شرح الحديث 31 من باب الوضوء - بلوغ المرام لأبي فائزة البوجيسي

 

31 - وَعَنْ عَلِيٍّ _رضي الله عنه_ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ:

"وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً." أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ، بَلْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي البَابِ

 

ترجمة علي بن أبي طالب _رضي الله عنه_:


وقال الحسين بن محمد اللاعيّ، المعروف بـ"المَغرِبي" (المتوفى: 1119 هـ) _رحمه الله_ في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (1/ 196_197):

(هو أمير المؤمنين أبو الحسن وأبو تراب علي بن أبي طالب،

واسم أبي طالب: عبد مناف، عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، أسلمت وهاجرت،

وهو أول من أسلم من الذكور في أكثر الأقوال،

وقد اختلف في سنه يومئذ، فقيل: كان له خمس عشرة سنة، وقيل: ست عشرة، وقيل: أربع عشرة، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل ثمان سنين، وقيل سبع سنين، وقيل عشر سنين؛

شهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - المشاهد كلها إلا تبوك، فاستخلفه على المدينة، وقال له في ذلك: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" [خ]

كان آدم شديد الأدمة عظيم العينين أقرب إلى القصر من الطول ذا بطن كثير الشعر عظيم اللحية أصلع أبيض الرأس واللحية لم يصفه أحد بالخضاب إلا نادرا،

استخلف يوم قتل عثمان يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين،

وضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي بالكوفة صبيحة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين،

ومات بعد ثلاث من ضربته، وقيل: ضرب ليلة إحدى وعشرين، ومات ليلة الأحد، وقيل: يوم الأحد،

وغسله ابناه: الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر،

وصلى عليه الحسن ،ودُفِنَ سَحَرًا، وله من العمر: ثلاث وستون، وقيل: خمس وستون سنة، وقيل: سبع، وقيل: ثمان وخمسون.

وكانت خلافته: أربع سنين وتسعة أشهر وأياما." اهـ

 

نص الحديث:

 

وَعَنْ عَلِيٍّ _رضي الله عنه_ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ:

"وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً." أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ، بَلْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي البَابِ

 

سنن أبي داود (1/ 28)

115 - حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا فِطْرٌ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً»، ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

 

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 178)

"(مسح): يعني النبي _صلى الله عليه وسلم_ (برأسه)، أي: على رأسه، لكن الباء هنا أتت في مكان (على) للإشارة إلى أن المسح استوعب الرأس،

فإن الباء تفيد الاستيعاب كما في قوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29]. والرأس معروف: هو منابت الشعر، وأما الرقبة والجبهة فليست منه

 

وفي سنن أبي داود (1/ 31_32) (رقم: 128)، وسنن الترمذي ت بشار (1/ 89) (رقم: 34):

عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ عِنْدَهَا فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ، مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ كُلِّ نَاحِيَةٍ، لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لَا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ» وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 130) (رقم: 414)

 

تحفة الأحوذي (1/ 113)

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مَسْحِ الصُّدْغِ وَالْأُذُنِ وَأَنَّ مَسْحَهُمَا مَعَ الرَّأْسِ وَأَنَّهُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ

 

تخريج الحديث:

 

سنن أبي داود (1/ 27_28) (رقم: 111 و 115)، سنن النسائي (1/ 68) (رقم: 92)، للنسائي في السنن الكبرى (1/ 101 و 1/ 111) (رقم: 77 و 101)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 22) (رقم: 138)، أبو بكر بن المقرئ في "الأربعون" (ص: 73) (رقم: 21)، ضياء الدين المقدسي في "الأحاديث المختارة" (2/ 264) (رقم: 642)

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح أبي داود" (1/ 194) (رقم: 104)، و"صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" (1/ 145) (رقم: 130).

 

من فوائد الحديث:

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 178)

* يستفاد من هذا الحديث:

أن الواجب في مسح الرأس مرة واحدة لا يزيد عليها،

* ويستفاد من ذلك:

تخفيف الشريعة الإسلامية وسهولتها ويسرها.

 

شرح بلوغ المرام لعطية سالم (15/ 4) – شاملة:

وفيه النص على أنه مسح مرة واحدة، فنحمل ما سكت عنه عثمان رضي الله تعالى عنه على النص الوارد هنا على أن المسح مرة واحدة.

 

قلت: ويؤيده ما أخرجه سنن أبي داود (1/ 32) (رقم: 129):

أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ قَالَتْ: «فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً»

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (6/ 225)

وقد سبق أن السنة كون مسح الرأس مرّة واحدةً، وهو مذهب الجمهور، وهو الصحيح، ولا يُستحبّ تثليثه، كما يقول به الشافعيّ - رَحِمَهُ اللهُ -؛ لعدم ثبوته عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وما ورد من التثليث، وإن صححه بعضهم، فإنه شاذّ، لا يُلتفت إليه، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

 

تحفة الأحوذي (1/ 135)

فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنْ يَكُونَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي بَابِ مَا جَاءَ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةٌ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (2/ 399)

قال الجامع عفا الله عنه:

الإنصاف أن الآية من قبيل المجمل، كما حققه الزمخشري، وابن الحاجب في مختصره، والزركشي كما عزاه إليهم الشوكاني، والله تعالى يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] وما ينقطع هذا النزاع إلا بالرد إلى بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

وهو لم يمسح إلا على جميع رأسه، إما مباشرة، أو على ما عليه من العمامة، ففعله بيان للآية، قال تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].

فظهر بهذا أن الحق مع من أوجب التعميم، والله أعلم." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (2/ 462)

وفيه تصريح بأن مسح الرأس مرة واحدة،

قال العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: (والصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه، بل كان إذا كرر غسل الأعضاء أفرد مسح الرأس، هكذا جاء عنه صريحا، ولم يصح عنه - صلى الله عليه وسلم - خلافه البتة، بل ما عدا هذا إما صحيح غير صريح، كقول الصحابي "توضأ ثلاثا ثلاثا" وإما صريح غير صحيح) انتهى ملخصا جـ 1 ص 193." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (3/ 90)

"في فوائد الحديث:

يستفاد من الحديث:

* مشروعية غسل الكفين ثلاثا، والمضمضةِ ثلاثا، وغَسْلِ الوجه ثلاثا، وغسلِ الذراعين ثلاثا، ومسح الرأس، مرة واحدة وغسل الرجلين ثلاثا، ثلاثا،

* وحرص الشخص على متابعة سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وتعليمها للجاهل؛ لأن عليا رضي الله عنه توضأ تعليما للناس.

وقد تقدمت بقية فوائده. في [79/ 96] فأرجع إليها.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".

 

وقال ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام بأحاديث الأحكام" (3/ 532_533):

"في الفوائدِ والمباحث،

وفيه مسائل:

الأولَى: فيه دليلٌ علَى استحبابِ الغسل ثلاثًا، وعدمِ الزيادة عليها.

الثانية: وفيه التفريقُ بين مسح الرأس وغسل الأعضاء، والتكرار والإفراد؛ تصريحًا بالتفريق بقولهِ: "واحدة".

وقد عرفت أنَّ الأحاديثَ في هذا علَى ثلاثة أقسام: تصريح بالإفرادِ، وتصريح بالتكرارِ، ودخول تحت العموم.

وهذا من الأحاديثِ المصرّحة بالفرقِ، والنظرُ إليه من حيثُ هو هو يقتضي عدمَ التكرار في مسح الرأس، وهو ظاهر فيه، إلا أنْ يقوم دليلٌ من حديث آخر مصرِّح بالتكرارِ في مسح الرأس يساوي هذه الأحاديث الصحيحة، أويقاربها، فيمكن أنْ يحمل هذا علَى الجوازِ، وذلك الحديث علَى الاستحباب؛ لأنه لا يمكن حمله علَى الكراهةِ، ولا علَى الجوازِ بمعنَى: التساوي بين الطرفين، إنْ كَان المرادُ الردَّ علَى من يكره التكرارَ في مسح الرأس؛ لأنه لا يقول بالجوازِ بمعنَى: التساوي، ويمكن ذلك إذا لمْ يقصد الردَّ علَى هذا القائل، بل النظرَ في الحكمِ من حيثُ هو هو.

الثالثة: هذا الحديثُ من رواية علي - رضي الله عنه - يؤكِّدُ ما تقدم في رواية عثمان - رضي الله عنه - من المسحِ مرة، مع زيادة التصريحِ بالوحدةِ، وذلك يقتضي إيراده معه؛ تأكيدًا للظاهر بالتصريح.

وقد ورد في حديث علي - رضي الله عنه - من رواية أبي حيَّةَ قال: رأيت عليًا توضَّأَ؛ ذكره أبو داود وقال: فذكر وضوءه كلَّه ثلاثًا، وقال: ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه إلَى الكعبينِ، ثم قال: إنما أحببت أن أُريَكم طُهُور رسول الله - صلى الله عليه وسلم – [د].

وهذا في ظهور الوحدة كحديث عثمان - رضي الله عنه -، وفيه زيادةٌ علَى ما في حديث عثمان - رضي الله عنه - وروايةِ ابن أبي ليلَى عن علي - رضي الله عنه -؛ وهو ما يستفاد من قوله: طهور رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما يُشعرُ به من كونه عادتَهُ؛ مُداومةً، أو كثرة، بخلاف ما تقدم من قوله: رأيت، أو توضأ، فإنه لا إشعارَ فيه بذلك.

ومثلُ هذا ما عندَ أبي داود من رواية المنهال بن عمرو، عن زِر ابن حُبَيش: أنَّهُ سمع عليًا - وسئل عن وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - قال، فذكر الحديث؛ قال: مسح علَى رأسه حتَّى الماء يقطر، وغسل رجليه ثلاثًا

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين