آدابُ الصِّيَامِ - محقق

 

آدابُ الصِّيَامِ

 

 

 

كَتَبَهُ:

عبد القادر أبو فائزة البوجيسي

_حَفِظَهُ اللَّهُ_


1 - الدعاء عند رؤية الهلال:

 

عَنْ ابْنِ عُمَرَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ قَالَ:

كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ:

«اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ»

أخرجه الدارمي في "سننه" (2/ 1050) (رقم: 1729)، وابن حبان "صحيحه" (3/ 171) (رقم: 888)، المعجم الكبير للطبراني (12/ 356) (رقم: 13330)

 

والحديث صحيح لغيره: صححه الألباني في "تخريج الكلم الطيب" (ص: 138) (رقم: 162)

 

وقال ناصر الدين عبد الله بن عمر، الشهير بـ"القاضي البيضاوي" (ت 685هـ) _رحمه الله_ في "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" (2/ 99)

"وفي الحديث بهذا المعنى: أي: أطلعه علينا وأرنا إياه مقترنا بالأمن والإيمان." اهـ

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 691):

"في هذا الحديث: مشروعية الدعاء عند رؤية الهلال، وقد ورد في ذلك أدعية مشهورة." اهـ

 

2 - الإخلاص في الصيام:

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»

أخرجه البخاري في "صحيحه" (1/ 16) (رقم: 38)، ومسلم في "صحيحه" (1/ 523/ 175) (رقم: 760)

 

وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى:  852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (4/ 115):

"وَالْمُرَادُ بِـ(الْإِيمَانِ): الِاعْتِقَادُ بِحَقِّ فَرْضِيَّةِ صَوْمِهِ، وَبِـ(الِاحْتِسَابِ): طَلَبُ الثَّوَابِ مِنَ اللَّهِ _تَعَالَى_،

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: (احْتِسَابًا) أَيْ عَزِيمَةً وَهُوَ أَنْ يَصُومَهُ عَلَى مَعْنَى الرَّغْبَةِ فِي ثَوَابِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ بِذَلِكَ غَيْرَ مُسْتَثْقِلٍ لِصِيَامِهِ وَلَا مُسْتَطِيلٍ لِأَيَّامِهِ." اهـ

 

وقال أبو سليمان الخطابي _رحمه الله_ في "أعلام الحديث" (شرح صحيح البخاري) (2/ 945):

"معنى (الإيمان به): التصديق بوجوبه، والتعظيم لحقه، ومعنى (الاحتساب فيه): أن يتلقى الشهر بطيبة نفس، فلا يتجهم لمورده، وأن لا يستطيل زمانه، لكن يغتنم طول أيامه وامتداد ساعاتها لما يرجوه من الأجر والثواب فيها." اهـ

 

وقال ابن الأثير _رحمه الله_ في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (1/ 382):

"وَفِيهِ: «مَن صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا واحتِسَاباً»، أَيْ: طَلَبا لوجْه اللَّهِ وَثَوَابِهِ. فالاحْتِسَاب مِنَ الحَسَبِ، كالاعْتِداد مِنَ العَدّ،

وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَنْ يَنْوي بعَمَله وجْه اللَّهِ احْتَسَبَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَعْتَدَّ عَمله، فجُعِل فِي حَالِ مبُاشَرة الفِعل كَأَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ. والحِسْبَةُ اسْمٌ مِنَ الاحْتِسَاب، كالعدَّة مِنَ الِاعْتِدَادِ،

والاحْتِسَابُ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَعِنْدَ الْمَكْرُوهَاتِ: هُوَ البِدَارُ إِلَى طَلَب الأجْر وَتَحْصِيلِهِ بالتَّسْليم والصَّبر، أَوْ بِاسْتِعْمَالِ أَنْوَاعِ البِرّ وَالْقِيَامِ بِهَا عَلَى الوجْه المرْسُوم فِيهَا طَلَباً للثَّواب المرْجُوّ مِنْهَا." اهـ

 

وقال لابن بطال القرطبي _رحمه الله_ في "شرح صحيح البخارى" (4/ 21):

"وهذا الحديث دليلٌ بيِّنٌ أن الأعمال الصالحة لاَ تَزْكُوْ ولاَ تُتَقَبَّلُ، إِلاَّ مَعَ الاحتسابِ وصِدْقِ النِّيَّاتِ، كما قال _عليه السلام_: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» [خ م]." اهـ

 

3 - تبيِيت النية في صوم الفريضة:

 

ففي "سنن النسائي" (4/ 197) (رقم: 2336):

قَالَتْ حَفْصَةُ، زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعْ قَبْلَ الْفَجْرِ»، وصححه الألباني

 

سنن أبي داود (2/ 329) (رقم: 2454):

عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ» د ت س ق - صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1114) (رقم: 6538)

 

وفي "سنن ابن ماجه" (1/ 542) (رقم: 1700):

«لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنَ اللَّيْلِ»، وصححه الألباني _رحمه الله في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1249) (رقم: 7516)        

 

قال أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني الجزري، المعروف بـ"ابن الأثير" (المتوفى: 630هـ) _رحمه الله_ في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (1/ 296):

"وَفِيهِ «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا صِيامَ لَهُ» الإِجْمَاعُ: إحْكام النِّيَّة والعَزيمة. أَجْمَعْتُ الرَّأي وأزمَعْتُه وعزَمْتُ عَلَيْهِ بمعْنًى.

 

وفي "تحفة الأحوذي" (3/ 353):

ظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ بِلَا نِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا،

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابن عُمَرَ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَمَالِكٌ، وَالْمُزَنِيُّ، وَدَاوُدُ.

وَذَهَبَ الْبَاقُونَ: إِلَى جَوَازِ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ، وَخَصَّصُوا هَذَا الْحَدِيثَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ:

أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَأْتِينِي، وَيَقُولُ: (أَعْنَدَكِ غَدَاءٌ) فَأَقُولُ لَا فَيَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ." [د ت س – حسن صحيح][1]

وَفِي رِوَايَةٍ: (إِنِّي إذن لصائم) [م]،

و(إذن) لِلِاسْتِقْبَالِ وَهُوَ جَوَابٌ وَجَزَاءٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ. قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَاقُونَ." اهـ

 

[تعليق]: "ففي سنن النسائي (4/ 193) (رقم: 2322):

عَنْ عَائِشَةَ _رضي الله عنها_ قَالَتْ:

"دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَوْمًا، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟»، فَقُلْتُ: "لَا." قَالَ: «فَإِنِّي صَائِمٌ».

ثُمَّ مَرَّ بِي بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَدْ أُهْدِيَ إِلَيَّ حَيْسٌ فَخَبَأْتُ لَهُ مِنْهُ، وَكَانَ يُحِبُّ الْحَيْسَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَخَبَأْتُ لَكَ مِنْهُ، قَالَ: «أَدْنِيهِ أَمَا إِنِّي قَدْ أَصْبَحْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَأَكَلَ مِنْهُ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ الْمُتَطَوِّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا»

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (21/ 239_240):

"في فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو جواز صوم التطوّع بنيّة من النهار

(ومنها): جواز الفطر للمتطوّع متى شاء، ولو بلا عذر

(ومنها): ما كان عليه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من التقلّل من الدنيا زهدًا في ملذات الدنيا الفانية، وإيثارًا لما عند اللَّه، من نعيم الآخرة: قال اللَّه تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}

(ومنها): ما كان عليه___الصحابة - رضي اللَّه عنهم - من مواساة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بما عندهم من طيبات الطعام

(ومنها): ما كان عليه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من قبول الهدية

(ومنها): ضرب المثل للتقريب إلى الأذهان

(ومنها): أن من أخرج شيئًا من ماله للتصدق به، ثم بدا له أن لا يتصدّق، فله ذلك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

 

4 - كثرة الصدقات في رمضان:

 

ففي "صحيح البخاري" (1/ 8) (رقم: 6)، و"صحيح مسلم" (4/ 1803/ 50) (رقم: 2308):

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»

 

وقال ابن الجوزي _رحمه الله_ في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (2/ 312_313):

"الْجُود: كَثْرَة الْإِعْطَاء. وَإِنَّمَا كثر جوده _عَلَيْهِ السَّلَام_ فِي رَمَضَان لخمسة أَشْيَاء:

* أَحدهَا: أَنه شهر فَاضل، وثواب الصَّدَقَة يتضاعف فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْعِبَادَات.

قَالَ الزُّهْرِيّ: تَسْبِيحَة فِي رَمَضَان خير من____سبعين فِي غَيره.

* وَالثَّانِي: أَنه شهر الصَّوْم، فإعطاء النَّاس إِعَانَة لَهُم على الْفطر والسحور.

* وَالثَّالِث: أَن إنعام الْحق يكثر فِيهِ،

فقد جَاءَ فِي الحَدِيث: (أَنه يُزَاد فِيهِ رزق الْمُؤمن، وَأَنه يعْتق فِيهِ كل يَوْم ألف عَتيق من النَّار).[2]

فَأحب الرَّسُول أَن يُوَافق ربه عز وَجل فِي الْكَرم.

* وَالرَّابِع: أَن كَثْرَة الْجُود كالشكر لترداد جِبْرِيل إِلَيْهِ فِي كل لَيْلَة.

* وَالْخَامِس: أَنه لما كَانَ يدارسه الْقُرْآن فِي كل لَيْلَة من رَمَضَان زَادَت معاينته الْآخِرَة، فَأخْرج مَا فِي يَدَيْهِ من الدُّنْيَا." اهـ

 

وقال محمد بن علي الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج" (37/ 413):

"في فوائده:

1 - (منها): الحثّ على الجود في كلّ وقت، ومنها الزيادة في رمضان، وعند الاجتماع بأهل الصلاح.

2 - (ومنها): استحباب زيارة الصلحاء، وأهل الخير، وتكرار ذلك، إذا كان المزور لا يكرهه.___

4 - (ومنها): استحباب مدارسة القرآن، وغيره من العلوم الشرعية في

رمضان." اهـ             

 

 

 

5 – تعويد النفسِ اجتنابَ الرفث والصخب والسباب

 

ففي "صحيح البخاري" (3/ 26) (رقم: 1904)، و"صحيح مسلم" (2/ 807/ 163) (رقم: 1151):

عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ "

«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ»

" لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ "

 

وفي "صحيح البخاري" (3/ 24) (رقم: 1894):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ."

 

وفي "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (4/ 24):

قال الداودي: تخصيصه فى هذا الحديث ألا يرفث ولا يجهل، وذلك لا يحل فى غير الصيام، وإنما هو تأكيد لحرمة الصوم عن الرفث والجهل، كما قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 1، 2] ، والخشوع فى الصلاة أوكد منه فى غيرها، وقال فى الأشهر الحرم: (فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة: 36] ، فأكد حرمة الأشهر الحرم، وجعل الظلم فيها آكد من غيرها، فينبغى للصائم أن يعظم من شهر رمضان ما عظم الله ورسوله، ويعرف ما لزمه من حرمة الصيام. قال غيره: واتفق جمهور العلماء على أن الصائم لا يفطره السب والشتم والغيبة، وإن كان مأمورًا أن ينزه صيامه عن اللفظ___القبيح، وقال الأوزاعى: إنه يفطر بالسب والغيبة." اهـ

 

[تعليق]: وقال الذهبي _رحمه الله- في "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (8/ 416) (رقم: 206):

"عُبَيْد اللَّه بْن علي بْن عُبَيْد اللَّه بن داود، أبو القاسم الدَّاوديُّ المصريُّ القاضي [المتوفى: 375 هـ] شيخ أهل الظاهر في عصره." اهـ

 

وقال تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع المنفلوطي المصري الشافعي ، المعروف بـ"ابن دقيق العيد القشيري" (المتوفى: 702 هـ) _رحمه الله_ في "شرح الإلمام بأحاديث الأحكام" (3/ 208):

"المقصود: النهيُ عن هذه المنافيات للصوم، وتعظيمُ أمر الصوم؛ لتقديم كونه جُنَّة." اهـ

 

6 – تعجيل الفطر:

 

ففي "صحيح البخاري" (3/ 36) (رقم: 1957)، و"صحيح مسلم" (2/ 771/ 48) (رقم: 1098):

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»

 

وقال الحافظ ابن عبد البر _رحمه الله_ في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (21/ 97_98)::

"مِنَ السُّنَّةِ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ. وَالتَّعْجِيلُ: إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِاسْتِيقَانِ بِمَغِيبِ الشَّمْسِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْطِرَ، وَهُوَ شَاكٌّ هَلْ غَابَتْ___الشَّمْسُ أَمْ لَا لِأَنَّ الْفَرْضَ إِذَا لَزِمَ بِيَقِينٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ إِلَّا بِيَقِينٍ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَأَوَّلُ اللَّيْلِ مَغِيبُ الشَّمْسِ كُلِّهَا فِي الأفق عن أعين الناظرين من شَكَّ لَزِمَهُ التَّمَادِي حَتَّى لَا يَشُكَّ فِي مَغِيبِهَا." اهـ

 

وقال أبو الوليد الباجي _رحمه الله_ في "المنتقى شرح الموطإ" (2/ 42):

"لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ مَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى سُنَّةٍ وَسَبِيلٍ، وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى وَجْهِ التَّشَدُّدِ وَالْمُبَالَغَةِ وَاعْتِقَادِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْفِطْرُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى حَسِبَ مَا تَفْعَلُهُ الْيَهُودُ،

وَأَمَّا مَنْ أَخَّرَ فِطْرَهُ بِاخْتِيَارِهِ لِأَمْرٍ عَنَّ لَهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ كَمُلَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ." اهـ

 

وقال العثيمين في مجالس شهر رمضان (ص: 77):

"ومن آداب الصيام المستحبةِ: تعجيلُ الفُطور إذا تحقق غروبُ الشَّمْسِ بمُشَاهدتِها أو غَلَب على ظنِّه الغروبُ بِخبرٍ موثوقٍ به بأذانٍ أو غيرِه." اهـ

 

 

 

 

 

 

7 - الفِطْرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قبْلَ أَدَاءِ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ:

 

روى أبو داود - بسند حسن - عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:

«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ»

أخرجه أبو داود في "سننه" (2/ 306) (رقم: 2356)، والترمذي في "سننه"  – ت. شاكر (3/ 70) (رقم: 696)، وحسنه الألباني "إرواء الغليل" (4/ 45) (رقم: 922)

 

وقال ابن مفلح _رحمه الله_ في "الآداب الشرعية والمنح المرعية" (2/ 371):

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَوَّلُ التَّمْرِ (طَلْعٌ)، ثُمَّ (خِلَالٌ)، ثُمَّ (بَلَحٌ)، ثُمَّ (بُسْرٌ)، ثُمَّ (رُطَبٌ)، ثُمَّ (تَمْرٌ). الْوَاحِدَة: بَلَحَةٌ، وَبُسْرَةٌ،" اهـ

 

وقال الْمُناوي في "فيض القدير" (1/ 290):

"فإن الإفطار عليه ثواب كثير، فالأمر به شرعي، وفيه: شوب إرشاد لأن الصوم ينقص البصر ويُفَرِّقُهُ، والتمر يجمعه، ويرد الذاهب لخاصية فيه، ولأن التمر إن وصل إلى المعدة وهي خالية أغذى، وإلا أخرج بقايا الطعام." اهـ

 

وقال الأمير الصنعاني _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع الصغير" (8/ 606):

"فهو سنته، وهديه: تقديم الإفطار على المغرب، والرطب على التمرِ والماءِ، وقد تقدم وجه الحكمة في ذلك غير مرة." اهـ

 

وقال في "سبل السلام" (1/ 564):

"وَوَرَدَ فِي عَدَدِ التَّمْرِ أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ فِي مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِفْطَارَ بِمَا ذُكِرَ هُوَ السُّنَّةُ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَذَا مِنْ كَمَالِ شَفَقَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمَّتِهِ وَنُصْحِهِمْ فَإِنَّ إعْطَاءَ الطَّبِيعَةِ الشَّيْءَ الْحُلْوَ مَعَ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ أَدْعَى إلَى قَبُولِهِ وَانْتِفَاعِ الْقُوَى بِهِ لَا سِيَّمَا الْقُوَّةُ الْبَاصِرَةُ فَإِنَّهَا تَقْوَى بِهِ وَأَمَّا الْمَاءُ فَإِنَّ الْكَبِدَ يَحْصُلُ لَهَا بِالصَّوْمِ نَوْعٌ يَبِسٌ فَإِنْ رَطُبَتْ بِالْمَاءِ كَمُلَ انْتِفَاعُهَا بِالْغِذَاءِ بَعْدَهُ هَذَا مَعَ مَا فِي التَّمْرِ وَالْمَاءِ مِنْ الْخَاصِّيَّةِ الَّتِي لَهَا تَأْثِيرٌ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا أَطِبَّاءُ الْقُلُوبِ." اهـ

 

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ _رحمه الله_ في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 48):

"وَكَانَ يَحُضُّ عَلَى الْفِطْرِ بِالتَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ، هَذَا مِنْ كَمَالِ شَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ وَنُصْحِهِمْ، فَإِنَّ إِعْطَاءَ الطَّبِيعَةِ الشَّيْءَ الْحُلْوَ مَعَ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ أَدْعَى إِلَى قَبُولِهِ وَانْتِفَاعِ الْقُوَى بِهِ، وَلَا سِيَّمَا الْقُوَّةُ الْبَاصِرَةُ، فَإِنَّهَا تَقْوَى بِهِ، وَحَلَاوَةُ الْمَدِينَةِ التَّمْرُ، وَمُرَبَّاهُمْ عَلَيْهِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ قُوتٌ وَأُدْمٌ وَرُطَبُهُ فَاكِهَةٌ.

وَأَمَّا الْمَاءُ فَإِنَّ الْكَبِدَ يَحْصُلُ لَهَا بِالصَّوْمِ نَوْعُ يُبْسٍ. فَإِذَا رُطِّبَتْ بِالْمَاءِ كَمُلَ انْتِفَاعُهَا بِالْغِذَاءِ بَعْدَهُ. وَلِهَذَا كَانَ الْأَوْلَى بِالظَّمْآنِ الْجَائِعِ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَ الْأَكْلِ بِشُرْبِ قَلِيلٍ مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَأْكُلَ بَعْدَهُ، هَذَا مَعَ مَا فِي التَّمْرِ وَالْمَاءِ مِنَ الْخَاصِّيَّةِ الَّتِي لَهَا تَأْثِيرٌ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا أَطِبَّاءُ الْقُلُوبِ.

وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، وَكَانَ فِطْرُهُ عَلَى رُطَبَاتٍ إِنْ وَجَدَهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ." اهـ

 

وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/ 262):

"وَحَدِيثَا أَنَسٍ وَسُلَيْمَانَ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِفْطَارِ بِالتَّمْرِ، فَإِنْ عُدِمَ فَبِالْمَاءِ وَلَكِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ مِنْ التَّمْرِ أَوْلَى مِنْ الْيَابِسِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ إنْ وُجِدَ،

وَإِنَّمَا شُرِعَ الْإِفْطَارُ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُ حُلْوٌ، وَكُلُّ حُلْوٍ يُقَوِّي الْبَصَرَ الَّذِي يَضْعَفُ بِالصَّوْمِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْمُنَاسِبَةِ وَبَيَانِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ.

وَقِيلَ: لِأَنَّ الْحُلْوَ يُوَافِقُ الْإِيمَانَ وَيَرِقُ الْقَلْبَ، وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ كَوْنَهُ حُلْوًا، وَالْحُلْو لَهُ ذَلِكَ التَّأْثِيرُ فَيُلْحَقُ بِهِ الْحَلَوِيَّاتُ كُلُّهَا، أَمَّا مَا كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ حَلَاوَةً فَبِفَحْوَى الْخِطَابِ، وَمَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فَبِلَحْنِهِ." اهـ

 

8 - كثرة تلاوة القرآن في رمضان:

 

قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

 

ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المُرسَلة[خ م].

 

روى الترمذي - وقال: حسن صحيح - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((مَن قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميم حرف))

 

وقال ابن عاشور التونسي المالكي _رحمه الله_ في "التحرير والتنوير" (2/ 172_173) عند تفسير الآية المذكورة:

"وَاخْتِيرَ شَهْرُ رَمَضَانَ مِنْ بَيْنِ الْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ قَدْ شُرِّفَ بِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهِ، فَإِنَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ لَمَّا كَانَ لِقَصْدِ تَنْزِيهِ الْأُمَّةِ وَهُدَاهَا نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ مَا بِهِ تَطْهِيرُ النُّفُوسِ وَالتَّقَرُّبِ مِنَ الْحَالَةِ الْمَلَكِيَّةِ وَاقِعًا فِيهِ،

وَالْأَغْلَبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ أَيَّامَ تَحَنُّثِهِ فِي غَارِ حِرَاءَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ إِلْهَامًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَلْقِينَا لِبَقِيَّةٍ___مِنَ الْمِلَّةِ الحنيفية فَلَمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَمَرَ اللَّهُ الْأُمَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ بِالصَّوْمِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ،

 

وقال عبيد الله الرحمني _رحمه الله_ في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (7/ 212):

"قال الشوكاني: والحديث فيه التصريح بأن قاري القرآن له بكل حرف منه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. ولما كان الحرف فيه يطلق على الكلمة المتركبة من حرف أوضح النبي - صلى الله عليه وسلم -، إن المراد هنا الحرف البسيط المنفرد لا الكلمة، وهذا أجر عظيم وثواب كبير ولله الحمد." اهـ

 

وأفضل القراءة ما يكون على ترتيل وتدبر، لتكون أوقع في النفوس وأقوى تأثيرا لها بخلاف ما إذا كانت القراءة سريعة دون تمهلٍ وتريثٍ.

 

قال ابن القيم _رحمه الله_ في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (1/ 328):

"وَالصَّوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ثَوَابَ قِرَاءَةِ التَّرْتِيلِ وَالتَّدَبُّرِ أَجَلُّ وَأَرْفَعُ قَدَرًا، وَثَوَابَ كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ أَكْثَرُ عَدَدًا،

فَالْأَوَّلُ: كَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَوْهَرَةٍ عَظِيمَةٍ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ نَفِيسَةٌ جِدًّا، وَالثَّانِي: كَمَنْ تَصَدَّقَ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ، أَوْ أَعْتَقَ عَدَدًا مِنَ الْعَبِيدِ قِيمَتُهُمْ رَخِيصَةٌ." اهـ

 

التبصرة لابن الجوزي (2/ 267)

وَاعْلَمْ أَنَّ لِتِلاوَةِ الْقُرْآنِ آدَابًا:

مِنْهَا: أَنْ يَقْرَأَ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ مُتَأَدِّبًا مُطْرِقًا مُرَتِّلا بِتَحْزِينٍ وَبُكَاءٍ مُسِرًّا مُعَظِّمًا لِلْكَلامِ وَالْمُتَكَلَّمِ بِهِ مُحْضِرًا لِقَلْبِهِ، مُتَدَبِّرًا لِمَا يَتْلُوهُ.

وَقَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ مَنْ يَخْتِمُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَقَدْ كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْتِمُ فِي الْوِتْرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَخْتِمُ خَتْمَتَيْنِ.

وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْتِمُ فِي رَمَضَانَ سِتِّينَ خَتْمَةً وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتِمُ ثَلاثَ خَتَمَاتٍ، وَهَؤُلاءِ الَّذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمُ انْتِهَابُ الْعُمْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَخْتِمُ فِي كُلِّ

أُسْبُوعٍ اشْتِغَالا بِنَشْرِ الْعِلْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَخْتِمُ كُلَّ شَهْرٍ إِقْبَالا عَلَى التَّدَبُّرِ.

 

التبصرة لابن الجوزي (2/ 267)

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فَلَهُ دَعْوَةٌ: مُسْتَجَابَةٌ.

 

10 - الدعاء أثناء الصيام:

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ."

وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 481) (رقم: 6392): و"الدعوات الكبير" (2/ 309) (رقم: 647)، والرافعي في "التدوين في أخبار قزوين" (3/ 114)، وابن عساكر في "المعجم" (1/ 338) (رقم: 405)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (6/ 74) (رقم: 2057)

وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 582) (رقم: 3032)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" (4/ 406) (رقم: 1797)

 

وقال المناوي _رحمه الله_ في "فيض القدير" (3/ 301):

"كامل الصوم الذي صان جميع جوارحه عن المخالفات فيجاب دعاؤه لطهارة جسده بمخالفة هواه." اهـ

 

وقال ولي الله الدهلوي _رحمه الله_ في "حجة الله البالغة" (2/ 117)::

"وَاعْلَم أَن أقرب الدَّعْوَات من الاستجابة مَا اقْترن بِحَالهِ هِيَ مَظَنَّة نزُول الرَّحْمَة:

* إِمَّا لكَونهَا كَمَالاً للنَّفس الإنسانية، كدعاءٍ عُقَيْبَ الصَّلَوَات، ودعوة الصَّائِم حِين يفْطر،

* أَو معدة لاستنزال جود الله كالدعاء يَوْم عَرَفَة،

* أَو لكَونهَا سَببا لموافقة عناية الله فِي نظام الْعَالم، كدعوة الْمَظْلُوم - فَإِن لله عناية بانتقام الظَّالِم - وَهَذَا مُوَافقَة مِنْهُ لتِلْك الْعِنَايَة." اهـ

 

وقد ورد في "مسند أحمد" – ط. عالم الكتب (2/ 254) (رقم: 7450):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - هُوَ شَكَّ ، يَعْنِي الأَعْمَشَ - قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ).

وأخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/ 275) (رقم: 6401)، وصححه إسناده شعيب الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (12/ 420) (رقم: 7450)، والألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 433) (رقم: 2169)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 586) (رقم: 1002)

 

فيض القدير (2/ 477)

وهذه منقبة عظيمة لرمضان وصوامه وللدعاء والداعي

<تنبيه> قال الحكيم:

"دعاء كل إنسان إنما يخرج على قدر ما عنده من قوة القلب فربما يخرج شديد النور شمس تطلع وقد يخرج دعاء بمنزلة قمر يطلع ودعاء يخرج ببعض تقصير فنوره كالكواكب." اهـ

 

11 - عدم ترك السحور:

 

ففي "صحيح البخاري" (3/ 29) (رقم: 1923)، و"صحيح مسلم" (2/ 770/ 45) (رقم: 1095):

عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»

 

 

[تعليق]

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (4/ 140):

"(فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً)، هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ، وَبِضَمِّهَا، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَرَكَةِ: الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ، فَيُنَاسِبُ الضَّمُّ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّسَحُّرِ أَوِ الْبَرَكَةُ،

* لِكَوْنِهِ يُقَوِّي عَلَى الصَّوْمِ، وَيُنَشِّطُ لَهُ، وَيُخَفِّفُ الْمَشَقَّةَ فِيهِ.

فَيُنَاسِبُ الْفَتْحَ لِأَنَّهُ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ. وَقِيلَ: الْبَرَكَةُ مَا يُتَضَمَّنُ مِنَ الِاسْتِيقَاظِ وَالدُّعَاءِ فِي السَّحَرِ. وَالْأَوْلَى: أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي السُّحُورِ تَحْصُلُ بِجِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ:

* وَهِيَ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ،

* وَمُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ،

* وَالتَّقَوِّي بِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ،

* وَالزِّيَادَةُ فِي النَّشَاطِ،

* وَمُدَافَعَةُ سُوءِ الْخُلُقِ الَّذِي يُثِيرُهُ الْجُوعُ،

* وَالتَّسَبُّبُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ إِذْ ذَاكَ أَوْ يَجْتَمِعُ مَعَهُ عَلَى الْأَكْلِ،

* وَالتَّسَبُّبُ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَقْتَ مَظِنَّةِ الْإِجَابَةِ،

* وَتَدَارُكُ نِيَّةِ الصَّوْمِ لِمَنْ أَغْفَلَهَا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ

قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ:

"هَذِهِ الْبَرَكَةُ يَجُوزُ أَنْ تَعُودَ إِلَى:

* الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ السُّنَّةِ يُوجِبُ الْأَجْرَ وَزِيَادَتَهُ،

* وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ إِلَى الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، كَقُوَّةِ الْبَدَنِ عَلَى الصَّوْمِ وَتَيْسِيرِهِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِالصَّائِمِ.

قَالَ: "وَمِمَّا يُعَلَّلُ بِهِ اسْتِحْبَابُ السُّحُورِ الْمُخَالَفَةُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ عِنْدَهُمْ وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلزِّيَادَةِ فِي الْأُجُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ." اهـ

 

تنبيه:

 

قد جاء عدة أحاديث في فضل السحور، فمنها:

 

1/ ما أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (1/ 413) (رقم: 724)، والخطيب في "مُوَضِّحِ أوهامِ الْجمْع والتفريقِ" (1/ 496) (رقم: 83)، وعبد الغني المقدسي في "فضائل شهر رمضان" (ص: 77) (رقم: 46):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْبَرَكَةَ فِي السَّحُورِ وَالْكَيْلَ»

حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 358) (رقم: 1735)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3/ 281) (رقم: 1291)

 

[تعليق]: وقال الأمير الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (3/ 291):

"(إن الله تعالى جعل البركة) هي الزيادة والنمو (في السحور) في أكلة السحور والكيل فيما يكال فلا يدخل ولا يخرج إلا بمكيال." اهـ

 

2/ سنن النسائي (4/ 145) (رقم: 2162):

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:

دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَهُوَ يَتَسَحَّرُ، فَقَالَ: «إِنَّهَا بَرَكَةٌ أَعْطَاكُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا فَلَا تَدَعُوهُ»

صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 620) (رقم: 1069).

 

[تعليق]:

وقال السيوطي في "الحاشية على سنن النسائي" (4/ 145)

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ مِمَّا اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي صَوْمِهَا

 

3/ وفي "سنن الدارمي" (2/ 1057) (رقم: 1739):

عَنْ أَبِي قَيْسٍ - مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - قَالَ:

كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصْنَعَ لَهُ الطَّعَامَ يَتَسَحَّرُ بِهِ، فَلَا يُصِيبُ مِنْهُ كَثِيرًا، فَقُلْنَا لَهُ: تَأْمُرُنَا بِهِ وَلَا تُصِيبُ مِنْهُ كَثِيرًا؟ قَالَ: إِنِّي لَا آمُرُكُمْ بِهِ أَنِّي أَشْتَهِيهِ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ»

وأخرجه مسلم في "صحيحه" (2/ 770/ 46) (رقم: 1096)، وأبو داود في "سننه" (2/ 302) (رقم: 2343)، والنسائي في "سننه" (4/ 146) (رقم: 2166).

 

[تعليق]

وقال الشيخ محمد بن علي الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (20/ 556_557):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان استحباب السُّحور.

2 - (ومنها): بيان أن الصوم شريعة قديمة، فُرض على أهل الكتاب، وهو ما دلّ عليه الكتاب، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة: 183].___

3 - (ومنها): بيان أن أهل الكتاب ما كان لهم السحور؛ فكانوا لا يأكلون ولا يشربون بعد النوم كما كان ذلك في أول الإسلام، حيث إن من نام لا يحلّ له إذا استيقظ أن يأكل، ويشرب، ويجامع أهله، حتى نسخه الله تعالى بقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى أن قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة: 187] الآية.

4 - (ومنها): بيان ما منّ الله تعالى به على هذه الأمة من التخفيف والتيسير، ورفع الإصر والأغلال التي كانت على بني إسرائيل، فشرع لهم السحور حتى يتقوّوا به على الصوم، وجعله فاصلًا بين صومهم وبين صوم أهل الكتاب.

5 - (ومنها): بيان أن ما جاء به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كله سهل، وشر، فقد رفع الله تعالى بسببه كل العسر،

قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} إلى أن قال: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الآية [الأعراف: 157].

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (2/ 255):

أي أنه جاء بالتيسير والسماحة، كما ورد الحديث من طُرُق عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بُعِثتُ بالحنيفية السَّمْحَة"، وقال -صلى الله عليه وسلم- لأميريه: معاذ وأبي موسى الأشعريّ لما بعثهما إلى اليمن: "بشِّرا ولاتنفرا، وَيسِّرا ولاتُعَسِّرا، وتطاوعا، ولا تختلفا"، متّفقٌ عليه." اهـ

 

4/ وفي "مسند أحمد" - عالم الكتب (3/ 12) (رقم: 11086):

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ _رضي الله عنه_ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

"السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلاَ تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ _عَزَّ وَجَلَّ_ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ."

صححه لغيره الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (17/ 150) (رقم: 11086)

 

5/ وفي "سنن أبي داود" (2/ 303) (رقم: 2344)، و"سنن النسائي" (4/ 145) (رقم: 2163):

عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّحُورِ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: «هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ»

صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 620) (رقم: 1067)

 

[تعليق]

وقال الخطابي _رحمه الله_ في "معالم السنن" (2/ 104):

"إنما سماه غداء لأن الصائم يتقوى به على صيام النهار فكأنه قد تغدى والعرب تقول غدا فلان لحاجته إذا بكر فيها وذلك من لدن وقت السحر إلى طلوع الشمس." اهـ

 

وقال ابن الحاج الفاسي _رحمه الله_ في "المدخل" (2/ 254):

"سَمَّوْا السَّحُورَ (الْغَدَاءَ الْمُبَارَكَ)، لِأَنَّ وَقْتَ السُّحُورِ قَرِيبٌ مِنْ وَقْتِ الْغَدَاءِ،

وَيَحْصُلُ لَهُ مَعَ ذَلِكَ أَجْرُ الصِّيَامِ مَعَ نَشَاطِ بَدَنِهِ وَتَوْفِيرِ عُمْرِهِ لِقِيَامِ لَيْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا تَسَحَّرَ فِي اللَّيْلِ حَصَلَ لَهُ الْكَسَلُ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ بِسَبَبِ الْبُخَارِ الَّذِي يَصْعَدُ إلَى دِمَاغِهِ فَيُدَخِّنُ عَلَيْهِ فَيَغْلِبُهُ النَّوْمُ،

بِخِلَافِ مَا إذَا تَسَحَّرَ قَرِيبًا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْهُ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرْضِ فِي أَوْرَادِهِ وَاشْتَغَلَ بِهَا ثُمَّ تَصَرَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُهِمَّاتِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ التَّهَجُّدُ فِي لَيْلِهِ وَخِفَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ فِي نَهَارِهِ وَيَنْضَبِطُ حَالُهُ." اهـ

 

12 - يستحب أن يجعل في سحوره تمرًا:

 

ففي سنن أبي داود (2/ 303) (رقم: 2345):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_:

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ»

وصححه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2/ 104) (رقم: 562)، "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 621) (رقم: 1072)

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1590)

قوله ((نعم سحور المؤمن التمر)) وإنما مدحه في هذا الوقت؛ لأن في نفس السحور بركة، وتخصيصه بالتمر بركة علي بركة،

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 478)

فإن التسحر به بركة عظيمة وثواباً كثيراً فيطلب تقديمه في السحور وكذا في الفطور إن لم يوجد رطب وإلا فهو أفضل في زمنه. قال الطيبي: وإنما مدح التمر في هذا الوقت؛ لأن في نفس السحور ببركة وتخصيصه بالتمر بركة على بركة كما سبق: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة ليكون المبدوء به والمنتهي إليه البركة والله تعالى أعلم

 

شرح سنن أبي داود للعباد (271/ 8) - بترقيم الشاملة:

التمر كان طعاماً رئيسياً عندهم، وهذا يدل على أن التسحر بالتمر ممدوح؛ لأن (نعم) هذه من صيغ المدح كما هو معلوم.

 

صحيح ابن حبان (8/ 253)

ذِكْرُ الِاسْتِحْبَابِ لِمَنْ أَرَادَ الصِّيَامَ أَنْ يَجْعَلَ سَحُورَهُ تَمْرًا

 

وقال محمود بن خطاب السبكي _رحمه الله_ في "المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود" (10/ 66):

"وفيه: الترغيب فى السحور بالتمر." اهـ

 

وقال عبد الحق الدهلوي _رحمه الله_ في "لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح" (4/ 437):

"والتمر بركة، وتناوله في وقت السحر بركة على بركة، ونور على نور، ولما كان الإفطار والتسحر به، كان الابتداء والانتهاء بركة." اهـ

 

13 - تأخير السحور:

 

ففي صحيح البخاري (3/ 29) (رقم: 1921): عَنْ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ»، قُلْتُ: "كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟" قَالَ: «قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً»[3]

 

روى الإمام أحمد - بسند حسن - عن أبي عطية رضي الله عنه قال: قلت لعائشة: فينا رجلانِ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أحدهما يُعجل الإفطار ويؤخر السحور، والآخر يؤخر الإفطار ويعجل السحور، قالت: أيهما الذي يُعجل الإفطار ويؤخر السحور؟ قلت: عبدالله بن مسعود، قالت: هكذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصنع[19].

 

وفي "فتح الباري" لابن حجر (4/ 138_139):

" * وَقَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ: "فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَوْقَاتِهُمْ كَانَتْ مُسْتَغْرَقَةً بِالْعِبَادَةِ وَفِيهِ تَأْخِيرُ السُّحُورِ لِكَوْنِهِ أبلغ فِي الْمَقْصُود.

* قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ: "كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ بِأُمَّتِهِ فَيَفْعَلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَسَحَّرْ لَاتَّبَعُوهُ، فَيَشُقُّ عَلَى بَعْضِهِمْ. وَلَوْ تَسَحَّرَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ لَشَقَّ أَيْضًا عَلَى بَعْضِهِمْ مِمَّنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ النَّوْمُ، فَقَدْ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ الصُّبْحِ أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُجَاهَدَةِ بِالسَّهَرِ."

* وَقَالَ: "فِيهِ أَيْضًا: تَقْوِيَةٌ عَلَى الصِّيَامِ لِعُمُومِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الطَّعَامِ. وَلَوْ تُرِكَ، لَشَقَّ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ صَفْرَاوِيًّا فَقَدْ يُغْشَى عَلَيْهِ فَيُفْضِي إِلَى الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ."

* قَالَ: "وَفِي الْحَدِيثِ: تَأْنِيسُ الْفَاضِلِ أَصْحَابَهُ بِالْمُؤَاكَلَةِ، وَجَوَازُ الْمَشْيِ بِاللَّيْلِ لِلْحَاجَةِ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ مَا كَانَ يَبِيتُ مَعَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَفِيهِ: الِاجْتِمَاعُ عَلَى السُّحُورِ، وَفِيهِ: حُسْنُ الْأَدَبِ فِي الْعِبَارَةِ لِقَوْلِهِ: (تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_)، وَلَمْ يَقُلْ: (نَحْنُ وَرَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_)، لِمَا يُشْعِرُ لَفْظُ الْمَعِيَّةِ بِالتَّبَعِيَّةِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: "فِيهِ: دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْفَرَاغَ مِنَ السُّحُورِ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ___الْفَجْرِ." اهـ

 

14 - عدم الإفراط والسرف في تناول الطعام:

 

ففي "سنن الترمذي" – ت. شاكر (4/ 590) (رقم: 2380)، و"سنن ابن ماجه" (2/ 1111) (رقم: 3349):

عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

«مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ. بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ»

وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (7/ 41) (رقم: 1983)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" (5/ 336) (رقم: 2265).

 

حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 321)

قَوْلُهُ: (شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ) قِيلَ: لِأَنَّهُ سَبَبُ غَالِبِ أَمْرَاضِ الْبَدَنِ. قُلْتُ: مَعَ أَنَّهُ يَمْنَعُ عَنِ الطَّاعَةِ وَيُفْضِي إِلَى الْبَطَالَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

وقال ابن رجب _رحمه الله_ في "جامع العلوم والحكم" – ت. الأرنؤوط (2/ 468):

"وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ جَامِعٌ لِأُصُولِ الطِّبِّ كُلِّهَا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَاسَوَيْهِ الطَّبِيبَ لَمَّا قَرَأَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي " كِتَابِ " أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: لَوِ اسْتَعْمَلَ النَّاسُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، سَلِمُوا مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، وَلَتَعَطَّلَتِ الْمَارِسْتَانَاتُ وَدَكَاكِينُ الصَّيَادِلَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ كُلِّ دَاءٍ التُّخَمُ." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 468_469):

"وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ كَلَدَةِ طَبِيبُ الْعَرَبِ:

"الْحَمِيَّةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ، وَالْبِطْنَةُ رَأْسُ___الدَّاءِ." وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا.

وَقَالَ الْحَارِثُ أَيْضًا:

"الَّذِي قَتَلَ الْبَرِيَّةَ، وَأَهْلَكَ السِّبَاعَ فِي الْبَرِّيَّةِ إِدْخَالُ الطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ قَبْلَ الِانْهِضَامِ."

وَقَالَ غَيْرُهُ: "لَوْ قِيلَ لِأَهْلِ الْقُبُورِ: (مَا كَانَ سَبَبُ آجَالِكُمْ؟) قَالُوا: "التُّخَمُ."

فَهَذَا بَعْضُ مَنَافِعِ تَقْلِيلِ الْغِذَاءِ، وَتَرْكِ التَّمَلِّي مِنَ الطَّعَامِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَصِحَّتِهِ. وَأَمَّا مَنَافِعُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقَلْبِ وَصَلَاحِهِ، فَإِنَّ قِلَّةَ الْغِذَاءِ تُوجِبُ رِقَّةَ الْقَلْبِ، وَقُوَّةَ الْفَهْمِ، وَانْكِسَارَ النَّفْسِ، وَضَعْفَ الْهَوَى وَالْغَضَبِ، وَكَثْرَةُ الْغِذَاءِ تُوجِبُ ضِدَّ ذَلِكَ." اهـ

 

والإسراف والإفراط في تناول الطعام مما نهى عنه الشارع الحكيم، لما فيه من الشرور.

1/ وقال الله _تعالى_:

{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]

 

[تعليق]

وقال ابن كثير في "تفسيره" – ت. سامي سلامة (3/ 406):

"قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: (جَمَعَ اللَّهُ الطِّبَّ كُلَّهُ فِي نِصْفِ آيَةٍ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا})

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (كُلْ مَا شِئْتَ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ خَصْلَتَانِ: سرَف ومَخِيلة)." اهـ

 

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 287)

والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات الذي يضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفه والتنوق في المآكل والمشارب واللباس، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام.

{إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} فإن السرف يبغضه الله، ويضر بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن تركهما، وعن الإسراف فيهما." اهـ

 

2/ وفي "صحيح البخاري" (7/ 71) (رقم: 5393)، و صحيح مسلم (3/ 1631/ 182) (رقم: 2060):

عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:

"كَانَ ابْنُ عُمَرَ، لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا، فَقَالَ:

(يَا نَافِعُ، لاَ تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»)."

 

وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" (14/ 25):

"قَالَ الْعُلَمَاءُ: "وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ التقليل مِنَ الدُّنْيَا وَالْحَثُّ عَلَى الزُّهْدِ فِيهَا وَالْقَنَاعَةُ مَعَ أَنَّ قِلَّةَ الْأَكْلِ مِنْ مَحَاسِنِ أَخْلَاقِ الرجل وكثرة الأكل بضده.

وأما قول بن عُمَرَ فِي الْمِسْكِينِ الَّذِي أَكَلَ عِنْدَهُ كَثِيرًا: (لا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيَّ)، فَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْكُفَّارَ، وَمَنْ أَشْبَهَ الْكُفَّارَ كُرِهَتْ مُخَالَطَتُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ، وَلِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَأْكُلُهُ هذا يمكن___أَنْ يَسُدَّ بِهِ خُلَّةَ جَمَاعَةٍ." اهـ

 

3/ وفي "سنن الترمذي" (4/ 649) (رقم: 2478)، و"سنن ابن ماجه" (2/ 1111) (رقم: 3350):

عَنْ ابْنِ عُمَرَ _رضي الله عنهما_ قَالَ:

"تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَقَالَ: «كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ القِيَامَةِ»

وحسنه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 672) (رقم: 343)

 

وفي "المدخل" لابن الحاج (3/ 113):

"وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

(مَا شَبِعْت مُنْذُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا إلَّا شُبْعَةً فَطَرَحْتهَا؛ لِأَنَّ الشِّبَعَ يُثْقِلُ الْبَدَنَ، وَيُقْسِي الْقَلْبَ، وَيُزِيلُ الْفَطِنَةَ، وَيَجْلِبُ النَّوْمَ، وَيُضْعِفُ صَاحِبَهُ عَنْ الْعِبَادَةِ)."

 

وفي "الجوع" لابن أبي الدنيا (ص: 57) (رقم: 49)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (2/ 351): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، قَالَ:

«مَنْ قُلَّ طُعْمُهُ، فَهِمَ وَأَفْهَمَ، وَصَفَّا وَرَقَّ، وَإِنَّ كَثْرَةَ الطَّعَامِ لَيُثْقِلُ صَاحِبَهُ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُرِيدُ»

 

الجوع لابن أبي الدنيا (ص: 54) (رقم: 42):

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْخَوَّاصُ: «حَتْفُكَ فِي شِبَعِكَ، وَحَظُّكَ فِي جُوعِكَ. إِذَا أَنْتَ شَبِعْتَ، فَنِمْتَ، اسْتَمْكَنَ مِنْكَ الْعَدُوُّ، فَجَثَمَ عَلَيْكَ. وَإِذَا أَنْتَ تَجَوَّعْتَ، كُنْتَ لِلْعَدُوِّ بِمَرْصَدٍ»

 

وفي "الجوع" لابن أبي الدنيا (ص: 73) (رقم: 84):

عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْبِطْنَةَ، فَإِنَّهَا تُقَسِّي الْقَلْبَ»

 

وفي "إصلاح المال" لابن أبي الدنيا (ص: 103) (رقم: 352):

قَالَ عُمَرُ _رضي الله عنه_:

«أَيُّهَا النَّاسُ، إِيَّاكُمْ وَالْبِطْنَةَ؛ فَإِنَّهَا مَكْسَلَةٌ عَنِ الصَّلَاةِ، مَفْسَدَةٌ لِلْجَسَدِ، مُؤْثِرَةٌ لِلسَّقْمِ، فَإِنَّ اللَّهَ _عَزَّ وَجَلَّ_ يَبْغَضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ،

وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي قُوتِكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَدْنَى مِنَ الْإِصْلَاحِ، وَأَبْعَدُ مِنَ السَّرَفِ، وَأَقْوَى عَلَى عِبَادَةِ الرَّبِّ _عَزَّ وَجَلَّ_، فَإِنَّهُ لَنْ يُهْلَكَ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْثِرَ شَهْوَتَهُ عَلَى دِينِهِ»

 

الجوع لابن أبي الدنيا (ص: 73) (رقم: 83):

عن سَلَمَةَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: «إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُعَيَّرُ بِالْبِطْنَةِ، كَمَا يُعَيَّرُ بِالذَّنْبِ يَعْمَلُهُ»

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 471):

"وَعَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ:

(مَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ بَطْنُهُ أَكْبَرَ هَمِّهِ، وَأَنْ تَكُونَ شَهْوَتُهُ هِيَ الْغَالِبَةَ عَلَيْهِ)."

 

وفي "الجوع" لابن أبي الدنيا (ص: 78) (رقم: 99):

قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: «مَنْ مَلَكَ بَطْنَهُ، مَلَكَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ كُلَّهَا»

 

 

الجوع لابن أبي الدنيا (ص: 81) (رقم: 107):

قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ: "كَانَ يُقَالُ: قِلَّةُ الطُّعْمِ عَوْنٌ عَلَى التَّسَرُّعِ فِي الْخَيْرَاتِ." اهـ

 

الجوع لابن أبي الدنيا (ص: 97) (رقم: 142):

عن أَبَي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، يَقُولُ:

"كَانَ يُقَالُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُنَوَّرَ قَلْبُهُ، فَلْيُقِلَّ طُعْمَهُ."

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 472):

"وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ زَائِدَةَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَصِحَّ جِسْمُكَ، وَيَقِلَّ نَوْمُكَ، فَأَقِلَّ مِنَ الْأَكْلِ.

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 473)

وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ:

(مَا شَبِعْتُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً، وَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْبَعَ الْيَوْمَ مِنَ الْحَلَالِ، لِأَنَّهُ إِذَا شَبِعَ مِنَ الْحَلَالِ، دَعَتْهُ نَفْسُهُ إِلَى الْحَرَامِ، فَكَيْفَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْذَارِ؟)." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 473)

وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ قَالَ:

(مَنْ ضَبَطَ بَطْنَهُ، ضَبَطَ دِينَهُ. وَمَنْ مَلَكَ جُوعَهُ، مَلَكَ الْأَخْلَاقَ الصَّالِحَةَ. وَإِنَّ مَعْصِيَةَ اللَّهِ بَعِيدَةٌ مِنَ الْجَائِعِ، قَرِيبَةٌ مِنَ الشَّبْعَانِ. وَالشِّبَعُ يُمِيتُ الْقَلْبَ، وَمِنْهُ يَكُونُ الْفَرَحُ وَالْمَرَحُ وَالضَّحِكُ." اهـ

 

الجوع لابن أبي الدنيا (ص: 88_89) (رقم: 124):

عن قُثَمَ الْعَابِدِ، يَقُولُ:

«عَصَوُا اللَّهَ بِلَذِيذِ الطَّعَامِ فِي الْعَاقِبَةِ، فَنَغَّصَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ شَهْوَتِهِ عِنْدَهُمْ فِي الْعَاجِلَةِ، طُوبَى لِلِمُجَوِّعِينَ لِلَّهِ رَجَاءَ ثَوَابِهِ، أُولَئِكَ غَدًا عِنْدَهُ مِنْ أَكْرَمِ أَوْلِيَائِهِ»

قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " كَانَ يُقَالُ: مَا قَلَّ طُعْمُ امْرِئٍ قَطُّ إِلَّا رَقَّ قَلْبُهُ، وَنَدِيَتْ عَيْنَاهُ."

 

الجوع لابن أبي الدنيا (ص: 78) (رقم: 102):

وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: " كَانَ يُقَالُ: (لَا تَسْكُنُ الْحِكْمَةُ مِعْدَةً مَلْأَى)."

 

15 - استحباب تفطير الصائمين:

 

ففي "سنن الترمذي" – ت. شاكر (3/ 162) (رقم: 807)، و" سنن ابن ماجه (1/ 555) (رقم: 1746):

عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»

وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1095) (رقم: 6415)

 

وفي "السنن الكبرى" للنسائي (3/ 375) (رقم: 3316):

عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ حَاجًّا أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ»

صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 623) (رقم: 1078)

 

مصنف عبد الرزاق الصنعاني (4/ 312) (رقم: 7909): عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ[4]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «الصَّائِمُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ الطَّعَامُ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ»

 

[تعليق]: وقال الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (3/ 503) عن أثر عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ _رضي الله عنهما_:

"وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وهو موقوف في حكم المرفوع، ويشهد له دعاء الضيف: "أفطر عندكم الصائمون...وصلَّت عليكم الملائكة." الحديث، وهو مخرج في " آداب الزفاف " (ص 91 - 92).

فإن الصلاة هنا جملة دعائية كالجملتين الأخريين، وإنما يدعى بشيء يمكن أن يقع

إذا توفر سببه، وهذا ما أكده ابن عمرو رضي الله عنه بحديثه هذا. والله أعلم." اهـ

 

وفي "سنن أبي داود" (3/ 367) (رقم: 3854):

عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

«أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ»[5]

وصححه الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (2/ 1226) (رقم: 4249).

 

وقال فيصل بن عبد العزيز الْحُرَمِلِيُّ _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 704): "فيه: فضيلة تفطير الصائم." اهـ

 

وقال العلامة الشيخ العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (5/ 315):

"من نعمة الله _سبحانه وتعالى_ على عباده: أنْ شَرَعَ لهم التعاوُنَ على البر والتقوى. ومن ذلك: تفطيرُ الصائمِ، لأن الصائم مأمور بأن يُفْطِرَ، وأنْ يُعَجِّل الفِطْرَ، فإذا أعين على هذا، فهو من نعمة الله عز وجل_." اهـ

 

وقال الحافظ ابن الملقن _رحمه الله_ في "التوضيح لشرح الجامع الصحِيْحِ" (17/ 482):

"كل من أعان مؤمنًا على عمل بر فلِلْمُعِيْنِ علَيْهِ مِثْلُ أجرِ العاملِ كما فيمن فطر صائمًا أو قَوَّاهُ على صومه، فكل من أعان حاجًّا أو معتمرًا على حجته أو عمرته حَتَّى يأتي به على تمامه، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ." اهـ

 

وقال عبد الرؤوف الْمُنَاوِيُّ _رحمه الله_ في "فيض القدير" (6/ 187):

"قال الطيبي:

(نظم الصائم في سلك الغازي لانخراطهما في معنى المجاهدة مع أعداء الله، وقدَّم الصائمَ، لأن الصوم من الجهاد الأكبر، جهادِ النَّفْسِ بكفها عن شهواتها)." اهـ

 

وقال الأمير الصنعاني _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع الصغير" (10/ 330):

"وفيه: حثٌّ على الأمرين بالِغٌ، وضَمِّ الصائِمِ إلى المجاهد؛ لأن الكل جهاد ذلك لجيش الأعداء، والآخَرُ لجيش الشهوات." اهـ

 

وقال وَلِيُّ اللهِ الدِّهْلَوِيُّ _رحمه الله_ في "حُجّة اللهِ البالغةِ" (2/ 81):

"من فطَّر صَائِما لِأَنَّهُ صَائِم، يسْتَحق التَّعْظِيم، فَإِن ذَلِك صَدَقَةٌ وتعظيمٌ للصَّوْم وصِلَةٌ بِأَهْل الطَّاعَات، فَإِذا تمثلت صورته فِي الصُّحُف كَانَ متضمنا لِمَعْنى الصَّوْم من وُجُوه، فجوزي بذلك." اهـ

 

وقال الأمير الصنعاني _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع الصغير" (10/ 329):

"وينبغي للصائم قبولُ ما يُعْطَاهُ أنْ يُفْطِرَ به إعانةً لأخِيْهِ على الآخرَةِ وإجابتُهُ إن دعاه للعشاء." اهـ

 

وقال المناوي _رحمه الله_ في "فيض القدير" (6/ 187):

"فيه دلالة على تفضيل غني شاكر على فقير صابر." اهـ

 

فائدة الحديث الأخير عن أنس:

 

وقال المناوي _رحمه الله_ في "فيض القدير" (2/ 54):

"وفيه: أنه يندب بمن أفطر عنده صائم أن يدعو له بذلك بناء على أن الجملة دعائية وهو أقرب من جعلها خبرية وذلك مكافأة له على ضيافته إياه

 

وقال الأمير الصنعاني _رحمه الله_ في "التحبير لإيضاح معاني التيسير" (6/ 298):

"وظاهره أنَّه يدعو الإنسان لمن أطعمه بهذا سواءً كان في إفطاره عنده أو غيره." اهـ

 

وقال الأمير الصنعاني _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع الصغير" (8/ 346):

"فيه: أن هذا الدعاء بخصوصه يقال لمن يفطر عندهم لا من يضيفونه ولو مفطراً." اهـ

 

وقال العلامة الشوكاني _رحمه الله_ في "تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين" (ص: 224)

"وَقد اشْتَمَل هَذَا الحَدِيث على ثَلَاث دعوات كلهَا مُوجبَة لِلْأجرِ وَالْبركَة:

* فَإِن من أفطر عِنْده الصائمون، اسْتحق الْأجر الْمَوْعُود بِهِ فِيمَن فطر صَائِما،

* وَمن أكل طَعَامه الْأَبْرَار، كَانَ لَهُ أجر الْإِطْعَام مُوَفَّرًا، لكَون الآكلين لَهُ من الْأَبْرَار،

* وَمن صلت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة، فقد فَازَ، لِأَن دعوتهم لَهُ بِالرَّحْمَةِ مَقْبُولَة." اهـ

 

وقال أبو الليث السَّمَرْقَنْدِيُّ _رحمه الله_ في "بستان العارفين" (ص: 346):

ويقال: يجب على الضيف أربعة أشياء:

* أولها: أن يَجْلِسَ حيْث يُجْلِسَهُ،

* والثاني: أن يرضى بما قدم إليه،

* والثالث: أن لا يقوم، إلا بإذن رب البيت،

* والرابع: أن يدعو له إذا خرج. وكان النبي _صلى الله عليه وسلم_ إذا خرج يقول: (أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، ونزلت عليكم الرحمة)." اهـ

 

16 - الحرص على صلاة التراويح:

 

ففي صحيح البخاري (1/ 16) (رقم: 37)، صحيح مسلم (1/ 523/ 173) (رقم: 759):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»

 

وفي "صحيح البخاري" (رقم: 1901 و 2014)، و"صحيح مسلم" (1/ 523/ 175) (رقم: 760):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_:

عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا»

 

شرح النووي على مسلم (6/ 40)

وَهَذِهِ الصِّيغَةُ تَقْتَضِي التَّرْغِيبَ وَالنَّدْبَ دُونَ الْإِيجَابِ، وَاجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ.

قَوْلُهُ: (فَتُوُفِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ)

مَعْنَاهُ: اسْتَمَرَّ الْأَمْرُ هَذِهِ الْمُدَّةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَقُومُ رَمَضَانَ فِي بَيْتِهِ منفردا حتى انقضى صدرا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ جَمَعَهُمْ عُمَرُ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَى فِعْلِهَا جَمَاعَةً وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ

 

ومما يُرَغِّبُنَا في صلاة التراويح: ما ورد في "المعجم الكبير" للطبراني (8/ 92) (رقم: 7466):

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، قَالَ:

«عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ»

وحسنه الألباني _رحمه الله_ في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 399) (رقم: 624)

 

تنبيه:

 

ومن السنة في صلاة الترويح: ألاَّ ينصرف المأمومون حتى ينصرف الإمام من الوتر، فقد ورد ما يدل على ذلك في "سنن أبي داود" (2/ 50) (رقم: 1375)، و"سنن الترمذي" – ت. شاكر (3/ 160) (رقم: 806)، و"سنن النسائي" (3/ 202) (رقم: 1605)، سنن ابن ماجه (1/ 420) (رقم: 1327):

عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "...وَقَامَ بِنَا فِي الخَامِسَةِ، حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»

وصححه الألباني _رحمه الله_ في "إرواء الغليل" (2/ 193) (رقم: 447)

 

[تعليق]: وقال ابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (5/ 187):

"فِي قَوْلِهِ «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَتْ لَهُ بَقِيَّةُ لَيْلَتِهِ»: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ، مَعَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «صَلَاةُ الْجَمِيعِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وَيَدُلُّ عَلَى تَرْكِ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ." اهـ

 

وقال الشيخ محمد بن علي الإثيوبي _رحمه الله_ في "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" = شرح سنن النسائي (16/ 30)

"في فوائده:

منها: ما بوّب له المصنف _رحمه الله تعالى_، وهو بيان ثواب من صلّى مع الإمام حتى ينصرف." اهـ

 

17 - الاجتهاد في العشر الأواخر:

 

ففي "صحيح البخاري" (3/ 47) (رقم: 2024):

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ»

 

وفي صحيح مسلم (2/ 832/ 8) (رقم: 1175)، و"سنن الترمذي" (3/ 152) (رقم: 796)، و"سنن ابن ماجه" (1/ 562) (رقم: 1767):

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا»

 

وقال القاضي عياض اليحصبي _رحمه الله_ في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 158)

وقوله: (كان _عليه السلام_ إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر):

قيل: هو كناية عن الجد والتشمير فى العبادة، وقيل: كناية عن ترك النساء والاشتغال بهن." اهـ

 

وقال فيصل بن عبد العزيز آل مبارك الحريملي _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 90)

في هذا الحديث: الجِدُّ والاجتهاد في العبادة، خصوصًا في الأوقات الفاضلة، واغتنام صالح العمل في العشر الأواخر من رمضان؛ لأنَّ فيها ليلة خير من ألف شهر.

 

وقال النووي _رحمه الله_ في شرح صحيح مسلم (8/ 71):

"فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُزَادَ مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَاسْتِحْبَابُ إِحْيَاءِ لَيَالِيهِ بِالْعِبَادَات." اهـ

 

وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 159):

"وقوله: (وأيقظ أهله): فيه حث الرجل أهله على فعل الخير ونوافل البر." اهـ

 

18 - الاعتكاف:

 

ففي صحيح البخاري (3/ 47) (رقم: 2025)، و" صحيح مسلم (2/ 830/ 1_2) (رقم: 1171):

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ»

 

وقال الشيخ فيصل الحريملي _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 706):

"الاعتكاف: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وهو قربة.

قال الله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة (125) ] .

وقال تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة (187) ] ، وهو مشروع بالكتاب والسنَّة والإجماع." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (5/ 315_316)::

"والاعتكاف: لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل وهو مشروع في العشر الأواخر من رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأخير ثم اعتكف العشر الأوسط يتحرى ليلة القدر ثم قيل له: (إنها في العشر الأواخر) فصار يعتكف العشر الأواخر من رمضان وبهذا عرفنا أنه لا___يشرع الاعتكاف في غير رمضان وأن ما ذكره بعض العلماء من أنه ينبغي للإنسان إذا قصد المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة مكثه فيه قول لا دليل عليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعه لأمته لا بقوله ولا بفعله يعني لم يقل للناس: (إذا دخلتم المسجد، فانووا الاعتكاف فيه، في أي وقت)،

ولم يكن يفعل ذلك هو بنفسه وإنما كان يعتكف العشر الأواخر تحريا لليلة القدر، ولهذا ينبغي للمعتكف ألا يشتغل إلا بالطاعة من صلاة وقراءة القرآن وذكر وغير ذلك حتى تعليم العلم

قال العلماء: لا ينبغي للمعتكف أن يشتغل بتعليم العلم بل يقبل على العبادات الخاصة لأن هذا الزمن مخصوص للعبادات الخاصة." اهـ

 

وقال ابن حجر في "فتح الباري" (4/ 285):

"قَالَ ابن بَطَّالٍ:

مُوَاظَبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الِاعْتِكَافِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ.

وَقد روى ابن الْمُنْذر عَن ابن شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:

(عَجَبًا لِلْمُسْلِمِينَ تَرَكُوا الِاعْتِكَافَ، وَالنَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لَمْ يَتْرُكْهُ مُنْذُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ)." اهـ

 

19 - زكاة الفطر:

 

ففي صحيح مسلم (2/ 677/ 12) (رقم: 984):

عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

«أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنَ الْمُسْلِمِينَ»

 

صحيح البخاري (2/ 130) (رقم: 1503):

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ»

 

وفي "صحيح البخاري" (2/ 131) (رقم: 1506):

عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ:

«كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ»

 

صحيح البخاري (2/ 131)

1510 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ»، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ»

 

 

معالم السنن (2/ 48)

فيه من الفقه أن وجوب زكاة الفطر وجوب فرض لا وجوب استحباب وفيه بيان أنها واجبة على الصغير والكبير.

 

وقال عبد العزيز بن باز _رحمه الله_ في "فتاوى نور على الدرب" - بعناية الشويعر (15/ 290):

"الصواب أنه يخرجها طعامًا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، هذا قول جمهور أهل العلم، والقول بإخراج النقود بدلاً من الطعام قولٌ ضعيف، والصواب أن الواجب على المسلمين إخراج الزكاة طعامًا، صاعًا من قوت البلد هذا هو الواجب، ولا يجوز لأحد الاجتهاد في هذا بإخراج النقود." اهـ

 

وقال النووي في "المجموع شرح المهذب" (6/ 144):

"لَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ فِي الْفِطْرَةِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ." اهـ



[1]  أخرجه صحيح مسلم (2/ 809/ 170) (رقم: 1154)، سنن أبي داود (2/ 329) (رقم: 2455)، سنن الترمذي ت شاكر (3/ 102) (رقم: 734)، سنن النسائي (4/ 193_195) (رقم: 2322_2330)

[2]  أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (3/ 191) (رقم: 1887):

عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، وَشَهْرٌ يَزْدَادُ فِيهِ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ، مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ» ، قَالُوا: لَيْسَ كُلُّنَا نَجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، فَقَالَ: " يُعْطِي اللَّهُ هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى تَمْرَةٍ، أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ، أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ، وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ، مَنْ خَفَّفَ عَنْ مَمْلُوكِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَأَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ، وَاسْتَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: خَصْلَتَيْنِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ، وَخَصْلَتَيْنِ لَا غِنًى بِكُمْ عَنْهُمَا، فَأَمَّا الْخَصْلَتَانِ اللَّتَانِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ: فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَتَسْتَغْفِرُونَهُ، وَأَمَّا اللَّتَانِ لَا غِنًى بِكُمْ عَنْهمَا: فَتُسْأَلُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعُوذُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ أَشْبَعَ فِيهِ صَائِمًا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ "

وفيه: عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وضعفه الالباني من أجله في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (2/ 262) (رقم: 871).

[3]  وفي تحفة الأحوذي (3/ 317): "وقدر بالرفع على أنه خبر المتبدأ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ (كَانَ) الْمُقَدَّرَةِ فِي جَوَابِ زَيْدٍ قَالَهُ الْحَافِظُ." اهـ

وفي فتح الباري لابن حجر (4/ 138):

"وَ(قَدْرُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ (كَانَ) الْمُقَدَّرَةِ فِي جَوَابِ زَيْدٍ لَا فِي سُؤَالِ أَنَسٍ لِئَلَّا تَصِيرَ كَانَ وَاسْمُهَا مِنْ قَائِلٍ وَالْخَبَرُ مِنْ آخَرَ قَالَ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ فِيهِ تَقْدِيرُ الْأَوْقَاتِ بِأَعْمَالِ الْبَدَنِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُقَدِّرُ الْأَوْقَات بِالْأَعْمَالِ كَقَوْلِهِم قَدْرَ حَلْبِ شَاةٍ وَقَدْرَ نَحْرِ جَزُورٍ فَعَدَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ ذَلِكَ إِلَى التَّقْدِيرِ بِالْقِرَاءَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ وَقْتَ الْعِبَادَةِ بِالتِّلَاوَةِ وَلَوْ كَانُوا يُقَدِّرُونَ بِغَيْرِ الْعَمَلِ لَقَالَ مَثَلًا قَدْرَ دَرَجَةٍ أَوْ ثُلُثِ خمس سَاعَة." اهـ

[4]  والرجل المبهم: ورد ذكره في "الزهد والرقائق" لابن المبارك (1/ 501) (رقم: 1426): وَحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «الصَّائِمُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ»

وأبو أيوب: هو أبو أيوب المراغى الأزدى العتكى البصرى ، اسمه يحيى بن مالك، ثقة من رجال الصحيحين.

[5]  وقال الزيداني في _رحمه الله_ "المفاتيح في شرح المصابيح" (4/ 526_527):

"قوله: (أكل طعامكم الأبرار)، يجوز أن يكون هذا دعاءً منه - عليه الصلاة والسلام - للمُضيف، ويجوز أن يكون إخبارًا عنه، وهذان الوصفانِ___موجودان في حقِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -, فإنَّه أبرُّ الأبرار، وأصحابُه الأبرار الأخيار، وأما إذا تلفَّظ غيرُه بهذه الألفاظ عند أكل طعام أحدٍ تكون هذه الألفاظ دعاءً منه للمُضيف، ولا يجوز أن يكون إخبارًا؛ لأنه لا يجوز لأحدٍ أن يخبر عن نفسه أنَّه بَرٌّ." اهـ

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 60 من رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي