شرح الحديث 145 - بَابُ فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ الْوَلَدُ - الأدب المفرد

 

145 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْعَبْسِيِّ قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لِي، فَوَجَدْتُ عَلَيْهِ وَجَدَا شَدِيدًا، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا تُسَخِّي بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «صِغَارُكُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ»

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث:

 

* حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ (ثقة: ت. 226 هـ):

عَيَّاشٌ بن الوليد الرقام القطان، أبو الوليد البصري، كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له:  خ د س

 

* قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى (ثقة: ت. 189 هـ):

عبد الأعلى بن عبد الأعلى بن محمد (وقيل: ابن شراحيل)، القرشي البصري السامى، أبو محمد، ولقبه: أبو همام، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

* قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ (ثقة، اختلط قبل موته بثلاث سنين: 144 هـ):

سعيد بن إياس الْجُرَيْرِي، أبو مسعود البصري، من صغار التابعين، روى له:  خ م د ت س ق 

 

* عَنْ خَالِدٍ الْعَبْسِيِّ (ثقة):

خالد بن غلاق القيسى (ويقال: العيشى)، أبو حسان البصري، من الوسطى من التابعين، روى له:  بخ م قد  (أبو داود في القدر)

 

تهذيب التهذيب (3/ 112):

"وعنه: سعيد الجريري وأبو السليل ضُرَيْبُ بْنُ نُقَيْرٍ. ذكره ابن حبان في الثقات. قلت: وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث." اهـ

 

يكفي كونه ثقة أن مسلما روى حديثه في "صحيحه."

 

* عن أبي هريرة (ت 57 هـ):

عبد الرحمن بن صخر، أبو هريرة الدوسي اليماني، روى له:  خ م د ت س ق

 

نص الحديث وشرحه:

 

عَنْ خَالِدٍ الْعَبْسِيِّ قَالَ:

مَاتَ ابْنٌ لِي، فَوَجَدْتُ عَلَيْهِ وَجَدَا شَدِيدًا، فَقُلْتُ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا تُسَخِّي بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟"

قَالَ: سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَقُولُ: «صِغَارُكُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ»

 

وقال المازري المعلم بفوائد مسلم (3/ 307):

"وقوله: (دَعَامِيص الَجنَّة). قيل: الدّعاميص من دواب الماء.

 

شرح النووي على مسلم (16/ 182)

هُوَ (بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَاتِ)، وَاحِدُهُمْ: دُعْمُوصٍ (بِضَمِّ الدَّالِ). أَيْ: صِغَارُ أَهْلِهَا. وَأَصْلُ الدُّعْمُوصِ: دُوَيْبَّةٌ تَكُونُ فِي الْمَاءِ، لَا تُفَارِقُهُ[1]. أَيْ: أَنَّ هَذَا الصَّغِيرَ فِي الْجَنَّةِ لَا يُفَارِقُهَا." اهـ

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1430):

قوله: ((دعاميص الجنة)) ((نه)): هو جمع دعموص، وهي دويبة تكون في مسنتقع الماء. والدعموص أيضًا الدّخال في الأمور، أي أنهم سيّاحون في الجنة، دخّالون في منازلها، لا يمنعون من موضع، كما أن الصِّبيان في الدنيا لا يمنعون من الدخول علي المحرم ولا يحتجب منهم.

 

مسند إسحاق بن راهويه (1/ 191)

عَنْ خَالِدٍ الْقَيْسِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَلْ سَمِعْتَ مِنْ خَلِيلِكَ شَيْئًا تُطِيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «صِغَارُكُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ»،

قَالَ الْمَخْزُومِيُّ: الصِّغَارُ الْأَطْفَالُ، وَالدَّعَامِيصُ شَيْءٌ يَكُونَ فِيَ أَسْفَلِ الْحَبِّ.

 

مسند أحمد - عالم الكتب (2/ 488):

عَنْ أَبِي حَسَّانَ (خالد بن غلاق العيشي)، قَالَ:

تُوُفِّيَ ابْنَانِ لِي، فَقُلْتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا تُحَدِّثُنَاهُ يُطَيِّبُ بِأَنْفُسِنَا عَنْ مَوْتَانَا؟

قَالَ: نَعَمْ، (صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ، يَلْقَى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ، أَوْ قَالَ: أَبَوَيْهِ _فَيَأْخُذُ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ، أَوْ يَدِهِ_ كَمَا آخُذُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا ، فَلاَ يُفَارِقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ)."

 

وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" (16/ 182):

"وَقَوْلُهُ (بِصَنِفَةِ ثَوْبكَ) هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ طَرَفُهُ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا صَنِيفَةٌ." اهـ

 

ولشرح الحديث وتفاصيله، كَتَبَ عَقِيْلُ بن عطية القُضاعي (المتوفى: 608هـ) _رحمه الله_ رسالة سماه بـ"تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل."

 

تخريج الحديث:

 

الأدب المفرد (ص: 63) (رقم: 145)، صحيح مسلم (4/ 2029/ 154) (رقم: 2635)، مسند إسحاق بن راهويه (1/ 191) (رقم: 144)، مسند أحمد – ط. عالم الكتب (2/ 488 و 2/ 510) (رقم: 10325 و 10620)، والخلال في "أحكام أهل الملل والردة" (ص: 13) (رقم: 17)، مسند البزار = البحر الزخار (17/ 34) (رقم: 9548)، الثقات لابن حبان (4/ 203) (رقم: 2501)، السنن الكبرى للبيهقي (4/ 112) (رقم: 7142_7143)، شعب الإيمان (12/ 214) (رقم: 9296)، القضاء والقدر للبيهقي (ص: 356) (رقم: 633)، شرح السنة للبغوي (5/ 452) (رقم: 1544)، وشرف الدين الدمياطي في "التسلي والاغتباط بثواب من تقدم من الأفراط" (ص: 34) (رقم: 14)، و تهذيب الكمال في أسماء الرجال (8/ 149).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 794) (رقم: 431)، و صحيح الأدب المفرد (ص: 77) (رقم: 108)، مشكاة المصابيح (1/ 549) (رقم: 1752)، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 703) (رقم: 3764)، وصحيح الترغيب والترهيب (2/ 441) (رقم: 1998)

 

من فوائد الحديث:

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (41/ 227)

وقال القرطبي: وفي هذا الحديث ما يدلّ على أن صغار أولاد المؤمنين في الجنة، وهو قول أكثر أهل العلم، وهو الذي تدلّ عليه أخبار صحيحة كثيرة، وظاهر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية [الطور: 21]،

وقد أنكر بعض العلماء الخلاف فيهم، وهذا فيما عدا أولاد الأنبياء، فإنَّه قد تقرّر الإجماع على أنهم في الجنة، حكاه أبو عبد الله المازريّ،

وإنما الخلاف في أولاد المشركين على ما يأتي إن شاء الله تعالى. انتهى ["المفهم" 6/ 642.].

وقال المناويّ رحمه الله: فيه أن أطفال المسلمين في الجنة، وهو إجماع من يُعْتَدّ

به، ولا عبرة بخلاف المجبّرة، ولا حجة لهم في خبر: "الشقيّ من شَقِي في بطن

أمه"؛ لأنه عامّ مخصوص، بل الجمهور على أن أطفال الكفار فيها. انتهى ["فيض القدير" 4/ 194].

 

مسائل أبي الوليد ابن رشد (1/ 585)

والذي يدل عليه الآثار: أن أطفال المسلمين في الجنة، فنحن نعلم ذلك، يقينا، بشهادة الآثار المأثورة بذلك على اختلاف ألفاظها، واتفاق معانيها.

 

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (9/ 432_433):

إِذَا تقرر ذَلِكَ فالأحاديث المذكورة وغيرها دالة عَلَى أن أطفال المسلمين في الجنة، وهو عندي إجماع[2]،

ولا عبرة بالمجبرة حيث جعلوهم تحت المشيئة، فلا يعتد بخلافهم ولا بوفاقهم، وهو قول مهجور مردود بالسنة، وإجماعِ من لا يجوز عليهم الغلط؛ لاستحالة غفران الذنوب للآباء رحمةً لهم دون أولادهم، فإن الآباء رحموا بهم. وسيأتي الكلام في الأطفال في موضعه إن شاء الله.

نعم ذهب جماعة إلى التوقف في أطفال المشركين أن يكونوا في جنة أو نار، منهم: ابن المبارك،، وحماد، وإسحاق وعُدِّي إلى أولاد المسلمين.

وما عارض ذلك فإما ضعيف الإسناد، والأحاديث الصحيحة مقدمة عليها. ومنها حديث سمرة الثابت في الصحيح: حديث الرؤيا: "وأما الولدان حول إبراهيم، فكل مولود يولد على الفطرة" قيل: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ قال: "وأولاد المشركين" [خ م]

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 89)

فِيهِ أَن أَطْفَال الْمُسلمين فِي الْجنَّة بل وَأَطْفَال الْكفَّار على الصَّحِيح

 

يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (4/281):

"لا يشهد لكل معين من أطفال المؤمنين بأنه في الجنة، وإن شهد لهم مطلقاً".

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (6/ 349)

وَفِي هَذِهِ الْآثَارِ مَعَ إِجْمَاعِ الْجُمْهُورِ:

* دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى__اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ

* وَأنَّ الْمَلَكَ يَنْزِلُ فَيَكْتُبُ أَجَلَهُ وَرِزْقَهُ وَيُكْتَبُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَخْصُوصٌ مُجْمَلٌ،

* وَأنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الِاكْتِسَابِ فَهُوَ مِمَّنْ سَعِدَ في بطن أمه ولم يشق بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْإِجْمَاعِ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 581)

(فيأخذ بثوبه) كأنه بعد أن يكسوهم الله تعالى. (فلا ينتهي) عن ملازمة أبيه. (حتى يدخله الله وأباه الجنة) فهذه شفاعة خاصة.

 

تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 12)

وَمِمَّا يرغب فِي الْوَلَد مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَن أبي حسان قَالَ توفّي ابْنَانِ لي فَقلت لأبي هُرَيْرَة سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا تحدثناه تطيب بِهِ أَنْفُسنَا عَن مَوتَانا قَالَ نعم صغارهم دعاميص الْجنَّة يتلَقَّى أحدهم أَبَاهُ أَو قَالَ أَبَوَيْهِ فَيَأْخُذ بِنَاحِيَة ثَوْبه أَو يَده كَمَا آخذ أَنا بصنفة ثَوْبك هَذَا فَلَا يتناهى حَتَّى يدْخلهُ الله وأباه الْجنَّة

 

تفسير الألوسي = روح المعاني (2/ 343)

ومن المعلوم أن الأطفال ليسوا تلك الدويبة في الجنة لكنه أراد صلّى الله عليه وسلم الأخبار بأنهم سياحون في الجنة فعبر بذلك على سبيل التشبيه البليغ، ووصف الطير بالخضر إشارة إلى حسنها وطراوتها

 

عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين بن سعيد إبراهيم الأزدي، الأندلسي الأشبيلي، المعروف بابن الخراط (المتوفى : 581هـ) في الأحكام الكبرى (2/ 552):

"بَاب ثَوَاب من مَاتَ لَهُ ولد."

 

وقال محمد لقمان الصديقي السلفي _رحمه الله_ في "رش البرد شرح الأدب المفرد" (ص ٩٧) :

"فقه الحديث:

1_ إن أطفال المسلمين يدخلون الجنة، ويتجولون فيها، ويدخلون منازلها، ولا يمنعون من موضع فيها." اهـ

 

وقال جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) _رحمه الله_ في "المحاضرات والمحاورات" (ص: 328):

دخّالون في منازلها بغير جنّة، يتلقون آباءهم من أبواب الجنة الثمانية، من أيّها شاء دخل، حيث سلموا من الحنث والإثم والدّخل، ما أثقل الولدَ الصالح في الميزان، وما أنفل غُنْمَه الرابحَ، حيث يفتح لأبيه أبواب الجنان، وما أسرّه إذ يتلقاه بكأس الشراب وهو في الموقف ظمآن، ذلك تخفيف من ربكم لذنوبكم، ورحمة بعباده المؤمنين، {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90]." اهـ

 

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 120)

الدَّعَامِيصُ: جَمْعُ دُعْمُوصٍ، وَهِيَ دُوَيْبَّة تكونُ فِي مُسْتَنقَع الْمَاءِ. والدُّعْمُوصُ أَيْضًا: الدَّخَّال فِي الأمورِ: أَيْ أَنَّهُمْ سَيَّاحُون فِي الْجَنَّةِ دَخَّالُونَ فِي مَنازِلها لَا يُمنَعون مِنْ مَوْضِعٍ، كَمَا أنَّ الصِّبْيان فِي الدُّنْيَا لَا يُمْنَعون مِنَ الدُّخُول عَلَى الحُرَم وَلَا يَحْتَجِبُ مِنْهُمْ أحدٌ.



[1] وقال ابن قرقول الحمزي _رحمه الله_ في "مطالع الأنوار على صحاح الآثار" (3/ 39): "و(دَعَامِيصُ الجَنَّةِ) جمع دُعمُوص، وهي دويبة تكون في الماء." اهـ

[2] نقله ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 348.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين