شرح الْوَجْه التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ من فضائل العلم - مفتاح دار السعادة

 

وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (1/ 58):

"الْوَجْه التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهُ _سُبْحَانَهُ_ سَمَّى الْحجَّةَ العلمية (سُلْطَانًا).

قَالَ ابْن عَبَّاس _رضى الله عَنهُ_:

"كل سُلْطَان فِي الْقُرْآن فَهُوَ حجَّة."،

 

[تعليق]

أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (2/ 328) (رقم: 1658)، والطبري في "تفسيره" = "جامع البيان" – ت. شاكر (19/ 444)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 1030 و 4/ 1097 و4/ 1332 و 6/ 1968 و 6/ 2080 و 7/ 2146 و 9/ 2863) (رقم: 5778 و 6151 و 7537 و 10475 و 11186 و 11620 و 16232)، الخطيب في "تاريخ بغداد" – ت. بشار (11/ 387) (رقم: 3360)

 

فتح الباري لابن حجر (1/ 133):

"قَوْله: (قَالَ بن عَبَّاس: "كل سُلْطَان فِي الْقُرْآن حجَّةٌ.")

وَأَصله: من التسلط، وَهُوَ الْغَلَبَة. وَقيل: اشتقاقُه من (السَّلِيْط)، وَهُوَ الدّهن لإضاءته." اهـ

 

وَهَذَا كَقَوْلِه _تَعَالَى_:

{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يونس: 68]

يَعْنِي: مَا عنْدكُمْ من حجَّة بِمَا قُلْتُمْ، إنْ هُوَ إلاَّ قَولٌ على اللهِ بِلَا عِلْمٍ،

 

[تعليق]

قال الله _تعالى_:

{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69)} [يونس: 68، 69]

 

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 369)

يقول تعالى مخبرًا عن بهت المشركين لرب العالمين {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}،

فنزه نفسه عن ذلك بقوله: {سُبْحَانَهُ} أي: تنزه عما يقول الظالمون في نسبة النقائص إليه علوًا كبيرًا، ثم برهن على ذلك، بعدة براهين:

أحدها: قوله: {هُوَ الْغَنِيُّ} أي: الغنى منحصر فيه، وأنواع الغنى مستغرقة فيه، فهو الغني الذي له الغنى التام بكل وجه واعتبار من جميع الوجوه، فإذا كان غنيًا من كل وجه، فلأي شيء يتخذ الولد؟

ألحاجة منه إلى الولد، فهذا مناف لغناه فلا يتخذ أحد ولدًا إلا لنقص في غناه.

البرهان الثاني: قوله: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ}

وهذه كلمة جامعة عامة لا يخرج عنها موجود من أهل السماوات والأرض، الجميع مخلوقون عبيد مماليك.

ومن المعلوم أن هذا الوصف العام ينافي أن يكون له منهم ولد، فإن الولد من جنس والده، لا يكون مخلوقًا ولا مملوكًا. فملكيته لما في السماوات والأرض عمومًا، تنافي الولادة.

البرهان الثالث، قوله: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} أي: هل عندكم من حجة وبرهان يدل على أن لله ولدًا، فلو كان لهم دليل لأبدوه، فلما تحداهم وعجزهم عن إقامة الدليل، علم بطلان ما قالوه. وأن ذلك قول بلا علم، ولهذا قال: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} فإن هذا من أعظم المحرمات.

{قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} أي: لا ينالون مطلوبهم، ولا يحصل لهم مقصودهم، وإنما يتمتعون في كفرهم وكذبهم، في الدنيا، قليلا ثم ينتقلون إلى الله، ويرجعون إليه، فيذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون. {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ." اهـ

 

وَقَالَ _تَعَالَى_:

{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23]،

يَعْنِي: مَا أنزل بهَا حجَّة وَلَا برهانا، بل هِيَ من تِلْقَاء أنفسكم وآبائِكم.

 

[تعليق]

وقال _تعالى_:

{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23]

 

زاد المسير في علم التفسير (4/ 189)

قوله تعالى: إِنْ هِيَ يعني الأوثان إِلَّا أَسْماءٌ والمعنى: إن هذه الأوثان التي سمَّوها بهذه الأسامي لا معنى تحتها، لأنها لا تضر ولا تنفع، فهي تسميات أُلقيت على جمادات، ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أي: لم يُنزل كتاباً فيه حُجّة بما يقولون: إِنها آلهة. ثم رجع إلى الإخبار عنهم بعد الخطاب لهم فقال: إِنْ يَتَّبِعُونَ في أنها آلهة إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وهو ما زيَّن لهم الشيطان، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى وهو البيان بالكتاب والرسول، وهذا تعجيب من حالهم إذ لم يتركوا عبادتها بعد وُضوح البيان.

 

تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (22/ 528)

وقوله (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ) يقول تعالى ذكره: ما يتبع هؤلاء المشركون في هذه الأسماء التي سموا بها آلهتهم إلا الظنّ بأنّ ما يقولون حقّ لا اليقين (وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ) يقول: وهوى أنفسهم، لأنهم لم يأخذوا ذلك عن وحي جاءهم من الله، ولا عن رسول الله أخبرهم به، وإنما اختراق من قِبل أنفسهم، أو أخذوه عن آبائهم الذين كانوا من الكفر بالله على مثل ما هم عليه منه.

 

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 820)

وكل أمر ما أنزل الله به من سلطان، فهو باطل فاسد، لا يتخذ دينا، وهم -في أنفسهم- ليسوا بمتبعين لبرهان، يتيقنون به ما ذهبوا إليه، وإنما دلهم على قولهم، الظن الفاسد، والجهل الكاسد، وما تهواه أنفسهم من الشرك، والبدع الموافقة لأهويتهم، والحال أنه لا موجب لهم يقتضي اتباعهم الظن، من فقد العلم والهدى

 

تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 458)

{إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} أَيْ: مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ {مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} أَيْ: مِنْ حُجَّةٍ، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ} أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ إِلَّا حُسْنَ ظَنِّهِمْ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ سَلَكُوا هَذَا الْمَسْلَكَ الْبَاطِلَ قَبْلَهُمْ، وَإِلَّا حَظَّ نُفُوسِهِمْ فِي رِيَاسَتِهِمْ وَتَعْظِيمِ آبَائِهِمُ الْأَقْدَمِينَ، {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} أَيْ: وَلَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ بِالْحَقِّ الْمُنِيرِ وَالْحُجَّةِ القاطعة، ومع هذا ما اتبعوا ما جاؤوهم بِهِ، وَلَا انْقَادُوا لَهُ.

 

وَقَالَ _تَعَالَى_: {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)} [الصافات: 156، 157]

يَعْنِي: حجَّةٌ وَاضِحَة، فائتوا بهَا إِن كُنْتُم صَادِقين فِي دعواكم.

 

وقال _تعالى_:

أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) 157 [الصافات: 153_157]

 

فتح البيان في مقاصد القرآن (11/ 428)

(أم لكم سلطان مبين) أي حجة واضحة ظاهرة على هذا الذي تقولونه ضرورة أن الحكم بذلك لا بد له من مسند حسي أو عقلي، وحيث انتفى كلاهما فلا بد من مستند نقلي، وهو إضراب عن توبيخ إلى توبيخ،

 

التحرير والتنوير (23/ 183)

وَإِضَافَةُ الْكِتَابِ إِلَيْهِمْ عَلَى مَعْنَى الْمَفْعُولِيَّةِ، أَيْ كِتَابٍ مُرْسَلٍ إِلَيْكُمْ. وَمُجَادَلَتُهُمْ بِهَذِهِ

الْجُمَلِ الْمُتَفَنَّنَةِ رُتِّبَتْ عَلَى قَانُونِ الْمُنَاظَرَةِ فَابْتَدَأَهُمْ بِمَا يُشْبِهُ الِاسْتِفْسَارَ عَنْ دَعْوَيَيْنِ:

دَعْوَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَدَعْوَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَاثٌ بِقَوْلِهِ:

{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاث} [الصافات: 149، 150].

 

إِلَّا موضعا وَاحِدًا، اخْتلف فِيهِ، وَهُوَ قَوْله:

{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)} [الحاقة: 28، 29]

 

* فَقيل: المُرَاد بِهِ: الْقُدْرَة وَالْملك، أَي: ذهب عني مَالِيْ ومُلْكِيْ، فَلَا مَال لِيْ وَلَا سُلْطَانَ.

* وَقيل: هُوَ على بَابه، أَيْ: انْقَطَعت حجتي، وَبَطلَت، فَلَا حجَّة لي.

 

تفسير القرطبي (18/ 269)

وَالْأَصْلُ" كِتَابِي" فَأُدْخِلَتِ الْهَاءُ لِتُبَيِّنَ فَتْحَةَ الْيَاءِ، وَكَانَ الْهَاءُ لِلْوَقْفِ، وَكَذَلِكَ في أخواته: حِسابِيَهْ، ومالِيَهْ، وسُلْطانِيَهْ وفي القارعة ما هِيَهْ.

 

زاد المسير في علم التفسير (4/ 332)

قوله هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ فيه قولان: أحدهما: ضلَّت عني حجتي، قاله مجاهد، وعكرمة، والضحاك، والسدي. والثاني: زال عني ملكي، قاله ابن زيد.

 

تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل (2/ 407)

هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ أي زال عني ملكي وقدرتي وقيل: ذهبت عني حجتي.

 

تفسير ابن كثير ت سلامة (8/ 215)

{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} أَيْ: لَمْ يَدْفَعْ عَنِّي مَالِي وَلَا جَاهِي عذابَ اللَّهِ وبَأسه، بَلْ خَلَص الْأَمْرُ إليَّ وَحْدِي، فَلَا مُعِينَ لِي وَلَا مُجِيرَ. فَعِنْدَهَا يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ}

 

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 884)

ثم التفت إلى ماله وسلطانه، فإذا هو وبال عليه لم يقدم منه لآخرته، ولم ينفعه في الافتداء من عذاب الله، فيقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} أي: ما نفعني لا في الدنيا، لم أقدم منه شيئا، ولا في الآخرة، قد ذهب وقت نفعه.

{هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} أي: ذهب واضمحل فلم تنفع الجنود الكثيرة، ولا العدد الخطيرة، ولا الجاه العريض، بل ذهب ذلك كله أدراج الرياح، وفاتت بسببه المتاجر والأرباح، وحضر بدله الهموم والغموم والأتراح، فحينئذ يؤمر بعذابه

 

وَالْمَقْصُود: أنَّ الله _سُبْحَانَهُ_ سمَّى عِلْمَ الْحجَّة سُلْطَانا، لانها توجب تسلط صَاحبِهَا واقتدارَه، فَلهُ بهَا سُلْطَان على الْجَاهِلين، بل سُلْطَان الْعلم أعظم من سُلْطَان الْيَد.

 

وَلِهَذَا ينقاد النَّاس للحجة، مَالا ينقادون لليد، فإن الْحجَّة تنقاد لَهَا الْقُلُوب. وأمَّا الْيَد، فَإِنَّمَا ينقاد لَهَا الْبدَنُ.

 

فالحجة تأسر الْقلْبَ وتقوده وتذل الْمُخَالف، وإنْ أظهر العناد والمكابرة، فقَلْبُه خاضع لَهَا، ذليل مقهور تَحت سلطانها،

 

بل سُلْطَان الجاه إن لم يكن مَعَه عِلْمٌ يُسَاسُ بِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَة سُلْطَان السبَاع والأسود وَنَحْوِهَا، قدرَةٌ بِلَا علم وَلَا رَحْمَةٍ،

 

بِخِلَاف سُلْطَان الْحجَّة، فَإِنَّهُ قدرَةٌ بِعِلْمٍ وَرَحْمَةٍ وَحِكْمَةٍ. وَمن لم يكن لَهُ اقتدار فِي علمه، فَهُوَ إمَّا لِضَعْفِ حجَّته وسُلْطَانُهُ، وإمَّا لقهر سُلْطَان الْيَد وَالسيف لَهُ.

 

وإلاَّ فالحجة ناصرة نَفسهَا، ظَاهِرَةٌ على الْبَاطِل قاهرةٌ لَهُ." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين