شرح الحديث 84 - باب اليقين والتوكل من كتاب رياض الصالحين للأستاذ عبد القادر أبو فائزة البوجيسي

 

[84] وعن أنس _رضي الله عنه_ قَالَ:

كَانَ أَخَوانِ عَلَى عهد النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_،

وَكَانَ أحَدُهُمَا يَأتِي النَّبيَّ _صلى الله عليه وسلم_، وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ،

فَشَكَا المُحْتَرِفُ أخَاهُ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «لَعَلَّكَ[1] تُرْزَقُ بِهِ»[2] . رواه الترمذي بإسناد صحيحٍ عَلَى شرطِ مسلم.

«يحترِف» : يكتسب ويتسبب.

 

ترجمة أنس بن مالك الأنصاري  الخزرجي النجاري _رضي الله عنه_ :

 

وفي "سير أعلام النبلاء" – ط. الرسالة (3/ 395):

"أَنَسُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَمٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع): ابْنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ جُنْدُبِ بنِ عَامِرِ بنِ غَنْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ: الإِمَامُ، المُفْتِي، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو حَمْزَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، خَادِمُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَرَابَتُهُ مِنَ النِّسَاءِ، وَتِلْمِيذُهُ، وَتَبَعُهُ، وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً.

 

وفي "تاريخ دمشق" لابن عساكر (9/ 361):

"عن أنس قال: (شهدت مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ الحديبية وعمرته والحج والفتح وحنينا وخيبر." اهـ

 

وفي "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (1/ 231):

"تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: إِحْدَى وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: تِسْعِينَ، آخِرُ مَنْ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ الْصَّحَابَةِ،

وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَكَانَتْ نَخْلَاتُهُ تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَوُلِدَ لَهُ مِنْ صُلْبِهِ ثَمَانُونَ وَلَدًا، وَقِيلَ: بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الترمذي في "سننه" (4/ 574) (رقم: 2345)، والبزار في "مسنده" = البحر الزخار (13/ 353) (رقم: 6988)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 172) (رقم: 320)، وابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (2/ 176 و 3/ 59)، والروياني في "مسنده" (2/ 387) (رقم: 1374)، وأبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (8/ 302)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 245) (رقم: 335)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 253) (رقم : 301)، الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (5/ 49) (رقم : 1664 و 1665).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 636) (رقم : 2769)، و"تخريج مشكاة المصابيح" (3/ 1460) (رقم: 5308)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 906) (رقم: 5084)

 

فوائد الحديث :

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 78):

"في الحديث:

* تنبيهٌ على أنَّ من انقطع إلى الله كفاه مهماته.

* وأنَّ العبدَ يُرزق بغيره، كما في الحديث الآخر: «وهل ترزقون - أو قال: تنصرون - إلا بضعفائكم» [خ حم]." اهـ

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 288)

وفيه: تنبيه على أن من انقطع إلى الله واكتفى بتدبيره عن تدبير نفسه، وسكن تحت جَرْيِ مقاديره، كفاه مهماته.

وفي الحديث: تكفل الله لطالب العلم بالرزق، أي: بتيسير وصوله إليه لما خرج عن حاجة نفسه وأقبل على باب مولاه واكتفى به عن أفعال نفسه، وإلا فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها

 

وقال علي بن سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 هـ) _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8/ 3328):

وَفِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَتْرُكَ الْإِنْسَانُ شُغُلَ الدُّنْيَا، وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالتَّجَرُّدِ لِزَادِ الْعُقْبَى." اهـ

 

وقال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَّمَرِيُّ القرطبيُّ، المعروف بـ"ابن عبد البر الأَنْدَلُسِيُّ" (المتوفى: 463هـ) _رحمه الله_ في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 200):

"بَابٌ جَامِعٌ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ." اهـ

 

وقال ابن الأثير في "جامع الأصول" (9/ 227):

"الفصل الخامس: في فضل العلماء." اهـ

 

سنن الترمذي ت شاكر (4/ 573)

بَابٌ فِي التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ

 

فيض القدير (6/ 88):

"وفيه: أن الكسب لا ينافي التوكل، أي: حيث أيقن بالله ووثق بقضائه. وقد ظاهر المصطفى _صلى الله عليه وآله وسلم_ في الحرب بين درعين، ولبِس الْمِغْفَر، وأقعد الرُّمَاةَ على فَمِ الشِّعْبِ وخندقٍ حول المدينة، وهاجر، وأمر بالهجرة، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوتهم، ولم ينتظر أن ينزل عليهم من السماء، وقال: (اعقل وتوكل)." اهـ

 

وقال البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 244):

"بَابُ الْعِلْمِ الْخَاصِّ الَّذِي لَمْ تُكَلَّفْهُ الْعَامَّةٌ وَكُلِّفَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ لِلْقِيَامِ بِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا مِثْلُ مَا يَكُونُ مِنْهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِنْ سَهْوٍ يَجِبُ بِهِ سُجُودُ السَّهْوِ أَوْ لَا يَجِبُ , وَمَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَلَا يُفْسِدُهُ , وَمَا يَجِبُ بِهِ الْفِدْيةُ وَلَا يَجِبُ , مِمَّا يَفْعَلُ وَغَيْرُ ذَلِكَ

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخِرَ: وَهُوَ مَا يَنُوبُ الْعِبَادُ مِنْ فُرُوعِ الْفَرَائِضِ , وَمَا يَخُصُّ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ وَلَا فِي أَكْثَرِهِ نَصُّ سَنَةٍ , وَإِنْ كَانَتْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ سَنَةٌ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ أَخْبَارِ الْخَاصَّةِ , وَمَا كَانَ مِنْهُ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَيُسْتَدْرَكُ فِيهِ شَيْءٌ

قَالَ: وَهَذِهِ دَرَجَةٌ مِنَ الْعِلْمِ لَيْسَ يَبْلُغُهَا الْعَامَّةُ , وَإِذَا قَامَ بِهَا خَاصَّتُهُمْ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ , لَمْ يَخْرُجْ غَيْرُهُ مِمَّنْ تَرَكَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِينْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِينْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]." اهـ



[1] وفي شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3340_3341):

"ومعنى ((لعل)) في قوله: لعلك يجوز أن يرجع إلى ((رسول الله صلى الله عليه وسلم)) فيفيد القطع والتوبيخ، كما___ورد: ((هل ترزقون إلا بضعفائكم))، وأن يرجع إلى المخاطب ليبعثه على التفكر والتأمل فينصف من نفسه." اهـ

[2] وفي تحفة الأحوذي (7/ 8) : أَيْ أَرْجُو وَأَخَافُ أَنَّكَ مَرْزُوقٌ بِبَرَكَتِهِ لِأَنَّهُ مَرْزُوقٌ بِحِرْفَتِكَ فَلَا تَمْنُنْ عَلَيْهِ بِصَنْعَتِكَ.

قَالَ الطِّيبِيُّ : وَمَعْنَى (لَعَلَّ) فِي قَوْلِهِ (لَعَلَّكَ) يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُفِيدُ الْقَطْعَ وَالتَّوْبِيخَ كَمَا وَرَدَ فَهَلْ تُرْزَقُونَ إِلَّا بضعفائكم وأن يرجع الْمُخَاطَبِ لِيَبْعَثَهُ عَلَى التَّفَكُّرِ وَالتَّأَمُّلِ فَيَنْتَصِفَ مِنْ نفسه انتهى

وفي دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 288) :

"(فلعلك ترزق به) أي: فلعل قيامك بأمره سبب لتيسير رزقك، لأن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وفي الحديث أيضاً «وهل ترزقون» أو قال: «تنصرون إلا بضعفائكم»

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين