شرح الحديث 111 - (6 - الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى) -.من صحيح الترغيب

 

111 - (7) [صحيح لغيره موقوف] وعن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أنه قال:

"كيف بكم إذا لبستْكم فتنةٌ، يَربو فيها الصغيرُ، ويَهرَمُ فيها الكبيرُ، وتُتَّخَذُ سنةً، فإن غُيَّرَتْ يوماً قيلَ: (هذا منكرٌ!)"

قيل: ومتى ذلك؟ قال، إذا قلَّت أُمناؤكم، وكَثُرتْ أُمراؤُكُم، وقَلَّتْ فقهاؤكُم، وكَثُرتْ قراؤكم، وتُفُقِّهَ لِغيرِ الدين، والتُمست الدنيا بعملِ الآخرةِ.

رواه عبد الرزاق في "كتابه" (1) موقوفاً.

__________

(1) أي: "المصنَّف" وهو فيه (11/ 352) بإسناد منقطع، فكان الأَوْلى عزوه إلى من وصله بإسناد صحيح، كالدارمي والحاكم وغيرهما.

 

ترجمة ابن مَسْعُود _رضي الله عنه_:

 

قال خير الدين الزِّرِكْلِيُّ _رحمه الله_ في "الأعلام" (4/ 137):

"ابن مَسْعُود (000 - 32 هـ = 000 - 653 م):

"عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن: صحابي، من أكابرهم، فضلا وعقلا، وقربا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم،

وهو من أهل مكة، ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة. وكان خادم رسول الله الامين،___وصاحب سره، ورفيقه في حله وترحاله وغزواته، يدخل عليه كل وقت ويمشي معه. نظر إليه عمرُ يوما وقال: "وعاء ملئ علما." وولي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيت مال الكوفة.

ثم قدم المدينة في خلافة عثمان، فتوفي فيها عن نحو ستين عاما. وكان قصيرا جدا، يكاد الجلوس يوارونه.

وكان يحب الإكثار من التطيب. فإذا خرج من بيته عرف جيران الطريق أنه مر، من طيب رائحته. له 848 حديثا.

وأورد الجاحظ (في البيان والتبيين) خطبة له ومختارات من كلامه." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (11/ 359) (رقم: 20742)، ونُعيم بن حماد في "الفتن" (1/ 41 و 1/ 48) (رقم: 51 و 69)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 452) (رقم: 37156)، والدارمي في "سننه" (1/ 278) (رقم: 191 و 192)، والشاشي في "المسند" (2/ 90) (رقم: 613)، وابن وضاح القرطبي في "البدع" (2/ 72 و 2/ 175) (رقم: 80 و264)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (2/ 594) (رقم: 758)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (1/ 103) (رقم: 123)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (4/ 560) (رقم: 8570، والخطابي في "العزلة" (ص: 84)، وأبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (1/ 136)، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (3/ 618) (رقم: 281)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (9/ 212) (رقم: 6552)، و"المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 453) (رقم: 858)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 654) (رقم: 1135)،  

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في تحريم آلات الطرب (ص: 16)، وفي "قيام رمضان" - الطبعة الثانية 1404هـ (ص: 4)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 155) (رقم: 111).

 

من فوائد الحديث:

 

1_ فيه إخبار بتغير الزمان

 

وقال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن التميمي السمرقندي، الشهير بـ"الدارمي" (المتوفى: سنة 255 هـ) _رحمه الله_ في "سننه" (1/ 278):

"بَابُ تَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَمَا يَحْدُثُ فِيهِ." اهـ

 

حمود بن عبد الله التويجري (المتوفى: 1413 هـ) _رحمه الله_ في "غربة الإسلام" (1/ 30):

"وقد وردت أحاديث كثيرة وآثار بما سيقع في آخر الزمان عند اشتداد غربة الإسلام والسنة؛ من تغيُّر الأحوال وظهور النقص في أمور الدين، وكثرة الشر والفساد.

وقد ظهر مصداق أكثرها من أزمان متطاولة، وما زال الشر يزداد على ممر الأوقات أو كاد أن يتكامل ظهور الجميع في هذه الأزمان كما لا يخفى على من له أدنى علم وفهم للأحاديث ومعرفة بالواقع.

ونذكر من ذلك ما يسره الله _تعالى_ من صحيح، وحسن، وضعيف، مما هو مطابق للواقع، وكفى بالواقع برهانا على صحةِ الضعيفِ مِنْهَا، وشاهدا بخروجه من مشكاة النبوة." اهـ

 

2_ هجر العمل بالقرآن الكريم سبب من أسباب الفتنة

 

وقال أبو أنس محمد بن فتحي آل عبد العزيز _حفظه الله_ في "فتح الرحمن في بيان هجر القرآن" (ص: 261):

"هجر العمل بالقرآن الكريم سبب من أسباب الفتنة، وعلامة من علامات الساعة." اهـ

 

3_ وجوب إخلاص العمل لله _عز وجل_ وترك الرياء

 

وقال أحمد بن الحسين الخُسْرَوْجِردي الْخُرَاسَانِيُّ، المعروف بـ"أبي بكر البيهقي" (المتوفى: 458هـ) _رحمه الله_ في "شعب الإيمان" (9/ 141):

"45_ إخلاص العمل لله _عز وجل_ وترك الرياء." اهـ

 

4_ ذَمِّ الْفَاجِرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَذَمِّ طَلَبِ الْعِلْمِ لِلْمُبَاهَاةِ وَالدُّنْيَا

 

وقال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النَّمَرِيُّ القرطبيُّ، المعروف بـ"ابن عبد البر الأَنْدَلُسِيُّ" (المتوفى: 463هـ) _رحمه الله_ في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (1/ 648):

"بَابُ ذَمِّ الْفَاجِرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَذَمِّ طَلَبِ الْعِلْمِ لِلْمُبَاهَاةِ وَالدُّنْيَا." اهـ

 

5_ آفَةُ الْعلْمِ ذهَابُ أَهْلِهِ

 

محمد بن علي بن محمد الأصبحي الأندلسي، أبو عبد الله، شمس الدين الغرناطي ابن الأزرق (المتوفى: 896 هـ) _رحمه الله_ في "بدائع السلك في طبائع الملك" (2/ 451):

"قَالَ الْخطابِيّ:

"قد أعْلَمَ _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_ أَن آفَة الْعلم ذهَابُ أَهْلِهِ وانتحالُ الْجُهَّال لَهُ وترؤُّسُهم على النَّاس باسمه،

وحذَّر النَّاسَ أَن يقتدوا بِمن كَانَ من أهل هَذِه الصّفة، وَأخْبَرَ أنهم ضُلاَّلٌ مُضِلُّوْنَ." اهـ

 

6_ فيه تَغَيُّرِ الْبِدَعِ

 

وقال أبو عبد الله محمد بن وضاح المرواني القرطبي (المتوفى: 286هـ) _رحمه الله_ في "البدع" (2/ 78): "بَابُ تَغَيُّرِ الْبِدَعِ." اهـ

 

وقال محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي، الشهير بـ"ابْنِ الْحَاجِّ" (المتوفى: 737 هـ) _رحمه الله_ في "المدخل" (1/ 66_67):

"وَمِنْ كِتَابِ (مَرَاقِي الزُّلْفَى) لِلْإِمَامِ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ _رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى_ قَالَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ يَنْسِبُ الْحِكْمَةَ لِغَيْرِ أَهْلِهَا:

"أَمَّا الْحِكْمَةُ فَقَدْ صَارَ هَذَا الِاسْمُ يُطْلَقُ عَلَى الطَّبِيبِ، وَعَلَى الشَّاعِرِ، وَعَلَى الْمُنَجِّمِ حَتَّى عَلَى الَّذِي يُخْرِجُ الْقُرْعَةَ وَاَلَّذِي يَجْلِسُ عَلَى شَوَارِعِ الطُّرُقِ لِلْحِسَابِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ،

وَالْحِكْمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الَّتِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهَا فَقَالَ: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] ،

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَلِمَةٌ مِنْ الْحِكْمَةِ يَتَعَلَّمُهَا الرَّجُلُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الدُّنْيَا»[1].

ثُمَّ قَالَ:

"وَانْظُرْ كُلَّ مَا ارْتَضَاهُ السَّلَفُ مِنْ الْعُلُومِ قَدْ انْدَرَسَ وَمَا رَكِبَ النَّاسُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ فَأَكْثَرُهُ مُبْتَدَعٌ مُحْدَثٌ،

وَقَدْ صَحَّ قَوْلُ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ: وَمَنْ الْغُرَبَاءُ؟ فَقَالَ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ سُنَّتِي وَاَلَّذِينَ يُحْيُونَ مَا أَمَاتُوهُ مِنْ سُنَّتِي» [ت: ضعيف الجامع الصغير وزيادته (ص: 208) (رقم: 1441)]

وَفِي خَبَرٍ آخَرَ مَرْوِيٍّ «هُمْ الْمُتَمَسِّكُونَ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ الْيَوْمَ»[2].

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «نَاسٌ قَلِيلُونَ صَالِحُونَ بَيْنَ نَاسٍ كَثِيرٍ مَنْ يَبْغُضُهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُحِبُّهُمْ» ،

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إذَا رَأَيْتُمْ الْعَالِمَ كَثِيرَ الْأَصْدِقَاءِ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ مُخْلِطٌ؛ لِأَنَّهُ___إنْ نَطَقَ بِالْحَقِّ أَبْغَضُوهُ انْتَهَى." اهـ

 

[تعليق] ففي "مسند أحمد" – ط. عالم الكتب (2/ 177) (رقم: 6650):

عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: "طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ." فَقِيلَ : "مَنِ الْغُرَبَاءُ، يَا رَسُولَ اللهِ؟" قَالَ: "أُنَاسٌ صَالِحُونَ، فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ. مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ."

حديث حسن صحيح: حسنه الأرنؤوط في مسند أحمد ط الرسالة (11/ 230) (رقم: 6650)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (4/ 153) (رقم: 1619)

 

7_ فِي الْحَثِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ واتِّبَاعِ الْآثَارِ

 

وقال أبو عبد الله محمد بن وضاح المرواني القرطبي (المتوفى: 286هـ) _رحمه الله_ في "البدع" (2/ 87): "مَا جَاءَ فِي اتِّبَاعِ الْآثَارِ." اهـ

 

وقال أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري الرازي، الشهير بـ"اللالكائِيِّ" (المتوفى: 418 هـ) _رحمه الله_ في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (1/ 82):

"سِيَاقُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فِي الْحَثِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَالْخَالِفِينَ لَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ_." اهـ

 

وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206 هـ) _رحمه الله_ في "أصول الإيمان" (ص: 262):

"بابٌ: تحريضُه _صلى الله عليه وسلم_ على لزوم السنة، والترغيبُ في ذلك، وترك البدع، والتفرقِ والاختلافِ، والتحذيرُ من ذلك." اهـ

 

8_ إِعْلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ أَمْرَ الْفِتَنِ

 

أبو عبد الله عبيد الله بن محمد، المعروف بـ"ابن بَطَّة العُكْبَرِيِّ" (المتوفى: 387 هـ) _رحمه الله_ في "الإبانة الكبرى" (2/ 577):

"بَابُ إِعْلَامِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أُمَّتَهُ أَمْرَ الْفِتَنِ الْجَارِيَةِ، وَأَمْرِهِ لَهُمْ بِلُزُومِ الْبُيُوتِ، وَفَضْلِ الْقُعُودِ، وَلُزُومِ الْعُقَلَاءِ بُيُوتَهُمْ، وَتَخَوُّفِهِمْ عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَصِيَانَتِهِمْ لِأَلْسِنَتِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ." اهـ

 

9_ ذِكْرِ آخِرِ الزَّمَانِ، وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَأَمَارَاتُهَا

 

ترتيب الأمالي الخميسية للشجري (2/ 351):

"فِي ذِكْرِ آخِرِ الزَّمَانِ، وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَأَمَارَاتُهَا، وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ." اهـ

 

وقال محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420 هـ) _رحمه الله_ في "قيام رمضان" (ص: 4_5):

"فقد صح عن ابن مسعود موقوفاً، وهو مرفوع إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ حُكْماً أنه قال:

"كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير, ويربو فيها الصغير, ويتخذها الناس سنة, إذا ترك منها شيء" قيل: تركت السنة؟ قالوا: ومتى ذاك؟ قال: "إذا ذهبت علماؤكم, وكثرت قُراؤكم, وقَلَّت فقهاؤكم, وكَثُرت أمراؤكم, وقلَّتْ أمناؤكم, والتُمِسَتِ الدنيا بعمل الآخرة, وتُفُقهَ لغير الدين". [رواه الدارمي 1/64 بإسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن، والحاكم 4/514 وغيرهما]

قلت: وهذا الحديث من أعلام نبوته _صلى الله عليه وسلم_ وصدْقِ رسالته. فإن كل فقرة من فقراته قد تحقق في العصر الحاضر، ومن ذلك: كثرةُ البدعِ، وافتتانُ الناسِ بِهَا حتى اتخذوها سنةً، وجعلوها ديناً___يُتَّبع. فإذا أعرض عنها أهل السنةِ حقيقةً إلى السنة الثابتة عنه _صلى الله عليه وسلم_، قيل: (تُركت السنة!)." اهـ

 

وقال عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن السلمان (المتوفى: 1422 هـ) _رحمه الله_ في "موارد الظمآن لدروس الزمان" (5/ 284):

"فَهَذَا الحَدِيثُ عَلَمٌ مِنْ أَعْلامِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِدْقِ رِسَالَتِهِ، فَإِنَّ كُلَّ فَقَرَةٍ مِنْ فَقَرَاتِهِ قَدْ تَحَقَّقَتْ فِي العَصْرِ الحَاضِرِ: عَصْرِ المَلاهِي وَالمُنْكَرَاتِ وَالفِتَنِ، وَالشُّرُورِ، وَالسُّفُورِ، والتلفزيون، والفِيْدِيُوَاتِ وَالمذَايِيْعِ وَالكُرَاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَلْهَى وَأَشْغَلَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ." اهـ

 

ومن فوائد الحديث:

 

أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي _حفظه الله_ في "سلسلة الآثار الصحيحة" = "الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين" (1/ 92):

فقه الأثر:

"* فيه: تشخيصٌ دقيق لواقعنا في هذا الزمان من تبدّل الحال على ما كان عليه الزمن الأول؛ زمن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه.___

* أن العبرة ليست بكثرة العُبّاد والقرّاء، بل العبرة بفقه هذه العبادة والقراءة والعمل بها وتنزيلها في الحياة.

وأدلّ دليلٍ على هذا؛ حال الخوارج -وقد وصفهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بكثرة العبادة والقراءة، لكن هذه العبادة والقراءة لم تنفعهم، إذ هم: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية." [خ م]

فالعبرة إذًا بموافقة السنة، والله الموفق.

* فيه: أن الناس إذا اعتادوا أمرًا جعلوه سنة، وهذا مشاهد في عصرنا؛ إذ فشت البدع وسمّيت سننًا، فإذا جاء السُّنيُّ ينكرها أنكر الناس عليه ذلك واتهموه في دينه. وإذا أتى يقيم السنة استنكروا واستغربوا، كأنها بدعةٌ تقام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

* وفيه أيضًا: تشخيص لحال الفقهاء والقراء الذين اتخذوا هذا الأمر مهنة ووظيفة، فالتمسوا الدنيا بعمل الآخرة، فصارت النيات زائغة عند الكثير، فهو يريد أن يكون قارئًا كي يدُرَّ عليه من المال الوفير، وآخر إن رُتّب له راتب من المال، دعا إلى الله، وإلا فلا!!

وهذا الأثر يعدُّ من أعظم الآثار الواردة عن الصحابة وأجلّها، وفيه فوائد وعبر كثيرة غير ما ذكرنا، وهذا ما فتح أدنه به، والحمد الله أولًا وآخرًا." اهـ

 

وقال عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن السلمان (المتوفى: 1422هـ) _رحمه الله_ في "موارد الظمآن لدروس الزمان" (5/ 284):

"وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليوم يَتَعَلَّمُونَ لأجْلِ الحُصُولَ عَلَى شَهَادَةَ المَاجِسْتِير أَو الدكتوراه أو البكاريُوس أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لا لأجْلِ إِزَالَةِ الجهل عن نفسِهِ، وَنَفْع المسلمين بِتَعْلِيمهم، بل لأجلِ الدُّنْيَا، فَهْوَ تَعَلُّمٌ لِغَيْرِ الدِّينَ. نسأل الله العافية وهؤلاء يَنْطَبِقُ عليهم قول الشاعر:

... هَوِّنْ عَلَيْكَ فَمَا تَعْدُ شَهَادَتُهُمْ ... جَوَازَ سَفْرٍ إِلَى نَيْلِ الوُرَيْقَاتِ." اهـ

 

وقال أحمد بن محمد بن علي بن حجر السعدي الأنصاري، المعروف بـ"الهيتمي" (المتوفى: 974 هـ) _رحمه الله_ في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 151):

"الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: تَعَلُّمُ الْعِلْمِ لِلدُّنْيَا." اهـ

 

الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 64)

وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:

"مَا لِي أَرَى عُلَمَاءَكُمْ يَذْهَبُونَ. وَلَا أَرَى جُهَّالَكُمْ يَتَعَلَّمُونَ، مَا لِي أَرَاكُمْ تَحْرِصُونَ عَلَى مَا قَدْ تَكَفَّلَ لَكُمْ، وَتَدَعُونَ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ، تَعَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَرَفْعُ الْعِلْمِ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ، لَأَنَا أَعْلَمُ بِشِرَارِكُمْ مِنْ الْبَيْطَارِ بِالْفَرَسِ هُمْ الَّذِينَ لَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إلَّا دَبْرًا، وَلَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ إلَّا هَجْرًا، وَلَا يَعْتِقُ مُحَرَّرُوهُمْ." اهـ



[1]  وقال محمود الحداد في "تخريج أحاديث إحياء علوم الدين" (1/ 142) (رقم: 116):

(وقال - صلى الله عليه وسلم - كلمة من الحكمة يتعلمها الرجل خير له من الدنيا وما فيها)

قال العراقي: تقدم بنحوه اهـ

وكأنه يشير إلى ما ذكره المصنف أول باب من العلم يتعلمه الرجل خير له من الدنيا وما فيها، وذكر أنه موقوف على الحسن البصري أو إلى حديث كلمة من الخير يسمعها المؤمن فيعمل بها ويعلمها خير له من عبادة سنة وذكر أنه من مراسيل زيد بن أسلم وقد أخرج الديلمي عن أبي هريرة كلمة حكمة يسمعها الرجل خير له من عبادة سنة، وسنده ضعيف.

قال ابن السبكي: (6/ 288) لم أجد له إسناداً." اهـ

[2]  وما وقفت عليه، والله المستعان

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين