شرح الحديث 33 من بلوغ المراة

 

33 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_ فِي صِفَةِ الْوُضُوْءِ قَالَ:

"ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ." أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.

 

ترجمة عَبْد الله بن عَمْرو السهمي _رضي الله عنهما_:

 

الأنساب للسمعاني (7/ 317)

وأبو محمد (وقيل: أبو نصر): عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل ابن هاشم بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب ابن فهر بن مالك بن النضر القرشي السهمي

 

الأعلام للزركلي (4/ 111)

عَبْد الله بن عَمْرو (7 ق هـ - 65 هـ = 616 - 684 م)

عبد الله بن عمرو بن العاص، من قريش: صحابي، من النساك. من أهل مكة. كان يكتب في الجاهلية، ويحسن السريانية. وأسلم قبل أبيه. فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أن يكتب ما يسمع منه، فأذن له.

وكان كثير العبادة حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لجسدك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لعينيك عليك حقا) - الحديث.

وكان يشهد الحروب والغزوات. ويضرب بسيفين. وحمل راية أبيه يوم اليرموك. وشهد صفين مع معاوية. وولاه معاوية الكوفة مدة قصيرة.

ولما ولي مزيد امتنع عبد الله من بيعته، وانزوى - في إحدى الروايات - بجهة عسقلان، منقطعا للعبادة. وعمي في آخر حياته. واختلفوا في مكان وفاته. له 700 حديثٍ." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_ فِي صِفَةِ الْوُضُوْءِ قَالَ:

"ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ." أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.

سنن أبي داود (1/ 33):

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ:

«أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَقَالَ:

"يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الطُّهُورُ؟"

فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ[1] فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ، وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا»،

ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ _أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ_»

 

سنن النسائي (1/ 88):

عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا، فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ»

 

وقال شرف الحق العظيم آبادي في "عون المعبود" (1/ 157_158):

"وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِيهِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ: (مَنْ نَقَصَ شَيْئًا مِنْ غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ تَرَكَهُ لُمْعَةً فِي الْوُضُوءِ مَرَّةً)،

وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مِنْ طَرِيقِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ مَرْفُوعًا:

(الْوُضُوءُ مَرَّةً مَرَّةً، وَثَلَاثًا، فَإِنْ نقص من وَاحِدَةٍ أَوْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَقَدْ أَخْطَأَ)

وَهُوَ مُرْسَلٌ لِأَنَّ الْمُطَّلِبَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

فَفِيهِ بَيَانُ مَا أُجْمِلَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.

وَأُجِيبَ عَنِ الْحَدِيثِ أَيْضًا بِأَنَّ الرُّوَاةَ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى ذِكْرِ النَّقْصِ فِيهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ: (فَمَنْ زَادَ...) فَقَطْ.

وَلِذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِتَضْعِيفِ هَذَا اللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ أَوْ نَقَصَ

قال بن حَجَرٍ وَالْقَسْطَلَانِيُّ:

عَدَّهُ مُسْلِمٌ فِي جُمْلَةِ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ ذَمُّ النَّقْصِ عَنِ الثَّلَاثَةِ، وَالنَّقْصُ عَنْهَا جَائِزٌ، وَفَعَلَهُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَيْفَ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَسَاءَ وَظَلَمَ؟!"

قَالَ السُّيُوطِيُّ قَالَ بن الْمَوَّاقِ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي فَهُوَ مِنَ الْأَوْهَامِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا خَفَاءَ لَهَا إِذِ الْوُضُوءُ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَالْآثَارُ بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ وَالْوَهْمُ فِيهِ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنَ الثِّقَاتِ فَإِنَّ الْوَهْمَ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ إِلَّا مَنْ عُصِمَ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ والنسائي وبن ماجه وكذا بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَمَنْ___

عون المعبود وحاشية ابن القيم (1/ 158)

زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَوْ نَقَصَ فَقَوِيَ بِذَلِكَ أَنَّهَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَوْ وَهْمٌ

قَالَ السُّيُوطِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ نَقَصَ بَعْضَ الْأَعْضَاءِ فَلَمْ يَغْسِلْهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَزَادَ أَعْضَاءً أُخَرَ لَمْ يُشْرَعْ غَسْلُهَا وَهَذَا عِنْدِي أَرْجَحُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي مَسْحِ رَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ تَثْلِيثًا." انْتَهَى

قَالَ الزُّرْقَانِيُّ: "وَمِنَ الْغَرَائِبِ: مَا حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَائِينِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنِ الثَّلَاثِ كَأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ الْمَحْجُوجُ بِالْإِجْمَاعِ.

وَحَكَى الدَّارِمِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ تُبْطِلُ الْوُضُوءَ كَالزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ

وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا: لَا تَجُوزُ الزيادة على الثلاث."

وقال ابن الْمُبَارَكِ: لَا آمَنُ أَنْ يَأْثَمَ مَنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ." اهـ

 

مصنف ابن أبي شيبة (1/ 68)

732 - حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «الْمَاءُ عَلَى أَثَرِ الْمَاءِ يُجْزِئُ، وَلَيْسَ بَعْدَ الثَّلَاثِ شَيْءٌ»

 

فتح الباري لابن حجر (1/ 234):

"وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا: (لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاث)،

وَقَالَ بن الْمُبَارَكِ: (لَا آمَنَ أَنْ يَأْثَمَ)،

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: (لَا أُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ الْمُتَوَضِّئُ عَلَى ثَلَاثٍ، فَإِنْ زَادَ لَمْ أَكْرَهْهُ)، أَيْ: لَمْ أُحَرِّمْهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ (لَا أُحِبُّ) يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ. وَهَذَا الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ.

وَحَكَى الدَّارِمِيُّ مِنْهُمْ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ تُبْطِلُ الْوُضُوءَ كَالزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ وَيَلْزَمُ مِنَ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ كَرَاهَتِهَا أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه أبو داود في "سننه" (1/ 33) (رقم: 135)، والنسائي في "سننه" (1/ 88) (رقم: 140)، وفي "السنن الكبرى" (1/ 106_107) (رقم: 89_90)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 146) (رقم: 422)، وابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (1/ 361) (رقم: 329)، والقاسم بن سلام في "الطهور" (ص: 175) (رقم: 90)، وأحمد في "مسنده" – ط. عالم الكتب (2/ 180) (رقم: 6684)، وابن الجارود في "المنتقى" (ص: 30) (رقم: 75)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 89) (رقم: 174)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 33 و 1/ 36) (رقم: 142 و 176)، وابن الأعرابي في "المعجم" (1/ 61) (رقم: 79)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 128) (رقم: 373_374)، والبغوي في "شرح السنة" (1/ 444) (رقم: 229)

 

قال الأرنؤوط في "تخريج سنن أبي داود" (1/ 95):

"صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، إلا أن قوله: (أو نقص) زيادة شاذة،

قال ابن الموّاق: إن لم يكن اللفظ شكاً من الراوي، فهو من الأوهام المبينة التي لا خفاء بها، إذ الوضوء مرةً ومرتينِ، لا خلاف في جوازه، والآثار بذلك صحيحةٌ.

وأخرجه النسائي في "الكبرى" (89)، وابن ماجه (422) من طريق سفيان الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، بهذا الإسناد. ولم يقل: (أو نقص).

وقال السندي في حاشيته علي "سنن النسائي" تعليقاً على زيادة (أو نقص):

"والمحققون على أنه وَهْمٌ، لجواز الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين." [حاشية السندي على سنن النسائي (1/ 88)]

وهو في "مسند أحمد" (6684). دون قوله: (أو نقص).

وقال الترمذي بإثر حديثِ علي برقم (44):

"والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أن الوضوء يجزئ مرة مرة، ومرتين أفضل، وأفضله ثلاثٌ، وليس بعده شيء."

وقال ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم،

وقال أحمد وإسحاق: لا يزيدُ على الثلاث إلا رجل مبتلى." [سنن الترمذي ت شاكر (1/ 64)] اهـ

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 1196) (رقم: 2980)، و"صحيح أبي داود" (1/ 222) (رقم: 124)

 

تنبيه:

"ورد في كيفية مسح الرَّأس عدَّة روايات منها:

1 - حديث عليٍّ: "مسح برأسه مرَّةً واحدة" [رواه أبو داود (115) والترمذي (32)].

2 - حديث عبد الله بن زيد: "فأقبل بيديه وأدبر" [رواه مسلم (235)].

3 - الرواية الأخرى: "بدأ بمقدِّم رأسه حتَّى ذهب بهما إلى قفاه، ثمَّ ردهما إلى المكان الذي بدأ منه".

4 - حديث الربيِّع بنت مُعَوِّذ: "مسح برأسه فبدأ بمؤخر رأسه ثمَّ بمقدمه" [رواه أبو داود (129)].

ويوجد أيضًا بعض الروايات الأُخر التي من أجلها قال الصنعاني: ويحمل اختلاف لفظ الأحاديث على تعدد الحالات.

قلت: تعدُّد الروايات يدل على جواز المسح على أي كيفية جاءت، وإنَّما مدار الوجوب هو تعميم الرأس بالمسح، واختيار أصح الرويات وأفضلها، لتكون الغالبة في الوضوء.

قال ابن القيم: "لم يثبت أنَّه أخذ لأذنيه ماءً جديدًا." [زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 187)]

قال الحافظ: المحفوظ أنَّه مسح رأسه بماء غير فضل يديه، والأُذنان من الرأس؛ كما ورد في الحديث.

واختار الشيخ: أنَّ الأذنين يمسحان بماء الرأس؛ وهو مذهب الجمهور." اهـ من توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 210)

 

من فوائد الحديث:

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 207_209):

* مَا يُؤْخذ من الأحاديث الثلاثة:

1 - حديث عليٍّ -رضي الله عنه- يدل على أنَّ مسح الرأس مرَّة واحدة، وأنَّ المسح لا يُكَرَّر، كما يكرر الغسل؛ لأنَّ المسح أخف من الغسل، مخففٌ في كيفيته وفي كميته، ولعلَّ الحكمة الرَّبَّانيَّة في التخفيف في الرأس، من___كونه يمسح مسحًا ولا يغسل، وأن مسحه مرَّة واحدة فلا يكرر، هو التيسير على الأمة؛ فإنَّ الرَّأس موطن الشعر، فصَبُّ الماء عليه وتكريره، رُبَّما سبَّب أذيَّةً ومرضًا، فخفَّف الله تعالى عن عباده.

2 - حديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- يدل على صفة المسح، وهو أنْ يبدأ بمقدَّم رأسه، فيذهب بيديه إلى قفاه، ثمَّ يردَّها إلى المكان الذي بدأ منه، وتكون هذه الرواية مفسِّرة للرواية التي قبلها، من أنَّه "أقبل بيديه وأدبر"؛ فإنَّ معنى أقبل بيديه، أي: بدأ بهما من قِبَل الرَّأس، وأدبر أي: عاد بهما من دبره، والإقبال والإدبار باليدين يُعْتَبَرُ مسحةً واحدة لا مسحتين؛ لأنَّ شعر مقدَّم الرأس متجه إلى الوجه، ومؤخر الرَّأس متجه إلى القفا، فإذا بدأ بالمقدَّم مسح ظهور الشعر المقدَّم، وأصول الشعر المؤخَّر، وإذا أدبر بهما مسح ظهور الشعر المؤخَّر، وأصول الشعر المقدَّم؛ فالحكمة في الإقبال والإدبار مسح وجهي الشعر، قال بعضهم: هذا المسح يقيم النائم، وينيم القائم؛ فحصل مسحة واحدة لا مسحتان، وليست هذه الصفة واجبة، فعلى أي صفة مسح أجزأ.

3 - قال ابن القيم في زاد لمعاد: الصحيح أنَّه لم يكرر -صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه، بل كان إذا كرَّر غسل الأعضاء، أفرد مسح الرَّأس، ولم يصح عنه خلافه ألبتة.

4 - وقال: كَان -صلى الله عليه وسلم- يمسح رأسه كله، ولم يصح عنه في حديثٍ واحد، أنَّه اقتصر على مسح بعض رأسه ألبتة.

5 - قال العلماء: من لا شعر له أو حلق رأسه، فلا يستحب له الرد؛ لأنَّه لا فائدة فيه، وكذلك لا يستحب لمن له شعرٌ كثير مضفور، ويكون خرج مخرج الغالب.

6 - حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- يدل على مسح الأُذُنين مع الرَّأس، وصفة مسحهما: أنْ يدخل أصبعيه السبَّاحتين في صماخي أذنيه، ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه.___

7 - أنَّ مسح الأذنين منصوصٌ عليه في الآية الكريمة: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} ذلك أنَّ الأُذنين داخلتان في مسمَّى الرأس شرعًا ولغةً وعرفًا، فالأمر بمسح الرَّأس في الآية أمرٌ بمسحهما؛ ولذا فالسنَّة أنْ تمسحا بماء الرَّأس، لا بماء جديد لهما.

8 - الحكمة في تخصيص الأذنين بالمسح، هو كمال طهارتهما من ظاهرهما وباطنهما، ويستخرج منهما الذنوب التي اكتسبتها، كما تخرج الذنوب من سائر أعضاء الوضوء؛ فإنَّ الأذنين أداتا حاسَّة السمع، فيطهَّران طهارةً حسيَّة بمسحهما بالماء، وطهارة معنوية من الذنوب.

9 - لمسلم (235) عن عبد الله بن زيد في صفة وضوئه -صلى الله عليه وسلم-: "ومسح رأسه بماء غير فضل يديه" وهذا هو المحفوظ، وأمَّا رواية البيهقي: "أنَّ عبد الله بن زيد رأى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذ لأُذنيه ماءً غير الماء الذي أخذه لرأسه فهي شاذة، وحديث: "الأذنان من الرأس" [رواه أبو داود (134) والترمذي (37)] وأقوال الصحابة أنَّه -صلى الله عليه وسلم-: "مسح رأسه وأذنيه مرَّة واحدة" دليلٌ على أنَّه -عليه الصلاة والسلام- كان يمسح رأسه وأذنيه بماءٍ واحد.

10 - حد الرأس من منابت شعر الرأس المعتاد ممَّا يلي الجبهة، إلى مفصل الرأس من الرقبة، ومن الأذن إلى الأذن، ولا يمسح ما نزل من شعر الرأس أسفل من ذلك؛ لأنَّه قد تجاوز مكان الرأس من الإنسان.

11 - ظهر الأذن هو ما يلي الرأس، أمَّا الغضاريف فهي من باطن الأذن." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (3/ 330_331):

في فوائده:

منها: سؤال الشخص عما لا يعلمه من أمر دينه قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 42].

ومنها: أن التعليم يكون بالفعل، كما يكون بالقول، بل هو أبلغ منه.___

ومنها: التثليث في الوضوء.

ومنها: أنه يطلب من المتوضئ أن يتبع الوارد، فلا يزيد عليه، ولا ينقص منه، وأن من خرج عن الوارد عَرَّض نفسه للوقوع في الوبال والظلم، فينبغي للمسلم أن يتبع الوارد، ويحرص عليه." اهـ

 

الحسين بن محمد المغربي في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (1/ 200)

الحديث يدل على مسح الأذنين في الوضوء، وقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة

 

شرح سنن أبي داود للعباد (23/ 3):

يجوز الوضوء إما ثلاثاً وإما مرتين وإما مرة، والكمال والحد الأعلى هو الثلاث والثنتان متوسطة، والواحدة هي المجزئة وهي الحد الأدنى.

 

المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (2/ 75)

(فقه الحديث):

* والحديث يدلّ على طلب تثليث الغسل في أعضاء الوضوء والاقتصار في مسح الرأس على مرّة واحدة،

* وعلى أنه يطلب مسح باطن الأذنين بالسبابتين وظاهرهما بالإبهامين،

* وعلى أنه يطلب من المتوضئ أن يتبع الوارد، فلا يزيد عليه ولا ينقص،

* وعلى أن من خرج عن الوارد عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقد عرّض نفسه للوقوع في الوبال والظلم وسوء الحال.

فانظر أيها العاقل ما هو حاصل من غالب أهل الزمان من استحسانهم ضدّ الوارد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. نعوذ بالله عزّ وجلّ من شرور نفوسنا وسيئات أعمالنا." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 179)

"ففي هذا الحديث دليل على مشروعية مسح الأذنين، والصحيح أن مسحهما واجب؛ لأنهما من الرأس، وفيه أيضا: بيان كيفية مسح الأذنين وهو أن يدخل الإنسان السبابتين في صماخيهما ويمسح ب'بهامه ظاهرهما.

* ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يشرع تكرار مسح الأذنين؛ لأن الحديث ليس فيه التكرار، وقد ذكرنا فيما سبق في مسح الرأس، أنه إنما يمسح مرة واحدة، وكذلك الأذنان؛ لأنهما ملحقان به، ويشبه إلحاق الأذنين بالرأس إلحاق الأنف بالجبهة في السجود، يعني: فهما ليسا عضوين مستقلين لكنهما عضوان تابعان للرأس فيجب مسحهما كمسح الرأس." اهـ

 

الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (1/ 361)

الِاقْتِصَادُ فِي الْوُضُوءِ وَتَرْكُ التَّعَدِّي فِيهِ

 

مصنف ابن أبي شيبة (1/ 67) (رقم: 718): عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: " كَانَ يُقَالُ: فِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ وَلوْ كُنْتَ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ "

 

مصنف ابن أبي شيبة (1/ 67) (رقم: 726): عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: «أَقْصِدْ فِي الْوُضُوءِ وَلوْ كُنْتُ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ»

 

مصنف ابن أبي شيبة (1/ 67)

719 - حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو مُرَيٍّ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ، تَوَضَّأَ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ»

 



[1]  وفي المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (2/ 74) لمحمود بن خطاب السبكي:

"قوله: (السباحتين) بسين مهملة وموحدة مشدّدة وألف بعدها حاء مهملة: تثنية سبَّاحةٍ، وهي الأصبع التى تلى الإبهام. سميت بذلك، لأنه يشار بها عند التسبيح. فنسبة التسبيح إليها مجاز، إذ المسبح حقيقة صاحبها." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين