شرح الْوَجْه الاربعين من مفتاح دار السعادة

 

وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (1/ 59):

"الْوَجْه الاربعون:

أن الله _تَعَالَى_ وصف أهْلَ النَّارِ بِالْجَهْلِ، وَأخْبَرَ أنَّه سد عليهم طُرُقَ الْعِلْمِ، فَقَالَ _تَعَالَى_ حِكَايَة عَنْهُم:

{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)} [الملك: 10، 11]،

 

فَأخْبرُوا أنهم كَانُوا لَا يسمعُونَ وَلَا يعْقلُونَ. والسمع وَالْعقل: هما أصلُ الْعلم، وَبِهِمَا ينَال.

 

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 876)

أي: بعدًا لهم وخسارة وشقاء.

فما أشقاهم وأرداهم، حيث فاتهم ثواب الله، وكانوا ملازمين للسعير، التي تستعر في أبدانهم، وتطلع على أفئدتهم!

 

وقال أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى : 616هـ) في "التبيان في إعراب القرآن" (2/ 1232):

"قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَسُحْقًا) : فَأَلْزَمَهُمْ سُحْقًا، أَوْ فَأَسْحَقَهُمْ سُحْقًا.

 

وَقَالَ _تَعَالَى_:

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]،

 

فأخبر _سُبْحَانَهُ_ أنهم لم يحصل لَهُم علْمٌ من جِهَةٍ من جِهَات الْعلمِ الثَّلَاثِ، وَهِي: الْعقل، والسمع، وَالْبَصَر، كَمَا قَالَ فِي مَوضِع آخر: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 171]،

 

تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (13/ 280) (رقم: 15450): عن مجاهدٍ يقول في قوله:

(لهم قلوب لا يفقهون بها) قال: لا يفقهون بها شيئًا من أمر الآخرة

(ولهم أعين لا يبصرون بها) الهدى

(ولهم آذان لا يسمعون بها) الحقَّ،

ثم جعلهم كالأنعام سواءً، ثم جعلهم شرًّا من الأنعام، فقال: (بل هم أضل) ، ثم أخبر أنهم هم الغافلون." اهـ

 

وَقَالَ _تَعَالَى_:

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) } [الحج: 46]،

 

تفسير القرطبي (12/ 77)

وَقَالَ قَتَادَةُ:

"الْبَصَرُ النَّاظِرُ جُعِلَ بُلْغَةً وَمَنْفَعَةً، وَالْبَصَرُ النَّافِعُ فِي الْقَلْبِ."

وَقَالَ مُجَاهِدٌ:

"لِكُلِّ عَيْنٍ أَرْبَعُ أَعْيُنٍ، يَعْنِي لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَرْبَعُ أَعْيُنٍ: عَيْنَانِ فِي رَأْسِهِ لِدُنْيَاهُ، وَعَيْنَانِ فِي قَلْبِهِ لِآخِرَتِهِ، فَإِنْ عَمِيَتْ عَيْنَا رَأْسِهِ، وَأَبْصَرَتْ عَيْنَا قَلْبِهِ، فَلَمْ يَضُرَّهُ عَمَاهُ شَيْئًا، وَإِنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَا رَأْسِهِ وَعَمِيَتْ عَيْنَا قَلْبِهِ، فَلَمْ يَنْفَعْهُ نَظَرُهُ شَيْئًا."

وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى." اهـ

 

وَقَالَ _تَعَالَى_: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)} [الأحقاف: 26]،

 

تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 288)

أَيْ: وَأَحَاطَ بِهِمُ الْعَذَابُ وَالنَّكَالُ الَّذِي كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ وَيَسْتَبْعِدُونَ وُقُوعَهُ، أَيْ: فَاحْذَرُوا أَيُّهَا الْمُخَاطَبُونَ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ، فَيُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 

وقال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (26/ 51_52):

هَذَا اسْتِخْلَاصٌ لِمَوْعِظَةِ الْمُشْرِكِينَ بِمَثَلِ عَادٍ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي قَدَرَ عَلَى إِهْلَاكِ عَادٍ قَادِرٌ عَلَى إِهْلَاكِ مَنْ هُمْ دُونَهُمْ فِي الْقُوَّةِ وَالْعَدَدِ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مِثْلَهُمْ مُسْتَجْمِعِينَ قُوَى الْعَقْلِ وَالْحِسِّ وَأَنَّهُمْ أَهْمَلُوا الِانْتِفَاعَ بِقُوَاهُمْ فَجَحَدُوا بِآيَاتِ اللَّهِ___وَاسْتَهْزَءُوا بِهَا وَبِوَعِيدِهِ فَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ

 

فقد وصف أهْلَ الشَّقَاء _كَمَا ترى_ بِعَدَمِ الْعلم، وشبَّههم بالأنعام تَارَة، وَتارَة بالحمار الَّذِي يحمل الاسفار، وَتارَة جعلهم أضَلَّ من الأنعام، وَتارَة جعلهم شَرّ الدَّوَابّ عِنْده، وَتارَة جعلهم أمواتا غير أحياء، وَتارَة أخبر أنهم فِي ظلمات الْجَهْل والضلال، وَتارَة أخبر أن على قُلُوبهم أكنة وَفِي آذانهم وَقْرًا، وعَلى أبصارهم غشاوةً،

 

وَهَذَا كُله يدل على قُبْحِ الْجَهْل، وذَمِّ أهْلِهِ وبُغْضِهِ لَهُم، كَمَا أنَّه يحب___أهل الْعلم، ويمدحهم، ويثنيْ عَلَيْهِم، كَمَا تقدم وَالله الْمُسْتَعَان." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين