شرح الحديث 80 من رياض الصالحين

 

[80] السابع: عن أبي عُمَارة البراءِ بن عازب _رضي الله عنهما_ قَالَ :

قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:

«يَا فُلانُ، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فراشِكَ، فَقُل:

"اللَّهُمَّ أسْلَمتُ نَفْسي إلَيْكَ، وَوَجَّهتُ وَجْهِي إلَيْكَ، وَفَوَّضتُ أَمْري إلَيْكَ، وَأَلجأْتُ ظَهري إلَيْكَ رَغبَةً وَرَهبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إلا إلَيْكَ، آمنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ؛ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ".

فَإِنَّ مِتَّ مِنْ لَيلَتِكَ، مِتَّ عَلَى الفِطْرَةِ، وَإِنْ أصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيراً» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

وفي رواية في الصحيحين:

عن البراءِ قَالَ : قَالَ لي رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ :

«إِذَا أَتَيْتَ مَضْجِعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءكَ للصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيمَنِ، وَقُلْ ... (وذَكَرَ نَحْوَهُ)، ثُمَّ قَالَ: وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ».

 

ترجمة البرّاءِ بن عازبٍ _رضي الله عنهما_ :

 

وفي "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (4/ 34_35) للمزي :

"البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن مجدعة___ابن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عَمْرو بن مالك بن الأوس الأَنْصارِيّ، الحارثي، الأوسي، أَبُو عمارة (ويُقال: أَبُو عَمْرو، ويُقال: أَبُو الطفيل) المدني، صاحبُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وابْنُ صاحِبِهِ." اهـ

 

وفي "سير أعلام النبلاء" - ط الرسالة (3/ 194_195):

"البَرَاءُ بنُ عَازِبِ بنِ الحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ الحَارِثِيُّ * (ع) :الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، أَبُو عُمَارَةَ الأَنْصَارِيُّ، الحَارِثِيُّ، المَدَنِيُّ، ___نَزِيْلُ الكُوْفَةِ، مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ.

رَوَى حَدِيْثاً كَثِيْراً، وَشَهِدَ غَزَوَاتٍ كَثِيْرَةً مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتُصْغِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَالَ: "كُنْتُ أَنَا، وَابْنُ عُمَرَ لِدَةً."___

تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ (وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ) عَنْ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.

وَأَبُوْهُ مِنْ قُدَمَاءِ الأَنْصَارِ.

وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَخَالِهِ؛ أَبِي بُرْدَةَ بنِ نِيَارٍ." اهـ

 

وفي "الأعلام" للزركلي (2/ 46):

"البَرَاء بن عَازِب (000 - 71 هـ = 000 - 690 م):

البراء بن عازب بن الحارث الخزرجي، أبو عمارة: قائد، صحابي من أصحاب الفتوح.

أسلم صغيرا وغزا مع رسول الله _صلّى الله عليه وسلم_ خمس عشرة غزوة، أولها غزوة الخندق.

ولما ولي عثمان الخلافةَ جعله أميرا على الري (بفارس) سنة 24 هـ، فغزا أبهر (غربيّ قزوين) وفتحها، ثم قزوين، فملكها،

وانتقل إلى زنجان فافتتحها عنوة. وعاش إلى أيام مصعب ابن الزبير، فسكن الكوفة واعتزل الأعمال. وتوفي في زمنه. روى له البخاري ومسلم." اهـ

 

وفي "سُلَّم الوصولِ إلى طبقات الفحولِ" (1/ 370) لمصطفى بن عبد الله القسطنطيني المعروف بـ(حاجي خليفة):

"أبو عُمَارة: البَراءُ بن عَازب بن الحارث بن عَدي بن جُشَم الأَنْصَاري الأَوْسِي، المتوفى في الكوفة سنة اثنتين وسبعين.

صحابي. قال: استصغرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر أنا وابن عمر فردّنا فلم نشهدها وشهدت أحداً.

وروي عنه أنه غزا مع الرسول -عليه السلام- أربع عشرة غزوة، وفي رواية: خمس عشرة. وهو الذي افتتح الرَّيَّ سنة أربع وعشرين، وشهد غزوة تُسْتَر مع أبي موسى، وشهد وقعة الجمل وصفين مع علي _رضي الله عنه_، ونزل الكوفة، وابتنى بها داراً." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

السابع: عن أبي عُمَارة البراءِ بن عازب _رضي الله عنهما_ قَالَ :

قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:

«يَا فُلانُ، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فراشِكَ، فَقُل:

"اللَّهُمَّ أسْلَمتُ نَفْسي إلَيْكَ،

 

[تعليق]: وفي فتح الباري لابن حجر (11/ 110):

"أَسْلَمْتُ نَفْسِي قِيلَ الْوَجْهُ وَالنَّفْسُ هُنَا بِمَعْنَى الذَّاتِ وَالشَّخْصِ أَيْ أَسْلَمْتُ ذَاتِي وَشَخْصِي لَكَ". اهـ

 

وفي فتح الباري لابن حجر (11/ 110):

"قَوْلُهُ (أَسْلَمْت) أَيِ : اسْتَسْلَمْتُ وَانْقَدْتُ، وَالْمَعْنَى : جَعَلْتُ نَفْسِي مُنْقَادَةً لَكَ تَابِعَةً لِحُكْمِكَ إِذْ لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى تَدْبِيرِهَا وَلَا عَلَى جَلْبِ مَا يَنْفَعُهَا إِلَيْهَا وَلَا دَفْعِ مَا يَضُرُّهَا عَنْهَا." اهـ

 

وفي زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 224):

وَقَوْلُهُ: «أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ»، أَيْ: جَعَلْتُهَا مُسَلَّمَةً لَكَ تَسْلِيمَ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ نَفْسَهُ إِلَى سَيِّدِهِ وَمَالِكِهِ. وَتَوْجِيهُ وَجْهِهِ إِلَيْهِ يَتَضَمَّنُ إِقْبَالَهُ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى رَبِّهِ، وَإِخْلَاصَ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ لَهُ، وَإِقْرَارَهُ بِالْخُضُوعِ وَالذُّلِّ وَالِانْقِيَادِ،

قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران: 20] [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ الْآيَةُ: 20]." اهـ

 

وفي بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 143): "وَقَوْلُهُ : «أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ»، تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي طَوْعًا." اهـ

 

وَوَجَّهتُ وَجْهِي إلَيْكَ،

 

[تعليق]: وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1654):

"(وَوَجَّهْتُ وَجْهِي) أَيْ: وَجْهِي وَقَصْدَ قَلْبِي (إِلَيْكَ) وَجَعَلْتُ وَجْهِي إِلَى قِبْلَتِكَ." اهـ

 

وفي بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 143):

"وَقَوْلُهُ : «وَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ» هُوَ الْإِقْبَالُ عَلَيْهِ، وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا دُونَهُ." اهـ

 

وفي زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 224):

"وَذَكَرَ الْوَجْهَ، إِذْ هُوَ أَشْرَفُ مَا فِي الْإِنْسَانِ، وَمَجْمَعُ الْحَوَاسِّ، وَأَيْضًا فَفِيهِ مَعْنَى التَّوَجُّهِ وَالْقَصْدِ." اهـ

 

وَفَوَّضتُ أَمْري إلَيْكَ[1]،

 

[تعليق]: وفي فتح الباري لابن حجر (11/ 110):

"(وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ) أَيْ : تَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ فِي أَمْرِي كُلِّهِ." اهـ

 

وفي بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 143):

"وَقَوْلُهُ: «فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ» هُوَ التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ، رَغْبَةً إِلَيْهِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ مَلَاذِّ النَّفْسِ، وَمَرَافِقِهَا، وَرَهْبَةً مِنْهُ، لَا مِنْ آلَامِ النُّفُوسِ، وَمَكَارِهِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ سَلَّمَ نَفْسَهُ، وَفَوَّضَ أَمَرَهُ، فَمُطَالَبَتُهُ حُظُوظَ نَفْسِهِ، وَاتِّسَاقُ أُمُورِهِ مِمَّا لَا يَعْنِيهِ، إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِلَيْهِ، وَمَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى شَيْءٍ دُونَهُ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنْ رَغْبَتُهُ فِي شَيْءٍ دُونَهُ، وَلَا يُرِيدُ غَيْرَهُ، وَلَا يَطْلُبُ إِلَّا رِضَاهُ، وَالْقُرْبَةَ مِنْهُ، وَالزُّلْفَى لَدَيْهِ، وَمَنِ اعْتَمَدَ فِي أَحْوَالِهِ عَلَيْهِ، وَتَوَكَّلَ فِيمَا يُعَامِلُهُ بِهِ عَلَيْهِ، فَقَدِ احْتَرَزَ مِنْ جَمِيعِ الْمَكَارِهِ، بَلْ تَفَرَّغَ مِنْهَا لَهُ فَلَا يَخَافُ شَيْئًا سِوَاهُ، وَلَا يَرْهَبُ إِلَّا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا عِنْدَهُ بَاقٍ، وَإِنَّمَا يَنْفَذُ مَا عِنْدَ غَيْرِهِ، فَهَذَا عَبْدٌ لَا يَرَى غَيْرَ رَبِّهِ، وَلَا يُطَالِعُ غَيْرَ سَيِّدِهِ، وَلَا يُرَاقِبُ إِلَّا مَوْلَاهُ، فَكَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الدَّارِ غَيْرُهُ، وَلَا لِلْمُلْكِ سِوَاهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16] ، فَالْيَوْمَ يَوْمٌ، وَغَدًا يَوْمٌ، وَالْأَيَّامُ كُلُّهَا يَوْمٌ وَاحِدٌ، لَا مُصَرِّفَ لَهَا إِلَّا وَاحِدٌ، وَلَا مُدَبِّرَ فِيهَا إِلَّا وَاحِدٌ، فَلَهُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ، يَفْعَلُ فِي خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ مِنْ تَعْرِيفِ عِبَادِهِ، وَتَغْيِيرِ الْأَحْوَالِ فِي بِلَادِهِ، وَيَفْعَلُ فِيهِمْ مَا يَشَاءُ، وَيْحَكُمُ فِيهِمْ مَا يُرِيدُ، لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَهُ الْمُلْكُ غَدًا إِذَا أَفْنَى عِبَادَهُ، وَطَوَى بِلَادَهُ، لَا أَحَدَ يُنَازِعُهُ، وَلَا مُجِيبَ يُجَاوِرُهُ، فَالْمُلكُ الْيَوْمَ وَغَدًا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، لَا مَلْجَأَ مِنْهُ، وَلَا مَنْجَا يُخَاطِبُهُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ، مِنْهُ الْمَفَرُّ، وَإِلَيْهِ الْمَقَرُّ، فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " اهـ

 

وَأَلجأْتُ ظَهري إلَيْكَ

 

[تعليق]: وفي فتح الباري لابن حجر (11/ 110_111):

"(وَأَلْجَأْتُ)، أَيِ: اعْتَمَدْتُ فِي أُمُورِي عَلَيْكَ لِتُعِينَنِي عَلَى مَا يَنْفَعُنِي لِأَنَّ مَنِ___اسْتَنَدَ إِلَى شَيْءٍ تَقَوَّى بِهِ، وَاسْتَعَانَ بِهِ وَخَصَّهُ بِالظَّهْرِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَعْتَمِدُ بِظَهْرِهِ إِلَى مَا يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ." اهـ

 

وفي بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 143):

"وَقَوْلُهُ: «أَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ» هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ." اهـ

 

وفي "منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري" (1/ 299) لحمزة محمد قاسم : "(وألجأت ظهري إليك)، أي: وتحصنت بجوارك، ولجأت إلى حفظك، فاحرسنِي بعينك التي لا تنام." اهـ

 

رَغبَةً وَرَهبَةً إلَيْكَ،

 

[تعليق] وفي فتح الباري لابن حجر (11/ 111):

"وَقَوْلُهُ (رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ)، أَيْ: رَغْبَةً فِي رَفْدِكَ وَثَوَابِكَ (وَرَهْبَةً) أَيْ : خَوْفًا مِنْ غَضَبِكَ وَمِنْ عقابك." اهـ

 

لا مَلْجَأ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إلا إلَيْكَ[2]،

 

[تعليق]: وفي "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8/ 119) لعبيد الله الرحمني: "(لا ملجأ، ولا منجا منك، إلا إليك)، أي: لا مهرب ولا مَلَاذَ، ولا مَخْلَصَ مِنْ عقوبتك، إلا إلى رحمتك." اهـ

 

منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (1/ 300) لحمزة محمد قاسم :

"أي: فإنه لا مفر منك إلاّ إليك، ولا ملاذ من عقوبتك، إلاّ بالالتجاء إلى عفوك، ومغفرتك، يا أرحم الراحمين." اهـ

 

آمنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ؛ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ".

 

[تعليق]: وفي فتح الباري لابن حجر (11/ 111):

"قَوْلُهُ (آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ) يَحْتَمِلُ : أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْقُرْآنَ، وَيَحْتَمِلُ : أَنْ يُرِيدَ اسْمَ الْجِنْسِ فَيَشْمَلُ كُلَّ كِتَابٍ أُنْزِلَ." اهـ

 

فَإِنَّ مِتَّ مِنْ لَيلَتِكَ، مِتَّ عَلَى الفِطْرَةِ، وَإِنْ أصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيراً» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

[تعليق]: وفي فتح الباري لابن حجر (11/ 111) : "قَوْلُهُ (فَإِنْ مَتَّ، مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ)، قَالَ الطِّيبِيُّ: "فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وُقُوعِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْسَلِخَ النَّهَارُ مِنَ اللَّيْلِ." اهـ

 

وفي فتح الباري لابن حجر (11/ 111):

"وَقَوْلُهُ (عَلَى الْفِطْرَةِ)، أَيْ: عَلَى الدِّينِ الْقَوِيمِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ _عَلَيْهِ السَّلَامُ_ أَسْلَمَ وَاسْتَسْلَمَ. قَالَ اللَّهُ _تَعَالَى_ عَنْهُ: جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وَقَالَ عَنهُ: (أسلمت لرب الْعَالمين)، وَقَالَ: (فَلَمَّا اسلما)

وَقَالَ ابن بَطَّالٍ وَجَمَاعَةٌ: "الْمُرَادُ بِـ"الْفِطْرَةِ" هُنَا: دِينُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ: (مَنْ كَانَ آخِرَ كَلَامِهِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، دَخَلَ الْجَنَّةَ." اهـ[3]

 

وفي رواية في الصحيحين :

عن البراءِ قَالَ : قَالَ لي رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ :

«إِذَا أَتَيْتَ مَضْجِعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءكَ للصَّلاةِ،

 

[تعليق]: فتح الباري لابن حجر (11/ 110):

"قَوْلُهُ (فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ) الْأَمْرُ فِيهِ لِلنَّدَبِ. وَلَهُ فَوَائِدُ :

* مِنْهَا: أَنْ يَبِيتَ عَلَى طَهَارَةٍ، لِئَلَّا يَبْغَتَهُ الْمَوْتُ، فَيَكُونُ عَلَى هَيْئَةٍ كَامِلَةٍ،

* وَيُؤْخَذُ مِنْهُ: النَّدْبُ إِلَى الِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ بِطَهَارَةِ الْقَلْبِ، لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ،

وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ من طَرِيق مُجَاهِد قَالَ: قَالَ لي بن عَبَّاسٍ: "لَا تَبِيتَنَّ إِلَّا عَلَى وُضُوءٍ، فَإِنَّ الْأَرْوَاحَ تُبْعَثُ عَلَى مَا قُبِضَتْ عَلَيْهِ." [4] وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَبَا يَحْيَى الْقَتَّاتَ، هُوَ صَدُوقٌ فِيهِ كَلَامٌ

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مِرَايَةَ الْعِجْلِيِّ قَالَ: "مَنْ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ طَاهِرًا وَنَامَ ذَاكِرًا، كَانَ فِرَاشُهُ مَسْجِدًا وَكَانَ فِي صَلَاةٍ وَذِكْرٍ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ." [5] وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ نَحْوهُ،

وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ، وَلَا سِيَّمَا الْجُنُبُ، وَهُوَ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ، وَقَدْ يَكُونُ مُنَشِّطًا لِلْغُسْلِ، فَيَبِيتُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ،

* وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ أَصْدَقَ لِرُؤْيَاهُ وَأَبْعَدَ مِنْ تَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِهِ،

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: (لَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ ذِكْرُ الْوُضُوءِ عِنْدَ النَّوْمِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ)." اهـ

 

ثُمَّ اضْطَجعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيمَنِ، وَقُلْ ... (وذَكَرَ نَحْوَهُ)، ثُمَّ قَالَ: وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ».

 

وفي فتح الباري لابن حجر (11/ 110):

"قَوْلُهُ (ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ) _بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ_، أَيِ : الْجَانِبِ.

وَخَصَّ الْأَيْمَنَ لِفَوَائِدَ:

* مِنْهَا: أَنَّهُ أَسْرَعُ إِلَى الِانْتِبَاهِ،

* وَمِنْهَا: أَنَّ الْقَلْبَ مُتَعَلِّقٌ إِلَى جِهَةِ الْيَمِينِ، فَلَا يَثْقُلُ بِالنَّوْمِ،

* وَمِنْهَا: قَالَ بن الْجَوْزِيِّ: "هَذِهِ الْهَيْئَةُ نَصَّ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّهَا أَصْلَحُ لِلْبَدَنِ، قَالُوا: يَبْدَأُ بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ سَاعَةً ثُمَّ يَنْقَلِبُ إِلَى الْأَيْسَرِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ سَبَبٌ لِانْحِدَارِ الطَّعَامِ. وَالنَّوْمُ عَلَى الْيَسَارِ يَهْضِمُ لِاشْتِمَالِ الْكَبِدِ عَلَى الْمَعِدَةِ." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه في البخاري في "صحيحه" (1/ 58) (رقم: 247)، ومسلم في "صحيحه" (4/ 2081) (رقم: 2710)، وأبو داود في "سننه" (4/ 311) (رقم: 5046)، والترمذي في "سننه" (5/ 567) (رقم: 3574)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1275) (رقم: 3876).

 

انظر _للفائدة_ "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 907) (رقم: 2889).

 

من فوائد الحديث :

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 76)

في هذا الحديث: فضل الاستسلام، والتفويض، والالتجاء إلى الله عزَّ وجلّ.

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 111) :

"وَقَالَ الطِّيبِيُّ :

"فِي نَظْمِ هَذَا الذِّكْرِ عَجَائِبُ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْمُتْقِنُ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ :

* فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (أَسْلَمْتُ نَفْسِي) إِلَى أَنَّ جَوَارِحَهُ مُنْقَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ،

* وَبِقَوْلِهِ (وَجَّهْتُ وَجْهِي) إِلَى أَنَّ ذَاتَهُ مُخْلِصَةٌ لَهُ بَرِيئَةٌ مِنَ النِّفَاقِ،

* وَبِقَوْلِهِ (فَوَّضْتُ أَمْرِي) إِلَى أَنَّ أُمُورَهُ الْخَارِجَةَ وَالدَّاخِلَةَ مُفَوَّضَةٌ إِلَيْهِ لَا مُدَبِّرَ لَهَا غَيْرُهُ،[6]

* وَبِقَوْلِهِ (أَلْجَأْتُ ظَهْرِي) إِلَى أَنَّهُ بَعْدَ التَّفْوِيضِ يَلْتَجِئُ إِلَيْهِ مِمَّا يَضُرُّهُ وَيُؤْذِيهِ مِنَ الْأَسْبَابِ كُلِّهَا."[7] اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 112)

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ ثَلَاثُ سُنَنٍ :

إِحْدَاهَا : الْوُضُوءُ عِنْدَ النّوم وان كَانَ متوضأ كَفَاهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّوْمُ عَلَى طَهَارَةٍ. ثَانِيهَا : النَّوْمُ عَلَى الْيَمِينِ، ثَالِثُهَا : الْخَتْمُ بِذِكْرِ اللَّهِ."[8]

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 112_113)

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ :

* عَلَى الْإِيمَانِ___بِكُلِّ مَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ إِجْمَالًا مِنَ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ مِنَ الْإِلَهِيَّاتِ وَالنَّبَوِيَّاتِ،

* وَعَلَى إِسْنَادِ الْكُلِّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ لِذِكْرِ الْوَجْهِ وَالنَّفْسِ وَالْأَمْرِ،

* وَإِسْنَادِ الظَّهْرِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ بِحَسَبِ الْمَعَاشِ،

* وَعَلَى الِاعْتِرَافِ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ خَيْرًا وَشَرًّا وَهَذَا بِحَسَبِ الْمَعَادِ." اهـ[9]

 

بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 143) :

"وَمَنِ اعْتَمَدَ فِي أَحْوَالِهِ عَلَيْهِ، وَتَوَكَّلَ فِيمَا يُعَامِلُهُ بِهِ عَلَيْهِ، فَقَدِ احْتَرَزَ مِنْ جَمِيعِ الْمَكَارِهِ، بَلْ تَفَرَّغَ مِنْهَا لَهُ فَلَا يَخَافُ شَيْئًا سِوَاهُ، وَلَا يَرْهَبُ إِلَّا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا عِنْدَهُ بَاقٍ، وَإِنَّمَا يَنْفَذُ مَا عِنْدَ غَيْرِهِ، فَهَذَا عَبْدٌ لَا يَرَى غَيْرَ رَبِّهِ، وَلَا يُطَالِعُ غَيْرَ سَيِّدِهِ، وَلَا يُرَاقِبُ إِلَّا مَوْلَاهُ، فَكَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الدَّارِ غَيْرُهُ، وَلَا لِلْمُلْكِ سِوَاهُ." اهـ

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (1/ 365) :

"فيه : أن الوضوء عند النوم مندوب إليه مرغب فيهن وكذلك الدعاء، لأنه قد تقبض روحه فى نومه، فيكون قد ختم عمله بالوضوء والدعاء الذى هو أفضل الأعمال، ولذلك كان ابن عمر يجعل آخر عمله الوضوء والدعاء، فإذا تكلم بعد ذلك استأنف الصلاة والدعاء، ثم ينام على ذلك اقتداء بالنبى (صلى الله عليه وسلم) لقوله : " اجعلهن آخر ما تتكلم به -." اهـ

 

الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (1/ 404) :

"وإذا تأملْتَ في هذا الدعاء وجنتَه مشتملًا على الثناء على الله _تعالى_ بصفات الجمال والجلال والتفويض والتوكل المخبر عن مقام الثناء في ذاته تعالى، وهو آخر مقامات المسالك." اهـ

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 279)

قال الطيبي: في الجملة إشارة إلى أنه بعد تفويض أمره الذي هو مفتقر إليه وبه معاشه وعليه مدار أمره ملتجىء إليه مما يضرّه ويؤذيه من الأسباب الداخلة والخارجة

 

نيل الأوطار (1/ 268) للإمام الشوكاني اليماني :

"قَوْلُهُ : (فَتَوَضَّأْ)

ظَاهِرُهُ : اسْتِحْبَابُ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ النَّوْمَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِمَنْ كَانَ مُحْدِثًا." اهـ

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 200) لعبيد الله الرحمني المباركفوري:

"وقال المناوي : "ختمه بهذه الكلمة الحضورية الشهودية إشارة إلى أن الدعاء إنما ينفع المكروب ويزيل كربه إذا كان مع حضور وشهود ومن شهد بالتوحيد والجلال مع جمع الهمة وحضور البال فهو حري بزوال الكرب في الدنيا والرحمة ورفع الدرجات في العقبى." اهـ[10]

 

شرح رياض الصالحين (4/ 337) للعثيمين :

فينبغي عليكم أن تحفظوا هذا الذكر وأن تقولوه إذا اضطجعتم على فرشكم وأن تجعلوه آخر ما تقولون امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واتباعا لسنته وهديه.

هذه من آداب النوم ومن حكمة الله عز وجل ورحمته أنك لا تكاد تجد فعلا للإنسان إلا وجدته مقرونا بذكرٍ. اللباسُ له ذِكْرٌ، الأكلُ له ذكرٌ، الشرب له ذكرٌ، النوم له ذكرٌ، حتى جماع الرجل لامرأته له ذكرٌ، كل شيء له ذكرٌ.

وذلك من أجل ألا يغفل الإنسان عن ذكر الله، يكون ذكر الله على قلبه دائما، وعلى لسانه دائما.

وهذه من نعمة الله التي نسأل الله تعالى أن يرزقنا شكرها وأن يعيننا عليها." اهـ

 

منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (1/ 300) لحمزة محمد قاسم :

"ويستفاد منه:

* استحباب الوضوء عند النوم،

* والاضطجاع على الشق الأيمن،

* وتلاوة هذا الذكر المأثور،

* وأن من قرأه قبل نومه وبات على وضوء، ثم مات من ليلته، مات على الإِيمان والسنة،

قال العسقلاني: "وإنما ندب الوضوء عند النوم، لأنه قد يقبض روحه في نومه، فيكونُ قد ختم عمله بالوضوء، وليكون أصدق لرؤياه، وأبعد عن تلاعب الشيطان به في منامه." اهـ

 

منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (5/ 276) :

"فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي:

أولاً : استحباب النوم على الجانب الأيمن، ووضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن[11]،

لما جاء في هذا الحديث من أنه - صلى الله عليه وسلم - " كان إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن"

والحكمة في استحباب النوم على الشق الأيمن أنه أسرع في الانتباه من النوم، لعدم استقرار القلب بخلاف النوم على الشق الأيسر، حيث يستريح القلب، فيستغرق العبد في النوم، ويبطىء في الاستيقاظ منه. كما أن الإكثار من النوم على الجنب الأيسر، وإن كان أهنأ وأمتع، إلاّ أنه يضر القلب لضغط بقية الأعضاء عليه. [12]

ثانياً: استحباب هذا الدعاء المبارك المذكور في الحديث عند النوم، لأنه يعود على صاحبه بفائدة عظيمة، وهي الموت على فطرة الإِسلام، والفوز بخيري الدنيا والآخرة إذا أصبح سليماً معافى، ويستحب له أن يتوضأ قبل هذا الدعاء،

لما جاء في رواية أخرى عن البراء بن عازب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: " إذا أخذت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن،

ثم قل: " اللهم إني أسلمت وجهي إليك " إلخ

قال النووي : "وفيه ثلاث سنن مهمة: الوضوء عند النوم، لأن المقصود النوم على طهارة، والنوم على اليمين، والختم بذكر الله." اهـ

 

شرح سنن أبي داود للعباد (573/ 5) - الشاملة:

"الإنسان لا يسلم مما هو ضار إلا بالتعويل على الله عز وجل الذي منه الضر والنفع، والذي هو خالق كل شيء وبيده كل شيء سبحانه وتعالى،

وهذا كما جاء في الحديث: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)." اهـ

 

[تعليق]: واللفظ الوارد:

«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سُخْطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»

أخرجه مسلم في "صحيحه" (1/ 353/ 223) (رقم: 487)، وأبو داود في "سننه" (1/ 232) (رقم: 879)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (5/ 524) (رقم: 3493)، والنسائي في "سننه" (1/ 102 و 2/ 210 و 2/ 222) (رقم: 169 و 1100 و 1130)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1262) (رقم: 3841).[13]

 

زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 223)

وَلَمَّا كَانَ النَّائِمُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، وَالنَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ - وَلِهَذَا يَسْتَحِيلُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ لَا يَنَامُونَ فِيهَا - كَانَ النَّائِمُ مُحْتَاجًا إِلَى مَنْ يَحْرُسُ نَفْسَهُ، وَيَحْفَظُهَا مِمَّا يَعْرِضُ لَهَا مِنَ الْآفَاتِ، وَيَحْرُسُ بَدَنَهُ أَيْضًا مِنْ طَوَارِقِ الْآفَاتِ، وَكَانَ رَبُّهُ وَفَاطِرُهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلِّي لِذَلِكَ وَحْدَهُ.

عَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّائِمَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَاتِ التَّفْوِيضِ وَالِالْتِجَاءِ، وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ، لِيَسْتَدْعِيَ بِهَا كَمَالَ حِفْظِ اللَّهِ لَهُ، وَحِرَاسَتِهِ لِنَفْسِهِ وَبَدَنِهِ.

وَأَرْشَدَهُ مَعَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَسْتَذْكِرَ الْإِيمَانَ، وَيَنَامَ عَلَيْهِ، وَيَجْعَلَ التَّكَلُّمَ بِهِ آخِرَ كَلَامِهِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا تَوَفَّاهُ اللَّهُ فِي مَنَامِهِ، فَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ آخِرَ كَلَامِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ،

فَتَضَمَّنَ هَذَا الْهَدْيُ فِي الْمَنَامِ مَصَالِحَ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ وَالرُّوحِ فِي النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ، وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى مَنْ نَالَتْ بِهِ أُمَّتُهُ كُلَّ خَيْرٍ." اهـ

 

[تعليق]: وفي "زاد المعاد في هدي خير العباد" (4/ 224):

"وَلَمَّا كَانَ لِلْقَلْبِ قُوَّتَانِ: قُوَّةُ الطَّلَبِ، وَهِيَ الرَّغْبَةُ، وَقُوَّةُ الْهَرَبِ، وَهِيَ الرَّهْبَةُ، وَكَانَ الْعَبْدُ طَالِبًا لِمَصَالِحِهِ، هَارِبًا مِنْ مَضَارِّهِ، جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ فِي هَذَا التَّفْوِيضِ وَالتَّوَجُّهِ، فَقَالَ : (رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ)". اهـ

 

عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص: 109) لابن القيم :

"الدين كله رغبة ورهبة فالمؤمن هو الراغب الراهب." اهـ

 

فقه الأدعية والأذكار (3/ 62) للشيخ عبد الرزاق البدر:

"فهذا الحديثُ العظيمُ يشتمل على بعضِ الآداب التي يَحسُنُ بالمسلم أن يُحافظَ عليها عند نومه،

* وقد أرشدَ صلى الله عليه وسلم أوَّلَ ما أرشد في هذا الحديث مَن أوَى إلى فراشه أن يتوضأ وضوءَه للصلاة، وذلك ليكون عند النوم على أكمل أحوالِه، وهي الطهارة، وليكون ذكرُه لله _عز وجل_ عند نومه على حال الطهارة، وهي الحالُ الأكملُ للمسلم في ذكره لله عز وجل،

* ثم وجَّه صلى الله عليه وسلم إلى___أن ينامَ المسلمُ على شِقِّه الأيمن، وهي أكملُ أحوال المسلم في نومه،

* ثمَّ أرشده _صلى الله عليه وسلم_ وهو على هذه الحال الكاملة أن يبدأ في مناجاة ربِّه عز وجل بذلك الدعاء العظيم الذي أرشد إليه صلوات الله وسلامه عليه." اهـ[14]

 

فقه الأدعية والأذكار (3/ 63) "

"وقوله : (وفوَّضتُ أمري إليك) أي : جعلتُ شأنِي كلَّه إليك،

وفي هذا : الاعتمادُ على الله عز وجل والتوكل التام عليه، إذ لا حول للعبد ولا قوَّة إلاَّ به سبحانه _وتعالى_." اهـ

 

فقه الأدعية والأذكار (3/ 63)

وقوله: "وألجأتُ ظهري إليك" أي: أسندتُه إلى حفظك ورعايتك لما علمتُ أنَّه لا سند يُتقوى به سواك، ولا ينفع أحداً إلاَّ حماك،

وفي هذا : إشارةٌ إلى افتقار العبد إلى الله جل وعلا في شأنه كلِّه في نومه ويقظته وحركته وسكونه وسائر أحواله." اهـ

 

فقه الأدعية والأذكار (3/ 64)

وقوله: "رغبةً ورهبة إليك" أي: إنَّني أقول ما سبق كلَّه وأنا راغبٌ راهب، أي: راغبٌ تمام الرغبة في فضلك الواسع وإنعامك العظيم، وراهبٌ منك ومن كلِّ أمر يوقع في سخطك،

وهذا هو شأن الأنبياء والصالحين من عباد الله يجمعون في دعائهم بين الرَّغَب والرَّهَب، كما قال الله تعالى :

{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]

 

الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (3/ 142) لابن علان :

قوله: (وأَلجَأتُ ظَهرِي إِليكَ) أي أسندته إلى حفظك لما علمت أنه لا مسند يتقوى به سواك ولا ينفع أحد إلَّا حماك.

وفيه : تنبيه على أنه كالمضطر في ذلك حيث لم يعلم له سند يتقوى به غير الله ولا ظهر يشد به أزره سواه وخص الظهر بالذكر لكون الاعتماد في الاستناد عليه أكثر من غيره." اهـ

 

صحيح ابن حبان (12/ 337) :

"ذِكْرُ الشَّيْءِ الَّذِي إِذَا قَالَهُ الْمَرْءُ عِنْدَ الرُّقَادِ، ثُمَّ أَدْرَكَتْهُ الْمَنِيَّةُ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ." اهـ

 

صحيح ابن حبان (12/ 346) :

"ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ بِهَذَا الدُّعَاءِ إِنَّمَا أُمِرَ لِلْآخِذِ مَضْجَعَهُ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ لِلصَّلَاةِ". اهـ

 

صحيح ابن حبان (12/ 352) :

"ذِكْرُ مَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْءِ تَفْوِيضُ النَّفْسِ إِلَى الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا عِنْدَ إِرَادَتِهِ النَّوْمَ". اهـ

 

الأدب المفرد (ص: 690) للبخاري :

577- باب يضع يده تحت خده

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 291_296)

في فوائده:

1 - (منها): بيان استحباب الوضوء عند النوم، ثم إنه لم يُذكر في

روايات هذا الحديث الصلاة إثر الوضوء، لكن لو صلّى بعده كان حسنًا؛

لحديث قصّة بلال -رضي الله عنه-، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحه"، عن أبي

هريرة -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال عند صلاة الفجر: "يا بلال حدّثني بأرجى

عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دَفّ نعليك بين يديّ في الجنة"، قال: ما___

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 292)

عَمِلت عملًا أرجى عندي، أني لم أتطهر طهورًا في ساعة ليل، أو نهار، إلا

صليت بذلك الطهور ما كُتب لي، أن أصلي. قال أبو عبد الله: دَفّ نعليك:

يعني: تحريك ["صحيح البخاريّ" 1/ 386.].

وقد ترجم البخاريّ على هذا الحديث، فقال: "باب فضل الطهور بالليل

والنهار، وفضل الصلاة بعد الوضوء بالليل والنهار".

2 - (ومنها): ما قاله ابن بطال رحمهُ اللهُ: فيه أن الوضوء عند النوم مندوب

إليه، مرغَّب فيه، وكذلك الدعاء؛ لأنه قد تُقبض روحه في نومه، فيكون قد

خُتم عمله بالوضوء والدعاء الذي هو أفضل الأعمال، ثم إن هذا الوضوء

مستحب، وإن كان متوضئًا كفاه ذلك الوضوء؛ لأن المقصود النوم على طهارة؛

مخافة أن يموت في ليلته، ويكون أصدق لرؤياه، وأبعد من تلعّب الشيطان به

في منامه.

3 - (ومنها): استحباب النوم على الشقّ الأيمن؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان

يحب التيامن، ولأنه أسرع إلى الانتباه، وإلى انحدار الطعام كما هو مذكور في

الكتب الطبية، كذا قال الكرمانيّ.

وتعقّبه العينيّ، فقال: الذي ذكره الأطباء خلاف هذا، فإنهم قالوا: النوم

على الأيسر رَوْح للبدن، وأقرب إلى انهضام الطعام، ولكن اتباع السنَّة أحقّ

وأَولى.

4 - (ومنها): استحباب النوم على ذكر الله سبحانه وتعالى؛ ليكون خاتمة عمله

ذلك، اللَّهُمَّ اختم لنا بالخير.

5 - (ومنها): ما قاله الخطابيّ: فيه حجة لمن منع رواية الحديث

بالمعنى، وهو قول ابن سيرين، وغيره، وكان يذهب هذا المذهب أبو العباس

النحويّ، ويقول: ما من لفظة من الألفاظ المتناظرة في كلامهم، إلا وبينها

وبين صاحبتها فرق، وإن دَقّ ولَطُف، كقوله: بلى، ونعم.

قال العينيّ رحمهُ اللهُ: هذا الباب فيه خلاف بين المحدثين، وقد عُرف في

موضعه، ولكن لا حجة في هذا للمانعين؛ لأنه يَحْتَمِل الأوجه التي ذكرناها___بخلاف غيره. انتهى ["عمدة القاري" 3/ 189].

وقال في "الفتح": قال القرطبيّ ["المفهم" 7/ 39] تبعًا لغيره: هذا حجة لمن لم يُجز نقل

الحديث بالمعنى، وهو الصحيح من مذهب مالك، فإن لفظ النبوة والرسالة

مختلفان في أصل الوضع، فإن النبوة من النبأ، وهو الخبر، فالنبيّ في العرف:

هو المنَبَّأ من جهة الله بأمر يقتضي تكليفًا، وإن امر بتبليغه إلى غيره، فهو

رسول، وإلا فهو نبيّ غير رسول، وعلى هذا فكل رسول نبيّ بلا عكس، فإن

النبيّ والرسول اشتركا في أمر عامّ، وهو النبأ، وافترقا في الرسالة، فإذا قلت:

فلان رسول تضمَّن أنه نبيّ رسول، وإذا قلت: فلان نبيّ لم يستلزم أنه رسول،

فأراد -صلى الله عليه وسلم- أن يجمع بينهما في اللفظ؛ لاجتماعهما فيه، حتى يُفهم من كل واحد

منهما من حيث النطق ما وُضع له، وليخرج عما يكون شِبْه التكرار في اللفظ،

من غير فائدة، فإنه إذا قال: ورسولك، فقد فُهم منه أنه أرسله، فإذا قال:

الذي أرسلت صار كالحشو الذي لا فائدة فيه، بخلاف قوله: ونبيّك الذي

أرسلت، فلا تكرار فيه، لا متحققًا، ولا متوهمًا. انتهى كلامه.

قال الحافظ: وقوله: صار كالحشو، متعقَّب؛ لثبوته في أفصح الكلام،

كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4]، {إِنَّا أَرْسَلْنَا

إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ} [المزمل: 15]، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى} [التوبة:

33]، ومن غير هذا اللفظ: {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} [ق: 41]، إلى غير ذلك، فالأولى

حذف هذا الكلام الأخير، والاقتصار على قوله: "ونبيّك الذي أرسلت" في

هذا المقام أفْيد من قوله: "ورسولك الذي أرسلت"؛ لِما ذُكِر، والذي ذكره في

الفرق بين الرسول والنبئ مقيّد بالرسول البشريّ، وإلا فإطلاق الرسول كما في

اللفظ هنا يتناول الملَك، كجبريل؛ مثلًا، فيظهر لذلك فائدة أخرى، وهي تعيّن

البشريّ دون الملَك، فيخلص الكلام من الفَبس.

وأما الاستدلال به على مَنْع الرواية بالمعنى ففيه نظر؛ لأن شرط الرواية

بالمعنى أن يتفق اللفظان في المعنى المذكور، وقد تقرر أن النبيّ والرسول

متغايران لفظًا ومعنى، فلا يتم الاحتجاج بذلك.___

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 294)

قيل: وفي الاستدلال بهذا الحديث لمنع الرواية بالمعنى مطلقاً نظر،

وخصوصاً إبدال الرسول بالنبيّ وعكسه إذا وقع في الرواية؛ لأن الذات

المحدَّث عنها واحدة، فالمراد يُفهم بأيّ صفة وُصِف بها الموصوف، إذا ثبتت

الصفة له، وهذا بُناءً على أن السبب في منع الرواية بالمعنى أن الذي يستجيز

ذلك قد يَظُنّ يوفي بمعنى اللفظ الآخر، ولا يكون كذلك في نفس الأمر، كما

عُهد في كثير من الأحاديث، فالاحتياط الإتيان باللفظ، فعلى هذا إذا تحقق

بالقطع أن المعنى فيهما متّحد لم يضرّ، بخلاف ما إذا اقتصر على الظنّ، ولو

كان غالباً.

وأَولى ما قيل في الحكمة في ردّه - صلى الله عليه وسلم - على من قال "الرسول" بدل

"النبيّ": أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص، وأسرار، لا يدخلها

القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، وهذا اختيار

المازريّ (1)، قال: فيُقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء

بتلك الحروف، ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات، فيتعيّن أداؤها بحروفها.

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن أحسن ما قيل في حكمة النهي عن

إبدال النبيّ بالرسول في هذا الحديث كون ألفاظ الأذكار توقيفيّة، كما قال

المازريّ، فتجب المحافظة على اللفظ الوارد فيها، ولو ظُنّ أن ما يرادفها من

الألفاظ يؤدي معناها؛ لأن التعبّد وقع على لفظها، كما وقع على معناها،

فالواجب الوقوف على التعليم الثبويّ، والله تعالى أعلم.

6 - (ومنها): ما قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ-: في الحديث ثلاث سنن:

إحداها: الوضوء عند النوم، وإن كان متوضاً كفاه، لأن المقصود النوم

على طهارة.

قال الجامع عفا الله عنه: لكن ظاهر إطلاق الحديث يعمّ من كان

متوضّئاً، وهو الأَولى، والله تعالى أعلم.

ثانيها: النوم على اليمين.____

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 295)

ثالثه 1: الختم بذكر الله تعالى (1).

وقال الكرمانيّ - رَحِمَهُ اللهُ-: هذا الحديث يشتمل على الإيمان بكل ما يجب

الإيمان به إجمالاً، من الكتب، والرسل، من الإلهيات، والنبويات، وعلى

إسناد الكل إلى الله تعالى، من الذوات، والصفات، والأفعال؛ لِذِكر الوجه،

والنفس، والأمر، وإسناد الظَّهر مع ما فيه من التوكل على الله تعالى، والرضا

بقضائه، وهذا كله بحسب المعاش، وعلى الاعتراف بالثواب، والعقاب،

خيراً، وشرّاً، وهذا بحسب المعاد. انتهى (2).

وقال في "الفتح": قوله: "فتوضأ وضوءك للصلاة" الأمْر فيه للندب، وله

فوائد:

منها: أن يبيت على طهارة؛ لئلا يبغته الموت، فيكون على هيئة كاملة،

ويؤخذ منه الندب إلى الاستعداد للموت بطهارة القلب؛ لأنه أَولى من طهارة

البدن، وقد أخرج عبد الرزاق من طريق مجاهد، قال: قال لي ابن عباس - رضي الله عنهما -:

لا تبيتنّ إلا على وضوء، فإن الأرواح تُبعث على ما قُبضت عليه، ورجاله

ثقات، إلا أبا يحيى القَتّات هو صدوق فيه كلام.

ومن طريق أبي مراية العجليّ قال: من أوى إلى فراشه طاهراً، ونام

ذاكراً كان فراشه مسجداً، وكان في صلاة وذكر، حتى يستيقظ.

ومن طريق طاوس نحوه، ويتأكد ذلك في حقّ المحدث، ولا سيما

الجنب، وهو أنشط للعَوْد، وقد يكون منشطاً للغسل، فيبيت على طهارة كاملة.

ومنها: أن يكون أصدق لرؤياه، وأبعد من تلعّب الشيطان به، قال

الترمذيّ: ليس في الأحاديث ذِكر الوضوء عند النوم إلا في هذا الحديث.

انتهى (3).

[تنبيه]: وقع عند النسائيّ في رواية عمرو بن مرّة، عن سعد بن عبيدة،

في أصل الحديث: "آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبرسولك الذي أرسلت"،____وكأنه لم يسمع من سعد بن عبيدة الزيادة التي في آخره، فروى بالمعنى، وقد

وقع في رواية أبي إسحاق، عن البراء، نظير ما في رواية منصور، عن سعد بن

عبيدة، أخرجه الترمذيّ من طريق سفيان بن عيينة، عن أبي إسحاق، وفي

آخره: "قال البراء: فقلت: وبرسولك الذي أرسلت، فطَعَن بيده في صدري،

ثم قال: ونبيّك الذي أرسلت"، وكذا أخرج النسائيّ من طريق فِطر بن خليفة،

عن أبي إسحاق، ولفظه: "فوضع يده في صدري"، نَعَم أخرج الترمذيّ من

حديث رافع بن خَديج؛ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اضطجع أحدكم على يمينه، ثم

قال ... " فذكر نحو الحديث، وفي آخره: "أومن بكتابك الذي أنزلت،

وبرُسُلك الذي أرسلت"، هكذا فيه بصيغة الجمع، وقال: حسن غريب، فإن

كان محفوظاً فالسرّ فيه حصول التعميم الذي دلّت عليه صيغة الجمع صريحاً،

فدخل فيه جميع الرسل من الملائكة، والبشر، فأُمن اللَّبس، ومنه قوله تعالى:

{كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285]، والله أعلم. انتهى ما في

"الفتح" (1)، وهو بحثٌ مفيدٌ جدّاً، والله تعالى أعلم.



[1]

 

[2]

 

[3] أخرجه أبو داود في "سننه" (3/ 190) (رقم: 3116)، وأحمد في "مسنده" – ط. عالم الكتب (5/ 233 و 5/ 247) (رقم: 22034 و 22127) عن معاذ بن جبل _رضي الله_. وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (3/ 149) (رقم: 687)، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1105) (رقم: 6479)

[4] أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (11/ 39) (رقم: 19844)، والقاسم بن سلاَّم في الطهور (ص: 156) (رقم: 68)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (3/ 295)، والبيهقي "شعب الإيمان" (6/ 391) (رقم: 4386). وفيه أيو يحيى القتات، لين الحديث!

[5] أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (11/ 37) (رقم: 19837)، وفيه: أبو مرثد العجلي، لم نقف على ترجمته، والله أعلم.

[6] وفي زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 224) :

"وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ إِلَيْهِ رَدُّهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَذَلِكَ يُوجِبُ سُكُونَ الْقَلْبِ وَطُمَأْنِينَتَهُ، وَالرِّضَى بِمَا يَقْضِيهِ وَيَخْتَارُهُ لَهُ مِمَّا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَالتَّفْوِيضُ مِنْ أَشْرَفِ مَقَامَاتِ الْعُبُودِيَّةِ، وَلَا عِلَّةَ فِيهِ، وَهُوَ مِنْ مَقَامَاتِ الْخَاصَّةِ خِلَافًا لِزَاعِمِي خِلَافِ ذَلِكَ." اهـ

[7] وفي زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 224) :

"وَإِلْجَاءُ الظَّهْرِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ يَتَضَمَّنُ قُوَّةَ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَالثِّقَةَ بِهِ وَالسُّكُونَ إِلَيْهِ، وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ مَنْ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ لَمْ يَخَفِ السُّقُوطَ." اهـ

[8] وفي كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (5/ 337) لمحمَّد الخَضِر بن سيد عبد الله بن أحمد الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1354هـ) :

"وفي الحديث ثلاث سنن مهمة: الوضوء عند النوم، وإن كان متوضئًا كفاه، لأن المقصود النوم على طهارة كما مر. ثانيها: النوم على اليمين. ثالثها: الختم بذكر الله الذي هو الدعاء المرغَّب فيه؛ لأنه قد تُقبض روحه في النوم، فيكون قد خَتَم عمله بالدعاء الذي هو من أفضل الأعمال كما ختمه بالوضوء." اهـ

وفي شرح رياض الصالحين (1/ 562) : "فينبغي للإنسان إذا أراد النوم إن ينام علي جنبه الأيمن، وان يقول هذا الذكر، وان يجعله آخر ما يقول. والله الموفق." اهـ

[9] وفي الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (22/ 128) : "وهذا الذكر مشتمل على الإيمان بكل ما يجب به الإيمان إجمالا من الكتب والرسل من الإلهيات والنبوات وهو المبدأ وعلى إسناد الكل إلى الله تعالى ذاتًا وصفة وفعلا وهو المعاش وعلى الثواب والعقاب وهو المعاد." اهـ

[10] وفي زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 225) لابن القيم : "خَتَمَ الدُّعَاءَ بِالْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ بِكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ الَّذِي هُوَ مَلَاكُ النَّجَاةِ، وَالْفَوْزِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَهَذَا هَدْيُهُ فِي نَوْمِهِ." اهـ

[11] ورد ذلك _أيضا_ في الحديث الذي أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 417) (رقم : 1215) : عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ : "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ." اهـ وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (6/ 584) (رقم : 2754)

[12] وفي زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 223) :

"وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْحِكْمَةَ فِي النَّوْمِ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، أَنْ لَا يَسْتَغْرِقَ النَّائِمُ فِي نَوْمِهِ، لِأَنَّ الْقَلْبَ فِيهِ مَيْلٌ إِلَى جِهَةِ الْيَسَارِ، فَإِذَا نَامَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، طَلَبَ الْقَلْبُ مُسْتَقَرَّهُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنِ اسْتِقْرَارِ النَّائِمِ وَاسْتِثْقَالِهِ فِي نَوْمِهِ، بِخِلَافِ قَرَارِهِ فِي النَّوْمِ عَلَى الْيَسَارِ، فَإِنَّهُ مُسْتَقَرُّهُ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الدَّعَةُ التَّامَّةُ، فَيَسْتَغْرِقُ الْإِنْسَانُ فِي نَوْمِهِ وَيَسْتَثْقِلُ، فَيَفُوتُهُ مَصَالِحُ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ." اهـ

[13] وانظر للفائدة: "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 281) (رقم: 893)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 275) (رقم: 1280)، صحيح أبي داود - الأم (4/ 34) (رقم: 823)

[14] وفي فقه الأدعية والأذكار (3/ 63)

وإنَّ مِمَّا ينبغي أن يعتَنِيَ به المسلمُ في مثلِ هذا المقام أن يتأمَّلَ معانِيَ الأدعية والأذكار المأثورة؛ ليكون ذلك أكملَ له في مناجاته لربِّه عز وجل ودعائه إياه.

وعندما نتأمَّل هذا الدعاء العظيم الوارد في هذا الحديث نجدُ أنَّه اشتمل من المعاني الجليلة والمقاصد العظيمة على جانبٍ عظيم، يحسن بالمسلم أن يكون مستحضراً لها عند نومه.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين