شرح الحديث 19-20 من بَابُ يَبَرُّ وَالِدَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً - الأدب المفرد لأبي فائزة البوجيسي

9- بَابُ يَبَرُّ وَالِدَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً


19 – [2] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:

"جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَقَالَ: "جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ؟"

قَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا، فَأَضْحِكْهُمَا، كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا»

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث:

 

* حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ (ثقةٌ : ت 223 هـ):

محمد بن كثير العبدى، أبو عبد الله البصري، روى له:  خ م د ت س ق 

 

* قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ (ثقة: ت 161 هـ):

سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، من كبار أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق

 

* عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ (صدوق: ت 136 هـ):

عطاء بن السائب بن مالك، أبو محمد الثقفي الكوفي، من صغار التابعين، روى: خ د ت س ق

 

* عَنْ أَبِيهِ (ثقة):

السائب بن مالك الثقفي، أبو يحيى الكوفي (والد عطاء)، من كبار التابعين، روى له: بخ د ت س ق

 

* عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (توفي ليالى الحرة بـ الطائف سنة 63 هـ):

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد القرشى السهمى، أبو محمد _رضي الله عنهما_، روى له: خ م د ت س ق

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 19 و 21) (رقم : 13 و 19) وأبو داود في "سننه" (3/ 17) (رقم : 2528)، والنسائي في "سننه" (7/ 143) (رقم : 4163)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 930) (رقم : 2782).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (1/ 433) (رقم: 420)

 

من فوائد الحديث :

 

وقال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَّمَرِيُّ القرطبيُّ، المعروف بـ"ابن عبد البر الأَنْدَلُسِيُّ" (المتوفى: 463هـ) _رحمه الله_ في "الاستذكار" (5/ 40):

"لَا خِلَافَ عَلِمْتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْغَزْوُ وَوَالِدَاهُ كَارِهَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ الْخِلَافَ لَهُمَا فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ عُقُوقٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَمِنَ الْغَزْوِ مَا قُلْتُ

وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْحَسَنِ فِي الْوَالِدَيْنِ إِذَا أَذِنَا بِالْغَزْوِ قَالَ إِنْ كُنْتَ تَرَى هَوَاهُمَا فِي الْجُلُوسِ فَاجْلِسْ

قَالَ وَسُئِلَ الْحَسَنُ مَا بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ أَنْ تَبْذُلَ لَهُمَا مَا مَلَكْتَ وَأَنْ تُطِيعَهُمَا فِيمَا أَمَرَاكَ بِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً." اهـ

 

عبد الرحمن بن مروان الأنصاري، المعروف بـ"أبِيْ الْمُطَرِّفِ القَنَازِعي" (المتوفى: 413 هـ) في "تفسير الموطأ" (2/ 583):

"فَلِهَذَا الحَدِيثِ، قالَ مَالِكٌ: لَا يُغْزَى بِغَيْرِ إذْنِ الأَبَوَيْنِ، إلَّا أَنْ يَفْجَأَ العَدُوُّ مَدِينَةً للمُسْلِمِينَ ويُغِيرُوا عَلَيْهَا، فَوَاجِبٌ على النَّاسِ الخُرُوجُ إليهِم للمُدَافَعَةِ عَنْهُمْ، ولَا يُسْتأذْنُ الأَبَوَانِ في مِثْلِ هَذَا." اهـ

 

وقال محمد بن عبد الباقي بن يوسف المصري الأزهري المعروف بـ"أبي عبد الله الزُّرْقَانِيُّ المالكي" (المتوفى 1122 ه) _رحمه الله_ في "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" (3/ 23):

"قَالَ الْجُمْهُورُ: يَحْرُمُ الْجِهَادُ إِذَا مَنَعَ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلَا إِذَنْ." اهـ

 

وقال عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر _حفظه الله_ في "شرح سنن أبي داود":

"وإنما يكون فرض عين إذا استنفر الإمام، وكذلك لو دهم العدو المسلمين في بلدهم.

وإذا كان الأبوان كافرين فإن له أن يخرج بدون إذنهما ولو لجهاد التطوع؛ لأن الكافر متهم بأنه لا يريد للإسلام أن ينتصر." اهـ

 

وقال عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر _حفظه الله_ في "شرح سنن أبي داود":

"قوله: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت أبايعك على الهجرة).

معلوم أنهم كانوا يأتون إليه ويبايعونه على الهجرة، وإنما يهاجرون لينصروه وليجاهدوا معه في سبيل الله، وقد عرفنا فيما مضى أن المهاجرين لما انتقلوا من مكة إلى المدينة كانوا يريدون الهجرة والنصرة، فجمعوا بين الأمرين، وأن الأنصار عندهم النصرة، وأن المهاجرين أفضل من الأنصار لذلك، فهذا جاء يبايع على الهجرة، ومعناه أنه يكون تحت تصرفه ويغزو معه." اهـ

 

وقال فضل الله الجيلاني الهندي (المتوفى 1379 هـ) _رحمه الله_ في "فضل الله الصمد" (1/66):

"« الهجرة » الخروج من أرض الى أخرى . والهجرة هجرتان :

إحداهما : ما وعد عليها الجنة بقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111]،

وهو أن يأتي إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ ويدع ماله وأهله لا يرجع في شيء منه وينقطع بنفسه إلى مهاجره،

والثانية : الهجرة والغزو عند النفير من الإمام." اهـ

 

وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (32/ 236):

"فِي فوائده:

(منها) : ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو مشروعيّة البيعة عَلَى الهجرة، ووجه الاستدلال بالحديث أنه صلى الله تعالى عليه وسلم إنما ترك مبايعة الرجل عَلَى الهجرة؛ لأجل أبويه، فلولاهما لبايعه.

(ومنها) : وجوب برّ الوالدين، والسعي فِي تحصيل رضاهما.

(ومنها) : تحريم عقوق الوالدين، وإدخال الحزن عليهما. والله تعالى أعلم بالصواب،

وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب"." اهـ

 

وقال محمد لقمان بن محمد بن ياسين أبو عبد الله الصِّدِّيْقِيُّ السلَفِيُّ (المتوفى 1441 هـ) _رحمه الله_ في "رش البرد شرح الأدب المفرد" (ص 21):

"فقه الحديث:

١_ إذا لم يكن الجهاد فرض عين فلا يجوز الخروج بدون الاستئذان من الأبوين .

۲_ عدم مبايعة النبي به دليل على أن هذا الرجل كان متطوعة .

۳_ مراعاة النبي _صلى الله عليه وسلم_ للوالدين وتأكيد إرضاءهما .

4_ فضل بر الوالدين وتعظيم حقهما وكثرة الثواب على برهما ." اهـ

 

وقال الشيخ زيد بن محمد المدخلي (المتوفى 1435 هـ) _رحمه الله_ في "عون الأحد الصمد" (1/22_24):

"في هذا الحديث : التأكيد على بر الوالدين بدون تسويف ولا مماطلة في الق بحقوقهما

وفيه أيضا : أن الحسنة يكفر الله بها السيئة كما قال تعالى : {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]،

وكما قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ : «وأتبع السيئة الحسنة تمحها ...» الحديث،

وهذا ظاهر من قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ للرجل : «ارجع إليهما، وأضحكهما كما أبكيتهما»

وفيه : بيان أن بر الوالدين أفضل من عمل الجهاد، وأقدم في ميزان الشرع من عمل الجها في سبيل الله ومن الهجرة.

وذلك دليل على عظم حق الوالدين وهو يقدم على الجهاد ويقدم على الهجرة، ولكن لا يطاع والد ولا والدة في معصية الله _عز وجل_،

فلا يجوز أن يتقرب أحد بفعل المعصية لرضا شخص سواء الوالدين أو غيرهما، كما قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ : إنما الطاعة في المعروف» [خ م]،

وقال _صلى الله عليه وسلم_ : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» [حم]

أيا كان هذا المخلوق، فالله أحق أن يطاع." اهـ

 

 

 

 

 

20 - [3] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَعْمَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:

"جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الْجِهَادَ، فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»[1]."

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث :

 

* حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ (ثقة: ت 230 هـ بـ بغداد):

على بن الجعد بن عبيد الجوهري، أبو الحسن البغدادي (مولى بنى هاشم)، من صغار أتباع التابعين، روى له: خ د

 

* قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ (ثقة: ت  160 هـ بـ البصرة):

شعبة بن الحجاج بن الْوَرْدِ الْعَتَكِيُّ مولاهم الأزدي، أبو بِسْطام الواسِطِي ثم البصري (مولى عبدة بن الأغر مولى يزيد بن المهلب)، من كبار أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق

 

* عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ (ثقة: ت 119 هـ):

حبيب بن أبى ثابت (قيس) بن دينار الأسدى مولاهم، أبو يحيى الكوفي، من الوسطى من التابعين، روى له: خ م د ت س ق

 

* قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَعْمَى (ثقة): 

السائب بن فروخ ، أبو العباس المكي الشاعر الأعمى، من الوسطى من التابعين، روى له: خ م د ت س ق

 

* عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (ت 63 هـ ليالى الحرة بـ الطائف):

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد القرشى السهمى، أبو محمد، روى له:  خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الْجِهَادَ، فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 21) (رقم : 20)، وفي "صحيحه" (4/ 59 و 8/ 3) (رقم : 3004 و 5972)، ومسلم في "صحيحه" (4/ 1975) (رقم : 2549)، وأبو داود في "سننه" (3/ 17) (رقم : 2529)، والترمذي في "سننه" -  ت. شاكر (4/ 191) (رقم : 1671)، والنسائي في "سننه" (6/ 10) (رقم : 3103)

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (5/ 19) (رقم: 1199)، و"غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام" (ص: 171) (رقم: 281)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 647) (رقم: 2480).

 

من فوائد الحديث :

 

1/ لا يجوز الخروج في جهاد التطوع، إلا بإذن الأَبَوَيْنِ إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ

 

قال أبو محمد الحسين بن مسعود الشافعي، المعروف بـ"البغوي" (المتوفى: 516 هـ) _رحمه الله_ في "شرح السنة" (10/ 378):

"هَذَا فِي جِهَادِ التَّطَوُّعِ لَا يَخْرُجُ إِلا بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا، فَلا حَاجَةَ إِلَى إِذْنِهِمَا، وَإِنْ مَنَعَاهُ عَصَاهُمَا وَخَرَجَ، وَإِنْ كَانَ الأَبَوَانِ كَافِرَيْنِ، فَيَخْرُجُ دُونَ إِذْنِهِمَا، فَرْضًا كَانَ الْجِهَادُ أَوْ تَطَوُّعًا،

وَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ كَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَالزِّيَارَةِ، وَلا يَصُومُ التَّطَوُّعَ إِذَا كَرِهَ الْوَالِدَانِ الْمُسْلِمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، إِلا بِإِذْنِهِمَا، وَمَا كَانَ فَرْضًا فَلا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِذْنِهِمَا،

وَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ إِلَى جِهَادِ التَّطَوُّعِ إِلا بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ إِذَا كَانَ لَهُمْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَاجِلٌ، كَمَا لَا يَخْرُجُ إِلَى الْحَجِّ إِلا بِإِذْنِهِمْ، فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ، لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى الإِذْنِ." اهـ

 

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (16/ 104):

* وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجِهَادُ، إِلَّا بِإِذْنِهِمَا إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ بِإِذْنِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا. فَلَوْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ، لَمْ يُشْتَرَطْ إِذْنُهمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَشَرَطَهُ الثَّوْرِيُّ،

هَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَحْضُرَ الصَّفَّ وَيَتَعَيَّنِ الْقِتَالَ وَإِلَّا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِغَيْرِ إِذْنٍ.

وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْأَمْرِ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَأَنَّ عُقُوقَهُمَا حَرَامٌ مِنَ الْكَبَائِرِ وَسَبَقَ بيانه مبسوطا في كتاب الايمان." اهـ

 

وقال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَّمَرِيُّ القرطبيُّ، المعروف بـ"ابن عبد البر الأَنْدَلُسِيُّ" (المتوفى: 463هـ) _رحمه الله_ في "الاستذكار" (5/ 40):

"لَا خِلَافَ عَلِمْتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْغَزْوُ وَوَالِدَاهُ كَارِهَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ الْخِلَافَ لَهُمَا فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ عُقُوقٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَمِنَ الْغَزْوِ مَا قُلْتُ.

وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْحَسَنِ فِي الْوَالِدَيْنِ إِذَا أَذِنَا بِالْغَزْوِ، قَالَ: "إِنْ كُنْتَ تَرَى هَوَاهُمَا فِي الْجُلُوسِ فَاجْلِسْ."

قَالَ وَسُئِلَ الْحَسَنُ: "مَا بِرُّ الْوَالِدَيْنِ؟" قَالَ: "أَنْ تَبْذُلَ لَهُمَا مَا مَلَكْتَ، وَأَنْ تُطِيعَهُمَا فِيمَا أَمَرَاكَ بِهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً." اهـ

 

وقال سليمان بن خلف التُّجِيْبِيُّ[2] القرطبي، الشهير بـ"أبي الوليد الباجي" الأندلسي (المتوفى: 474 هـ) _رحمه الله_ "المنتقى شرح الموطإ" (3/ 175):

وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْغَزْوَ بِنَذْرٍ أَوْ قَسَمٍ، فَتَجَهَّزَ لَهُ ثُمَّ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَابِرَهُمَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَلْيُؤَخِّرْ غَزْوَهُ إلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجِهَادَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْغَزْوُ وَالْجِهَادُ لِقِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ طَاعَةُ أَبَوَيْهِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ مُؤْمِنَيْنِ كَانَا أَوْ كَافِرَيْنِ قَالَهُ سَحْنُونٌ،

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَشَارَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَلَكَ أَبَوَانِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»،

وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إنَّ طَاعَةَ أَبَوَيْهِ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ، وَالْجِهَادَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَفُرُوضُ الْأَعْيَانِ آكَدُ.

(مَسْأَلَةٌ):

وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْجِهَادُ وَهُوَ يَتَعَيَّنُ مِنْ وَجْهَيْنِ :

* أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرٍ أَوْ قَسَمٍ،

* وَالثَّانِي: أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَيَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ الْعَدُوِّ وَضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُ،

فَأَمَّا إنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، فَلْيَمْتَنِعْ مِنْهُ لِمَنْعِ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ كَانَ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُ لِمَنْعِ أَبَوَيْهِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَقَّ أَبَوَيْهِ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِنَذْرٍ يُلْزِمُهُ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا ثَبَتَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ حَقُّ أَبَوَيْهِ. فَإِذَا كَانَ آكَدَ مِنْ حَقِّ أَبَوَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْهُ." اهـ

 

أحمد بن إسماعيل الكوراني الحنفي (المتوفى 893 هـ) _رحمه الله_ في "الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري" (6/ 23):

"وفي الحديث: دلالة على أن الجهاد بلا إذن الأبوين لا يجوز، وعليه الأئمة، لكن هذا إذا لم يكن فرض عين، فإن خدمة الوالدين، وإن كان فرض عين أيضًا؛ إلا أن الجهاد أهم لعموم الضرر في تركه، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد." اهـ

 

وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى:  852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (6/ 140):

"قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَحْرُمُ الْجِهَادُ إِذَا مَنَعَ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَا مُسلمين___لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلَا إِذْنَ." اهـ

 

2/ الأصل في الجهاد أنه فرض كفاية

 

وقال زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" له (4/ 210):

"الجهاد فرض كفاية، والدخول فيه بعد قيام من سقط به حق فرض الكفاية تطوع إذا لم يتعين بحضور العدو، ولهذا تقدم بر الوالدين على الجهاد، إذا لم يتعين." اهـ

 

3/ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ أَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ _تَعَالَى_

 

وقال نصر بن محمد، الشهير بـ"أبي الليث السمرقندي" (المتوفى: 373 هـ) _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين" (ص: 124):

"فِي هَذَا الْخَبَرِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ أَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ _تَعَالَى_، لِأَنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَمَرَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْجِهَادَ، وَيَشْتَغِلَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ.

وَهَكَذَا نَقُولُ:

إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَبَوَاهُ، مَا لَمْ يَقَعِ النَّفِيرُ عَامًّا، وَتَكُونُ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ أَفْضَلَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْغَزْوِ." اهـ

 

وقال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك المعروف بـ"ابن بطال القرطبي" (المتوفى: 449 هـ) _رحمه الله_ في "شرح صحيح البخاري" (9/ 191):

"هذا موافق لحديث ابن مسعود: أن بر الأبوين أفضل من الجهاد، لأنه عطف ذلك _عليه السلام_ بـ"ثم" التى تدل على الرتبة،

وهذا إنما يكون فى وقت قوة الإسلام وغلبةِ أهلِه للعدو، وإذا كان الجهاد من فروض الكفاية،

فأما إذا قَوِيَ أهْلُ الشرْكِ وضعُف المسلمون، فالجهاد متعين على كل نفس، ولايجوز التخلف عنه، وإنْ مَنَعَ مِنْهُ الأبوانِ.

وقال ابن المنذر: فى هذا الحديث أن النهى عن الخروج بغير إذن الأبوين مالم يقع النفير، فإذا وقع وجب الخروج على الجميع." اهـ

 

[تعليق]:

قال محمد بن إبراهيم النيسابوري الشافعي، المعروف بـ"أبي بكر ابن المنذر" (المتوفى: 319 هـ) _رحمه الله_ في "الإشراف على مذاهب العلماء" (4/ 13): "إن النهي عن الخروج إلى الغزو بغير إذن الوالدين ما لم يقع النفر، فإذا وقع النفر وجب الخروج على الجميع." اهـ

 

وقال ناصر الدين عبد الله بن عمر، الشهير بـ"القاضي البيضاوي" (ت 685هـ) _رحمه الله_ في "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" (2/ 590):

"المجاهدة والسعي في خدمة الوالدين أهم لك من الجهاد، فإنها فرضُ عينٍ عليك، والجهاد ليس كذلك، فجاهد في أمرهما.

 

وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى:  852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (6/ 140):

* وَفِيهِ: أَنَّ بِرَّ الْوَالِدِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ،

 

4/ للوالدين منع الولدِ من الجهاد، ما لم يتعين

 

وقال ناصر الدين عبد الله بن عمر، الشهير بـ"القاضي البيضاوي" (ت 685هـ) _رحمه الله_ في "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" (2/ 590):

وفيه: دليل على أن للوالدين منع الولد من الجهاد، وهذا إذا لم يتعين، وكانا مسلمين." اهـ

 

5/ كُلُّ شَيْءٍ يُتْعِبُ النَّفْسَ يُسَمَّى جِهَادًا

 

وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى:  852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (6/ 140):

"وَيُؤْخَذُ مِنْهُ: أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُتْعِبُ النَّفْسَ يُسَمَّى جِهَادًا،

 

وقال محمد بن إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير الصنعاني" (المتوفى: 1182هـ) _رحمه الله_ في "سبل السلام" (2/ 461):

"سَمَّى إتْعَابَ النَّفْسِ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْأَبَوَيْنِ وَإِزْعَاجِهَا فِي طَلَبِ مَا يُرْضِيهِمَا وَبَذْلَ الْمَالِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِمَا "جِهَادًا" مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ، لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ مِنْ بَابِ قَوْله _تَعَالَى_: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]." اهـ

 

7/ الترغيب في بذل النصيحة للمسلمين

 

وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى:  852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (6/ 140):

* وَأَنَّ الْمُسْتَشَارَ يُشِير بِالنَّصِيحَةِ الْمَحْضَة،

 

6/ الْمُكَلف يستفصل عَنِ الْأَفْضَلِ فِي أَعْمَالِ الطَّاعَةِ لِيعْمَلَ بِهِ

 

وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى:  852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (6/ 140):

* وَأَن الْمُكَلف يستفصل عَنِ الْأَفْضَلِ فِي أَعْمَالِ الطَّاعَةِ لِيعْمَلَ بِهِ، لِأَنَّهُ سَمِعَ فَضْلَ الْجِهَادِ، فَبَادَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يَقْنَعْ حَتَّى اسْتَأْذَنَ فِيهِ، فَدُلَّ عَلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي حَقِّهِ، وَلَوْلَا السُّؤَالُ مَا حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ...

 

8/ تَحْرِيمِ السَّفَرِ بِغَيْرِ إِذْنِ الوالدَيْنِ

 

وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى:  852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (6/ 141):

"وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ السَّفَرِ بِغَيْرِ إِذْنِ، لِأَنَّ الْجِهَادَ إِذَا مُنِعَ مَعَ فَضِيلَتِهِ، فَالسَّفَرُ الْمُبَاحُ أَوْلَى، نَعَمْ إِنْ كَانَ سَفَرُهُ لِتَعَلُّمِ فَرْضِ عَيْنٍ حَيْثُ يتَعَيَّن السَّفَرِ طَرِيقًا إِلَيْهِ، فَلَا مَنْعَ. وَإِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ، فَفِيهِ خِلَافٌ." اهـ

 

9/ فَضْلُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَتَعْظِيمُ حَقِّهِمَا، وَكَثْرَةُ الثَّوَابِ عَلَى بِرِّهِمَا

 

وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى:  852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (6/ 141):

"وَفِي الْحَدِيثِ: فَضْلُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَتَعْظِيمُ حَقِّهِمَا، وَكَثْرَةُ الثَّوَابِ عَلَى بِرِّهِمَا، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ _تَعَالَى_." اهـ

 

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (16/ 104):

"* هَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ لِعِظَمِ فَضِيلَةِ بِرِّهِمَا وَأَنَّهُ آكَدُ مِنَ الْجِهَادِ،

 

10/ الأفضليّة تختلف بحسب الأشخاص والأحوال

 

وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (2/ 638):

"وقد يكون الجهاد في بعض الأوقات أفضل من سائر الأعمال، وذلك في وقت استيلاء العدوّ وغلبته على المسلمين، كحال هذا الزمان،

فلا يخفى على من له أدنى بصيرة أن الجهاد اليوم أوكد الواجبات، وأفضل الأعمال؛ لِمَا أصاب المسلمين من قهر الأعداء، وكثرةِ الاستيلاء شَرْقًا وغَرْبًا _جبر الله صدعنا، وجدّد نصرنا_.

والحاصل من هذا البحث: أن تلك الأفضليّة تختلف بحسب الأشخاص والأحوال، ولا بُعد في ذلك،

فأما تفصيل هذه القواعد من حيث هي، فعلى ما تقدّم من حديث ابن عمر _رضي الله عنهما_ الذي قال فيه: "بني الإسلام على خمس ... " الحديث، متّفق عليه، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبى _رحمه الله تعالى_ ["المفهم" (1/ 275 – 176)]،

وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ

 

وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (40/ 224_225):

"في فوائده :

1 - (منها) : أن الحديث دليل على عِظَم فضيلة بر الوالدين، وأن حقّهما آكد وأعظم من الجهاد، وفيه بيان كثرة الثواب على برهما.

2 - (ومنها) : ما قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فيه حجة لِمَا قاله العلماء: إنه لا___يجوز الجهاد إلا بإذن الوالدين إذا كانا مسلمين، أو بإذن المسلم منهما، فلو كانا مشركين لم يُشترط إذنهما عند الشافعيّ ومن وافقه، وشَرَطه الثوريّ، هذا كله إذا لم يحضر الصفّ، ويتعيَّن القتال، وإلا فحينئذ يجوز بغير إذن، وأجمع

العلماء على الأمر ببرّ الوالدين، وأن عقوقهما حرام من الكبائر، وسبق بيانه مبسوطاً في "كتاب الإيمان". انتهى ["الفتح" 7/ 255، كتاب "الجهاد" رقم (3004)]

وقال في "الفتح": قال جمهور العلماء: يَحْرم الجهاد إذا مَنَع الأبوان، أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين؛ لأن بزهما فَرْض عَيْن عليه، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعيَّن الجهاد فلا إذن، ويشهد له ما أخرجه ابن حبان، من طريق أخرى، عن عبد الله بن عمرو :

"جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأله عن أفضل الأعمال، قال: الصلاة، قال: ثم مه؟ قال: الجهاد، قال: فإن لي والدين، فقال: آمرك بوالديك خيراً، فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً لأجاهدنّ، ولأتركنهما، قال: فأنت أعلم"،

وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقأ بين الحديثين، وهل يُلحق الجدّ والجدّة بالأبوين في ذلك؟ الأصح عند الشافعية نعم، والأصح أيضاً أن لا يفرّق بين الحُرّ والرقيق في ذلك؛ لشمول طلب البرّ،

فلو كان الولد رقيقاً، فَأذِن له سيده لم يُعْتبَر إذن أبويه، ولهما الرجوع في الإذن إلا أن حضر الصفّ، وكذا لو شرطا أن لا يقاتِل، فحضر الصفّ فلا أثر للشرط. انتهى ["الفتح" 7/ 255، كتاب "الجهاد" رقم (3004).].

3 - (ومنها) : أنه يستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضدّه إذا فُهِم المعنى؛ لأن صيغة الأمر في قوله: "فجاهد" ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما لهما، وليس ذلك مراداً قطعاً، وإنما المراد: إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد، وهو تعب البدن والمال، قاله في "الفتح" ["الفتح" 7/ 255، كتاب "الجهاد" رقم (3004)].

4 - (ومنها) : أنه يؤخذ منه أن كل شيء يُتعِب النفس يسمى جهاداً.

5 - (ومنها) : أن المستشار يشير بالنصيحة المحضة، وأن المكلف____يستفصل عن الأفضل في أعمال الطاعة؛ ليعمل به؛ لأنه سَمِع فَضْل الجهاد، فبادَرَ إليه، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه، فدلّ على ما هو أفضل منه في حقه، ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك، ولمسلم من طريق ناعم مولى أم سلمة عن عبد الله بن عمرو في نحو هذه القصة : "قال: ارجع إلى والديك، فأحسن صحبتهما"،

ولأبي داود، وابن حبان من وجه آخر، عن عبد الله بن عمرو : «ارجع، فأضحكهما كما أبكيتهما»، وأصرح من ذلك حديث أبي سعيد، عند أبي داود، بلفظ : "ارجع، فاستأذنهما، فإن أَذِنَا لك فجاهِد، وإلا فبرّهما"، وصححه ابن حبان.

6 - (ومنها) : أنه استدِلّ به على تحريم السفر بغير إذن الأبوين؛ لأن الجهاد إذا مُنع مع فضيلته، فالسفر المباح أَولى، نعم إن كان سفره لتعلّمِ فرض عَيْن، حيث يتعيّن السفر طريقاً إليه، فلا مَنْع، وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف ["الفتح" 7/ 255 - 256، كتاب "الجهاد" رقم (3004)]، والله تعالى أعلم." اهـ

 

وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (26/ 123_124):

"في فوائده:

(منها) : ما ترجم له المصنّف _رحمه اللَّه تعالى_، وهو بيان الرخصة في التخلّف عن الجهاد في سبيل اللَّه تعالى لمن له والدان.

(ومنها) : فضل برّ الوالدين، وتعظيم حقّهما، وكثرة الثواب على برّهما.

(ومنها) : تحريم السفر بغير إذن الوالدين؛ لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته، فالسفر المباح أولى، نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعيّن السفر طريقًا إليه، فلا منع، وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف.

(ومنها) : أن برّ الوالدين قد يكون أفضل من الجهاد.

(ومنها) : أن المستشار يشير بالنصيحة____المحضة.

(ومنها) : أنه يستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضدّه إذا فُهم المعنى؛ لأن صيغة الأمر في قوله: "فجاهد" ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما لهما، وليس ذلك مرادًا قطعًا، وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد، وهو تعب البدن والمال.

(ومنها) : أنه يؤخذ منه أن كلّ شيء يتعب النفس يسمّى جهادًا.

(ومنها) : أن المكلّف يستفصل عن الأفضل في أعمال الطاعة ليعمل به؛ لأنه سمع فضل الجهاد، فبادر إليه، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه، فَدُلَّ على ما هو أفضل منه في حقّه، ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك.

وفي رواية مسلم، وسعيد بن منصور من طريق ناعم مولى أم سلمة، عن عبد اللَّه بن عمرو في نحو هذه القصّة، قال: "ارجع إلى والديك، فأحسِنْ صحبتهما".

ولأبي داود، وابن حبّان من وجه آخر، عن عبد اللَّه بن عمرو: "ارجع، فأضحكهما كما أبكيتهما."[3]

وأصرح من ذلك: حديث أبي سعيد عند أبي داود بلفظ: "ارجع، فأستأذنهما، فإن أذنا لك، فجاهد، وإلا فبرّهما"، وصحّحه ابن حبّان[4]. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

11/ فيه الأمر بالمجاهدة في برهما لنيل رضاهما

 

وقال زكريا بن محمد الأنصاري، السُّنَيْكِيُّ الْمِصْرِيُّ الشافعِيُّ (المتوفى: 926 هـ) _رحمه الله_ منحة الباري بشرح صحيح البخاري (6/ 119):

"أمره بالمجاهدة فيهما يقتضي رضاهما عليه، ومن رضاهما إذنهما له عند الاستئذان في الجهاد." اهـ

 

12/ فيه: بيان عظم مرتبة الجهاد في الدين

 

وقال أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (المتوفى: 1188 هـ) _رحمه الله_ في "كشف اللثام شرح عمدة الأحكام" (1/ 545):

"ولا شك أن مرتبة الجهاد في الدين عظيمة، والقياس يقتضي أنه أفضل من سائر الأعمال التي هي وسائل؛

فإن العبادات على قسمين:

* منها: ما هو مقصود لنفسه،

* ومنها: ما هو وسيلةٌ إلى غيره،

وفضيلةُ الوسيلة لحسب فضيلة المتوسَّل إليه، فحيث تعظُمُ فضيلة المتوسَّل إليه، تعظُمُ فضيلة الوسيلة،

ولما كان الجهاد في سبيل الله وسيلةً إلى إعلانِ الدين ونشره، وإخمالِ الكفر ودَحْضِه، كانت فضيلةُ الجهاد بحسب فضيلة ذلك." اهـ

 

13/ بر الوالدين من فروض الأعيان

 

وقال عبد الله بن عبد الرحمن البسام التميمي (المتوفى: 1423هـ) _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (6/ 342_343):

"* ما يؤخذ من الحديث:

1 - بر الوالدين من فروض الأعيان، لاسيَّما في حالة كبرهما، وحاجاتهما إلى ولدهما، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، وقال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14]، وقال تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].

وجاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، قلتُ: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلتُ: ثم أي؟ قال؛ الجهاد في سبيل الله".____

وجاء في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَال: "رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما، فلم يدخل الجنة". [م][5]

2 - أما الجهاد: فهو فضيلة كبيرة جدًّا، ولكنه أقل فضلاً من بر الوالدين؛ كما أنَّ الجهاد فرض كفاية إلاَّ في حالات تقدم بيانها.

أما بر الوالدين: ففرض عين في كل حال؛ لذا فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للرجل المستأذِن في الجهاد: "فيهما فجاهد" فيكون برهما مقدمًا على الجهاد في سبيل الله تعالى.

3 - سمي إتعاب النفس في القيام بمصالح الأبوين، وإزعاجهما الولد في طلب ما يحتاجانه، وبذل المال في قضاء حوائجهما: جهادًا، من باب المشاكلة؛ مثل قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] سميت الثانية: سيئة؛ لمشابهتها للأولى في الصورة.

4 - سواء كان الجهاد فرض عين، أو فرض كفاية، وسواء عذَره الأبوان بخروجه، أو لا -، فإنَّ برهما مقدم؛ لما روى أحمد، والنسائي، أنَّ جاهمة السلمي جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله،! أريد الغزو، وجئتك لأستشيرك، فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم. قال: "الزمها فإنَّ الجنة تحت رجليها". [س][6]

5 - ذهب جمهور العلماء إلى أنَّه يحرم الجهاد على الولد إذا منعه الأبوان، أو أحدهما، بشرط أن يكونا مسلمين؛ لأنَّ برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعيَّن الجهاد، فيقدم على برهما؛ لأنَّ الجهاد مصلحة عامة، إذ هو لحفظ الدين، والدفاع عن المسلمين.

6 - يدل الحديث على وجوب النصيحة لمن استشارك في أمر من الأمور.

7 - الحديث يدل على عظم بر الوالدين، وتقدم بعض النصوص في ذلك.

8 - ويدل الحديث على أنَّ المفتي إذا سُئِل عن مسألة يتعيَّن عليه أن يستوضح من___السائل عن الأمور التي تعد من مجرى الجواب.

 

14/ بيان حرص الصحابة _رضي الله عنهم_ على أن يأتوا بالعبادات على الوجه الصحيح

 

وقال عبد الله بن عبد الرحمن البسام التميمي (المتوفى: 1423هـ) _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (6/ 343):

9 - وفي الحديث: بيان حرص الصحابة _رضي الله عنهم_ على أن يأتوا بالعبادات على الوجه الصحيح، فإنَّهم لا يُقدمون عليها إذا كانوا يجهلونها أو يجهلون بعض أحكامها، حتى يسألوا عن ذلك؛ لتقع موقعها الشرعي، وهذا واجب المسلمين." اهـ



[1] وفي شرح مسند أبي حنيفة (1/ 324) للقاري (المتوفى: 1014هـ) : "(قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد")، أي : ففي حقهما وخدمتهما فاجتهد." اهـ

[2] وقال ابن الأثير الجزري _رحمه الله_ في "للباب في تهذيب الأنساب" (1/ 207): "التجِيبِي بِضَم التَّاء الْمُعْجَمَة بِاثْنَتَيْنِ من فَوْقهَا وَكسر الْجِيم وتسكين الْيَاء تحتهَا نقطتان وَفِي آخرهَا بَاء مُوَحدَة - هَذِه النِّسْبَة إِلَى تجيب وَهُوَ اسْم أم عدي وَسعد ابْني أَشْرَس بن شبيب بن السّكُون نسب والدهما إِلَيْهَا وَإِلَى محلّة بِمصْر فَمن الْقَبِيلَة حَرْمَلَة بن عَمْرو أَبُو حَفْص التجِيبِي صَاحب الشَّافِعِي ولد سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ روى عَن الشَّافِعِي وَعبد الله بن وهب وَغَيرهمَا روى عَنهُ مُسلم بن الْحجَّاج فِي صَحِيحه فَأكْثر.

وَأما الْمحلة، فينسب إِلَيْهَا مُحَمَّد بن رمح بن المُهَاجر التجِيبِي كَانَ يسكن محلّة تجيب بِمصْر سمع اللَّيْث بن سعد وَغَيره روى عَنهُ مُسلم وَغَيره وَتُوفِّي أول سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ

[3] صححه الألباني في صحيح أبي داود - الأم (7/ 285) (رقم: 2281)

[4] صححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 216) (رقم: 892)

[5] ففي "صحيح مسلم" (4/ 1978) (رقم: 2551): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ» قِيلَ: مَنْ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ»

[6] أخرجه النسائي في "سننه" (6/ 11) (رقم: 3104): عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السَّلَمِيِّ، أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ، فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَالْزَمْهَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا»

صححه الألباني في "تحقيق حقوق النساء في الإسلام" (ص: 195)


Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين