شرح الحديث 79 - باب اليقين والتوكل - رياض الصالحين - لأبي فائزة البوجيسي

[79] السادس : عن عُمَر _رضي الله عنه_ قَالَ :

سمعتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول :

«لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصاً، وَتَرُوحُ بِطَاناً» . رواه الترمذي، وَقالَ: (حديث حسن) .

معناه: تَذْهبُ أَوَّلَ النَّهَارِ خِمَاصاً: أي ضَامِرَةَ البُطُونِ مِنَ الجُوعِ، وَتَرجعُ آخِرَ النَّهَارِ بِطَاناً. أَي مُمْتَلِئَةَ البُطُونِ.

 

ترجمة عمر بن الخطاب القرشي العدوي _رضي الله عنه_:

 

عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رِيَاح بن عبد الله بن قُرْطِ بن رَزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي، أبو حفص، أمير المؤمنين.

أمه: حنتمة بنت هاشم ذي الرمحين بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وقيل: حنتمة بنت هشام، وهو أشهر، و الأول أصح .

أسلم بمكة قديما، و هاجر إلى المدينة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

و شهد بدرا، و المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وولي الخلافة عشر سنين وخمسة أشهر (وقيل: ستة أشهر). وقتل يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة (وقيل: لثلاث بقين منه سنة ثلاث و عشرين)، وهو ابن ثلاث و ستين سنة فى سن النبى صلى الله عليه وسلم و سن أبى بكر. ودفن مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فى حجرة عائشة، وصلى عليه صهيب بن سنان. اهـ من "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (21/ 316) (رقم: 4225) باختصار.

 

الأعلام للزركلي (5/ 45)

وكانت له تجارة بين الشام والحجاز. وبويع بالخلافة يوم وفاة أبي بكر (سنة 13 هـ بعهد منه.

وفي أيامه تم فتح الشام والعراق، وافتتحت القدس والمدائن ومصر والجزيرة حتى قيل: انتصب في مدته اثنا عشر ألف منبر في الإسلام.

وهو أول من وضع للعرب التاريخ الهجريّ، وكانوا يؤرخون بالوقائع. واتخذ بيت مال المسلمين، وأمر ببناء البصرة والكوفة فبنيتا.

وأول من دوَّن الدواوين في الإسلام، جعلها على الطريقة الفارسية، لإحصاء أصحاب الأعطيات وتوزيع المرتبات عليهم.

وكان يطوف في الأسواق منفردا. ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم. وكتب إلى عماله: (إذا كتبتم لي فابدأوا بأنفسكم).

وروى الزهري: كان عمر إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبان فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم. وله كلمات وخطب ورسائل غاية في البلاغة.

وكان لا يكاد يعرض له أمر، إلا أنشد فيه بيت شعر. وكان أول ما فعله لما ولي، أن ردَّ سبايا أهل الردة إلى عشائرهن. وقال: كرهت أن يصير السبي سبة على العرب.

وكانت الدراهم في أيامه على نقش الكسروية، وزاد في بعضها " الحمد للَّه " وفي بعضها " لا إله إلا الله وحده " وفي بعضها " محمد رسول الله ". له في كتب الحديث 537 حديثا.

وكان نقش خاتمه: " كفى بالموت واعظا يا عمر " وفي الحديث: (اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب لغضبه).[1]

لقَّبه النبي صلى الله عليه وسلّم بـ"الفاروق"، وكناه بـ"أبي حفص". وكان يقضي على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

قالوا في صفته: كان أبيض عاجي اللون، طوالا مشرفا على الناس، كث اللحية، أنزع (منحسر الشعر من جانبي الجبهة) يصبغ لحيته بالحناء والكتم.

قتله أبو لؤلؤة فيروز الفارسيّ (غلام المغيرة بن شعبة) غيلة، بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح.___وعاش بعد الطعنة ثلاث ليال." اهـ

 

وقد كان من أهل العلم من يؤلف في ترجمة عمر وفضائله:

* "فَضَائِلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ": من "فضائل الصحابة" لأحمد بن حنبل (1/ 244)

 

* "مَنَاقِبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ": من "مسند الحارث" = بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (2/ 894)

 

* "كِتَابُ فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ" – من "الشريعة" للآجري (4/ 1874)

 

* "كتاب الأربعين" = "هدية ذوي الألباب في فضائل عمر بن الخطاب": لرضي الدين أبي الخير أحمد بن إسماعيل القوزيني (511 هـ - 590 هـ)

 

* "مناقب عمر بن الخطاب": لعبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 هـ)،

 

* "مَحْض الصوابِ فِيْ فَضَائِلِ أَمِيْرِ الْمُؤْمِنِيْنَ عمرَ بْنِ الْخَطَّابِ": ليوسف بن حسن الصالحي الشهير بـ"ابن المبرد الحنبلي" (المتوفى: 909 هـ) _رحمه الله_

 

* "الثاني من فضائل عمر بن الخطاب": لعبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجماعيلي الدمشقي الحنبلي، أبو محمد، تقي الدين (المتوفى: 600هـ)

 

* الغرر في فضائل عمر: لعبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ)

 

نص الحديث وشرحه:

 

السادس : عن عُمَر _رضي الله عنه_ قَالَ :

سمعتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول :

«لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ،

 

وفي تحفة الأحوذي (7/ 7) للمباركفوري :

"(حَقَّ تَوَكُّلِهِ) بِأَنْ تَعْلَمُوا يَقِينًا أَنْ لَا فَاعِلَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنْ لَا مُعْطِيَ وَلَا مَانِعَ إِلَّا هُوَ ثُمَّ تَسْعَوْنَ فِي الطَّلَبِ بِوَجْهٍ جَمِيلٍ وَتَوَكُّلٍ." اهـ

 

وفي شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3335) :

"قوله : ((حق توكله)) بأن يعلم يقينا بأن لا فاعل إلا الله، وأن كل موجود من خلق ورزق، وعطاء ومنع، وحياة وموت، وغنى وفقر، وغير ذلك مما يطلق عليه اسم الموجود - من الله تعالى، ثم يسعى في الطلب على الوجه الجميل، يشهد لذلك تشبيهه بالطير؛ فإنها تغدو خماصا، ثم تسرح في طلب القوت فتروح بطانا." اهـ

 

وفي التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية (ص: 103) لإسماعيل الأنصاري :

"حق توكله : بالاعتماد على الله عز وجل دون غيره في استجلاب المصالح، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، مع الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا ينفع سوى الله تعالى." اهـ

 

لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصاً[2]، وَتَرُوحُ بِطَاناً[3]» . رواه الترمذي، وَقالَ: (حديث حسن) .

معناه: تَذْهبُ أَوَّلَ النَّهَارِ خِمَاصاً: أي ضَامِرَةَ البُطُونِ مِنَ الجُوعِ، وَتَرجعُ آخِرَ النَّهَارِ بِطَاناً. أَي مُمْتَلِئَةَ البُطُونِ.

 

وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3320) للقاري : "(" تَغْدُو ") أَيْ: تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ (" خِمَاصًا ") : بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، جَمْعُ خَمِيصٍ أَيْ: جِيَاعًا." اهـ

 

وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3320) :

"(" وَتَرُوحُ ") أَيْ: تَرْجِعُ آخِرَ النَّهَارِ (بِطَانًا) : بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، جَمْعُ بَطِينٍ وَهُوَ عَظِيمُ الْبَطْنِ، وَالْمُرَادُ شِبَاعًا." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الترمذي في سننه (4/ 573) (رقم : 2344)، وابن ماجه في سننه (2/ 1394) (رقم : 4164)، وابن المبارك في الزهد والرقائق (1/ 196) (رقم : 559)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (1/ 55) (رقم : 51) و أحمد في مسنده (1/ 332) (رقم : 205)، وفي الزهد (ص: 19) (رقم : 97)، وعبد بن حميد في المنتخب، ت. صبحي السامرائي (ص: 32) (رقم : 10)، وابن أبي الدنيا في التوكل على الله (ص: 43) (رقم : 1)  والبزار في البحر الزخار (1/ 476) (رقم: 340)، والنسائي في السنن الكبرى (10/ 389) (رقم : 11805)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (1/ 212) (رقم : 247)،  وابن حبان في صحيحه (2/ 509) (رقم : 730)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (4/ 354) (رقم : 7894)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 404) (رقم : 1139)، وفي الآداب (ص: 313) (رقم : 774)، وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (10/ 69)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 319) (رقم : 1444).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 620) (رقم : 310)، وقال : "بل هو صحيح على شرط مسلم، فإن رجاله رجال الشيخين غير ابن هبيرة، وأبي تميم، فمن رجال مسلم وحده." اهـ

 

المعنى الإجمالي للحديث :

 

الأحاديث الأربعين النووية مع ما زاد عليها ابن رجب - وعليها الشرح الموجز المفيد (ص: 92) لعبد الله بن صالح المحسن الإماراتي _رحمه الله_:

"يرشدنا هذا الحديث إلى أن نتوكل على الله تعالى في جميع أمورنا،

وحقيقة التوكل هي الاعتماد على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والدين فإنه لا يعطى ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع إلا هو سبحانه وتعالى،

وإن على الإنسان فعل الأسباب التي تستجلب له المنافع وتدفع عنه المضار مع التوكل على الله {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} , {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 496) لابن رجب :

"وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي التَّوَكُّلِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يُسْتَجْلَبُ بِهَا___الرِّزْقُ...

وَحَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ: هُوَ صِدْقُ اعْتِمَادِ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي اسْتِجْلَابِ الْمَصَالِحِ، وَدَفْعِ الْمَضَارِّ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كُلِّهَا، وَكِلَةُ الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَيْهِ، وَتَحْقِيقُ الْإِيمَانِ بِأَنَّهُ لَا يُعْطِي وَلَا يَمْنَعُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ سِوَاهُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: التَّوَكُّلُ جِمَاعُ الْإِيمَانِ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: الْغَايَةُ الْقُصْوَى التَّوَكُّلُ. قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ تَوَكُّلَ الْعَبْدِ عَلَى رَبِّهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ ثِقَتُهُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ، فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ»".[4]

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 498)

وَاعْلَمْ أَنَّ تَحْقِيقَ التَّوَكُّلِ لَا يُنَافِي السَّعْيَ فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَقْدُورَاتِ بِهَا[5]، وَجَرَتْ سُنَّتُهُ فِي خَلْقِهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِتَعَاطِي الْأَسْبَابِ مَعَ أَمْرِهِ بِالتَّوَكُّلِ، فَالسَّعْيُ فِي الْأَسْبَابِ بِالْجَوَارِحِ طَاعَةٌ لَهُ، وَالتَّوَكُّلُ بِالْقَلْبِ عَلَيْهِ إِيمَانٌ بِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71] [النِّسَاءِ: 71] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] [الْأَنْفَالِ: 60] ، وَقَالَ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] [الْجُمُعَةِ: 10] .

وَقَالَ سَهْلٌ التُّسْتَرِيُّ: مَنْ طَعَنَ فِي الْحَرَكَةِ - يَعْنِي فِي السَّعْيِ وَالْكَسْبِ - فَقَدْ طَعَنَ فِي السُّنَّةِ، وَمَنْ طَعَنَ فِي التَّوَكُّلِ، فَقَدْ طَعَنَ فِي الْإِيمَانِ، فَالتَّوَكُّلُ حَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْكَسْبُ سُنَّتُهُ، فَمَنْ عَمِلَ عَلَى حَالِهِ، فَلَا يَتْرُكَنَّ سُنَّتَهُ." اهـ[6]

 

شرح رياض الصالحين (1/ 559)

وفي هذا دليل_ أيضا_ علي إن الإنسان إذا توكل علي الله حق التوكل فليفعل الأسباب. ولقد ضل من قال لا افعل السبب، وأنا متوكل، فهذا غير صحيح، المتوكل: هو الذي يفعل الأسباب متوكلا علي الله عز وجل، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((كما يرزق الطير تغدوا خماصا)) تذهب لتطلب الرزق، ليست الطيور تبقي في أوكارها، لكنها تغدوا وتطلب

الرزق. فأنت إذا توكلت علي الله حق التوكل، فلا بد إن تفعل الأسباب التي شرعها الله لك من طلب الرزق من وجه حلال بالزراعة، أو التجارة، بأي شئ من أسباب الرزق، اطلب الرزق معتمدا علي الله، ييسر الله لك الرزق.

 

بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 126_127) :

"وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّيْرَ لَا تَوَكُّلَ لَهَا، وَلَكِنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إِلَى فَوَاتٍ أَوْ نَيْلٍ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُمْ كَذَلِكَ غَيْرَ مُلْتَفِتِينَ إِلَى الْأَسْبَابِ وَلَا مُتَعَلِّقِينَ بِهَا، وَلَا مُضْطَرِّينَ فِيمَا تُكِفِّلَ لَكُمْ مِنْ أَرْزَاقِكُمْ لَأَدْرَكْتُمْ مَا قُسِمَ لَكُمْ مِنْ غَيْرِ___حَرْثٍ، وَلَا زَرْعٍ، وَلَا تَكَلُّفٍ، فَأَمَّا التَّحَرُّزُ لِدَفْعِ الْمَضَارِّ وَالْمَكَارِهِ وَحِفْظِ الْحُظُوظِ وَنَيْلِهَا، فَإِنَّهَا مَأْذُونٌ فِيهَا غَيْرُ مَدْعُوٍّ إِلَيْهَا." اهـ

 

بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 162) :

"فَمَنْ قَصَدَ اللَّهَ تَعَالَى بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالثِّقَةِ بِهِ لَمْ يُصِبْهُ عَيْلَةٌ، وَالْعَيْلَةُ اخْتِلَالُ الْحَالِ، وَالْحَاجَةُ إِلَى النَّاسِ." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (23/ 68)

والتوكل تَفْوِيض الْأَمر إِلَى الله وَقطع النّظر عَن الْأَسْبَاب، وَلَيْسَ التَّوَكُّل ترك السَّبَب والاعتماد على مَا يَجِيء من المخلوقين لِأَن ذَلِك قد يجر إِلَى ضد مَا يُرَاد من التَّوَكُّل،

وَقد سُئِلَ الإِمَام أَحْمد _رَحمَه الله_ عَن رجل جلس___فِي بَيته أَو فِي مَسْجِد وَقَالَ : "لَا أعمل شَيْئا حَتَّى يأتيني رِزْقِي". فَقَالَ : "هَذَا رجل جهل الْعلم، فقد قَالَ النَّبِي _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:_  (إِن الله جعل رِزْقِي تَحت ظلّ رُمْحِي)،

وَقَالَ : "لَو توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كَمَا يرْزق الطير، تَغْدُو خماصاً وَتَروح بطاناً"، فَذكر أَنَّهَا تَغْدُو وَتَروح فِي طلب الرزق،

قَالَ : "وَكَانَت الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يتجرون ويعملون فِي تخيلهم والقدوة بهم[7]." اهـ

 

تحفة الأحوذي (7/ 8)

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : "وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ مَعْنَى التَّوَكُّلِ تَرْكُ الْكَسْبِ بِالْبَدَنِ وَتَرْكُ التَّدْبِيرِ بِالْقَلْبِ وَالسُّقُوطُ عَلَى الْأَرْضِ كَالْخِرْقَةِ الْمُلْقَاةِ أَوْ كَلَحْمٍ عَلَى وَضْمٍ وَهَذَا ظَنُّ الْجُهَّالِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فِي الشَّرْعِ وَالشَّرْعُ قَدْ أَثْنَى عَلَى الْمُتَوَكِّلِينَ فَكَيْفَ يُنَالُ مَقَامٌ مِنْ مقامات الدين محظور مِنْ مَحْظُورَاتِ الدِّينِ بَلْ نَكْشِفُ عَنِ الْحَقِّ فِيهِ فَنَقُولُ إِنَّمَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُ التَّوَكُّلِ فِي حَرَكَةِ الْعَبْدِ وَسَعْيِهِ بِعَمَلِهِ إِلَى مَقَاصِدِهِ." اهـ[8]

 

تحفة الأحوذي (7/ 8)

وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ اعْلَمْ أَنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ وَأَمَّا الْحَرَكَةُ بِالظَّاهِرِ فَلَا تُنَافِي التوكل بالقلب بعد ما يُحَقِّقُ الْعَبْدُ أَنَّ الرِّزْقَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ تَعَسَّرَ شَيْءٌ فَبِتَقْدِيرِهِ وَإِنْ تَيَسَّرَ شَيْءٌ فَبِتَيْسِيرِهِ

 

فيض القدير (5/ 311)

وفيه أن المؤمن ينبغي أن لا يقصد لرزقه جهة معينة إذ ليس للطائر جهة معينة ومراتب الناس فيه مختلفة

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 306)

فالكسب لَيْسَ برازق بل الرازق هُوَ الله فَأَشَارَ بذلك الى ان التَّوَكُّل لَيْسَ التبطل والتعطل بل لَا بُد فِيهِ من التَّوَصُّل بِنَوْع من السَّبَب لَان الطير ترزق بِالطَّلَبِ وَالسَّعْي[9]،

وَلِهَذَا قَالَ أَحْمد : "لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على ترك الْكسْب بل فِيهِ مَا يدل على طلب الرزق، وإنما اراد لَو توكلوا على الله فِي ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم وَعَلمُوا ان الْخَيْر بِيَدِهِ لم ينصرفوا الا غَانِمِينَ سَالِمين كالطير لَكِن اعتمدوا على قوتهم وكسبهم وَذَلِكَ يُنَافِي التَّوَكُّل." اهـ[10]

 

الموافقات (1/ 302) للشاطبي :

"الَّذِي لِلْمُكَلَّفِ تَعَاطِي الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا الْمُسَبَّبَاتُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ وَحُكْمُهُ، لَا كَسْبَ فِيهِ لِلْمُكَلَّفِ." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 502)

فَلَوْ حَقَّقُوا التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ بِقُلُوبِهِمْ، لَسَاقَ إِلَيْهِمْ أَرْزَاقَهُمْ مَعَ أَدْنَى سَبَبٍ، كَمَا يَسُوقُ إِلَى الطَّيْرِ أَرْزَاقَهَا بِمُجَرَّدِ الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الطَّلَبِ وَالسَّعْيِ، لَكِنَّهُ سَعْيٌ يَسِيرٌ. وَرُبَّمَا حُرِمَ الْإِنْسَانُ رِزْقَهُ أَوْ بَعْضَهُ بِذَنْبٍ يُصِيبُهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقِ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ»[11]." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 508)

وَإِنَّمَا الْمُتَوَكِّلُ حَقِيقَةً مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ ضَمِنَ لِعَبْدِهِ رِزْقَهُ وَكِفَايَتَهُ، فَيُصَدِّقُ اللَّهَ فِيمَا ضَمِنَهُ، وَيَثِقُ بِقَلْبِهِ، وَيُحَقِّقُ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهِ فِيمَا ضَمِنَهُ مِنَ الرِّزْقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَ التَّوَكُّلَ مَخْرَجَ الْأَسْبَابِ فِي اسْتِجْلَابِ الرِّزْقِ بِهِ، وَالرِّزْقُ مَقْسُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَمُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] [هُودٍ: 6] ، هَذَا مَعَ ضِعْفِ كَثِيرٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَعَجْزِهَا عَنِ السَّعْيِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، قَالَ تَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: 60] [الْعَنْكَبُوتِ: 60] . فَمَا دَامَ الْعَبْدُ حَيًّا، فَرِزْقُهُ عَلَى اللَّهِ، وَقَدْ يُيَسِّرُهُ اللَّهُ لَهُ بِكَسْبٍ وَبِغَيْرِ كَسْبٍ، فَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ لِطَلَبِ الرِّزْقِ، فَقَدْ جَعَلَ التَّوَكُّلَ سَبَبًا وَكَسْبًا، وَمَنْ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ لِثِقَتِهِ بِضَمَانِهِ، فَقَدْ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ ثِقَةً بِهِ وَتَصْدِيقًا." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 509) :

"قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ قَالَ : التَّوَكُّلُ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ:

أَوَّلُهَا: تَرْكُ الشِّكَايَةِ، وَالثَّانِيَةُ: الرِّضَا، وَالثَّالِثَةُ: الْمَحَبَّةُ، فَتَرْكُ الشِّكَايَةِ دَرَجَةُ الصَّبْرِ، وَالرِّضَا سُكُونُ الْقَلْبِ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ، وَهِيَ أَرْفَعُ مِنَ الْأُولَى، وَالْمَحَبَّةُ أَنْ يَكُونَ حُبُّهُ لِمَا يَصْنَعُ اللَّهُ بِهِ، فَالْأُولَى لِلزَّاهِدِينَ، وَالثَّانِيَةُ لِلصَّادِقِينَ، وَالثَّالِثَةُ لِلْمُرْسَلِينَ. انْتَهَى.

فَالْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ إِنْ صَبَرَ عَلَى مَا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ أَوْ غَيْرِهِ، فَهُوَ صَابِرٌ، وَإِنْ رَضِيَ بِمَا يُقَدَّرُ لَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَهُوَ الرَّاضِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اخْتِيَارٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا رِضًا إِلَّا فِيمَا يُقَدَّرُ لَهُ، فَهُوَ دَرَجَةٌ الْمُحِبِّينَ الْعَارِفِينَ، كَمَا كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَقُولُ أَصْبَحْتُ وَمَا لِي سُرُورٌ إِلَّا فِي مَوَاضِعِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ." اهـ

 

الفوائد لابن القيم (ص: 87) :

"وسر التَّوَكُّل وَحَقِيقَته : هُوَ اعْتِمَاد الْقلب على الله وَحده فَلَا يضرّهُ مُبَاشرَة الْأَسْبَاب مَعَ خلو الْقلب من الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا والركونِ إِلَيْهَا كَمَا لَا يَنْفَعهُ قَوْلُه : "توكلت على الله"، مَعَ اعْتِمَاده على غَيره وركونه إِلَيْهِ وثقته بِهِ.

فتوكل اللِّسَان شَيْء وتوكل الْقلب شَيْء كَمَا أَن تَوْبَةَ اللِّسَان مَعَ إِصْرَار الْقلب شَيْءٌ وتوبةَ الْقلبِ _وَإِن لم ينْطق اللِّسَان_ شَيْءٌ،

فَقَوْل العَبْد : "توكلت على الله"، مَعَ اعْتِمَاد قلبه على غَيره مثلُ قَوْله : "تبت إِلَى الله"، وَهُوَ مصر على مَعْصِيَته مرتكب لَهَا."

 

التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية (ص: 103) للشيخ إسماعيل الأنصاري (ت 1417) :

يستفاد منه:

1 - فضيلة التوكل، وأنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق، قال الله تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)

2 - أن التوكل لا ينافي النظر إلى الأسباب، فإنه أخبر أن التوكل الحقيقي لا يضاده الغدو والرواح في طلب الرزق، ولهذا سئل الأمام أحمد عن رجل جلس في بيته، أو في المسجد وقال: لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي، قال أحمد: هذا رجل جهل العلم واستدل بهذا الحديث.

 

شرح رياض الصالحين (1/ 558_559) للعثيمين :

"ففي هذا دليل علي مسائل:

أولا : انه ينبغي للإنسان إن يعتمد علي الله_ تعالى_ حق الاعتماد.

ثانيا : انه ما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها، حتى الطير في جو السماء، لا يمسكه في جو السماء إلا الله، ولا يرزقه إلا الله عز وجل. كل دابة في الأرض، من اصغر ما يكون كالذر، أو اكبر ما يكون، كالفيلة وأشباهها،

فإن على الله رزقَها، كما قال الله :

{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود: 6]

ولقد ضل ضلالا مبينا من أساء الظن بربه، فقال لا تكثروا الأولاد، تضيق عليكم الأرزاق! كذبوا ورب العرش، فإذا أكثروا من الأولاد أكثرَ اللهُ في رزقهم، لأنه ما من دابة علي الأرض إلا علي الله رزقها،

فرزق أولادك وأطفالك علي الله _عز وجل_، هو الذي يفتح لك أبواب الرزق من أجل إن تنفق عليهم، لكن كثير___من الناس عندهم سوء ظن بالله، ويعتمدون علي الأمور المادية المنظورة، ولا ينظرون إلى المدى البعيد، والي قدرة الله عز وجل، وانه هو الذي يرزق ولو كثر الأولاد. اكثر من الأولاد تكثر لك الأرزاق، هذا هو الصحيح." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 559_560) للعثيمين :

"ومن فوائد هذا الحديث : إن الطيور وغيرها من مخلوقات الله تعرف الله، كما قال الله تعالى:

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44]، يعني: ما من شئ إلا يسبح بحمد الله. {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44].

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } [الحج: 18].___

فالطيور تعرف خالقا عز وجل، وتطير تطلب الرزق بما جلبها الله عليه من الفطرة التي تهتدي بها إلى مصالحها، وتغدو إلى أوكارها في آخر النهار بطونها ملا، وهكذا دواليك في كل يوم،

والله _عز وجل_ يرزقها وييسر لها الرزق. وانظر إلى حكمة الله، كيف تغدو هذه الطيور إلى محلات بعيدة، وتهتدي بالرجوع إلى أماكنها، لا تخطئها، لان الله_ عز وجل_ أعطى كل شئ خلقه ثم هدى. والله الموفق." اهـ

 

الأحاديث الأربعين النووية مع ما زاد عليها ابن رجب وعليها الشرح الموجز المفيد (ص: 92)[12] :

الفوائد:

(1) فضل التوكل على الله، وأنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق.

(2) إن التوكل لا ينافي تعاطى الأسباب لأنه أخبر عن الطير بتعاطيها أسباب الرزق بغدوها ورواحها.

(3) إن الإنسان يفعل أسباب الرزق ويتوكل على الله ولا يحرص لأن الرزق مقدر وهو قد فعل له الأسباب.

(4) إن العبد لا يكمل إيمانه إلا بالتوكل على الله في جميع أموره.

 

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 153)

مِمَّا يُستفاد من الحديث:

1 وجوب التوكل على الله والاعتماد عليه في جلب كلِّ مطلوب، ودفع كلِّ مرهوب.

2 الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، وذلك لا يُنافي التوكل.

 

الفوائد لابن القيم (ص: 86)

التَّوَكُّل على الله نَوْعَانِ :

أَحدهمَا : توكل عَلَيْهِ فِي جلب حوائج العَبْد وحظوظه الدُّنْيَوِيَّة أَو دفع مكروهاته ومصائبه الدُّنْيَوِيَّة وَالثَّانِي : التَّوَكُّل عَلَيْهِ فِي حُصُول مَا يُحِبهُ هُوَ ويرضاه من الْإِيمَان وَالْيَقِين وَالْجهَاد والدعوة إِلَيْهِ،

وَبَين النَّوْعَيْنِ من الْفضل مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا الله.

فَمَتَى توكل عَلَيْهِ العَبْد فِي النَّوْع الثَّانِي حق توكله، كَفاهُ النَّوْع الأول تَمام الْكِفَايَة. وَمَتى توكل عَلَيْهِ فِي النَّوْع الأول دون الثَّانِي، كَفاهُ أَيْضا لَكِن لَا يكون لَهُ عَاقِبَة المتَوَكل عَلَيْهِ فِيمَا يُحِبهُ ويرضاه فأعظم التَّوَكُّل عَلَيْهِ التَّوَكُّل فِي الْهِدَايَة وَتَجْرِيد التَّوْحِيد ومتابعة الرَّسُول وَجِهَاد أهل الْبَاطِل فَهَذَا توكل الرُّسُل وخاصة أتباعهم." اهـ

 

الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات (ص: 23) لعبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد السعدي (المتوفى: 1376هـ) :

"وصف صلى الله عليه وسلم المتوكل على الله بوصفين : السعي في طلب الرزق، والاعتماد القوي على مسبب الأسباب،

فمن فقد الوصفين أو أحدهما خسر وخاب، ومن سعى في الأسباب المباحة واعتمد على ربه وشكر المولى إذا حصلت له المحبوبات وصبر لحكمه عند المصائب والكريهات، فقد فاز ونجح واستولى على جميع الكمالات." اهـ

 

مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار (1/ 164) لعبد العزيز بن محمد السلمان _رحمه الله_ :

"ففي الحديث دلالة على طلب الرزق الكفاف وعمارة الآخرة تفيد الراحة في الدنيا والنعيم في الآخرة وعمارة الدنيا تكسب التعب فيها والشقاء بعد مفارقتها. والآخرة صبر قليل وسرور طويل." اهـ

 

صحيح ابن حبان (2/ 509) لأبي حاتم البستي :

"ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ قَطْعِ الْقَلْبِ عَنِ الْخَلَائِقِ بِجَمِيعِ الْعَلَائِقِ فِي أَحْوَالِهِ وَأَسْبَابِهِ." اهـ



[1] أخرجه ابن شاهين في "شرح مذاهب أهل السنة" (ص: 127) (رقم: 93)، وأبي نعيم الأصبهاني في "فضائل الخلفاء الراشدين" (ص: 48) (رقم: 27)، وهو حديث ضعيف، مداره على راويين ضعيفين: أبي إسحاق السبيعي (وإن كان صدوقا، إلأ أنه مدلس، وقد رواه معنعا)، والحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الحوتي الخارفي، أبو زهير الكوفي (في حديثه لين وضعف).

[2] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3320) للقاري : "(" تَغْدُو ") أَيْ: تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ (" خِمَاصًا ") : بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، جَمْعُ خَمِيصٍ أَيْ: جِيَاعًا." اهـ

[3] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3320) :

"(" وَتَرُوحُ ") أَيْ: تَرْجِعُ آخِرَ النَّهَارِ (بِطَانًا) : بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، جَمْعُ بَطِينٍ وَهُوَ عَظِيمُ الْبَطْنِ، وَالْمُرَادُ شِبَاعًا." اهـ

[4] وفي فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 153) للعباد :

"هذا الحديث أصلٌ في التوكُّل على الله عزَّ وجلَّ، مع الأخذ بالأسباب المشروعة، والأخذ بها لا يُنافي التوكلَ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيِّدُ المتوكِّلين قد دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجمع بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث في صحيح مسلم (2664) : "احرص على ما ينفعك واستعن بالله"، وحديث عمر رضي الله عنه هذا فيه الجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، والأخذ بالأسباب فيما ذكر عن الطير؛ لأنَّها تغدو خماصاً، أي خالية البطون لطلب الرزق، وتروح بطاناً، أي مُمتلئة البطون، ومع أخذ المرء بالأسباب لا يعتمد عليها، بل يعتمد على الله ولا يُهمل الأخذ بالأسباب ثم يزعم أنَّه متوكِّل، والله قدر الأسباب والمسبَّبات." اهـ

[5] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3320) : "وَفِي قَوْلِهِ (تَغْدُو) إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ السَّعْيَ بِالْإِجْمَالِ لَا يُنَافِي الِاعْتِمَادَ عَلَى الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: 60]." اهـ

[6] وفي جامع العلوم والحكم، ت. الأرنؤوط (2/ 498_500) لابن رجب :

"ثُمَّ إِنَّ الْأَعْمَالَ الَّتِي يَعْمَلُهَا الْعَبْدُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: ___

أَحَدُهَا : الطَّاعَاتُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِهَا، وَجَعَلَهَا سَبَبًا، لِلنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَهَذَا لَابُدَّ مِنْ فِعْلِهِ مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِيهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ، وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَمَنْ قَصَّرَ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ شَرْعًا وَقَدَرًا. قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ: كَانَ يُقَالُ: اعْمَلْ عَمَلَ رَجُلٍ لَا يُنْجِيهِ إِلَّا عَمَلُهُ، وَتَوَكَّلْ تَوَكُّلَ رَجُلٍ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ.

وَالثَّانِي: مَا أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَرَ عِبَادَهُ بِتَعَاطِيهِ، كَالْأَكْلِ عِنْدَ الْجُوعِ، وَالشُّرْبِ عِنْدَ الْعَطَشِ، وَالِاسْتِظْلَالِ مِنَ الْحَرِّ، وَالتَّدَفُّؤِ مِنَ الْبَرْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا أَيْضًا وَاجِبٌ عَلَى الْمَرْءِ تَعَاطِي أَسْبَابِهِ، وَمَنْ قَصَّرَ فِيهِ حَتَّى تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، فَهُوَ مُفَرِّطٌ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ يُقَوِّي بَعْضَ عِبَادِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِذَا عَمِلَ بِمُقْتَضَى قُوَّتِهِ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ.___

الْقِسْمُ الثَّالِثُ : مَا أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فِي الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ، وَقَدْ يَخْرِقُ الْعَادَةَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا يَخْرِقُهُ كَثِيرًا، وَيُغْنِي عَنْهُ كَثِيرًا مِنْ خَلْقِهِ كَالْأَدْوِيَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْبُلْدَانِ وَسُكَّانِ الْبَوَادِي وَنَحْوِهَا." اهـ

[7] شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 394)

[8] وفي قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/ 567) لجلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) :

"قال البيهقي في شعب الإيمان : "ليس في هذا الحديث دلالة على القُعود عن الكسْبِ، بل فيه ما يدُل على طلب الرزق؛ لأنَّ الطير إذَا غدت فإنما تغْدُوا لطلب الرزق، وإنما أراد -والله أعلم-  : لو توكلوا على الله في ذهابهم، ومجيئهم وتصرُّفهم، ورأوا أنَّ الخير بيده ومن عنده، لم ينصرفوا إلاَّ سالمين غانمين كالطير تغدُوا خِمَاصًا وترُوحُ بطَانًا، لكنهم يعتمدون على قوتهم وجَلَدهم، ويغشون ويكذبون ولا ينصحون، وهذا خلاف التوكل". اهـ والظر قول البيهقي في شعب الإيمان (2/ 405).

[9] وفي المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 310) للزيداني :

"وهذا الحديث ليس لمنع الناس عن الاكتساب والحرف، بل لتعليم الناس وتعريفهم أن الكسب ليس رازقًا، بل الرازق هو الله تعالى." اهـ

وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3320) للقاري :

"فَالْحَدِيثُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْكَسْبَ لَيْسَ بِرَازِقٍ، بَلِ الرَّازِقُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، لَا لِلْمَنْعِ عَنِ الْكَسْبِ فَإِنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ فَلَا يُنَافِيهِ حَرَكَةُ الْجَوَارِحِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَرْزُقُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ، بَلْ بِتَحْرِيكِ غَيْرِهِ إِلَيْهِ يَصِلُ رِزْقُ اللَّهِ بِبَرَكَتِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] ." اهـ

[10] شرح صحيح البخارى لابن بطال (7/ 533) :

"قال الطبرى: فى هذا رد على الصوفية فى قولهم : "إنه ليس___لأحد ادخار شىء فى يومه لغده، وأن فاعل ذلك قد أساء الظن بربه، ولم يتوكل عليه حق توكله".

ولا خفاء بفساد هذا القول؛ لثبوت الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يدخر لأهله قوت السنة." اهـ

وفي شرح صحيح البخارى لابن بطال (9/ 489) : "وهذه الآثار ثابتة بإدخار الصحابة وتزود النبى وأصحابه فى أسفارهم وهى المقنع والحجة الكافية فى رد قولهم، والله الموفق." اهـ

[11] أخرجه ابن ماجه في سننه (2/ 1334) (رقم : 4022)، وهو ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 140) (رقم : 1478)

[12] المؤلف: عبد الله بن صالح المحسن

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين