شرح الحديث 106 من صحيح الترغيب

 

6 - (الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى)


106 - (2) [صحيح لغيره] ورُوي عن كعبِ بن مالك قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:

"من طلبَ العلمَ لِيُجاريَ به العلماء، أو ليُماري به السفهاءَ (1)، ويَصرفَ به وجوهَ الناسِ إليه، أدخلَه الله النارَ".

رواه الترمذي -واللفظ له-، وابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت" وغيره، والحاكم شاهداً والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث غريب".

 

ترجمة كعب بن مالك:

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1323)

(2205) كعب بْن مَالِك بْن أَبِي كَعْب.

واسم أَبِي كَعْب عَمْرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بْن كَعْب بْن سَلَمَة بْن سَعِيد بْن علي بْن أَسَد بْن ساردة بْن يَزِيد بْن جشم بْن الخزرج الأَنْصَارِيّ السَّلَمِيّ. يُكْنَى أبا عبد الله (وقيل: أبا عبد الرَّحْمَنِ)[1]،

أمه: ليلى بِنْت زَيْد بْن ثعلبة، من بني سَلَمَة أيضا. شهد العقبة الثانية، واختلف فِي شهوده بدرا."

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1323)

ولما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين كَعْب وبين طَلْحَة بْن عُبَيْد الله حين آخى بين المهاجرين والأنصار.[2]

كان أحد شعراء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الذين كانوا يردّون___الأذى عَنْهُ، وَكَانَ مجودا مطبوعا، قد غلب عَلَيْهِ فِي الجاهلية أمر الشعر، وعرف بِهِ[3]،

ثُمَّ أسلم وشهد العقبة، ولم يشهد بدرا، وشهد أحدا والمشاهد كلها حاشا تبوك، فإنه تخلف عنها. وقد قيل: إنه شهد بدرا، فاللَّه تعالى أعلم.

وهو أحد الثلاثة الأنصار الذين قَالَ الله فيهم:

{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ...} [التوبة: 118] الآية،

وهُمْ: كَعْب بْن مَالِك الشاعر هَذَا، وهِلال بن أمية، ومُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَة،

تخلفوا عَنْ غزوة تبوك، فتاب الله عليهم، وعذرهم، وغفر لهم، ونزل القرآن المتلو فِي شانهم.

وكان كَعْب بْن مَالِك يَوْم أحد لبس لأمة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت صفراء، ولبس النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته، فجرح كَعْب بْن مَالِك أحد عشر جرحا.

وتوفي كَعْب بْن مَالِك فِي زمن مُعَاوِيَة، سنة خمسين. وقيل: سنة ثلاث وخمسين، وَهُوَ ابْن سبع وسبعين[4]،

وَكَانَ قد عمي وذهب بصره فِي آخر عمره. يعد فِي المدنيين." اهـ

 

قال الله _تعالى_:

{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة: 118، 119]

 

الإصابة في تمييز الصحابة (5/ 457_358):

"وقال البغويّ: بلغني أنه مات بالشام في خلافة معاوية.

وقد أخرج أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني بسند شامي فيه ضعف وانقطاع: أنّ حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، والنعمان بن بشير، دخلوا على عليّ فناظروه في شأن عثمان، وأنشده كعب شعرا في رثاء عثمان، ثم خرجوا من عنده فتوجّهوا إلى معاوية فأكرمهم." اهـ

 

الأعلام للزركلي (5/ 228)

كَعْب بن مالِك

(000 - 50 هـ = 000 - 670 م)

كعب بن مالك بن عمرو بن القين، الأنصاري السّلَمِيُّ (بفتح السين واللام) الخزرجي: صحابي، من أكابر الشعراء من أهل المدينة.

اشتهر في الجاهلية، وكان في الإسلام من شعراء النبي _صلى الله عليه وآله_ وشهد أكثر الوقائع.

ثم كان من أصحاب عثمان، وأنجده يوم الثورة، وحرّض الأنصار على نصرته. ولما قُتِلَ عثمان، قعَد عن نصرة علي، فلم يشهد حروبه،

وعمي في آخر عمره وعاش سبعا وسبعين سنة.

قال روح بن زنباع: (أشجعُ بيْتٍ وصَف بِهِ رجُلٌ قوْمَه، قولُ كعْبٍ بن مالكٍ:

"نصل السيوف إذا قصرن بخطونا ... يوما ونُلحقها إذا لم تلحق."

له 80 حديثا، و "ديوان شعر" – ط. جمعه سامي العاني في بغداد." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

وفي "تحفة الأحوذي" (7/ 346)

(مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ) أَيْ لَا لِلَّهِ، بَلْ

(لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ)[5] أَيْ: يَجْرِي مَعَهُمْ فِي الْمُنَاظَرَةِ وَالْجِدَالِ لِيُظْهِرَ عِلْمَهُ فِي النَّاسِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، كَذَا فِي الْمَجْمَعِ

(أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ) جَمْعُ السَّفِيهِ، وَهُوَ قَلِيلُ الْعَقْلِ. وَالْمُرَادُ بِهِ: الْجَاهِلُ[6]،

أَيْ: لِيُجَادِلَ بِهِ الْجُهَّالَ.

وَالْمُمَارَاةُ:

* مِنَ (الْمِرْيَةِ): وَهِيَ الشَّكُّ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَحَاجِّينَ يَشُكُّ فِيمَا يَقُولُ صَاحِبُهُ وَيُشَكِّكُهُ مِمَّا يُورِدُ عَلَى حُجَّتِهِ

* أَوْ مِنَ (الْمَرْيِ) وَهُوَ مَسْحُ الْحَالِبِ لِيَسْتَنْزِلَ مَا بِهِ مِنَ اللَّبَنِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَنَاظِرَيْنِ يَسْتَخْرِجُ مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ

(وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ) أَيْ يَطْلُبَهُ بِنِيَّةِ تَحْصِيلِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَإِقْبَالِ الْعَامَّةِ عَلَيْهِ." اهـ

 

وقال الزيداني في "المفاتيح في شرح المصابيح" (1/ 321):

* "قوله: (ليجاري به العلماء)،

(المجاراة): المقاومة، وجعل الرجل نفسه مِثْلَ غيْرِهِ؛ يعني: لا يطلب العلم لله، بل ليقول للعلماء: "أنا عالم مثلكم"، ويتكبر، ويحصل لنفسه رفعة.

* قوله: (أو ليماري به السفهاء)،

(المماراة): المجادلة، (السفهاء): جمع سفيه، وهو ضعيف العقل، والمراد به ههنا: مَنْ ليس له علم،

يعني: ليجادل الجاهلين، ويقول لهم: "أنا عالم، وأنتم لستم بعالمين، وأنا خير منكم."

* قوله: (أو يصرفَ به وجوهَ الناس إليه)؛

يعني: طلب العلم على نية تحصيل المال والجاه من العوام؛ ليصير العوام مريدين يخدمونه ويعظمونه ويعطونه المال." اهـ[7]

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 304)

* (أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ دُخُولَ النَّارِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً دُعَائِيَّةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (2/ 262)

ولفظ حديث جابر: "لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تَخَيَّرُوا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار"

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (5/ 32) (رقم: 2654)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (ص: 105) (رقم: 141)، وفي "ذم الغيبة والنميمة" (ص: 5) (رقم: 3)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/ 103)، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/ 100) (رقم: 199)، والْمُخَلِّصُ في "الْمُخَلِّصِيَّات" (2/ 147) (رقم: 1245)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 161) (رقم: 293)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3/ 269) (رقم: 1636)، والخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1/ 87) (رقم: 24)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (50/ 176_177) (رقم الترجمة: 5818).

 

والحديث حسن لغيره: صرح بذلك الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1091) (رقم: 6383)

 

وقال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في تعليقه على "جامع الأصول" (4/ 543):

"أقول: ولكن للحديث شواهد بمعناه يقوى بها، منها ما رواه ابن ماجة رقم (253) عن ابن عمر و(254) عن جابر." اهـ

 

من فوائد الحديث:

 

1/ تحريم طلب العلم لأجل الدنيا

في"جامع العلوم والحكم" - ت الأرنؤوط (1/ 78):

"وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِثَلَاثٍ: لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِتُجَادِلُوا بِهِ الْفُقَهَاءَ، أَوْ لِتَصْرِفُوا بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ، وَابْتَغُوا بِقَوْلِكُمْ وَفِعْلِكُمْ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى وَيَذْهَبُ مَا سِوَاهُ." اهـ

 

جامع بيان العلم وفضله (1/ 559) (رقم: 937):

"قَالَ الْعَبَّاسُ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ:

(يَا بُنَيَّ، لَا تَعَلَّمِ الْعِلْمَ لِثَلَاثِ خِصَالٍ: لَا تُرَائِي بِهِ وَلَا تُمَارِ بِهِ وَلَا تُبَاهِ بِهِ، وَلَا تَدَعْهُ لِثَلَاثِ خِصَالٍ: رَغْبَةٌ فِي الْجَهْلِ، وَزَهَادَةٌ فِي الْعِلْمُ، وَاسْتِحْيَاءٌ مِنَ التَّعَلُّمِ)."

 

جامع بيان العلم وفضله (1/ 441) (رقم: 682):

"وَمِنْ مَوَاعِظِهِ لِابْنِهِ أَيْضًا: لَا تُجَادِلِ الْعُلَمَاءَ فَتَهُونَ عَلَيْهِمُ وَيَرْفُضُوكَ، وَلَا تُجَادِلِ السُّفَهَاءَ، فَيَجْهَلُوا عَلَيْكَ وَيَشْتِمُوكَ، وَلَكِنِ اصْبِرْ نَفْسَكَ لِمَنْ هُوَ فَوْقَكَ فِي الْعِلْمِ وَلِمَنْ هُوَ دُونَكَ فَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِالْعُلَمَاءِ مَنْ صَبَرَ لَهُمْ وَلَزِمَهُمْ وَاقْتَبَسَ مِنْ عِلْمِهِمْ فِي رِفْقٍ "

 

2/ والمطلوب من الطالب: أن يطلب العلم للعمل، لا للفخر والرياء

 

التبصرة لابن الجوزي (2/ 194)

عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى يَقُولُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:

"كَتَبَ حَكِيمٌ إِلَى حَكِيمٍ: يَا أَخِي قَدْ أُوتِيتُ عِلْمًا فَلا تُدَنِّسْ عِلْمَكَ بِظُلْمَةِ الذُّنُوبِ فَتَبْقَى فِي الظُّلْمَةِ يَوْمَ يَسْعَى أَهْلُ الْعِلْمِ بِنُورِ عِلْمِهِمْ.

والمأخوذ على العلم: أَنْ يَطْلُبَ الْعِلْمَ لِلْعَمَلِ بِهِ. فَفِي الْحَدِيثِ " مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ يُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ".

 

التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 305)

"وفيه أنه لا يطلب العلم إلا لوجه الله والعمل به." اهـ

 

3/ فيه: فضل العالم التقي

الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 37_38):

"وَعَنْ سُفْيَانَ قَالَ: (إنَّمَا فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى___غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَتَّقِي رَبَّهُ)." اهـ

 

4/ ومن طلب العلم لا لله، بل لغرض آخر يحصل له إثم عظيم،

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 322)

من طلب العلم لله يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، ويحصل له ثواب كثير، ومن طلب العلم لا لله، بل لغرض آخر يحصل له إثم عظيم، وكذلك جميع الأعمال الصالحة." اهـ

 

5/ سوء النية سبب للعذاب

التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 305)

مجرد النية سبب للعذاب، وفيه أنه لا يطلب العلم إلا لوجه الله والعمل به.

 

6/ فيه بيان أنه قد بقي الدين بأيدي من لا يخلص نيته في طلبه

الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 38)

وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: (يُبْقِي اللَّهُ لِهَذَا الْعِلْمِ قَوْمًا يَطْلُبُونَهُ، وَلَا يَطْلُبُونَهُ خَشْيَةً، وَلَيْسَتْ لَهُمْ نِيَّةٌ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى كَيْ لَا يَضِيعَ الْعِلْمُ فَيَبْقَى عَلَيْهِمْ حُجَّةً).

وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِلَّهِ وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَبْغَضُ إلَى اللَّهِ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِغَيْرِ اللَّهِ.

 

7/ فيه وعيد شديد لمن لا يحسن نيته في الطلب

شرح المصابيح لابن الملك (1/ 209)

وفي الحديث: وعيد لمن لم يكن له غرض صحيح في طلب العلم.

 

8/ المماراة مَعَ السُّفَهَاء قد يكون سَببا لدُخُول النَّار

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 430)

جعل المماراة مَعَ السُّفَهَاء سَببا لدُخُول النَّار لظُهُور نُفُوسهم فِي طلب الْقَهْر وَالْغَلَبَة وهما من صِفَات الشيطنة فِي الْآدَمِيّ

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (2/ 682):

"وأما المماراة والمجادلة، قد يستثنى منهما كما في قوله تعالى: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف: 22]،

أي: لا تجادل أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف إلا جدالاً ظاهراً غير متعمق فيه، ولا تجهلهم ولا تعنف بهم في الرد عليهم، كما قال الله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]،

أي: بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة، من الرفق واللين من غير فظاظة ولا تعنيف.

والسفهاء خفاف الأحلام، فلا تجادلهم، ولا تقل لهم: أنا أعلم وأنتم السفهاء، فتثور الخصومة والشحناء.

ويفهم منه أن بعضاً من المراء محمود، وهو أن يمتري الأستاذ التلميذ، فينظر ما مقدار فهمه أو تحصيله، من المراء، وهو مسح الحالب الضر.

ولعل منه سؤال جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور الصحابة ليريهم الله أنه _صلى الله عليه وسلم_ ملئ من العلوم، وعلمه مأخوذٌ من الوحي، فيزيد رغبتهم ونشاطهم فيه، وهو المعنى بقوله: ((ليعلمكم أمر دينكم)) [م] كما سبق." اهـ

 

قلت:

 

وفي "تفسير ابن كثير" - ت سلامة (5/ 148):

"وَفِي تَسْمِيَتِهِمْ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَاسْمِ كَلْبِهِمْ نَظَرٌ فِي صِحَّتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ غَالِبَ ذَلِكَ مُتَلَقَّى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا} أَيْ: سَهْلًا هَيِّنًا؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ." اهـ

 

وفي "تفسير ابن كثير" – ت. سلامة (4/ 613):

"وَقَوْلُهُ: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

أَيْ: مَنِ احْتَاجَ مِنْهُمْ إِلَى مُنَاظَرَةٍ وَجِدَالٍ، فَلْيَكُنْ بِالْوَجْهِ الْحَسَنِ بِرِفْقٍ وَلِينٍ وَحُسْنِ خِطَابٍ، كَمَا قَالَ: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [الْعَنْكَبُوتِ: 46]

فَأَمَرَهُ تَعَالَى بِلِينِ الْجَانِبِ، كَمَا أَمَرَ مُوسَى وَهَارُونَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، حِينَ بَعَثَهُمَا إِلَى فِرْعَوْنَ فَقَالَ: {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]." اهـ

 

9/ فيه: التصريح بأن الْفَضْلَ في طلب إنما هو في من طَلَبَهُ مُرِيدًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى

تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم (ص: 9)

واعلم أن جميع ما ذُكِرَ من فضيلة العلم والعلماء إنما هو في حق العلماء العاملين الأبرار المتقين الذين قصدوا به وجه الله الكريم، والزلفى لديه في جنات النعيم، لا من طلبه بسوء نية أو خبث طوية أو لأغراض دنيوية من جاه أو مال أو مكاثرة في الأتباع والطلاب.

 

المجموع شرح المهذب (1/ 23)

اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَضْلِ في طلب انما هو في من طَلَبَهُ مُرِيدًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِغَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا وَمَنْ أَرَادَهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَمَالٍ أَوْ رِيَاسَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ وَجَاهَةٍ أَوْ شُهْرَةٍ أَوْ اسْتِمَالَةِ النَّاسِ إلَيْهِ أَوْ قَهْرِ الْمُنَاظِرِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مَذْمُومٌ

 

وقال عصام بن موسى بن هادي الفلسطيني في "السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير" (1/ 83):

"باب التحذير من طلب العلم لغير اللَّه." اهـ

 

أخلاق العلماء للآجري – ت. إسماعيل بن محمد الأنصاري (ص: 83)

كِتَابُ أَخْلَاقِ الْعَالِمِ الْجَاهِلِ الْمُفْتَتِنِ بِعِلْمِهِ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: قَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ صَحَابَتِهِ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ_ وَعَنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ _رَحِمَهُمُ اللَّهُ_ بِصِفَةِ عُلَمَاء فِي الظَّاهِرِ. لَمْ يَنْفَعْهُمُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ مِمَّنْ طَلَبَهُ لِلْفَخْرِ وَالرِّيَاءِ وَالْجَدَلِ وَالْمِرَاءِ، وَتَأَكَّلَ بِهِ الْأَغْنِيَاءَ، وَجَالَسَ بِهِ الْمُلُوكَ، وَأَبْنَاءَ الْمُلُوكِ، لِيَنَالَ بِهِ الدُّنْيَا، فَهُوَ يَنْسِبُ نَفْسَهُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَخْلَاقُهُ أَخْلَاقُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْجَفَاءِ، فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ، لِسَانُهُ لِسَانُ الْعُلَمَاءِ، وَعَمَلُهُ عَمَلُ السُّفَهَاءِ." اهـ

 

10/ أنواع الناس في طلب العلم

وقال الزالي في "بداية الهداية" (ص: 26_27):

"واعلم أن الناس في طلب العلم على ثلاثة أحوال:

[1] رجل طلب العلم ليتخذه زاده إلى المعاد، ولم يقصد به إلا وجه الله والدار الآخرة؛ فهذا من الفائزين.

[2] ورجل طلبه ليستعين به على حياته العاجلة، وينال به العز والجاه والمال، وهو عالم بذلك، مستشعر في قلبِه ركاكةَ حاله وخِسَّةَ مقصِدِهِ، فهذا من المخاطرين.

فإن عاجله أجله قبل التوبة، خيف عليه من سوء الخاتمة، وبقي أمره في خطر___المشيئة؛ وإنْ وفق للتوبة قبل حلول الأجل، وأضاف إلى العلم العمل، وتدارك ما فرط منه من الخلل، التحق بالفائزين. فإن (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)[8].

[3] ورجل ثالث استحوذ عليه الشيطان؛ فاتخذ علمه ذريعة إلى التكاثر بالمال، والتفاخر بالجاه، والتعزز بكثرة الأتباع،

يدخل بعلمه كل مدخل رجاء أن يقضى من الدنيا وطره، وهو مع ذلك يضمر في نفسه أنه عند الله بمكانة، لاتسامه بسمة العلماء، وترسمه برسومهم في الزى والمنطق، مع تكالبه على الدنيا ظاهرا وباطنا.

فهذا من الهالكين، ومن الحمقى المغرورين؛ إذ الرجاء منقطع عن توبته لظنه أنه من المحسنين، وهو غافل عن قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2].

وهو ممن قال فيهم رسول الله: (أنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال)[9] فقيل: وما هو يا رسول الله؟، فقال: (علماء السوء).

وهذا لأن الدجال غايته الإضلال، ومثل هذا العالم وإن صرف الناس عن الدنيا بلسانه ومقاله فهو دافع لهم إليها بأعماله وأحواله،

ولسان الحال أفصح من لسان المقال، وطباع الناس إلى المساعدة في الأعمال أميل منها إلى المتابعة في الأقوال؛

فما أفسده هذا المغرور بأعماله أكثر مما أصلحه بأقواله، إذ لا يستجرىء الجاهل على الرغبة في الدنيا إلا باستجراء العلماء، فقد صار علمه سببا لجرأة عباد الله على معاصيه، ونفسه الجاهلة مذلة مع ذلك تمنيه وترجيه، وتدعوه إلى أن يمن على الله بعلمه، وتخيل إليه نفسه أنه خير من كثير من عباد الله.

فكن أيها الطالب من الفريق الأول، واحذر أن تكون من الفريق الثاني، فكم من مسوف عاجله الأجل قبل التوبة فخسر، وإياك ثم إياك أن تكون من الفريق الثالث، فتهلك هلاكا لا يرجى معه فلاحك، ولا ينتظر صلاحك." اهـ

 

11/ ذَمِّ الْجِدَالِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ وَذِكْرِ شُؤْمِهِ

وقال الهروي (المتوفى: 481هـ) في ذم الكلام وأهله (1/ 131)

الْبَابُ الرَّابِعُ: بَابُ ذَمِّ الْجِدَالِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ وَذِكْرِ شُؤْمِهِ

 

12/ توقير العلماء

السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير (1/ 84)

باب توقير العلماء



[1]  وفي معجم الصحابة للبغوي (5/ 105)

"عن هارون بن إسماعيل مِنْ ولد كعب بن مالك قال: (كانت كنية كعب في الجاهلية: أبو بشير، فكناه النبي _صلى الله عليه وسلم_ بـ"أبي عبد الرحمن"، ولم يكن لمالك ولد غير كعب)." اهـ

وفي الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 36) (رقم: 3123): "سراقة بن مالك الأنصاريّ: أخو كعب بن مالك. ذكره الحاكم." اهـ

[2]  وفي "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 435): "وَفِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ: إِنَّ كَعْبًا قَاتَلَ يَوْمَ أُحُدٍ قِتَالًا شَدِيدًا، حَتَّى جُرِحَ سَبْعَةَ عَشْرَ جُرْحًا." اهـ

[3]  وفي "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 435):

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانَ شُعَرَاءُ الصَّحَابَةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الشُّعَرَاءِ مَا أَنْزَلَ، قَالَ: " إِنَّ الْمُجَاهِدَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بيده ترمونهم به نضح النبل ".

قال ابْنُ سِيرِينَ: أَمَّا كَعْبٌ فَكَانَ يَذْكُرُ الْحَرْبَ ويقول: فعلنا ونفعل ويتهددهم. وَأَمَّا حَسَّانُ فَكَانَ يَذْكُرُ عُيُوبَهُمْ وَأَيَّامَهُمْ. وَأَمَّا ابْنُ رَوَاحَةَ فَكَانَ يُعَيِّرُهُمْ بِالْكُفْرِ.

وَقَدْ أَسْلَمَتْ دَوْسٌ فرقاً مِنْ بَيْتٍ قَالَهُ كَعْبٌ." اهـ

[4]  وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 436): "وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ: أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ. وَعَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ أَيْضًا: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَة إحدى وخمسين." اهـ

[5]  وفي "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" (1/ 155) للبيضاوي:

"(من طلب العلم ليجاري به العلماء) الحديثَ.

(المجاراة): المفاخرة، مأخوذ من (الجري)، لأن كل واحد__من المتفاخرين يجري مجرى الآخر." اهـ

[6]  وفي "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" (1/ 156) للبيضاوي: "و(السفهاء): الجهال، فإن عقولهم ناقصة مرجوحة بالإضافة إلى عقول العلماء." اهـ

[7]  وفي "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1/ 325) لعبيد الله الرحمني:

"(أو يصرف به) أي يميل بالعلم (وجوه الناس إليه) أي ينوى به تحصيل المال والجاه، وصرف وجوه الناس العوام والطلبة إليه، وجعلهم كالخدم له، أو جعلهم ناظرين إليه إذا تكلم، متعجبين من كلامه إذا تكلم، مجتمعين حوله إذا جلس." اهـ

[8]  أخرجه ابن ماجه (4250) والطبراني في "المعجم الكبير" (ج10/رقم10281) وغيرهما بسند منقطع، ولكن للحديث شواهد؛ ولذا حسنه الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في "الفتح" تحت الحديث رقم (7507)، ورمز الحافظ السيوطي لحسنه في "الجامع الصغير" (3385)، وراجع "السلسلة الضعيفة" للشيخ ناصر الدين الألباني (615)، و"فيض القدير شرح الجامع الصغير" للعلامة المناوي (3/ 355) ط/ مكتبة مصر.

[9]  أخرجه مسند أحمد في "مسنده" - عالم الكتب (5/ 145) (رقم: 21296_21297)، وصححه الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (35/ 222) (رقم: 21297)، والألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 764) (رقم: 4165): عن أَبَي ذَرٍّ _رضي الله عنه_، يَقُولُ : كُنْتُ مُخَاصِرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا إِلَى مَنْزِلِهِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : (غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِي مِنَ الدَّجَّالِ)، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَدْخُلَ ، قُلْتُ : "يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ شَيْءٍ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِكَ مِنَ الدَّجَّالِ؟" قَالَ: (الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ)."

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين