الحديث الثاني والعشرون من كتاب أربعين حديثا في التربية والمنهج

 

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان _حفظه الله_ في "أربعون حديثا في التربية والمنهج" (50-51):

 

الحديث الثاني والعشرون

 

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول اللہ ﷺ: «ما أدري تبع(۱) أنبيا كان أم لا؟ وما أدري ذا القرنين(٢) أنبيا كان أم لا؟ وما أدري الحدودَ كفاراتٍ لأهلها أم لا؟»(3)

 

قوله: «ما أدري تبع... وما أدري... وما أدري»:

 فيه : عظیم خشية النبي ﷺ من القول على الله تعالى بلا علم.

 وفيه : مبادرة النبي ﷺ إلى التمثل بها أمره به ربه ر وبها نهاه عنه. * ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أوليك كان عنه مسئولا ه.

 

قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: «كان رسول الله ﷺ إمام المسلمين وسيد العالمين يسأل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي من السّاء».

 

وقال أيضا:

«من فقه العالم أن يقول: لا أعلم، فإنه عسى أن يهيأ له الخير»(4).

 

وفيه: أن على دعاة الخير الحذر من القول بلا علم.

 وفيه: عظيم تلبيس إبليس على من ظن أن قوله «لا أدري» فيه منقصة له ووضعا لمنزلته، بل فيه رفعة له وسلامة لدينه من الإثم.

 وفيه: فضل العلم وتعليم الناس قصص القرآن. 

وفيه : الحذر من الأخبار المكذوبة والأقوال المبنية على غير علم في كتب التفسير.

 

_____________________

 

(۱) هو تبع الأوسط، واسمه أسعد أبو كريب بن ملك يكرب الياني، ذكروا أنه ملك على قومه ثلاثمائة سنة وستا وعشرين سنة، ولم يكن في حمير أطول مدة منه، وتوفي قبل مبعث رسول الله ﷺ بنحو من سبعمائة سنة.

«تفسير ابن كثير» (4/ 183) تحت قوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [الدخان: 37]

 

(۲) اختلف فيه وفي السبب الذي سُمي لأجله ذا القرنين،

وقد ذكر ابن كثير الخلاف في ذلك، وقال: «والصحيح: أنه كان ملكا من الملوك العادلين. وقيل: كان نبيا. وقيل: رسولا. وأغرب من قال: ملكا من الملائكة... وقد ذكر الأزرقي وغيره: أن ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم الخليل ﷺﷺﷺ وطاف معه بالكعبة المكرمة هو وإسماعيل ». باختصار من «البداية والنهاية» (۱۰۳/۲).

 

(3) أخرجه الحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة». وصححه الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 66).

 

(4) «الآداب الشرعية» لابن مفلح (٢/ ٦٤).

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 92) (رقم: 104): 

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالُوا: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَ مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: 

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

«مَا أَدْرِي تُبَّعٌ أَنَبِيًّا كَانَ أَمْ لَا؟ وَمَا أَدْرِي ذَا الْقَرْنَيْنِ أَنَبِيًّا كَانَ أَمْ لَا؟ وَمَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا؟» . 

«هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ»

 

وأخرجه: الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/ 17 و 2/ 488) (رقم: 2174 و 3682)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 570) (رقم: 17595)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 828) (رقم: 1553):

 

جامع بيان العلم وفضله (2/ 828):

زَعَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ انْفَرَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ،

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: «حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ وَهُوَ أَثْبَتُ وَأَصَحُّ إِسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا»

 

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (5/ 252/ 2217)

(فائدة):

قال ابن عساكر: "وهذا الشك من النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يبين له أمره، ثم أخبر أنه كان مسلما، وذاك فيما أخبرنا ... ".

ثم ساق إسناده بحديث: لا تسبوا تبعا فإنه قد كان أسلم ". أخرجه هو، وأحمد (5/

340) عن ابن لهيعة حدثنا أبو زرعة عمرو بن جابر عن سهل بن سعد مرفوعا.

وأبو زرعة وابن لهيعة ضعيفان. لكن للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن على أقل الدرجات، كما سيأتي بيانه إن شاء الله برقم (2423) .

قلت: ونحوه قول الهيثمي: "يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قاله في وقت لم يأته فيه العلم عن الله، ثم لما أتاه قال ما رويناه في حديث عبادة وغيره ". يعني قوله صلى الله عليه وسلم: "... ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له...". أخرجه الشيخان وغيرهما." اهـ

 

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (5/ 253)

(تنبيه):

وقع في " المستدرك " في الموضع الأول منه " تبع أنبيا "، وأظنه خطأ من بعض نساخ " المستدرك " أو الطابع، والصواب ما أثبتناه، وهو رواية البيهقي عن الحاكم، وكذلك هو في رواية الآخرين عن عبد الرزاق، وفي رواية آدم بن أبي إياس أيضا.

ووقع في " الفتح الكبير " (3 / 78) معزوا لإحدى روايتي الحاكم: " عزير " بدل " لقمان "، وهو خطأ مخالف لروايتي الحاكم كلتيهما، ولرواية الآخرين، اللهم إلا قول ابن عساكر في آخر الحديث: " وقال غيره: عزير "،

ولم أدر من عنى، ولكنه روي ذلك في الشاهد الذي سبقت الإشارة إليه. والله أعلم." اهـ

 

قلت: أشار الشيخ الألباني إلى ما أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/ 17 و 2/ 488) (رقم: 2174 و 3682)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 570) (رقم: 17595):

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أنبأ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنبأ مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَدْرِي تُبَّعٌ أَلَعِينًا كَانَ أَمْ لَا؟ وَمَا أَدْرِي ذُو الْقَرْنَيْنِ أَنَبِيًّا كَانَ أَمْ لَا؟ وَمَا أَدْرِي الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا "

 

وفي السنن الكبرى للبيهقي (8/ 571)

فَإِنْ صَحَّ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فِي وَقْتٍ لَمْ يَأْتِهِ فِيهِ الْعِلْمُ عَنِ اللهِ , ثُمَّ لَمَّا أَتَاهُ قَالَ مَا رُوِّينَاهُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ وَغَيْرِهِ.

وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فِي قِصَّةِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ ,

ثُمَّ رُوِّينَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي قِصَّةِ الْجُهَنِيَّةِ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ وَصَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:

"يَا رَسُولَ اللهِ تُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ:

"لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ , وَهَلْ وَجَدْتَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ؟"

وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ , عَنْ أَبِيهِ , فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ فِي التَّوَقُّفِ فِي أَمْرِهِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً , ثُمَّ أَمَرَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ لِمَاعِزٍ , مَا هُوَ شَبِيهٌ بِمَا ذَكَرْنَا , وَاللهُ أَعْلَمُ

وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ, فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ , فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ , إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ, أَخَذَهُ عَمَّنْ تَقَدَّمَ إِسْلَامُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ , وَاللهُ أَعْلَمُ." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين