خلق أفعال العباد - من عقيدة السلف أصحاب الحديث

 

عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص: 28)

[خلق أفعال العباد]

ومن قول أهل السنة والجماعة في أكساب العباد أنها مخلوقة لله تعالى، لا يمترون فيه، ولا يعدون من أهل الهدى ودين الحق من ينكر هذا القول وينفيه، ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء، لا حجة لمن أضله الله عليه، ولا عذر له لديه،

 

قال الله _عز وجل_ {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149]،

 

وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّ} [السجدة: 13] الآيةَ،

 

وقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179] الآية.

 

سبحانه وتعالى خلق الخلق بلا حاجة إليهم، فجعلهم فرقتين، فريقا للنعيم فضلا، وفريقا للجحيم عدلا، وجعل منهم غويا ورشيدا، وشقيا وسعيدا، وقريبا من رحمته، وبعيدا، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

أخبرنا أبو محمد المجلدي أخبرنا أبو محمد العباس السراج حدثنا يوسف عن موسى أخبرنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق:

"إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات، رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد،

فوَالذي نفسي بيده، إن أحدكم لَيَعْمَلُ بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ". [خ م]

 

شرح الواسطية - يوسف الغفيص (12/ 5) - الشاملة:

وسطية أهل السنة في أفعال العباد

قال المصنف رحمه الله: [وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم].

أفعال الله سبحانه وتعالى لم يقع بين المسلمين في الجملة خلاف في تقريرها، وإنما مسألة النزاع الكبرى في هذا الباب، هي ما يتعلق بأفعال العباد، فهل العباد مجبرون على أفعالهم، ولا إرادة لهم ولا مشيئة لهم، أم أن العباد مستقلون بإرادتهم ومشيئتهم وخلقهم لأفعالهم والله لم يخلق أفعالهم ولم يردها ولم يشأها؟

هذان المذهبان في مسألة الأفعال مذهبان متناقضان كما ترى، تقلد الأول الجبرية، نسبة للقول بالجبر، وهو أن العبد مجبور على فعله، ولا إرادة وله ولا مشيئة له على الحقيقة، وأن الله جبر العبد على الفعل.

وأخص من تقلد الجبر الجهم بن صفوان، وكثيرون من الجبرية ولا سيما في الشام، وتقلد نفي القدر القدرية الذين قالوا: إن الله لم يخلق أفعال العباد ولم يردها ولم يشأها، بل العبد مستقل بإرادته ومشيئته، وتقلد هذا المذهب المعتزلة وكثير غيرهم، وهم المسمون بالقدرية.

وكان من القدرية طائفة من الغلاة أنكروا علم الرب بأفعال العباد إلا عند كونها، ولكن هؤلاء من الزنادقة الذين انقطع أثر مذهبهم، والذين انتشر مذهبهم وبقي هم القدرية الذين يؤمنون أن الله يعلم ما كان وما سيكون، وإنما يقولون: إنه لم يرد أفعال العباد ولم يخلقها، وهذا ما يسمى بمذهب القدرية، وهو شائع في المعتزلة والشيعة وطوائف أخرى.

فأهل السنة والجماعة وسط في أفعال الله بين هؤلاء وهؤلاء، حيث يقولون: إن الله سبحانه وتعالى -كما وصف نفسه في كتابه- هو الفعال لما يريد، وأنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض، وأنه لا يقع شيء في الكون من أفعال العباد وغيرها إلا بإرادته ومشيئته، وأنه الخالق لكل شيء، فقد دخل في عموم خلقه أفعال العباد وغير أفعال العباد؛ مع الإيمان بأن العباد لهم مشيئة وإرادة، وأنهم ليسوا مجبورين على أفعالهم. وسيأتي تفصيل هذا

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين