شرح الحديث 77 - باب اليقين والتوكل - رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

[77] الرابع: عن أبي هريرةَ _رضي الله عنه_:

عن النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_ قَالَ :

«يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَقْوامٌ أفْئِدَتُهُمْ مِثلُ أفْئِدَةِ الطَّيرِ» . رواه مسلم.

قيل: معناه متوكلون، وقيل: قلوبهم رَقيقَةٌ.

 

ترجمة أبي هريرة الدوسي _رضي الله عنه_:

 

اختلف فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن  ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن الأزد.

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي :

"ويُقال: كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة."

وذكر أَبُو القاسم الطبراني: أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح." اهـ

 

وفي "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (34/ 377):

"وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ

 

وفي "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (34/ 378):

"قال سفيان بْن عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.

وَقَال أَبُو الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.

 

وفي تاريخ الإسلام – ت. بشار (2/ 561) للذهبي:

"قَالَ الْبُخَارِيُّ : رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.

قلت: روي لَهُ نَحْوٌ من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في "الصحيحين" منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

[77] الرابع: عن أبي هريرةَ _رضي الله عنه_:

عن النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_ قَالَ:

«يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَقْوامٌ أفْئِدَتُهُمْ مِثلُ أفْئِدَةِ الطَّيرِ»[1] . رواه مسلم.

قيل: معناه متوكلون، وقيل: قلوبهم رَقيقَةٌ.

 

وفي شرح النووي على مسلم (17/ 177) :

"(مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ)

* قِيلَ : مِثْلُهَا فِي رِقَّتِهَا وَضَعْفِهَا، كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ أَهْلُ الْيَمَنِ أَرَقُّ قُلُوبًا وَأَضْعَفُ أَفْئِدَةً،

* وَقِيلَ : فِي الْخَوْفِ وَالْهَيْبَةِ،

وَالطَّيْرُ أَكْثَرُ الْحَيَوَانِ خَوْفًا وَفَزَعًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ _تَعَالَى_ :

{نَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]

وَكَأَنَّ الْمُرَادَ قَوْمٌ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْخَوْفُ، كَمَا جَاءَ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلَفِ فِي شِدَّةِ خَوْفِهِمْ،

* وَقِيلَ الْمُرَادُ مُتَوَكِّلُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

قلت: أشار في الوجه الأول في ما ورد في "مسند أحمد" – ط. عالم الكتب (2/ 267) (رقم: 7627):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

قَالَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: "أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ."

 

أشار في الوجه الثالث في ما ورد في "سنن الترمذي" – ت. شاكر (4/ 573) (رقم: 2344):

عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا»[2]

 

وفي "الإفصاح عن معاني الصحاح" (8/ 26_27) لابن هبيرة:

"الذي أراه في هذا الحديث أن هؤلاء القوم كانت قلوبهم على مثل قلوب الطير رقة لخلق الله ورحمة لعباده، وشفقة على المسلمين، فترى الواحد منهم يرفق بالطفل أكثر من أم ذلك الطفل بالطفل، ويُشْفِقُ على الغلام أكثر من إشفاق الغلام على نفسه، وهذا على الكهل والشيخ، ثم شرف قلبه___لرحمة الحيوان، وحتى يتحرج من قطع الشجر عينا، حتى إنه لا تؤاتيه نفسه ولا يصلب قلبه على فعل شيء من ذلك.

ويجوز أن يكون المراد به: أنهم على مثل قلوب الطير من أنها لا تحتجز ولا تدخر؛ بل تغدوا خماصا وتروح بطانا.

ويجوز أن تكون قلوبهم على قلوب الطير خوفا من الله في كل شيء حتى إنهم إن أطاعوا خافوا، وإن عصوا وعصى غيرهم خافوا لشدة محاذرتهم على أحوالهم مع ربهم سبحانه وتعالى." اهـ

 

 

وفي"الكاشف عن حقائق السنن" (11/ 3559) للطيبي:

"أقول: قد تقرر في علم البيان أن وجه الشبه إذا أضمر عم تناوله، فيكون أبلغ مما لو صرح به، فينبغي أن يحمل الحديث على المذكورات كلها، ومن ثم خص الفؤاد بالذكر دون القلب." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه مسلم في "صحيحه" (4/ 2183) (رقم: 2840)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (4/ 145) (رقم: 2513)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب (2/ 331) (رقم: 8382)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (10/ 302) (رقم: 5896)، وابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (1/ 402)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها" (3/ 521)، وابن الأعرابي في "المعجم" (2/ 848) (رقم: 1746)، والدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (8/ 242) (رقم: 3518)، والبيهقي "البعث والنشور" (ص: 244) (رقم: 417)، والضياء المقدسي في "بلغة الطالب الحثيث في صحيح عوالي الحديث" (ص: 42) (رقم: 41).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1341) (رقم: 8068)، وفي "تخريج مشكاة المصابيح" (3/ 1565) (رقم: 5625).

 

من فوائد الحديث :

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 73_74) لفيصل بن عبد العزيز آل مبارك الحريملي النجدي :

"هذا الحديث أصلٌ عظيم في التوكل. وحقيقته: هو الاعتماد على الله عزَّ وجلّ في استجلاب المصالح ودفع المضار.

قال سعيد بن جبير: "التوكُّل جماع الإِيمان."

واعلم أنَّ التوكُّل لا ينافي السعي في الأسباب، فإنَّ الطير تغدو في طلب رزقها. وقد قال الله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود (6) ] .___

قال يوسف بن أسباط: "كان يقال: اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكَّل توكُّل رجل لا يصيبه إلا ما كُتب له."

وفي حديث جابر عن النبي _صلى الله عليه وسلم_:

«لن تموتَ نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حلَّ، ودعوا ما حرم»." اهـ

 

[تعليق]

وأثر سعيد بن جبير: أخرجه أحمد بن حنبل في "الزهد" (ص: 19) (رقم: 103)، وهناد بن السري في "الزهد" (1/ 304) (رقم: 534)، وعبد الله بن أحمد في "السنة" (1/ 361) (رقم : 776)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (رقم : 29589 و 35342)، وابن أبي الدنيا في "التوكل على الله" (ص: 47) (رقم : 5)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 473) (رقم : 1262).

 

وأثر يوسف بن أسباط: أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (8/ 239).

وأخرجه أحمد بن حنبل في "الزهد" (ص: 203) (رقم : 1404)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 238) (رقم : 35659)،  وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (رقم : 1278 و 1989) عن مسلم بن يسار

 

وحديث جابر _رضي الله عنه_: أخرجه ابن ماجه في سننه (2/ 725) (رقم : 2144) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ»

وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 310) (رقم : 1698)

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 550) لابن الجوزي :

"هَؤُلَاءِ قوم رقت قُلُوبهم فَاشْتَدَّ خوفهم من الْآخِرَة وَزَاد على الْمِقْدَار، فشبههم بالطير الَّتِي تفزع من كل شَيْء وتخافه." اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح (6/ 11) للزيداني :

"وإنما شبَّهها بقلوب الطير؛ لأنها خاليةٌ عن الغِل والحسد، كقلوب الطير." اهـ

 

[تعليق]

وفي "تفسير القرطبي" (13/ 115):

"يُرِيدُ _وَاللَّهُ أَعْلَمُ_ أَنَّهَا مِثْلُهَا فِي أنها خالية من ذَنْبٍ، سَلِيمَةٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، لَا خِبْرَةَ لَهُمْ بِأُمُورِ الدُّنْيَا،

كَمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ :" أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ" وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

أَيِ : الْبُلْهُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْأَبْلَهُ هُنَا هُوَ الَّذِي طُبِعَ عَلَى الْخَيْرِ وَهُوَ غَافِلٌ عَنِ الشَّرِّ لَا يَعْرِفُهُ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: الْبُلْهُ هُمُ الَّذِينَ غَلَبَتْ عليهم سلامة الصدور وحسن الظن بالناس." اهـ

 

البعث والنشور للبيهقي (ص: 239) :

"بَابُ أَوَّلِ مَنْ يَدْخُلُ، وَمَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ." اهـ[3].

 

[تعليق]

وفي شرح السنة للبغوي (15/ 201) : "بَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلصَّالِحِينَ فِيهَا."



[1] وقال عبد الحق الدهلوي فس "لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح" (9/ 116):

"وقال في (المشارق) أيضًا: إنه قيل: القلب أخص من الفؤاد، وقيل: الفؤاد غشاء القلب، والقلب جثته، وعلى هذا فالظاهر أنه ذكر الفؤاد هنا لكونه أدنى وأنقص، يعني أنهم بأدنى مرتبتهم يستأهلون دخول الجنة فكيف بأعلاها، واللَّه أعلم." اهـ

[2] وأخرجه والنسائي في "السنن الكبرى" (10/ 389) (رقم: 11805)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1394) (رقم: 4164)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 620) (رقم: 310)

[3]

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين