شرح الحديث الرابع والعشرون - من أربعون حديثا في التربية والمنهاج

أربعون حديثا في التربية والمنهاج (ص ٥٤_٥٥):

 

الحديث الرابع والعشرون

 

عن عبدالله بن عمرو _رضي الله عنها_ قال: قال رسول الله ﷺ:

«لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور أو مراء» [أخرجه أحمد وابن ماجه. وحسّن إسناده الحافظ العراقي في التخريج الإحياء» (١/ ۱٨)]

 

تخريج الحديث:

 

سنن ابن ماجه (2/ 1235) (رقم: 3753)، مسند أحمد - عالم الكتب (2/ 178 و2/ 183) (رقم: 6661 و 6715)، سنن الدارمي (3/ 1828) (رقم: 2821)، المعجم الأوسط (1/ 294_295 و 4/ 342) (رقم: 976 و 4384)، المعجم الصغير للطبراني (1/ 359) (رقم: 601)، الْمُذَكِّر والتذْكِيْر لابن أبي عاصم (ص: 76 و 80) (رقم: 10 و 12)، الكامل في ضعفاء الرجال (3/ 32)، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" = "أخبار أصبهان" (2/ 294) (رقم: 1776)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (4/ 2203) (رقم: 5518)، تاريخ دمشق لابن عساكر (28/ 312 و 73/ 70) (رقم: 3303 و 9923)

 

والحديث صحيح لغيره: صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1280) (رقم: 7754)

 

وقال الأرنؤوط في "تخريج سنن ابن ماجه" (4/ 685):

"صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن عامر الأسلمي، وقد توبع.

وأخرجه أحمد (6715)، والدارمي (2779)، وابن شبة في "تاريخ المدينة" 1/ 9 من طريق عبد الله بن عامر الأسلمي، بهذا الإسناد.

وأخرجه أحمد (6661) من طريق عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، عن عمرو ابن شعيب، به. وابن حرملة صدوق.

وله شاهد من حديث عوف بن مالك عند أبي داود (3665)، وأحمد (23972)، وهو حديث حسن.

وآخر من حديث عبادة بن الصامت عند الطبراني في "الكبير" قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 190: إسناده حسن.

وثالث من حديث كعب بن عياض عند الطبراني في "الكبير" أيضًا 19/ (405)، قال الهيثمي 1/ 190: وفيه عبد الله بن يحيى الأسكندراني، ولم أرَ من ترجمه.

 

تعريف القاص:

 

القَصُّ: هو فَنُّ مُخَاطَبَةِ الْعَامَّةِ، وَوَعْظُهُمْ بِالْاعْتِمَادِ عَلَى الْقِصَّةِ. يقول ابن الجوزي _رحمه الله_ في "القصاص والمذكرين" (ص: 159_161):

"فالقاص: هُوَ الَّذِي يتبع الْقِصَّة الْمَاضِيَة بالحكاية عَنْهَا وَالشَّرْح لَهَا وَذَلِكَ الْقَصَص. وَهَذَا فِي الْغَالِب عبارَة عَمَّن يروي أَخْبَار الماضين. وَهَذَا لَا يذم لنَفسِهِ، لِأَن فِي إِيرَاد أَخْبَار السالفين عِبْرَةً لِمُعْتَبِرٍ، وعظةً لِمُزْدَجِرٍ، واقتداءً بصوابٍ لمتبع، وَقد قَالَ الله _عز وَجل_: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3]. وَقَالَ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران: 62]

وَإِنَّمَا كره بعض السّلف الْقَصَص لأحد سِتَّة أَشْيَاء:

أَحدهَا: أَن الْقَوْم كَانُوا على الِاقْتِدَاء والاتباع، فَكَانُوا إِذا رَأَوْا مَا لم يكن على عهد رَسُول الله أنكروه حَتَّى أَن أَبَا بكر وَعمر لما أَرَادَا جمع الْقُرْآن قَالَ زيد: أتفعلان شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله؟ .

وَالثَّانِي: أَن الْقَصَص لأخبار الْمُتَقَدِّمين تندر صِحَّته، خُصُوصا مَا ينْقل عَن بني إِسْرَائِيل، وَفِي شرعنا غنية.

وَقد جَاءَ عمر بن الْخطاب بِكَلِمَات من التَّوْرَاة إِلَى رَسُول الله، فَقَالَ لَهُ: (أمطها عَنْك يَا عمر!)،

خُصُوصا إِذْ قد علم مَا فِي الْإسْرَائِيلِيات من الْمحَال، كَمَا يذكرُونَ أَن دَاوُد _عَلَيْهِ السَّلَام_ بعث أوريا حَتَّى قتل وَتزَوج امْرَأَته، وَأَن يُوسُف حل سراويله عِنْد زليخا.

وَمثل هَذَا محَالٌ، تتنزه الْأَنْبِيَاء عَنهُ، فَإِذا سَمعه الْجَاهِل هَانَتْ عِنْده الْمعاصِي، وَقَالَ: "لَيست معصيتي بعجب."

وَالثَّالِث: أَن التشاغل بذلك يشغل عَن المهم من قِرَاءَة الْقُرْآن، وَرِوَايَة الحَدِيث، والتفقه فِي الدّين.

وَالرَّابِع: أَن فِي الْقُرْآن من الْقَصَص وَفِي السّنة من العظة مَا يَكْفِي عَن غَيره مِمَّا لَا تتيقن صِحَّته.

وَالْخَامِس: أَن أَقْوَامًا مِمَّن يدْخل فِي الدّين مَا لَيْسَ مِنْهُ، قصوا. فأدخلوا فِي قصصهم مَا يفْسد قُلُوب الْعَوام.

وَالسَّادِس: أَن عُمُوم الْقصاص لَا يتحرون الصَّوَاب وَلَا يحترزون من الْخَطَأ لقلَّة علمهمْ وتقواهم.

فَلهَذَا كره الْقَصَص من كرهه. فَأَما إِذا وعظ الْعَالم، وقص من يعرف الصَّحِيح من الْفَاسِد؛ فَلَا كَرَاهَة." اهـ

 

تلبيس إبليس (ص: 110_111):

"والقصاص لا يذمون من حيث هَذَا الاسم، لأن اللَّه _عز وجل_، قَالَ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3]، وقال: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ} [الأعراف: 176].

وإنما ذم القصاص، لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد، ثم غالِبُهم يُخَلِّطُ فيما يورده، وربما اعتمد عَلَى مَا أكثره محالٌ.

فأما إذا كان القصصُ صِدْقًا، ويوجب وَعْظًا، فهو ممدوح. وَقَدْ كان أحمد بْن حنبل يَقُول: (مَا أحوج الناس إِلَى قاص صدوق)." اهـ

 

تلبيس إبليس (ص: 111)

كان الوعاظ فِي قديم الزمان علماء فقهاء وَقَدْ حضر مجلس عُبَيْد بْن عمير عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عنه وكان عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز يحضر مجلس القاص ثم خست هذه الصناعة فتعرض لها الجهال فبعد عَن الحضور وعندهم المميزون من الناس وتعلق بهم العوام والنساء فلم يتشاغلوا بالعلم وأقبلوا عَلَى القصص وما يعجب الجهلة وتنوعت البدع فِي هَذَا الفن.

وقد ذكرنا آفاتهم فِي كتاب القصاص المذكرين إلا أنا نذكر هنا جملة فمن ذلك أن قوما منهم كانوا يضعون أحاديث الترغيب والترهيب ولبس عليهم إبليس بأننا نقصد حث الناس عَلَى الخير وكفهم عَن الشر وهذا افتيات منهم عَلَى الشريعة لأنها عندهم عَلَى هَذَا الفعل ناقصة تحتاج إِلَى تتمة ثم نسوا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"

 

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 164_165):

"عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ قَالَ:

"كُنْتُ مَعَ شُعْبَةَ، فَدَنَا مِنْهُ شَابٌّ رَقَبَانِيٌّ[1]، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ، فَقَالَ لَهُ شُعْبَةُ: (أَقَاصٌّ أَنْتَ؟)، قَالَ: وَكَانَ شُعْبَةُ سَيِّئَ الْفَرَاسَةِ، فَلَا أَدْرِي كَيْفَ أَصَابَ يَوْمَئِذٍ،

قَالَ: فَقَالَ الشَّابُّ: "نَعَمْ."

قَالَ: (اذْهَبْ، فَإِنَّا لَا نُحَدِّثُ الْقُصَّاصَ)،

قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ يَا أَبَا بِسْطَامٍ؟ قَالَ: (يَأْخُذُونَ الْحَدِيثَ مِنَّا شِبْرًا فَيَجْعَلُونَهُ ذِرَاعًا)."

 

قال السندي _رحمه الله_ في "حاشية السندي على سنن ابن ماجه" (2/ 409):

"القَصَص: التحدث، ويُستعمل في الوعظ،

قيل: هذا في الخطبة. والخطبة من وظيفة الإمام، فإن شاء خطب بنفسه، وإن شاء نصب نائبًا يخطب عنه،

وأما من ليس بإمام ولا نائب عنه، إذا تصدَّر للخطبة، فهو ممن نصب نفسه في هذا المحل رِيَاءً،

وقيل: بل القُصاص والوُعاظ لا ينبغي لهما الوعظُ والقصصُ إلا بأمر الإمام، وإلا لدخلا في المرائين،

وذلك لأن الإمام أدرى بمصالح الخلق، ولا ينصب إلا من يكون أكثر نفعًا بخلاف من نصب نفسه، فقد يكون ضرره أكثر، فقد يفعل ذلك رياء." اهـ

 

الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 84)

وَقَالَ حَنْبَلٌ قُلْتُ لِعَمِّي [يعني: الإمام أحمد] فِي الْقُصَّاصِ، قَالَ: (الْقَصَّاصُ الَّذِي يَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَالتَّخْوِيفَ وَلَهُمْ نِيَّةٌ وَصِدْقُ الْحَدِيثِ، فَأَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْدَثُوا مِنْ وَضْعِ الْأَخْبَارِ وَالْأَحَادِيثِ فَلَا أَرَاهُ)." اهـ

 

قوله: «لا يقص على الناس»

 

* فيه: أن مِنْ طُرُقِ نَفْعِ الْنَّاسِ: الْوَعْظَ، وذِكْرَ القصص فيه، وما فيها من العبر.

 

وقوله: «أو مأمور»

 

* فيه: أن وعْظَ الناسِ والكلامَ في مَجَامِعِهِمْ ليس مُشَاعًا لكل أحدٍ.

 

قال بعض الشراح: «أو مأمور» أي: مأذون له في ذلك الحكم... لأن الإمام نصب للمصالح، فمن رآه لائقا، نصبه للقص، أو غَيْرَ لائِقٍ، فلا» [«فيض القدير» (6/ ٤٥٤)]

 

* وفيه: أصل في منع بعض الناس من الوعظ في مجامع الناس، ويتأكد هذا إذا خشي حصول ضرر للناس بسبب جهالة المتكلم.

 

ذَكَرَ التارِيْخَ أنَّهُ في عام ٢٨٤ هـ، نودي في "المسجد الجامع" في بغداد بنهي الناس عن الاجتماع على قاصّ، وبمنع القصاص من القعود. [«المنتظم» (١٢٢/٥)]

 

ومن أسبابِ ذلك الْمَنْعِ: أن أكثر القصاص لا يعني بصحيح العلم؛ لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد، ثم غالبهم يخلط فيها يورده وربا اعتمد على ما أكثره محال. [«تلبيس إبليس» (ص۱۲۳)]__

 

قال أبو قلابة: «ما أمات العلم إلا القصاص، يجالس الرجل القاص سنة فلا يتعلق منه بشيء! ويجالس العالم فلا يقوم حتى يتعلق منه بشيء» [«حلية الأولياء» لأبي نعيم (٢/ ۲۸٧)، «الجامع لأخلاق الراوي» للخطيب (٢/ ٢٢٦)]

 

وفيه: أن القصص والوعظ يكون محمودا إذا كان صاحبه على بصيرة من أمره. سئل الإمام أحمد عن مجالسة القصاص فقال: إذا كان القاص صدوقا فلا أرى بمجالسته بأسا [«القصاص والمذكرين» لابن الجوزي (ص٧٥)]

 

ومما عني به أهل العلم في شأن القاص والواعظ أمور؛ منها:

 

- أن يراجع أهل العلم وبخاصة فيما سيذكره من الأحاديث والروايات حتى لا يؤثم نفسه بالقول بلا علم ويضر غيره بجهالته.

ومما يحسن ذكره في هذا المقام: «أنه في عصر القائم بأمر الله نهي القصاص والوعاظ عن إيراد حديث عن رسول الله ﷺ حتى يعرضوه على الخطيب البغدادي، فما أمرهم بإيراده، أوردوه وما منعهم منه، ألغوه» [«الوافي بالوفيات» للصفدي (۷/ ۱۹۳)]

 

- عدم إطالة مجلس الوعظ. قال الزهري: «إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب» [«القصاص والمذكرين» (ص۱۹۳)]

 

وقال الإمام أحمد: «لا أحب للقاص أن يمل الناس»[«القصاص والمذكرين» (ص۱۹۳)].

 

- إذا كان الموعوظ سلطانا، فعلى الواعظ أن يتلطف لينتفع السلطان بوعظه [«القصاص والمذكرين» (ص۱۹۲)]

 

- أن على القاص أو الواعظ أن يتمثل ما يأمر الناس وينتهي عما ينهى عنه الناس، فذلك أنفع لنفسه وأبلغ في تأثير وعظه.



[1]  الرقباني: نسبة إلى الرقبة، فهو بمعنی غلیظ الرقبة

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين