوله: (فإنَّه لا يدري أين باتت يده). وممَّن يرى أنَّ الأمر فيها تعبدي: المالكية والحنابلة."

 

طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 44_45):

"تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَدَلَ قَوْلِهِ (فِي وَضُوئِهِ) (فِي إنَائِهِ)، وَفِي رِوَايَةٍ (فِي الْإِنَاءِ).

وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِالْأَوَانِي دُونَ الْبِرَكِ، وَالْحِيَاضٍ الَّتِي لَا يُخَافُ فَسَادُ مَائِهَا بِغَمْسِ الْيَدِ فِيهَا عَلَى تَقْدِيرِ نَجَاسَتِهَا

وَلِذَلِكَ قَالَ قَيْسٌ الْأَشْجَعِيُّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ___حِينَ حَدَّثَ بِهَذَا: فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِهْرَاسَكُمْ هَذَا فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِهِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّك رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فَكَرِهَ أَبُو هُرَيْرَةَ ضَرْبَ الْأَمْثَالِ لِلْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ حَوْضًا فَحَصَبَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ أُخْبِرُك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُ أَرَأَيْت إنْ كَانَ حَوْضًا فَكَرِهَ ابْنُ عُمَرَ ضَرْبَ الْأَمْثَالِ بِحَدِيثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ شَدِيدَ الِاتِّبَاعِ لِلْأَثَرِ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُ إذَا كَانَ الْإِنَاءُ كَبِيرًا لَا يُمْكِنُهُ تَحْرِيكُهُ وَلَمْ يَجِدْ إنَاءً يَغْتَرِفُ بِهِ أَخَذَ الْمَاءَ مِنْهُ بِفَمِهِ أَوْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ النَّظِيفِ وَغَسَلَ بِهِ يَدَهُ أَوْ يَسْتَعِينُ بِمَنْ يَصُبُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الشَّكِّ فِي النَّجَاسَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي." اهـ

 

طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 46)

فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ اسْتِحْبَابُ التَّثْلِيثِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَلَكِنَّ التَّثْلِيثَ الْمَأْمُورَ هَلْ هُوَ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ أَوْ هُوَ التَّثْلِيثُ الْمَشْرُوعُ فِي الْوُضُوءِ؟ مَحَلُّ النَّظَرِ.

 

طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 46)

فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّثْلِيثِ فِي غَسْلِ النَّجَاسَاتِ مُطْلَقًا غَيْرِ الْمُغَلَّظَةِ الَّتِي أَمَرَ بِالسَّبْعِ فِيهَا، فَإِنَّ فِي اسْتِحْبَابِ التَّثْلِيثِ فِيهَا خِلَافًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَإِذَا أَمَرَ بِالتَّثْلِيثِ فِي مَوْضِعِ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فَالْإِتْيَانُ بِهِ مَعَ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

 

طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 46)

فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّثْلِيثِ فِي غَسْلِ النَّجَاسَاتِ مُطْلَقًا غَيْرِ الْمُغَلَّظَةِ الَّتِي أَمَرَ بِالسَّبْعِ فِيهَا، فَإِنَّ فِي اسْتِحْبَابِ التَّثْلِيثِ فِيهَا خِلَافًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَإِذَا أَمَرَ بِالتَّثْلِيثِ فِي مَوْضِعِ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فَالْإِتْيَانُ بِهِ مَعَ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

 

طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 51)

فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْكِنَايَةِ عَمَّا يُسْتَحْيَا مِنْهُ إذَا حَصَلَ الْإِفْهَامُ بِالْكِنَايَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ يَدَهُ تَمُرُّ عَلَى فَرْجِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بَلْ كَنَّى عَنْ ذَلِكَ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِفْهَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

 

طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 51)

يَنْبَغِي لِلسَّامِعِ لِأَقْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَلَقَّاهَا بِالْقَبُولِ وَدَفْعِ الْخَوَاطِرِ الرَّادَّةِ لَهَا، وَأَنَّهُ لَا يَضْرِبُ بِهَا الْأَمْثَالَ فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ شَخْصًا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ وَأَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ مِنْهُ فَاسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ وَيَدُهُ فِي دَاخِلِ دُبُرِهِ مَحْشُوَّةً فَلَمْ تَخْرُجْ حَتَّى تَابَ عَنْ ذَلِكَ وَأَقْلَعَ،

وَالْأَدَبُ مَعَ أَقْوَالِهِ بَعْدَهُ كَالْأَدَبِ مَعَهُ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ سَمِعَهُ يَتَكَلَّمُ فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحْفَظَ قُلُوبَنَا مِنْ الْخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ وَيَرْزُقَنَا الْأَدَبَ مَعَ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

 



[1]  أخرجه أبو داود في "سننه" (1/ 52) (رقم: 203)، ابن ماجه في "سننه" (1/ 161) (رقم: 477)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (1/ 148) (رقم: 113)

[2]  وقال العراقي _رحمه الله_ في " طرح التثريب في شرح التقريب" (2/ 43):

"وَقَدْ خَالَفَ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ صَاحِبَهُ إِسْحَاق بْنُ رَاهْوَيْهِ فَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ اسْتَيْقَظَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا إلَّا أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا الْوُضُوءَ قَالَ: وَالْقِيَاسُ فِي نَوْمِ اللَّيْلِ أَنَّهُ مِثْلُ نَوْمِ النَّهَارِ.

وَمَا قَالَهُ إِسْحَاقُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد «وَأَيْنَ كَانَتْ تَطُوفُ يَدُهُ» وَرِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ «وَأَيْنَ طَافَتْ يَدُهُ» وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِيغَةٍ أَوْ فِي الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَكًّا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا يُرِيدُ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فِي الْمَبِيتِ أَوْ أَيْنَ كَانَتْ تَطُوفُ يَدُهُ فِي نَوْمِهِ مَسَاءً كَانَ أَوْ نَهَارًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 60 من رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي