شرح الحديث 32 من باب الوضوء - بلوغ المرام لأبي فائزة البوجيسي

 

32 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ _رضي الله عنهما_ في صِفَةِ الْوُضُوءِ قَالَ:

"وَمَسَحَ رَسُولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا:

"بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ".

 

ترجمة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ

 

قال المزي في تهذيب الكمال  :

( خ م د ت س ق ) : عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن

عمرو بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارى المازنى ، المدنى ، و قيل غير ذلك فى

نسبه .

 

وأمه: أم عمارة نسيبة بنت كعب ، و هو أخو حبيب بن زيد الذى قطعه مسيلمة الكذاب ، وعم عباد بن تميم . له و لأبويه ، و لأخيه حبيب صحبة .

 

و زعم الواقدى أنه هو الذى قتل مسيلمة ، و قد روى أن أمه أم عمارة ، قالت : جئت

أطلبه ـ تعنى مسيلمة ـ فوجدت ابنى عبد الله يمسح سيفه من دمه .

 

و قد قال وحشى بن حرب : إنه رماه بحربته ، و شد عليه رجل من الأنصار بالسيف

فربك أعلم أينا قتله . إلا أنى سمعت جارية من الحصن تقول : قتله العبد الحبشى .

 

و قد روى من وجه غريب عن معاوية بن أبى سفيان أنه قال : أنا قتلت مسيلمة ، فيحتمل أن يكون شارك فيه .

شهد عبد الله بن زيد و أمه أم عمارة أحدا مع النبى صلى الله عليه وسلم ، فروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يومئذ : " رحمة الله عليكم أهل البيت " .

 

و هو الذى حكى وضوء النبى صلى الله عليه وسلم .

 

و زعم سفيان بن عيينة أنه الذى أرى النداء ، و ذلك معدود فى أوهامه . اهـ .

 

و قال المزى :

قال الواقدى ، و خليفة بن خياط ، و يحيى بن بكير ، و غير واحد : قتل بالحرة ،

و كانت فى آخر ذى الحجة سنة ثلاث و ستين .

 

زاد الواقدى : و هو ابن سبعين سنة .

روى له الجماعة . اهـ .

 

قال الحافظ في تهذيب التهذيب 5 / 223 :

و قال أبو القاسم البغوى : قيل إنه شهد بدرا ، و لا يصح .

و حكاه أبو نعيم الأصبهانى عن البخارى .

و قال ابن سعد : بلغنى أنه قتل بالحرة ، و قتل معه ابناه خلاد و على . اهـ .

 

الأعلام للزركلي (4/ 88):

"عَبْد الله بن زَيْد (7 ق هـ - 63 هـ = 616 - 683 م):

عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب النجاري الأنصاري: صحابي، من أهل المدينة. كان شجاعا. شهد بدرا. وقتل مسيلة الكذاب، يوم اليمامة. له 48 حديثا. قتل في وقعة الحرة

 

نص الحديث وشرحه:

 

صحيح البخاري (1/ 49_50)

عَنْ يحيى بن عمارة الأنصاري المازني، قَالَ:

شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ، سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَدَعَا بِتَوْرٍ[1] مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ لَهُمْ،

* فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ[2]، فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثًا،

* ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا، بِثَلاَثِ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ،

* ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا،

* ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ،

* ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا،

* ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ»

وحَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً

 

واللفظ الآخر: في صحيح البخاري (1/ 48)

عن يَحْيَى المَازِنِيِّ:

أَنَّ رَجُلًا، قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى:

"أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي، كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ؟

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ، فَدَعَا بِمَاءٍ،

* فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ،

* ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا،

* ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا،

* ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ،

* ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ،

* ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ "

 

صحيح البخاري (1/ 49)

فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً

 

صحيح البخاري (1/ 49)

مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

 

سنن أبي داود (1/ 30):

عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيَّ، يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ وُضُوءَهُ، وَقَالَ: «وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا»

 

تخريج الحديث:

 

صحيح البخاري (1/ 48 و 1/ 49 و 1/ 50 و 1/ 51) (رقم: 186 و 191 و 192 و 197 و 199)، صحيح مسلم (1/ 210_211/ 18_19) (رقم: 235 و 236)، سنن أبي داود (1/ 30) (رقم: 120)، سنن الترمذي ت شاكر (1/ 50 و 1/ 66) (رقم: 35 و 47)، سنن النسائي (1/ 72) (رقم: 99)

 

واللفظ الآخر: أخرجه صحيح البخاري (1/ 48) (رقم: 185)، صحيح مسلم (1/ 211) (رقم: 235)، سنن أبي داود (1/ 29) (رقم: 118)، سنن الترمذي ت شاكر (1/ 47) (رقم: 32)، سنن النسائي (1/ 71) (رقم: 97)، سنن النسائي (1/ 71) (رقم: 97_98)، سنن ابن ماجه (1/ 149) (رقم: 434)

 

من فوائد الحديث:

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (2/ 513)

من فوائد الحديث:

غسل اليدين قبل شروعه في الوضوء مرتين أو ثلاثا، والمضمضة، والاستنشاق ثلاثا بثلاث غرفات، وغسل الوجه ثلاث مرات، وليس فيه خلاف، وغسل اليدين إلى المرفقين مرتين، وهو الذي بوب عليه المصنف، ومسح الرأس مستوعبا، وبداءة المسح بمقدم الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين.

وفيه جريان التلطف بين الشيخ وتلميذه، في قوله: هل تستطيع أن تريني الخ.

وجواز الاستعانة في إحضار الماء من غير كراهة، وفيه التعليم بالفعل لأنه أبلغ، وأن الاغتراف من الماء القليل لا يصير الماء مستعملا، لأن في رواية وهيب وغيره "ثم أدخل يده"، وفيه الاقتصار على مرة واحدة في مسح الرأس. والله تعالى أعلم.

إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (6/ 212)

وفيه من الأحكام غسل اليد قبل إدخالها الإناء، ولو كان من غير نوم، كما تقدَّم مثله في حديث عثمان - رضي الله عنه -، والمراد باليدين هنا الكفّان. انتهى ["الفتح" 1/ 349]

 

تنبيه: ورد حديثنا في صحيح مسلم (1/ 210/ 18) (رقم: 235): عن يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيِّ، - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ -،

قَالَ: قِيلَ لَهُ: " تَوَضَّأْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"،

فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَأَكْفَأَ مِنْهَا عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا،

* ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا،

* ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا،

* ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ،

* ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ،

* ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ،

ثُمَّ قَالَ هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ."

 

قال الإثيوبي في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (6/ 219) حينما استنبط الفوائد من هذه الرواية:

"في فوائده:

1 - (منها): بيان صفة الوضوء المسنون.

2 - (ومنها): بيان استحباب تقديم غسل الكفين قبل غمسهما في الإناء، وإن لم يكن بعد الاستيقاظ من النوم.

3 - (ومنها): أنه استُدِلّ بقوله في رواية وُهيب الآتية: "فمضمض، واستنشق واستنثر، من ثلاث غرفات" على استحباب الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كل غَرْفَةٍ.

4 - (ومنها): أنه استُدِلّ بقوله: "ثم أدخل يده، فاستخرجها، فمضمض"، على تقديم المضمضة على الاستنشاق؛ لكونه عُطِفَ بالفاء التعقيبية، قال في "الفتح": وفيه بحث. انتهى ["الفتح" 1/ 349].

قال الجامع عفا الله عنه:

وجوب الترتيب هو الحقّ، كما سبق بيانه بدلائله في المسائل الماضية في شرح حديث عثمان - رضي الله عنه -، والله تعالى أعلم.

5 - (ومنها): ما قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه دلالةٌ ظاهرةٌ للمذهب الصحيح المختار أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يكون بثلاث غرفات، يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها، وقد قدمنا إيضاح هذه المسألة، والخلاف فيها في الباب الأول. انتهى ["شرح النوويّ" 3/ 122]

6 - (ومنها): أن قوله: "فغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين" فيه دلالةٌ على جواز مخالفة الأعضاء، وغسل بعضها ثلاثًا، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، وهذا جائز، والوضوء على هذه الصفة صحيح بلا شكّ، ولكن الأكمل غسل الأعضاء كلّها ثلاثًا ثلاثًا، كما تقدّم في حديث عثمان - رَحِمَهُ اللهُ -

قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وإنما كانت مخالفتها من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأوقات بيانًا للجواز، كما توضأ - صلى الله عليه وسلم - مرّة مرّة في بعض الأوقات؛ بيانًا للجواز، وكان في ذلك الوقت أفضل في حقه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن البيان واجبٌ عليه - صلى الله عليه وسلم -.___

[فإن قيل]: إن البيان يحصل بالقول.

[فالجواب]: أنه أوقع بالفعل في النفوس، وأبعد من التأويل. انتهى ["شرح النوويّ" 3/ 123]

7 - (ومنها): أن قوله في الرواية الثانية: "فمضمض، واستنشق، واستنثر" فيه حجة للمذهب المختار الذي عليه الجماهير من أهل اللغة وغيرهم، أن الاستنثار غير الاستنشاق، خلافًا لما قاله ابن الأعرابيّ، وابن قُتيبة: إنهما بمعنى واحد، وقد تقدم في الباب الأول إيضاحه.

8 - (ومنها): جواز الاستعانة في إحضار الماء من غير كراهة.

9 - (ومنها): أن الاغتراف من الماء القليل لا يصيّره مستعملًا.

10 - (ومنها): الاقتصار في مسح الرأس على مرّة واحدة؛ لأن في رواية وُهيب الآتية: "مرّةً واحدةً"، فلا يُستحبّ التثليث فيه، خلافًا للشافعيّ، وقد تقدّم أن رواية التثليث، وإن صحّحها بعضهم إلا أن الصواب أنها رواية شاذّة، لا تعارض ما في "الصحيحين" من التصريح بمرّة واحدة، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (3/ 81_82):

"الْمَذْكُور من حَدِيث الْجَمَاعَة هُوَ مسح الراس مرّة وَاحِدَة، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) : أَحَادِيث عُثْمَان الصِّحَاح تدل على أَن مسح الرَّأْس مرّة، فَإِنَّهُم ذكرُوا الْوضُوء ثَلَاثًا____

وَقَالُوا فِيهَا: مسح رَأسه، وَلم يذكرُوا عددا، كَمَا ذكرُوا فِي غَيره، وَوصف عبد الله بن زيد وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: مسح براسه مرّة وَاحِدَة، مُتَّفق عَلَيْهِ. وَحَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِيه: (مسح رَأسه مرّة وَاحِدَة) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَكَذَا وصف عبد الله بن أبي أوفى وَابْن عَبَّاس وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وَالربيع، كلهم قَالُوا: وَمسح بِرَأْسِهِ مرّة وَاحِدَة، وَلم يَصح فِي أَحَادِيثهم شَيْء صَرِيح فِي تكْرَار الْمسْح.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 405)

(وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً» ) : الْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ تَثْلِيثِ مَسْحِ الرَّأْسِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 94)

(مرة واحدة) نص صريح في عدم تكرار مسح الرأس، وحجة واضحة للجمهور في عدم تثليث مسح الرأس خلافاً للشافعي، ومن أقوى الأدلة على ذلك أيضاً الحديث المشهور الذي صححه ابن خزيمة وغيره من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة الوضوء، حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن فرغ: من زاد على هذا فقد أساء وظلم، فإن رواية سعيد بن منصور فيها تصريح بأنه مسح رأسه مرة واحد، فدل على أن الزيادة في مسح الرأس على المرة غير مستحبة، ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح كحديث علي عند الدارقطني، وحديث عثمان عند أبي داود في بعض طرقه إن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنه مسحات مستقلة لجميع الرأس جمعاً بين الأدلة.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 404_405):

"قَالَ الطِّيبِيُّ:

"فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ بَقِيَ عَلَى طَهَارَتِهِ وَطَهُورِيَّتِهِ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ نَوَى جَعْلَ الْيَدِ آلَةً لَهُ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ طَهُورٌ، وَكَرِهَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ لِأَجْلِ الْخِلَافِ، وَكَذَا الْحَالُ عِنْدَهُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ تَحِلُّهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ فِي الْإِحْيَاءِ: وَدِدْتُ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ إِذِ الْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إِلَيْهِ، وَمَثَارُ الْوَسْوَسَةِ مِنَ اشْتِرَاطِ الْقُلَّتَيْنِ، وَلِأَجْلِهِ شَقَّ عَلَى النَّاسِ ذَلِكَ: وَلَعَمْرِي إِنَّ الْحَالَ عَلَى مَا قَالَهُ، وَلَوْ كَانَ مَا ذُكِرَ شَرْطًا لَكَانَ أَعْسَرَ الْبِقَاعِ فِي الطَّهَارَةِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ، إِذْ لَا يَكْثُرُ فِيهِمَا الْمِيَاهُ الْجَارِيَةُ وَلَا الرَّاكِدَةُ الْكَثِيرَةُ، وَمِنْ أَوَّلِ عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى آخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَمْ يَنْقُلْ وَاقِعَةً فِي الطَّهَارَةِ وَكَيْفِيَّةِ حِفْظِ الْمَاءِ مِنَ النَّجَاسَاتِ، وَكَانَتْ أَوَانِي مِيَاهِهِمْ يَتَعَاطَاهَا الصِّبْيَانُ وَالْإِمَاءُ، وَتَوَضُّؤُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَاءٍ فِي جَرَّةٍ نَصْرَانِيَّةٍ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَمْ يُعَوِّلْ إِلَّا عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِ الْمَاءِ، وَكَانَ___اسْتِغْرَاقُهُمْ فِي تَطْهِيرِ الْقُلُوبِ وَتَسَاهُلُهُمْ فِي الْأَمْرِ الظَّاهِرِ." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 405)

(ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) : فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي وُضُوئِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ فِي تَجْوِيزِ مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ.

 

سبل السلام (1/ 62)

الْحَدِيثُ يُفِيدُ صِفَةَ الْمَسْحِ لِلرَّأْسِ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ لِيَدَيْهِ فَيُقْبِلَ بِهِمَا وَيُدْبِرَ.

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 94)

فيه أيضاً دليل صريح على ما تقدم من أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يكون بثلاث غرفات، يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها.

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 178_179):

"وفي الحديث من الفوائد:

ما سبق الإشارة إليه وهو: أنه لابد من المسح، فلو غسله بدلا عن مسحه فهل يجزئ؟ قال بعض العلماء: إنه يجزئ؛ لأنه انتقال من الأخف إلى الأعلى، والصحيح أنه لا يجزئ؛ لأنه خلاف ما أمر الله به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، ولهذا كان هناك قول ثالث في المسألة وهو: أنه يجزئ الغسل إن أمر يده على رأسه؛ لأنه إذا أمر يده على رأسه صار ماسحا، لكنه جعل في ماء المسح، وهذا القول له حظ من النظر، لكن لو أراد الإنسان التعنت والتنطع فربما يقال: إنه لا يصح حتى ولو مسح يده بعد___غسلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون - قالها ثلاثا-"؛ ولإنكاره على الذين واصلوا متشددين في صيامهم، فيمكن أن يقال: حتى وإن مسح على رأسه مع الغسل فإنه لا يجزئ؛ لأنه من باب التنطع، والتنطع هلاك.



[1]  وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (6/ 211):

"و"التَّوْرُ" - بمثناة مفتوحة - قال الداوديّ: قَدَحٌ، وقال الجوهريّ: إناء يُشْرَب منه، وقيل: هو الطَّسْتُ، وقيل: يُشْبِه الطست، وقيل: هو مِثْلُ الْقِدْر، يكون من صُفْرٍ، أو حجارةٍ، وفي رواية البخاريّ في "باب الغسل في الْمِخْضَب" في أول هذا الحديث: "أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخرجنا له ماء في تَوْرٍ من صُفْرٍ"، و"الصُّفْرُ" - بضم المهملة، وإسكان الفاء، وقد تُكْسر الصاد - صِنْفٌ من حديد النُّحَاس، قيل: سُمِّي بذلك؛ لكونه يُشبه الذهب، ويسَمَّى أيضًا الشَّبَهَ - بفتح المعجمة، والموحدة - والتورُ المذكور يَحْتَمِل أن يكون هو الذي توضأ منه عبد الله بن زيد، إذ سئل عن صفة الوضوء، فيكون أبلغ في حكاية صورة الحال على وجهها. انتهى ["الفتح" 1/ 348]

[2]  (فَأَكفَأَ) - بهمزتين - أي أمال، وصبّ، وفي رواية للبخاريّ: "فكفأ" - بفتح الكاف - وهما لغتان بمعنىً، يقال: كفأ الإناء، وأكفأه: إذا أماله، وقال الكسائيّ: كفأت الإناء: كببته، وأكفأته: أملته، والمراد في الموضعين إفراغ الماء من الإناء على اليد، كما صرح به في رواية مالك عند البخاريّ.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين