شرح الحديث 107 من صحيح الترغيب

 

107 - (3) [صحيح لغيره] وعن جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"لا تعلموا العلمَ لِتُباهوا به العلماءَ، ولا تمارُوا به السفهاءَ، ولا تخيَّروا به المجالس(1)، فمن فعل ذلك فالنارُ النارُ".[1]

رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي؛ كلهم من رواية يحيى بن أيوب الغافقيِّ عن ابن جُريج عن أبي الزبير عنه.

ويحيى هذا ثقة احتج به الشيخان وغيرهما، ولا يلتفت إلى مَن شذ فيه(2).

 

__________

(1) أي: لتقصدوا خير المجالس وأفضلها![2]

(2) قلت: ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم أيضاً (1/ 86)، وابن عبد البر (1/ 187)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه أيضاً الحافظ العراقي (1/ 52)، وهو كما قالوا إنْ سلم من الانقطاع؛ فإن ابن جريج وشيخه أبا الزُبير (مدلّسان) معروفان بذلك، وقد عنعناه، غير أنَّ الحديث صحيح على كل حال، فإن له شواهد في الباب يتقوّى بها، وتتقوّى به.

 

ترجمة جابر بن عبد الله:

 

الأعلام للزركلي (2/ 104)

جابِر بن عبد الله

(16 ق هـ - 78 هـ = 607 - 697 م)

جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري السملي: صحابي، من المكثرين في الرواية عن النبي صلّى الله عليه وسلم وروى عنه جماعة من الصحابة. له ولأبيه صحبة.

غزا تسع عشرة غزوة. وكانت له في أواخر أيامه حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم.

روى له البخاري ومسلم

 

نص الحديث:

 

وعن جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"لا تعلموا العلمَ لِتُباهوا به العلماءَ، ولا تمارُوا به السفهاءَ، ولا تخيَّروا به المجالس(1)، فمن فعل ذلك فالنارُ النارُ".[3]

رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه ابن ماجه في "سننه" (1/ 93) (رقم: 254)، معجم ابن الأعرابي (3/ 1034) (رقم: 2223)، الكامل في ضعفاء الرجال (9/ 58)، صحيح ابن حبان - مخرجا (1/ 278) (رقم: 77)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 161) (رقم: 290)، فوائد تمام (1/ 321) (رقم: 812)، شعب الإيمان (3/ 269) (رقم: 1635)، جامع بيان العلم وفضله (1/ 648) (رقم: 1127)، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1/ 86) (رقم: 23)، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/ 173)، تاريخ دمشق لابن عساكر (52/ 302)

 

والحديث صحيح لغيره: صححه الألباني في "صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" (1/ 124) (رقم: 76)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1229) (رقم: 7370)، و"التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (1/ 198) (رقم: 77).

 

من فوائد الحديث:

 

1/ وجوب إخلاص النية في طلب العلم

 

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1/ 80)

يَجِبُ عَلَى طَالِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يُخْلِصَ نِيَّتَهُ فِي طَلَبِهِ، وَيَكُونَ قَصْدُهُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ

 

2/ العلم الشرعي وسيلة من وسائل التعبد والتقرب إلى الله _عز وجل_

 

وقال الشاطبي في "الموافقات" (1/ 73):

"كُلُّ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ فَطَلَبُ الشَّارِعِ لَهُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى التَّعَبُّدِ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، لَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى, فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ اعْتِبَارُ جِهَةٍ أُخْرَى؛ فَبِالتَّبَعِ وَالْقَصْدِ الثَّانِي، لَا بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ." اهـ

 

3/ حقيقة العلم الذي يؤدي صاحبه إلى النار _والعياذ بالله_

 

صحيح ابن حبان - مخرجا (1/ 278)

ذِكْرُ وَصْفِ الْعِلْمِ الَّذِي يُتَوَقَّعُ دُخُولُ النَّارِ فِي الْقِيَامَةِ لِمَنْ طَلَبَهُ

 

4/ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ لِلدُّنْيَا كبيرة من كبائر الذنوب

 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 151)

[الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ لِلدُّنْيَا]

 

5/ من الشرك الأصغر: التماس الدنيا بعمل الآخرة

 

وقال حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري (المتوفى: 1413هـ) في غربة الإسلام (2/ 544_545):

"ومن الشرك الأصغر أيضًا: التماس الدنيا بعمل الآخرة؛ كمن يجاهد لأجل المغنم، أو ليرى مكانه ويُمدح بالشجاعة والجرأة والإقدام، أو يهاجر لدنيا يصيبها؛ مالا كان ذلك، أو رياسة، أو وظيفة، أو غير ذلك من الأغراض الدنيوية، أو من أجل امرأة يتزوجها. أو يحج، أو يقرأ القرآن، أو يتعلم العلم، أو يعلِّمه، أو يؤذِّن، أو يصلي بالناس، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لأجل المال الذي يأخذه على ذلك؛ كما هو الواقع كثيرًا في هذه الأزمان،

ومثل ذلك من يتعلم العلم لتحصيل الوظائف والرتب الدنيوية وكذلك الدينية إذا كان القصد منها تحصيل الشرف والجاه أو المال أو غير ذلك من الأغراض الدنيوية.

قال ميمون بن مهران رحمه الله تعالى: إن هذا القرآن قد أخلق في صدور كثير من الناس، والتمسوا ما سواه من الأحاديث، وإنَّ فيمن يبتغي هذا العلم من يتخذه بضاعة يلتمس بها الدنيا، ومنهم من يريد أن يشار إليه، ومنهم من يريد أن يماري به، وخيرهم من يتعلمه ويطيع الله عز وجل به. رواه أبو نعيم في الحلية.

وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير: إن أقبح الرغبة أن تعمل للدنيا بعمل الآخرة. رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في (زوائد الزهد).

وقال سفيان الثوري: إن أقبح الرغبة أن تطلب الدنيا بعمل الآخرة. رواه أبو نعيم في الحلية.

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: لأن يطلب الرجل الدنيا بأقبح___ما تطلب به؛ أحسن من أن يطلبها بأحسن ما تطلب به الآخرة. رواه أبو نعيم في الحلية.

وروى أيضًا في ترجمة زهير بن نعيم البابي -وكان من عُبَّاد أهل البصرة في زمن يحيي بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي- قال: أخبرنا عبد الله، حدثنا أحمد بن عاصم قال: كانت يدي في يد زهير أمشي معه، فانتهينا إلى رجل مكفوف يقرأ، فلما سمع قراءته وقف ونظر، وقال: لا تغرنّك قراءته، والله إنه شر من الغناء وضرب العود -وكان مهيبًا- ولم أسأله يومئذ، فلما كان بعد أيام ارتفع إلى بني قشير، فقمت وسلمت عليه، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إنك قلت لي يومئذ كذا وكذا، فكأنه نصب عينه، فقال لي: يا أخي نعم، لأن يطلب الرجل هذه الدنيا بالزمر والغناء والعود؛ خير من أن يطلبها بالدين.

وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في (زوائد الزهد)، عن مالك بن دينار، عن الحسن قال: قلت له: ما عقوبة العالم؟ قال: موت القلب، قلت: وما موت القلب؟ قال: طلب الدنيا بعمل الآخرة.

 

6/ ذَمُّ الْجِدَالِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ وَذِكْرُ شُؤْمِهِ

وقال الهروي (المتوفى: 481هـ) في ذم الكلام وأهله (1/ 131)

الْبَابُ الرَّابِعُ: بَابُ ذَمِّ الْجِدَالِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ وَذِكْرِ شُؤْمِهِ

 

آفات اللسان في ضوء الكتاب والسنة (ص: 66)

الجدال المذموم: وهو كل جدال أيد الباطل أو أوصل إليه، أو كان بغير علم وبصيرة.

وهذا النوع هو من أعظم آفات اللسان، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)} [الحج: 3، 4]

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)} [الحج: 8، 9]

{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} [الكهف: 56]

 

7/ المماراة مَعَ السُّفَهَاء قد يكون سَببا لدُخُول النَّار

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 430)

جعل المماراة مَعَ السُّفَهَاء سَببا لدُخُول النَّار لظُهُور نُفُوسهم فِي طلب الْقَهْر وَالْغَلَبَة وهما من صِفَات الشيطنة فِي الْآدَمِيّ

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (2/ 682):

"وأما المماراة والمجادلة، قد يستثنى منهما كما في قوله تعالى: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف: 22]،

أي: لا تجادل أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف إلا جدالاً ظاهراً غير متعمق فيه، ولا تجهلهم ولا تعنف بهم في الرد عليهم، كما قال الله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]،

أي: بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة، من الرفق واللين من غير فظاظة ولا تعنيف.

والسفهاء خفاف الأحلام، فلا تجادلهم، ولا تقل لهم: أنا أعلم وأنتم السفهاء، فتثور الخصومة والشحناء.

ويفهم منه أن بعضاً من المراء محمود، وهو أن يمتري الأستاذ التلميذ، فينظر ما مقدار فهمه أو تحصيله، من المراء، وهو مسح الحالب الضر.

ولعل منه سؤال جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور الصحابة ليريهم الله أنه _صلى الله عليه وسلم_ ملئ من العلوم، وعلمه مأخوذٌ من الوحي، فيزيد رغبتهم ونشاطهم فيه، وهو المعنى بقوله: ((ليعلمكم أمر دينكم)) [م] كما سبق." اهـ

 

قلت:

 

وفي "تفسير ابن كثير" - ت سلامة (5/ 148):

"وَفِي تَسْمِيَتِهِمْ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَاسْمِ كَلْبِهِمْ نَظَرٌ فِي صِحَّتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ غَالِبَ ذَلِكَ مُتَلَقَّى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا} أَيْ: سَهْلًا هَيِّنًا؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ." اهـ

 

وفي "تفسير ابن كثير" – ت. سلامة (4/ 613):

"وَقَوْلُهُ: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

أَيْ: مَنِ احْتَاجَ مِنْهُمْ إِلَى مُنَاظَرَةٍ وَجِدَالٍ، فَلْيَكُنْ بِالْوَجْهِ الْحَسَنِ بِرِفْقٍ وَلِينٍ وَحُسْنِ خِطَابٍ، كَمَا قَالَ: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [الْعَنْكَبُوتِ: 46]

فَأَمَرَهُ تَعَالَى بِلِينِ الْجَانِبِ، كَمَا أَمَرَ مُوسَى وَهَارُونَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، حِينَ بَعَثَهُمَا إِلَى فِرْعَوْنَ فَقَالَ: {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]." اهـ

 

قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ص: 183_184):

"قال ابن أبي العزّ الحنفي في شرح قول الطحاوي (ص427) : (ولا نُماري في دين الله)،

قال: "معناه لا نخاصمُ أهلَ الحقّ بإلقاءِ شبُهات أهلِ الأهواء عليهم؛ الْتماساً لامترائهم ومَيْلِهم؛ لأنَّه في معنى الدعاءِ إلى الباطل وتلبيسِ الحقّ وإفسادِ دين الإسلام".

ومِن طريقة أهل الزَيغ والضلال: الجدالُ بالباطل واتِّباعُ ما تشابه مِن القرآن، بخلاف طريقةِ أهلِ الحقّ، الذين يؤمنون بالمُحكَم والمتشابه ويردُّون المتشابه إلى المُحكَم، قال الله عزَّ وجلَّ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} [آل عمران: 7، 8]

وروى البخاري (4547) ومسلم (2665) عن عائشة أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تلا قولَه تعالى:

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} الآية،

فقال: "إذا رأيتم الذين يتَّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى اللهُ، فاحذَرُوهم".

وفي سنن الدارمي (406) عن أبي جعفر محمد بن عليّ الباقر قال: "لا تُجالسوا أصحابَ الخصومات؛ فإنَّهم الذين يخوضون في آيات الله".__

وفي جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/134) عن مالكٍ قال: "المِراءُ يُقسِّي القلبَ ويُورث الضِّغن".

وقال عمر بن عبد العزيز كما جامع بيان العلم وفضله (2/93) : "مَن جعل دينَه غرَضاً للخصومات أكثرَ التَّنقُّلَ".

وأمَّا المجادلةُ بالتي هي أحسن لإظهار الحقّ وردِّ الباطل فذلك حقٌّ،

وقد أمر اللهُ به في قوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]

وقال: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [العنكبوت: 46]

وقد عقد ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله باباً مِن (ص92_99) لِما تُكرَه فيه المناظرةُ والجدالُ والمِراءُ، وباباً من (ص99_108) لإثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجَّة، أورد فيهما جملةً مِن النُّصوص والآثار في ذلك." اهـ

 

الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/ 170)

يَنْبَغِي لِمَنِ اتَّسَعَ وَقْتُهُ وَأَصَحَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ جِسْمَهُ , وَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْخُرُوجَ مِنْ طَبَقَةِ الْجَاهِلِينَ , وَأَلْقَى فِي قَلْبِهِ الْعَزِيمَةَ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ , أَنْ يَغْتَنِمَ المُبَادَرَةَ إِلَى ذَلِكَ، خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ أَمْرٍ يَقْتَطِعُهُ عَنْهُ , وَتَجَدُّدَ حَالٍ يَمْنَعُهُ مِنْهُ

 

8/ وينبغي للطالب والطالبة التواضع في حال التحصيل وعدم التكبر عن العلم أو على المعلمين

 

مجلة البحوث الإسلامية (76/ 7)

وصايا للطلبة والطالبات

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ....

وينبغي للطالب والطالبة التواضع في حال التحصيل وعدم التكبر عن العلم أو على المعلمين، وكذلك أيضا الجرأة بأدب وعدم الحياء، يقول مجاهد بن جبر رحمه الله: " لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر ".

وينبغي للطالب والطالبة أيضا عدم المماراة والمجادلة والمباهاة بالعلم والدخول في الصراعات الفكرية التي لا طائل تحتها، بل تفرق ولا تجمع، وتضر ولا تنفع، يقول الله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال: 46]____

ويقول عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]،

ويقول صلى الله عليه وسلم: «لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار» [ق].

وينبغي للطالب والطالبة أن يجلوا معلميهم ومعلماتهم، ولا يرفعوا عليهم أصواتهم، بل يحترمونهم ويقدرونهم؛ لأنهم هم السبب الذي يوصل إليهم الخير، ويقربهم إلى الله تعالى إن أحسنوا النية واحتسبوا الأجر." اهـ

 

12/ توقير العلماء

السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير (1/ 84)

باب توقير العلماء

 

9/ فيه بيان أنه قد بقي الدين بأيدي من لا يخلص نيته في طلبه

الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 38)

وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: (يُبْقِي اللَّهُ لِهَذَا الْعِلْمِ قَوْمًا يَطْلُبُونَهُ، وَلَا يَطْلُبُونَهُ خَشْيَةً، وَلَيْسَتْ لَهُمْ نِيَّةٌ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى كَيْ لَا يَضِيعَ الْعِلْمُ فَيَبْقَى عَلَيْهِمْ حُجَّةً).

وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِلَّهِ وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَبْغَضُ إلَى اللَّهِ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِغَيْرِ اللَّهِ.

 

10/ فيه وعيد شديد لمن لا يحسن نيته في الطلب

شرح المصابيح لابن الملك (1/ 209)

وفي الحديث: وعيد لمن لم يكن له غرض صحيح في طلب العلم.

 

11/ فيه: التصريح بأن الْفَضْلَ في طلب إنما هو فيمن طَلَبَهُ مُرِيدًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى

تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم (ص: 9)

واعلم أن جميع ما ذُكِرَ من فضيلة العلم والعلماء إنما هو في حق العلماء العاملين الأبرار المتقين الذين قصدوا به وجه الله الكريم، والزلفى لديه في جنات النعيم، لا من طلبه بسوء نية أو خبث طوية أو لأغراض دنيوية من جاه أو مال أو مكاثرة في الأتباع والطلاب.

 

المجموع شرح المهذب (1/ 23)

اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَضْلِ في طلب انما هو في من طَلَبَهُ مُرِيدًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِغَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا وَمَنْ أَرَادَهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَمَالٍ أَوْ رِيَاسَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ وَجَاهَةٍ أَوْ شُهْرَةٍ أَوْ اسْتِمَالَةِ النَّاسِ إلَيْهِ أَوْ قَهْرِ الْمُنَاظِرِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مَذْمُومٌ

 

12/ التحذير من طلب العلم لغير اللَّه

 

وقال عصام بن موسى بن هادي الفلسطيني في "السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير" (1/ 83):

"باب التحذير من طلب العلم لغير اللَّه." اهـ

 

أخلاق العلماء للآجري – ت. إسماعيل بن محمد الأنصاري (ص: 83)

"قَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ صَحَابَتِهِ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ_ وَعَنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ _رَحِمَهُمُ اللَّهُ_ بِصِفَةِ عُلَمَاء فِي الظَّاهِرِ. لَمْ يَنْفَعْهُمُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ مِمَّنْ طَلَبَهُ لِلْفَخْرِ وَالرِّيَاءِ وَالْجَدَلِ وَالْمِرَاءِ، وَتَأَكَّلَ بِهِ الْأَغْنِيَاءَ، وَجَالَسَ بِهِ الْمُلُوكَ، وَأَبْنَاءَ الْمُلُوكِ، لِيَنَالَ بِهِ الدُّنْيَا، فَهُوَ يَنْسِبُ نَفْسَهُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَخْلَاقُهُ أَخْلَاقُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْجَفَاءِ، فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ، لِسَانُهُ لِسَانُ الْعُلَمَاءِ، وَعَمَلُهُ عَمَلُ السُّفَهَاءِ." اهـ

 

13/ أنواع الناس في طلب العلم

وقال الزالي في "بداية الهداية" (ص: 26_27):

"واعلم أن الناس في طلب العلم على ثلاثة أحوال:

[1] رجل طلب العلم ليتخذه زاده إلى المعاد، ولم يقصد به إلا وجه الله والدار الآخرة؛ فهذا من الفائزين.

[2] ورجل طلبه ليستعين به على حياته العاجلة، وينال به العز والجاه والمال، وهو عالم بذلك، مستشعر في قلبِه ركاكةَ حاله وخِسَّةَ مقصِدِهِ، فهذا من المخاطرين.

فإن عاجله أجله قبل التوبة، خيف عليه من سوء الخاتمة، وبقي أمره في خطر___المشيئة؛ وإنْ وفق للتوبة قبل حلول الأجل، وأضاف إلى العلم العمل، وتدارك ما فرط منه من الخلل، التحق بالفائزين. فإن (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)[4].

[3] ورجل ثالث استحوذ عليه الشيطان؛ فاتخذ علمه ذريعة إلى التكاثر بالمال، والتفاخر بالجاه، والتعزز بكثرة الأتباع،

يدخل بعلمه كل مدخل رجاء أن يقضى من الدنيا وطره، وهو مع ذلك يضمر في نفسه أنه عند الله بمكانة، لاتسامه بسمة العلماء، وترسمه برسومهم في الزى والمنطق، مع تكالبه على الدنيا ظاهرا وباطنا.

فهذا من الهالكين، ومن الحمقى المغرورين؛ إذ الرجاء منقطع عن توبته لظنه أنه من المحسنين، وهو غافل عن قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2].

وهو ممن قال فيهم رسول الله: (أنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال)[5] فقيل: وما هو يا رسول الله؟، فقال: (علماء السوء).

وهذا لأن الدجال غايته الإضلال، ومثل هذا العالم وإن صرف الناس عن الدنيا بلسانه ومقاله فهو دافع لهم إليها بأعماله وأحواله،

ولسان الحال أفصح من لسان المقال، وطباع الناس إلى المساعدة في الأعمال أميل منها إلى المتابعة في الأقوال؛

فما أفسده هذا المغرور بأعماله أكثر مما أصلحه بأقواله، إذ لا يستجرىء الجاهل على الرغبة في الدنيا إلا باستجراء العلماء، فقد صار علمه سببا لجرأة عباد الله على معاصيه، ونفسه الجاهلة مذلة مع ذلك تمنيه وترجيه، وتدعوه إلى أن يمن على الله بعلمه، وتخيل إليه نفسه أنه خير من كثير من عباد الله.

فكن أيها الطالب من الفريق الأول، واحذر أن تكون من الفريق الثاني، فكم من مسوف عاجله الأجل قبل التوبة فخسر، وإياك ثم إياك أن تكون من الفريق الثالث، فتهلك هلاكا لا يرجى معه فلاحك، ولا ينتظر صلاحك." اهـ

 

 

 



[1]  وفي "حاشية السندي على سنن ابن ماجه" (1/ 111): "قَوْلُهُ (فَالنَّارُ) أَيْ فَلَهُ النَّارُ أَوْ فَيَسْتَحِقُّ النَّارَ وَالنَّارُ مَرْفُوعٌ عَلَى الْأَوَّلِ مَنْصُوبٌ." اهـ

[2]  وقال محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأُرمي العَلًوي الأثيوبي الهَرَري الكري البُوَيطي  _رحمه الله_ في "مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى" (2/ 361):

"(تخيروا به) بحذف إحدى التاءين؛ أي: ولا لتأخذوا به (المجالس)، أي: خيار المجالس وصدورها وأحسنها؛ لتفتخروا به على الناس؛ أي: ولا لتختاروا لأنفسكم بسببه صدور المجالس وأولها لاعتقاد أفضليتكم على الناس بسبب العلم؛ لأن الفضل إنما يكون بالتقوى مع العمل به." اهـ

[3]  وفي "حاشية السندي على سنن ابن ماجه" (1/ 111): "قَوْلُهُ (فَالنَّارُ) أَيْ فَلَهُ النَّارُ أَوْ فَيَسْتَحِقُّ النَّارَ وَالنَّارُ مَرْفُوعٌ عَلَى الْأَوَّلِ مَنْصُوبٌ." اهـ

[4]  أخرجه ابن ماجه (4250) والطبراني في "المعجم الكبير" (ج10/رقم10281) وغيرهما بسند منقطع، ولكن للحديث شواهد؛ ولذا حسنه الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في "الفتح" تحت الحديث رقم (7507)، ورمز الحافظ السيوطي لحسنه في "الجامع الصغير" (3385)، وراجع "السلسلة الضعيفة" للشيخ ناصر الدين الألباني (615)، و"فيض القدير شرح الجامع الصغير" للعلامة المناوي (3/ 355) ط/ مكتبة مصر.

[5]  أخرجه مسند أحمد في "مسنده" - عالم الكتب (5/ 145) (رقم: 21296_21297)، وصححه الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (35/ 222) (رقم: 21297)، والألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 764) (رقم: 4165): عن أَبَي ذَرٍّ _رضي الله عنه_، يَقُولُ : كُنْتُ مُخَاصِرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا إِلَى مَنْزِلِهِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : (غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِي مِنَ الدَّجَّالِ)، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَدْخُلَ ، قُلْتُ : "يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ شَيْءٍ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِكَ مِنَ الدَّجَّالِ؟" قَالَ: (الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ)."

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين