شرح الحديث 143 من باب فضل من مات له الولد - الأدب المفرد

 

80- باب فضل من مات له الولد

 

143 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، فَتَمَسَّهُ النَّارُ، إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ»

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث:

 

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (صدوق: ت. 226 هـ):

إسماعيل بْنُ عبدِ اللهِ (أبي أويس) بْنِ عبْدِ اللهِ بْنِ أُويْس بْنِ مَالِك بْنِ أبى عامر الأصبحي، أبو عبد الله ابن أبى أويس المدني (ابن أخت الإمام مالك)، روى له:  خ م د ت ق 

 

قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ (إمام دار الهجرة، رأس المتقنين: ت 179 هـ):

مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي الْحِمْيَرِيُّ، أبو عبد الله المدني الفقيه، من كبار أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (الفقيه الحافظ متفق على جلالته و إتقانه: ت. 125 هـ):

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة القرشى الزهرى ، أبو بكر المدني، طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له:  خ م د ت س ق 

 

عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ (أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار: بعد 90 هـ):

سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ بنِ حَزْنٍ بن أبى وهْب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، أبو محمد المدني (سيدُ التابعين)، من كبار التابعين ، روى له:  خ م د ت س ق

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (صحابي: ت. 57 هـ):

عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أبو هريرة اليماني، روى له:  خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، فَتَمَسَّهُ النَّارُ، إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ»

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (18/ 362)

فالوجه الرفع، على أن الفاء عاطفة للتعقيب، والمعنى: أنه بعد موت ثلاثة ولد لا يتحقّق الدخول في النار إلا تحلّة القسم، وأقرب ما قيل في توجيه النصب أن الفاء بمعنى الواو المفيدة للجمع، وهي تنصب المضارع بعد النفي، كالفاء، والمعنى لا يجتمع موت ثلاثة من الولد، ومسّ النار، إلا تحلّة القسم. قاله السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-." ["شرح السندي" ج 4 ص 25.]

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (41/ 185)

"وقالوا:

المراد به قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71]، قال الخطابيّ: معناه

لا يدخل النار؛ ليعاقَب بها، ولكنه يدخلها مجتازًا، ولا يكون ذلك الجواز إلا

قدر ما يُحَلِّل به الرجل يمينه،

 

المنتقى شرح الموطإ (2/ 28)

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فَإِذَا مَرَّ بِهَا وَجَاوَزَهَا فَقَدْ أَبَرَّ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمَهُ،

قَالَ: وَمَوْضِعُ الْقَسَمِ مَرْدُودٌ إلَى قَوْلِهِ {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم: 68] وَالْعَرَبُ تُقْسِمُ وَتُضَمِّنُ الْمُقْسَمَ بِهِ وَمِثْلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} [النساء: 72] مَعْنَاهُ، وَإِنَّ مِنْكُمْ - وَاَللَّهِ - لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71]

 

المنتقى شرح الموطإ (2/ 28):

* يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ لِذَلِكَ خَطَايَاهُ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ خَطِيئَةٌ،

* وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ مَا يَزِنُ جَمِيعَ ذُنُوبِهِ فَيَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ يَزِيدُ عَلَى حَسَنَاتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَإِنَّمَا هَذَا لِمَنْ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ، وَأَمَّا مَنْ سَخِطَ وَلَمْ يَرْضَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَى أَنْ يَأْثَمَ لِسَخَطِهِ فَيَكْثُرَ بِذَلِكَ سَائِرُ آثَامِهِ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلْحَدِيثَيْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ.

 

مسألة: هل يحصل على هذه الفضيلة من مات له ولد أو ولدانِ؟

 

ففي صحيح البخاري (1/ 32) (رقم: 101)، وصحيح مسلم (4/ 2028)

(2633): عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ:

"قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا، إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: «وَاثْنَتَيْنِ»

 

مسند أحمد - عالم الكتب (4/ 105) (رقم: 16971):

عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَقُولُ :

(إِنَّهُ يُقَالُ لِلْوِلْدَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ . قَالَ: فَيَقُولُونَ : "يَا رَبِّ حَتَّى يَدْخُلَ آبَاؤُنَا وَأُمَّهَاتُنَا."

قَالَ: فَيَأْتُونَ، قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "مَا لِي أَرَاهُمْ مُحْبَنْطِئِينَ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ"، قَالَ: فَيَقُولُونَ: "يَا رَبِّ، آبَاؤُنَا"،

قَالَ: فَيَقُولُ: "ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ."

وأخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (6/ 3139) (رقم: 7229)، حسنه الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (28/ 174) (رقم: 16971)

 

سنن النسائي (4/ 118) (رقم: 2088):

عن قُرَّةَ بن إياس المزني _رضي الله عنه_، قَالَ:

كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ، يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ،

فَهَلَكَ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ، فَحَزِنَ عَلَيْهِ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَقَالَ: «مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا؟»

قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ."

فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:

«يَا فُلَانُ، أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ»، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ، قَالَ: «فَذَاكَ لَكَ»."

صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 445) (رقم: 2007)، والأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (24/ 361) (رقم: 15595)

 

سنن الترمذي ت شاكر (3/ 368) (رقم: 1062): عن ابْنَ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

«مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ مِنْ أُمَّتِي أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِمَا الجَنَّةَ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: «وَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ يَا مُوَفَّقَةُ»، قَالَتْ: فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: «فَأَنَا فَرَطُ أُمَّتِي لَنْ يُصَابُوا بِمِثْلِي»

حسنه الأرنؤوط في تخريج مسند أحمد ط الرسالة (5/ 213) (رقم: 3098)، وقال:

"وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة وجابر وأبي ذر ومعاذ بن جبل وأم سُليم، وهي في "المسند" على التوالي: 1/375، 2/488، 3/306، 5/155، 5/241، 6/431." اهـ

 

مسند أحمد - عالم الكتب (3/ 489)

(15998): (وَالنُّفَسَاءُ يَجُرُّهَا وَلَدُهَا بِسُرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ)، وصرح الألباني بأنه حسن صحيح في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 151) (رقم: 1396)

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 62) (رقم: 143)، وفي "صحيحه" (2/ 73 و 8/ 134) (رقم: 1251 و 6656)، ومسلم في "صحيحه" (4/ 2028/ 150_151) (رقم: 2632)، والترمذي في "سننه" - ت شاكر (3/ 366) (رقم: 1060)، والنسائي في "سننه" (4/ 25) (رقم: 1875)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 512) (رقم: 1603)،

 

من فوائد الحديث:

 

فتح الباري لابن حجر (3/ 119) :

"وَقَدْ عُرِفَ مِنَ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ الثَّوَابَ لَا يَتَرَتَّبُ إِلَّا عَلَى النِّيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الِاحْتِسَابِ وَالْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ، وَلَكِنْ أَشَارَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِلَى اعْتِرَاضٍ لَفْظِيٍّ فَقَالَ يُقَالُ فِي الْبَالِغِ احْتَسَبَ وَفِي الصَّغِيرِ افْتَرَطَ انْتَهَى وَبِذَلِكَ قَالَ الْكَثِيرُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ هَذَا مَوْضِعَ هَذَا بَلْ ذكر بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ احْتَسَبَ فُلَانٌ بِكَذَا طَلَبَ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِكَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهِيَ حُجَّةٌ فِي صِحَّةِ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (3/ 124) :

"وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِد غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ :

* أَنَّ أَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِلْآبَاءِ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ لِلْأَبْنَاءِ وَلَا يَرْحَمُ الْأَبْنَاءَ قَالَهُ الْمُهَلَّبُ، وَكَوْنُ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَوَقَفَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ____الْجَنَائِزِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى،

* وَفِيهِ : أَنَّ من حلف أَن لَا يفعل كَذَا ثُمَّ فَعَلَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَوْ قَلَّ بَرَّتْ يَمِينُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ قَالَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (41/ 188_189):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان فضل من مات له ثلاثة أولاد، فإنه يدخل الجنّة، ولا تمسّه النار، إلا الورود الذي في قوله عز وجل: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} الآية.

2 - (ومنها): أن هذا الفضل خاصّ بالمسلمين، فلا حظّ للكافر فيه، وتدخل المسلمات فيه، وقد جاء ما يخصّهنّ بالذكر في الحديث الثالث.

3 - (ومنها): بيان فضل الله تعالى على المسلمين، حيث جعل لهم الجنة عِوَضًا عما يصيبهم من البلاء بموت أولادهم.

4 - (ومنها): بيان أن أولاد المسلمين في الجنة؛ لأن من يكون سببًا في حَجْب النار عن أبويه أَولى بأن يُحجَبَ هو؛ لأنه أصل الرحمة، وسببها، بل جاء التصريح به في الحديث، ولفظه: "فيقال: ادخلوا الجنّة أنتم وآباؤكم"، والله تعالى أعلم.

5 - (ومنها): أن من حلف أن يفعل كذا، ثم فَعَل منه شيئًا ولو قَلّ بَرّت يمينه، خلافًا لمالك، قاله عياض وغيره.

6 - (ومنها): بيان كون أولاد المسلمين في الجنة. قاله الجمهور، ووَقَفت طائفة قليلة، والصحيح قول الجمهور. قال النوويّ رحمه الله: أجمع من يُعتدّ به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين، فهو من أهل الجنة، وتوقف فيه بعضهم، لِمَا أخرجه مسلم عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: أُتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بصبيّ من صبيان الأنصار، فصلى عليه، قالت عائشة: فقلت: طوبى لهذا، عصفور، من عصافير الجنة، لم يعمل سوءًا، ولم يدركه، قال: "أو غير ذلك يا عائشة، خَلَق الله عز وجل الجنة، وخَلَق لها أهلًا، وخَلَقهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار، وخلق لها أهلًا، وخلقهم في أصلاب آبائهم".

قال: والجواب عنه: أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل، أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة. انتهى، والله تعالى أعلم.___

7 - (ومنها): ما قاله ابن عبد البرّ رحمه الله: في هذا الحديث على حَسَب ما قيّده مالك رحمه الله في ترجمته من ذِكر الحسبة، وهي الصبر، والاحتساب، والرضا، والتسليم، أن المسلم تُكَفَّر خطاياه، ويُغفر له ذنوبه بالصبر على مصيبته، ولذلك خَرَج عن النار، فلم تمسّه، قاله في "الاستذكار" ["الاستذكار" 3/ 73].

وقال في "التمهيد":

(فيه أن المسلم تُكَفَّر خطاياه، وتُغْفَر له ذنوبه بالصبر على مصيبته، ولذلك زُحزح عن النار، فلم تمسّه؛ لأن من لم تُغفر له ذنوبه لم يُزحزح عن النار -والله أعلم، أجارنا الله منها- وإنما قلت ذلك بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-:

"لا يزال المؤمن يصاب في ولده، وحامَّته[1] حتى يلقى الله، وليست عليه خطيئة"[2]، وانما قلت: إن ذلك بالصبر والاحتساب والرضى؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-:

"من صبر على مصيبته، واحتسب كان جزاؤه الجنة". انتهى ["التمهيد لابن عبد البرّ" 6/ 346 - 347]، والله تعالى أعلم." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 103_104):

"في هذا الحديث من الفقه:

* أن موت الولد الذي لم يبلغ الحنث مظنة انزعاج الإيمان إلا لمن ثبته الله بالقول الثابت من حيث إنه يراه طفلًا لم يأت من___المعاصي ما يكون ما ناله من المرض والموت جزاء لفعله، ولا بلغ به إلى حيث كان يؤمل من أمره، ولا تعي القلوب الضعيفة النظر ما المعنى في الإتيان به ثم أخذه من قبل بلوغ الأرب منه، فيلعب الشيطان به بعقول الآدميين عند مشاهدتهم تعذيب الأطفال، وموت من يموت منهم، فمن قوي إيمانه رأى أن الله جل جلاله في ذلك أسرارًا وحكمًا.

* منها: أنه جل جلاله يخلق من خلقه أطفالًا لا تقدر أعمارهم إلى مدة معلومة من الصغر ليكون الموت محذورًا أبدًا، فلا يأمنه أحد في حال.

* ومنها: أن عمل الوالد قد لا يبلغ إلى المقام المؤهل له في الآخرة فيتممه الله تعالى بأن يموت له من الولد الذي لم يبلغ الحنث من يموت مؤمن عند موته بالله سبحانه وتعالى، ويثبت لهذا الامتحان؛ فيكون ذلك مما يبلغه تلك المرتبة، ويقيه من عذاب النار.

* ومن ذلك: أن من الولد من لو بقي لأرهق أبويه طغياناً وكفراً؛ فيكون الله عز وجل قد من على العبد بأن أخرج ولده ذلك إلى الدنيا ثم أماته قبل أن يبلغه أن يرهق أبويه، فقلب سبحانه وتعالى ذلك الإرهاق للوالدين أجرًا ممن ثبت إيمانه بهذه الأحوال كان له في ذلك الأجر؛ ولأن الناس يحتاجون في القيامة إلى فراط يسبقونهم إلى الورود ويأتونهم بالماء يوم العطش الأكبر، فقدم الأطفال لذلك،

وأما الولد الكبير فإنه بعد البلوغ يثبت له وعليه؛ فإذا ناله المرض وأدى إلى الموت كان في المعنى في حكمة أبيه، ولكل حميمٍ يفقد حميمًا إذا صبر عليه ثوابٌ." اهـ

 

الاستذكار (3/ 73)

الْمُسْلِمَ تُكَفَّرُ خَطَايَاهُ وَيُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مُصِيبَتِهِ وَلِذَلِكَ خَرَجَ عَنِ النَّارِ فَلَمْ تَمَسَّهُ

 

الاستذكار (3/ 74)

فَإِذَا كَانَ الْآبَاءُ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ لِأَطْفَالِهِمْ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُرْحَمُوا مِنْ أَجْلِ مَنْ لَيْسَ بِمَرْحُومٍ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ

وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا الْمُجْبِرَةَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ هُمْ فِي الْمَشِيئَةِ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (6/ 348)

فَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ (لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ)، وَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ، وَلَمْ يَبْلُغُوا أَنْ يَلْزَمَهُمْ حِنْثٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ لَا مَحَالَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ إِذَا نَزَلَتْ بِآبَائِهِمْ مِنْ أَجْلِهِمُ اسْتَحَالَ أَنْ يُرْحَمُوا مِنْ أَجْلِ مَنْ لَيْسَ بِمَرْحُومٍ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ فَقَدْ صَارَ الْأَبُ مَرْحُومًا بِفَضْلِ رَحْمَتِهِمْ وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ لِأَنَّ لَفْظَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَفْظُ عُمُومٍ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ وَلَا أَعْلَمُ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا إِلَّا فِرْقَةً شَذَّتْ مِنَ الْمُجْبِرَةِ فَجَعَلَتْهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ (مَهْجُورٌ) مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ الْجَمَاعَةِ وَهُمُ الْحُجَّةُ الَّذِينَ لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُمْ وَلَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِمُ___الْغَلَطُ فِي مِثْلِ هَذَا إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من أَخْبَارِ الْآحَادِ الثِّقَاتِ الْعُدُولِ

 

طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 243) لأبي زرعة العراقي :

"فِيهِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَدْخُلْ النَّارَ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ دُخُولُهُ الْجَنَّةَ إذْ لَا مَنْزِلَةَ بَيْنَهُمَا." اهـ

 

طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 244) :

"قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّمَا خُصَّ الْوَلَدُ بِثَلَاثَةٍ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ فَبِعِظَمِ الْمَصَائِبِ تَكْثُرُ الْأُجُورُ." اهـ

 

المنتقى شرح الموطإ (2/ 27)

فَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مُصَابِهِمْ بِأَوْلَادِهِمْ إذْ فِي ذَلِكَ سَتْرٌ لَهُمْ مِنْ النَّارِ وَنَجَاةٌ مِنْ الْعَذَابِ

 

وفي تفسير الموطأ (1/ 303) لعبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن الأنصاري، أبو المطرف القَنَازِعي (المتوفى: 413 هـ) : "وقالَ غَيْرُ مَالِكٍ : "أَطْفَالُ المُسْلِمِينَ إذا مَاتُوا فَصَبرَ عَلَيْهِم آبَاؤُهُمْ واحْتَسَبُوهُم عِنْدَ اللهِ كَانُوا لَهُم حِرْزًا مِنَ النَّارِ، يَسْتُرُهم اللهُ بِهِم مِنْهَا." اهـ

 

المنتقى شرح الموطإ (2/ 27) للباجي :

"قَوْلُهُ «لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ» شَرْطُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَجَاةَ لِلْكَافِرِ مِنْ النَّارِ بِمَوْتِ أَوْلَادِهِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُنَجَّى مِنْهَا بِالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْمَعَاصِي أَوْ الْمَغْفِرَةِ لَهَا بِأَنْ يَمُوتَ لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ وَيُحْتَمَلُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَجْرُهُ عَلَى مُصَابِهِ بِهِمْ يُكَفِّرُ عَنْهُ ذُنُوبَهُ فَلَا تَمَسُّهُ النَّارُ الَّتِي يُعَاقَبُ بِهَا أَهْلُ الذُّنُوبِ." اهـ

 

السنن الكبرى للبيهقي (7/ 121)

بَابُ الرَّغْبَةِ فِي النِّكَاحِ

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]، وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72][ص:122] قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: فَقِيلَ إِنَّ الْحَفَدَةَ الْأَصْهَارَ وَقَالَ {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54]

 

وفي تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 8) لابن القيم :

"فِي اسْتِحْبَاب طلب الْوَلَد، قَالَ الله تَعَالَى : {فَالْآن باشروهن وابتغوا مَا كتب الله لكم} [الْبَقَرَة : 187]،

فروى شُعْبَة عَن الحكم عَن مُجَاهِد قَالَ : "هُوَ الْوَلَد وَقَالَهُ الحكم وَعِكْرِمَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالسُّديّ وَالضَّحَّاك." اهـ وذكر حديثنا استدلالا به على استحباب ذلك.



[1] وفي شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 113): "(وَحَامَّتِهِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ فَفَوْقِيَّةٍ، أَيْ قَرَابَتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَمَنْ يُحْزِنُهُ ذَهَابُهُ وَمَوْتُهُ، جَمْعُ حَمِيمٍ." اهـ

[2] أخرجه مالك في الموطأ – ت. الأعظمي (2/ 331) (رقم: 807) بَلاَغًا، ووصله ابن المظفر في "غرائب مالك بن أنس" (ص: 79) (رقم: 36)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (12/ 264) (رقم: 9376)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (3/ 265): عن مالك عن ربيعة عن أبي الحباب عن أبي هريرة، وهو حديث حديث صحيح الإسناد، والله أعلم.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين