شرح الحديث 76 من باب اليقين والتوكل - رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

[76] الثالث : عن ابن عباس _رضي الله عنهما أيضاً_ قَالَ :

(حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ)،

قَالَهَا إِبرَاهيمُ _صلى الله عليه وسلم_ حِينَ أُلقِيَ في النَّارِ، وَقَالَها مُحَمَّدٌ _صلى الله عليه وسلم_ حِينَ قَالُوا:

{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} [آل عمران: 173]." رواه البخاري.

 

وفي رواية لَهُ : عن ابن عَبَّاسٍ _رضي الله عنهما_ قَالَ :

"كَانَ آخر قَول إبْرَاهِيمَ _صلى الله عليه وسلم_ حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ : "حَسْبِي الله ونِعْمَ الوَكِيلُ".

 

ترجمة عبد الله بن عباس _رضي الله عنهما_:

 

وفي "سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 331_359) للذهبي باختصار:

"عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ البَحْرُ أَبُو العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ * (ع):

حَبْرُ الأُمَّةِ، وَفَقِيْهُ العَصْرِ، وَإِمَامُ التَّفْسِيْرِ، أَبُو العَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ، ابْنُ___عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ (شَيْبَةَ) بنِ هَاشِمٍ (وَاسْمُهُ: عَمْرُو) بنُ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَكِّيُّ، الأَمِيْرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

مَوْلِدُهُ: بِشِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ، قَبْلَ عَامِ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.

صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْواً مِنْ ثَلاَثينَ شَهْراً، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ.

انتَقَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ أَبَويهِ إِلَى دَارِ الهِجْرَةِ سَنَةَ الفَتْحِ، وَقَدْ أَسْلَمَ قَبلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:

"كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ؛ أَنَا مِنَ الوِلْدَانِ، وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ."

قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: تُوُفِّيَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَنَةَ ثَمَانٍ (68 هـ)، أَوْ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ (67 هـ). وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَالهَيْثَمُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ.

وَقِيْلَ: عَاشَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.

و(مُسْنَدُهُ): أَلْفٌ وَسِتُّ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ (1660) حَدِيثاً.

وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ): خَمْسَةٌ وَسَبْعُوْنَ (75). وَتَفَرَّدَ: البُخَارِيُّ لَهُ بِمائَةٍ وَعِشْرِيْنَ (120) حَدِيثاً، وَتَفَرَّدَ: مُسْلِمٌ بِتِسْعَةِ أَحَادِيْثَ." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

[76] الثالث : عن ابن عباس _رضي الله عنهما أيضاً_ قَالَ :

(حَسْبُنَا اللهُ، وَنِعْمَ الوَكِيلُ)[1]،

قَالَهَا إِبرَاهيمُ _صلى الله عليه وسلم_ حِينَ أُلقِيَ في النَّارِ، وَقَالَها مُحَمَّدٌ _صلى الله عليه وسلم_ حِينَ قَالُوا:

{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} [آل عمران: 173]." رواه البخاري.

 

ومن المراد بـ(الناس)؟

ففي "زاد المسير في علم التفسير" (1/ 349) لابن الجوزي:

"قوله _تعالى_: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ)

في المراد بـ(الناس) ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم ركب لقيهم أبو سفيان، فضمن لهم ضماناً لتخويف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، قاله ابن عباس، وابن إسحاق. والثاني: أنه نعيم بن مسعود الأشجعي، قاله مجاهد، وعكرمة، ومقاتل في آخرين. والثالث: أنهم المنافقون، لمّا رأوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتجهز، نهوا المسلمين عن الخروج، وقالوا: إن أتيتموهم في ديارهم، لم يرجع منكم أحد، هذا قول السدي." اهـ

 

وفي فتح الباري لابن حجر (8/ 229):

"قَوْلُهُ (حِينَ قَالُوا إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فِيهِ): إِشَارَة إِلَى مَا أخرجه بن إِسْحَاقَ مُطَوَّلًا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجَعَ بِقُرَيْشٍ بَعْدَ أَنْ تَوَجَّهَ مِنْ أُحُدٍ فَلَقِيَهُ مَعْبَدٌ الْخُزَاعِيُّ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ وَقَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْ أُحُدٍ وَنَدِمُوا فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ فَرَجَعُوا وَأَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ نَاسًا فَأَخْبَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ يَقْصِدُونَهُمْ فَقَالَ: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)."

 

وفي رواية لَهُ : عن ابن عَبَّاسٍ _رضي الله عنهما_ قَالَ :

"كَانَ آخر قَول إبْرَاهِيمَ _صلى الله عليه وسلم_ حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ : "حَسْبِي الله ونِعْمَ الوَكِيلُ".

 

التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 80)

"الوَكِيلُ": هو الكفيل بأرزاق عباده، وحقيقته: أنه الذي يستقل بأمر الموكول إليه، ومنه قوله تعالى: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)}

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 431)

(الوكيل) القائم بأمور عباده المتكفل بمصالحهم. وقال الجزري: الوكيل هو الكفيل بأرزاق العباد وحقيقته أنه الذي يستقل بأمر الموكول إليه ومنه قوله تعالى: {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} [آل عمران: 173]

 

التَّوَكُّلُ عَلَى غَيْرِ اللهِ تَعَالَى يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:

1) التَّوَكُّلُ فِي الأُمُوْرِ الَّتِيْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللهُ - كَالَّذِيْنَ يَتَوَكَّلُوْنَ عَلَى الأَمْوَاتِ وَالطَّوَاغِيْتِ فِي تَحْصِيْلِ مَطَالِبِهِم مِنْ نَصْرٍ أَوْ حِفْظٍ أَوْ رِزْقٍ أَوْ شَفَاعَةٍ - فَهَذَا شِرْكٌ أَكْبَرٌ.

2) التَّوَكُّلُ فِي الأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ، كَمَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى أَمِيْرٍ أَوْ سُلْطَانٍ فِيْمَا أَقْدَرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ رِزْقٍ أَوْ دَفْعِ أَذَىً وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَهُوَ نَوْعُ شِرْكٍ أَصْغَرٍ؛ مِثْلُ اعْتِمَادِ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى وَظِيفَتِهِم فِي حُصُوْلِ رِزْقِهِم، ولِهَذَا تَجِدُ الإِنْسَانَ مِنْهُم يَشْعُرُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُعْتَمِدٌ عَلَى هَذَا اعْتِمَادَ افْتِقَارٍ.

الفَرْقُ بَيْنَ التَّوَكُّلِ وَالوَكَالَةِ:

* التَّوَكُّلُ هُوَ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ، بَيْنَمَا الوَكَالَةُ - وَهِيَ جَائِزَةٌ - فَهِيَ إِقَامَةُ الشَّخْصِ غَيرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا[2]، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ فِي حُصُوْلِ مَا وَكَلَهُ بِهِ اعْتِمَادًا قَلبِيًّا، بَلْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ فِي تَيْسِيْرِ أَمْرِهِ الَّذِيْ يَطْلُبُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ - وَيَعُدُّ ذَلِكَ الشَّخْصَ مِنْ جُمْلَةِ الأَسْبَابِ الَّتِيْ يَجُوْزُ فِعْلُهَا - فَيَكُوْنُ رَجَاؤُهُ وَدُعَاؤُهُ وَتَعَلُّقُهُ مَحْصُوْرًا فِي اللهِ تَعَالَى." اهـ

 

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 114):

"قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: التَّوَكُّلُ عَمَلُ الْقَلْبِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ. لَيْسَ بِقَوْلِ اللِّسَانِ، وَلَا عَمَلِ الْجَوَارِحِ، وَلَا هُوَ مِنْ بَابِ الْعُلُومِ وَالْإِدْرَاكَاتِ.

 

"التَّوَكُّلُ الصَّحِيْحُ لَا بُدَّ فِيْهِ مِنْ أَمْرَيْنِ:

الأوَّلُ: أَنْ يَكُوْنَ الاعْتِمَادُ عَلَى اللهِ اعْتِمَادًا صَادِقًا حَقِيْقِيًّا.

الثَّانِي: فِعْلُ الأَسْبَابِ المَأْذُوْنِ فِيْهَا. فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ تَوَكُّلَهُ عَجْزًا فَيَتْرُكَ الأَسْبَابَ، وَأَيْضًا أَنْ لَا يَجْعَلَ عَجْزَهُ تَوَكُّلًا - أَي صَارَ مُدَّعِيًا لِلتَّوَكُّلِ عِنْدَمَا فَقَدَ الأَسْبَابَ -.

ومَنْ جَعَلَ أَكْثَرَ اعْتِمَادِهِ عَلَى الأَسْبَابِ؛ نَقَصَ بِذَلِكَ تَوَكُّلُهُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَيَكُوْنُ ذَلِكَ قَدْحًا فِي كِفَايَةِ اللهِ تَعَالَى لَهُ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ السَّبَبَ وَحْدَهُ هُوَ العُمْدَةَ فِيْمَا يَرْجُوْهُ مِنْ حُصُوْلِ المَطْلُوْبِ.

وَأَيْضًا مَنْ جَعَلَ اعْتِمَادَهُ عَلَى اللهِ مُلْغِيًا لِلأَسْبَابِ؛ فَقَدْ طَعَنَ فِي حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ المُتَوكِّلَيْنَ؛ وَمَع ذَلِكَ كَانَ يَأْخُذُ بِالأَسْبَابِ، فَكَانَ يَأْخُذُ الزَّادَ فِي السَّفَرِ، وَلَمَّا خَرَجَ إِلَى غَزْوَةِ أُحُدٍ ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَلَمَّا خَرَجَ مُهَاجِرًا أَخَذَ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيْقِ." اهـ[3]

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (6/ 39) (رقم : 4563)، والنسائي في "السنن الكبرى" (رقم : 10364 و 11015)، عمل اليوم والليلة للنسائي (ص: 393) (رقم: 603)، وابن أبي الدنيا في "التوكل على الله" (ص: 61) (رقم: 31)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 818) (رقم: 4521)، وابن المنذر في "تفسيره" - ط. دار المآثر (2/ 504/ 1197)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (2/ 326) (رقم: 3167)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 354) (رقم : 1047)، وفي "الأسماء والصفات" (1/ 212) (رقم: 146)، وفي "دلائل النبوة" (3/ 317)، والخطيب في "تاريخ بغداد" – ت. بشار (12/ 371) (رقم: 3617)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (6/ 189)، والبغوي في "تفسيره"  - ط. المعرفة (1/ 375).[4]

 

 

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "تخريج الكلم الطيب" (ص: 121) (رقم: 129)

 

من فوائد الحديث :

 

وقال يحيى بن هُبَيْرَة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560هـ) _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (3/ 215):

* "من قال بلسانه (حَسْبِيَ اللهُ)، فينبغي أن يُوْقِنَ بذلك الذي نطق به، فإن اضطربتْ نفسه في ذلك، فقال إذَنْ: (ونعم الوكيل).

وقد اتفق على هذه الكلمة نبيانِ عظيمان: محمد الحبيب وإبراهيم الخليل _صلى الله عليهما_. [انظر: التعليق]

* ويعني بالوكيل أنه كلما يغيب عنه العبد، فإن الله _سبحانه_ شاهده، فمن اتخذ ربه وكيلاً كما قال _تعالى_ : {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل: 9]،

فإن مِنْ شرْطِ هذا الاتخاذِ أنه إذا قضى لعبده قضاء يكون راضيًا بالقضاء في تلك الوكالة محسنًا ظنًا غير مسي له؛ فإن الله _تعالى_ لا يختار له إذا اتخذه وكيلاً إلا الأفضل والأجود، لا سيما وقد جربْتَ أيها الإنسان كيف يَتَنَكَّبُ القَدَرُ اختياراتِك الدنِيَّةَ، وأَبْدَلَكَ بها الأمور العلية غَيْرَ راضٍ أن يجعل إحسانه إليك تابعًا لسوء اختيارك." اهـ

 

[تعليق]

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (1/ 554_555):

"وإبراهيم ومحمد_ علهما الصلاة والسلام_ هما خليلان لله _عز وجل_. قال الله _تعالى_ : (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء: من الآية125)

وقال النبي _صلي الله عليه وسلم_ : ((إن الله قد اتخذ خليلا كما أتتخذ إبراهيم خليلا))

والخليل : معناه الحبيب الذي بلغت محبته الغاية، ولا نعلم إن أحد وصف بهذا الوصف إلا محمدا _صلي الله عليه وسلم_ وإبراهيمَ، فهما الخليلان. وإنك تسمع أحيانا يقول بعض الناس : "إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله، وموسى كليم الله".___

والذي يقول : "إن محمدا حبيب الله" في كلامه نظر، لان الخلة أبلغ من المحبة،

فإذا قال: محمد حبيب الله، فهذا فيه نوع نقص من حق الرسول _عليه الصلاة والسلام_، لان أحباب الله كثيرون، فالمؤمنون يحبهم الله، والمحسنون والمقسطون يحبهم الله، والأحباب كثيرون لله. لكن الخلة لا نعلم أنها ثبتت إلا لمحمد وإبراهيم _عليهم الصلاة والسلام_،

وعلي هذا فنقول : الصواب أن يقال: إبراهيم خليل الله، ومحمد خليل الله، ومسي كليم الله _عليهم الصلاة والسلام_. على أن محمدا _صلي الله عليه وسلم_ قد كلمه الله _سبحانه وتعالى_ كلاما بدون واسطة، حيث عرج به إلى السماوات السبع." اهـ

 

وقال زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795 هـ) _رحمه الله_ في "شرح حديث (لبيك اللهم لبيك)" (ص: 122_123):

"فَإِذا وفْق الله عبدا، توكل بحفظه وكلائته وهدايته وإرشاده وتوفيقه وتسديده. وَإِذا أخذله، وَكله إِلَى نَفسه أَو إِلَى غَيره وَلِهَذَا كَانَت هَذِه الْكَلِمَة (حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل) كلمةً عَظِيمَةً،

وَهِي الَّتِي قَالَهَا إِبْرَاهِيم _عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام_ حِين ألقِي فِي النَّار، وَقَالَهَا مُحَمَّد رَسُول الله _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_ حِين قَالَ لَهُ النَّاس : "إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ" فَزَادَهُم إِيمَانًا، وَقَالُوا : "حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل"،

وقالتها عَائِشَة حِين ركبت النَّاقة لما انْقَطَعت عَن الْجَيْش وَهِي كلمة الْمُؤمنِينَ.

فَمن حقق التَّوَكُّل على الله لم يكله إِلَى غَيره وتولاه بِنَفسِهِ.___

وَحَقِيقَة التَّوَكُّل: تكل الْأُمُورَ كلهَا إِلَى من هِيَ بِيَدِهِ. فَمن توكل على الله فِي هدايته وحراسته وتوفيقه وتأييده وَنَصره ورزقه وَغير ذَلِك من مصَالح دينه ودنياه تولى الله مَصَالِحه كلهَا فَإِنَّهُ تَعَالَى ولي الَّذين آمنُوا وَهَذَا هُوَ حَقِيقَة الوثوق برحمة الله " اهـ

 

[تعليق]

وقال محمد بن عبد العزيز السليمان القرعاوي _حفظه_ في "الجديد في شرح كتاب التوحيد" (ص: 305):

"التوكل: هو اعتماد القلب على الله إيمانا بكفايته سبحانه لعبده، وللتوكل على غير الله ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يتوكل على مخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الخالق: وهذا شرك أكبر.

وثانيها: أن يتوكل على المخلوق فيما يقدر عليه مع تعلق القلب به في جلب المنفعة ودفع المضرة: وهذا شرك أصغر.

وثالثها: أن يعتمد على المخلوق فيما يقدر عليه بدون أن يتعلق القلب به في جلب المنفعة ودفع المضرة: فهذا جائز كالاعتماد على شخص في بيع أو غيره. والتوكل نصف الدين ونصفه الآخر الإنابة، والتوكل لا ينافيه فعل الأسباب، بل فعل الأسباب علامة على صحة الإيمان." اهـ

 

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (1/ 555):

"إن إبراهيم _عليه الصلاة والسلام_ دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأبوا، وأصروا علي الكفر والشرك.

فقام ذات يوم علي أصنامهم فكسرها، وجعلهم جذاذا، إلا كبيرا لهم. فلما رجعوا، وجدوا آلهتهم كُسِّرَتْ، فانتقموا_ والعياذ بالله_ لأنفسهم.

فقالوا ما نصنع بإبراهيم؟ (قَالُوا حَرِّقُوهُ) (الأنبياء: من الآية68) انتصارا لآلهتهم (وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) (الأنبياء: من الآية 68)

فأوقدوا نارا عظيمة جدا، ثم رَمَوْا إبراهيم في هذه النار. ويقال: إنهم لعظم النار لم يتمكنوا من القرب منها، وأنهم رموا إبراهيم فيها بالمنجنيق من بعد، فلما رموه قال : ((حسبنا الله ونعم الوكيل))

فما الذي حدث؟___

قال الله تعالى : (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء: 69) ، بردا: ضد حر، وسلاما: ضد هلاكا، لان النار حارة ومحرقة ومهلكة،

فأمر الله هذه النار إن تكون بردا وسلاما عليه، فكانت بردا وسلاما." اهـ

 

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (1/ 557):

"فينبغي لكل إنسان رآى من الناس جمعا له، أو عدوانا عليه، أن يقول: ((حسبنا الله ونعم الوكيل))،

فإذا قال هكذا كفاه الله شرهم[5]، كما كفي إبراهيم ومحمدا _عليهما الصلاة والسلام_، فاجعل هذه الكلمة دائمًا علي بالك، إذا رأيت من الناس عدوانا عليك فقل : ((حسبي الله ونعم الوكيل)) يَكْفِكَ الله _عز وجل_ شرهم وهمهم. والله الموفق." اهـ

 

وقال حمزة بن محمد بن قاسِمٍ الْمَغْرِبِيُّ (المتوفى 1431 هـ) _رحمه الله_ في "منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري" (5/ 42) للشيخ حمزة محمد قاسم :

"فقه الحديث: دل هذا الحديث على سبب نزول الآية، وعلى أنّ من توكل على الله كفاه. " اهـ

 

[تعليق]

وقال محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد المشهور بـ"ابن قيم الجوزية" (المتوفى: 751هـ) _رحمه الله_ في ""مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (2/ 113_114):

"التَّوَكُّلُ: نِصْفُ الدِّينِ. وَالنِّصْفُ الثَّانِيْ: الْإِنَابَةُ، فَإِنَّ الدِّينَ اسْتِعَانَةٌ وَعِبَادَةٌ.___فَالتَّوَكُّلُ هُوَ الِاسْتِعَانَةُ، وَالْإِنَابَةُ هِيَ الْعِبَادَةُ. وَمَنْزِلَتُهُ أَوْسَعُ الْمَنَازِلِ وَأَجْمَعُهَا. وَلَا تَزَالُ مَعْمُورَةً بِالنَّازِلِينَ، لِسَعَةِ مُتَعَلِّقِ التَّوَكُّلِ، وَكَثْرَةِ حَوَائِجَ الْعَالَمِينَ" اهـ

 

وقال الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر _حفظه الله_ في "فقه الأدعية والأذكار" (3/ 191):

"وقوله: (ونِعم الوكيل)،

أي: نِعم المتوكَّلُ عليه في جلب النَّعماء ودفع الضَّرِّ والبلاء، كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78].

وقد تضمَّنت هذه الكلمةُ العظيمةُ التوَكُّلَ على الله والاعتمادَ عليه والالتجاء إليه سبحانه، وأنَّ ذلك سبيلُ عِزِّ الإنسان ونَجاتِه وسلامته،

قال ابنُ القيم رحمه الله: "وهو حَسْبُ من تَوَكَّل عليه، وكافي من لجأ إليه، وهو الذي يؤمِّنُ خوفَ الخائف، ويُجيرُ المستجير، وهو نِعم المولى ونعم النَّصير، فمَن تولاَّه واستنصرَ به وتوكَّلَ عليه وانقطعَ بكُلِّيَّته إليه تولاَّه وحفظَه وحَرَسَهُ وصانَه، ومَن خافه واتَّقاه أمَّنَه مِمَّا يخافُ ويَحذَر، وجَلَبَ إليه كلَّ ما يحتاج إليه من المنافع.[6]

{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (3)} [الطلاق: 2_3]،

فلا تَسْتَبْطِئْ نصرَه ورزقَه وعافيتَه، فإنَّ اللهَ بالغُ أمره، وقد جعل الله لكلِّ شيء قدْراً، لا يتقدَّم عنه ولا يتأخر". [انظر: بدائع الفوائد (2/237 ـ 238)]

ثمَّ إنَّ فيما تقدَّم دلالةً على عظَم شأن هذه الكلمة، وأنَّها قولُ إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام في الشدائد." اهـ

 

[تعليق]

 

وقال سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي (المتوفى: 1233هـ) _رحمه الله_ في في "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" (ص: 434):

"ففي هاتين القصتين:

* فضل هذه الكلمة،

* وأنها قول إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام في الشدائد، ولهذا جاء في الحديث: "إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل". رواه ابن مردويه،

* وأن القيام بالأسباب مع التوكل على الله لا يتنافيان، بل يجب على العبد القيام بهما، كما فعل الخليلان عليهما الصلاة والسلام،

ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن عوف بن مالك :

"أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قضى بين رجلين، فقال المقضي عليه لما أدبر : "حسبي الله ونعم الوكيل"،

فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : "ردوا علي الرجل." قال : ما قلت؟ قال : "قلت : "حسبي الله ونعم الوكيل". فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : "إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر، فقل : (حسبي الله ونعم الوكيل)." اهـ

[تنبيه]

* والحديث الأول الذي نقله الشيخ سليمان: أخرجه ابْنُ مَرْدُويه كما في تفسير ابن كثير – ت. سلامة (2/ 170)، وهو حديث ضعّفه الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (14/ 1100) (رقم : 7002)، وقال : "ضعيف جدا"

* وأما الحديث الثاني، فقد أخرجه أبو داود في سننه (3/ 313) (رقم : 3627)، وأحمد في مسنده (39/ 408) (رقم : 23983)، والنسائي في السنن الكبرى (9/ 232) (رقم : 10387).

وقال الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد – ط. الرسالة (39/ 409):

"إسناه ضعيف لضعف بقية بن الوليد، وجهالة سيفٍ، فقد تفرد بالرواية عنه خالد بن معدان، وقال النسائي: لا أعرفه، وكذا قال الذهبي في "الميزان": لا يعرف، وتساهل العجلي وابن حبان فوثقاه." اهـ

 

وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ _حفطه الله_ في "التمهيد لشرح كتاب التوحيد" (ص: 379):

وهذا يبين عظم هذه الكلمة وهي قول المؤمن: (حسبنا الله ونعم الوكيل)،

فإذا حقق العبد___التوكل على الله وحققه في القلب، فقد حقق هذا النوع من توحيد التوكل في النفس،

فإن العبد إذا أعظم رجاءه في الله، وأكمل توكله على الله، فإنه وإن كادته السماوات والأرض ومن فيهن، فإن الله سيجعل له من أمره يسرا، وسيجعل له من بينها مخرجا...

هذه كلمة عظيمة قالها إبراهيم عليه السلام في الكرب، وقالها أيضا النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في الكرب لما قال لهم الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173] [آل عمران: 173]

وذلك لعظم توكلهم على الرب - جل وعلا -." اهـ

 

وقال صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان _حفظه الله_ في "إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" (2/ 64_65):

"هذه كلمة عظيمة قالها الخليلان: إبراهيم ومحمد _صلى الله عليهما وسلم_ ___في أضيق الأحوال وأحرج المواقف،

وهكذا الأنبياء عند تأزُّم الأمور؛ لا يعتمدون إلاَّ على الله سبحانه وتعالى، ولا يلجئون إلاَّ إليه، وتزيد رغبتهم في الله عند الشدائد، ويُحسنون الظن بالله _سبحانه وتعالى_ دائماً وأبداً.

فالأنبياء وأتباعهم لا يعتمدون إلاَّ على الله، خصوصاً عند المضائق وتأزُّم الأمور؛ يتوكّلون على الله ولا يضعُفون أو يخضعون لغير الله سبحانه وتعالى، أو يتنازلون عن شيء من عقيدتهم ودينهم أبداً." اهـ

 

وقال صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان _حفظه الله_ في "إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" (2/ 65):

"والشاهد في قوله: {حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ،

* فهذا فيه: التوكُّل على الله _سبحانه وتعالى_، وبيان ثمراته، وأن ثمرة التوكُّل على الله حوّلت النار إلى برْدٍ وسلام على إبراهيم _عليه الصلاة والسلام_.

* فهذا فيه: فضيلة هذه الكلمة، وثمرة التوكُّل على الله سبحانه وتعالى." اهـ

 

الملخص في شرح كتاب التوحيد (ص: 272) للفوزان :

ما يستفاد من الأثر:

1- فضل هذه الكلمة، وأنه ينبغي أن تقال عند الشدائد والكروب.

2- أن التوكل من أعظم الأسباب في حصول الخير ودفع الشر في الدنيا والآخرة.

3- أن الإيمان يزيد وينقص.

4- أن ما يكرهه الإنسان قد يكون خيراً له." اهـ

 

بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 139)

فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَالتَّبَرُّؤِ مِنَ الْحَوْلِ، وَالْقُوَّةِ، وَالنَّظَرِ إِلَى أَفْعَالِهِمْ، وَالِاعْتِمَادِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَالسُّكُونِ إِلَى شَيْءٍ دُونَ اللَّهِ فِي أَحْوَالِهِمْ، أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا غَيَّرُوا، وَأَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، وَتَثَاقَلُوا فِي نُفُوسِهِمْ، لَمْ يَدُلَّهُمْ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، وَلَا أَمَرَهُمْ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِمْ، يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ، بَلْ رَدَّهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَصَرَفَهُمْ عَمَّا سِوَاهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ " إِظْهَارًا لِلِافْتِقَارِ، وَإِقْرَارًا بِالِاضْطِرارِ، وَأَنَّهُ لَا نَجَاةَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا مَفَرَّ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50]

 

الشريعة للآجري (2/ 603_604):

"كُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ، وَسَنَذْكُرُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَهَذَا طَرِيقُ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا،

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124]

وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]

قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]

وَقَالَ تَعَالَى فِيمَا أَثْنَى بِهِ عَلَى أَصْحَابِ الْكَهْفِ: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الكهف: 13]___

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]

وَقَالَ تَعَالَى: {لَيسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]

وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. وَقَالَ تَعَالَى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]." اهـ

 

شعب الإيمان (2/ 390_391):

"قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:

وجُمْلَةُ التَّوَكُّلِ: تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إِلَى اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَالثِّقَةُ بِهِ،

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَصَائِرِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ قَائِلُونَ: التَّوَكُّلُ الصَّحِيحُ مَا كَانَ مِنْ قَطْعِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا جَاءَ السَّبَبُ إِلَى الْمُرَادِ نَفَعَ التَّوَكُّلُ،

وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ أَمْرٍ بَيَّنَ اللهُ لِعِبَادِهِ طَرِيقًا لِيَسْلُكُوهُ إِذَا عَرَضَ لَهُمْ فَالتَّوَكُّلُ إِنَّمَا يَقَعُ مِنْهُمْ فِي سُلُوكِ تِلْكِ السَّبِيلِ، وَالتَّسَبُّبُ بِهِ إِلَى الْمُرَادِ؛ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ مُتَوَكِّلِينَ عَلَى___اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنْ يُنْجِحَ سَعْيَهُمْ وَيُبَلِّغَهُمْ مُرَادَهُمْ كَانُوا آتِينَ الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ، وَمَنْ جَرَّدَ التَّوَكُّلَ عَنِ التَّسَبُّبِ لِمَا جَعَلَهُ اللهُ سَبَبًا فَلَمْ يَعْمَلْ لِمَا أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَأْتِ الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ." اهـ

 

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (5/ 960)

الْإِيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ فَأَمَّا مِنْ نَصِّ كِتَابِ اللَّهِ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ [ص:961]: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرُزِقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 3]

[ص:962]، وَقَالَ تَعَالَى: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] ، وَقَالَ: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] ، وَقَالَ: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124] وَقَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] ، وَقَوْلُهُ: {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] قَالَ: يَزْدَادَ إِيمَانِي،

 

وقال عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي القحطاني الحنبلي النجدي (المتوفى: 1392هـ) _رحمه الله_ في "حاشية كتاب التوحيد" (ص: 254)

فهي كلمة التفويض والاعتماد، والكلمة التي شرع أن تقال عند الكروب والشدائد. وفيه أن التوكل أعظم الأسباب في حصول الخير، ودفع الشر في الدنيا والآخرة.

 

مجموع الفتاوى (26/ 158)

وَلِلَّهِ تَعَالَى حَقٌّ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ. كَالْعِبَادَاتِ وَالْإِخْلَاصِ وَالتَّوَكُّلِ. وَالْخَوْفِ. وَالرَّجَاءِ. وَالْحَجِّ. وَالصَّلَاةِ. وَالزَّكَاةِ. وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ. وَالرَّسُولُ لَهُ حَقٌّ: كَالْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ وَمُوَالَاةِ مَنْ يُوَالِيهِ وَمُعَادَاةِ مَنْ يُعَادِيهِ وَتَقْدِيمِهِ فِي الْمَحَبَّةِ عَلَى الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالنَّفْسِ

 

منهاج السنة النبوية (7/ 204)

فَكُلٌّ مِنَ النَّبِيِّينَ قَالَ: حَسْبِي اللَّهُ، فَلَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ غَيْرَهُ فِي كَوْنِهِ حَسْبَهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ حَسْبُهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 36] ،

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 59] الْآيَةَ،

فَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يَرْضَوْا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَإِلَى أَنْ يَقُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ، وَلَا يَقُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ; لِأَنَّ الْإِيتَاءَ يَكُونُ بِإِذْنِ الرَّسُولِ،

كَمَا قَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 7]



[1] وفي "المفاتيح في شرح المصابيح" (5/ 472) للزيداني:

"قوله: (قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل)؛ أي: قولوا: الله سبحانه مُحسِبنا وكافينا، من (أحسبه الشيء): إذا كفاه. والدليلُ على أن (حسبك) بمعنى: مُحسِبك: وقوعه صفة للنكرة، كأن تقول: هو رجل حسبك، فلو لم يكن اسم فاعل، وإضافته في تقدير الانفصال، لما وقع صفةً للنكرة إذا كان مضافًا إلى معرفة." اهـ

المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 472):

"و(الوكيل): فعيل بمعنى المفعول؛ أي: نعم الموكول إليه الله تعالى. و(الله) مبتدأ، و(حسبنا) خبر مقدم، و(نعم) فعل المدح، و(الوكيل) فاعله، والمخصوص بالمدح محذوف." اهـ

[2] وفي "التوضيح الرشيد في شرح التوحيد" (ص: 295): "قَالَهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (4/ 479) فِي شَرْحِ كِتَابِ الوَكَالَةِ مِنْ صَحِيْحِ البُخَارِيِّ." اهـ

[3] مستفاد من "التوضيح الرشيد في شرح التوحيد" (ص: 296).

[4] انظر: "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" (5/ 238) (رقم: 6456) للمزي.

[5] أي : عصمك الله من شرهم

[6] وفي تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (ص: 433) للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ (ت 1233 هـ):

فقد تضمنت هذه الكلمة العظيمة التوكل على الله والالتجاء إليه،

قال ابن القيم: وهو حسب من توكل عليه، وكافي من لجأ إليه، وهو الذي يؤمن خوف الخائف، ويجير المستجير وهو نعم المولى، ونعم النصير، فمن تولاه، واستنصر به، وتوكل عليه، وانقطع بكليته إليه، تولاه، وحفظه وحرسه، وصانه، ومن خافه، واتقاه آمنه مما يخاف ويحذر، وجلب إليه كل ما يحتاج إليه من المنافع." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين