الحديث الحادي والعشرون من كتاب أربعين حديثا في التربية والمنهج

 

الحديث الحادي والعشرون

عن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنها قال:

قال رسول الله ﷺ:

«مَنْ تَطَبَّبَ، وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ، فَهُوَ ضَامِنٌ»

 

شرح الحديث:

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (12/ 215)

(مَنْ تَطَبَّبَ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى أَيْ تَعَاطَى عِلْمَ الطِّبِّ وَعَالَجَ مَرِيضًا (وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ) أَيْ مُعَالَجَةٌ صَحِيحَةٌ غَالِبَةٌ عَلَى الْخَطَأِ فَأَخْطَأَ فِي طِبِّهِ وَأَتْلَفَ شَيْئًا مِنَ الْمَرِيضِ (فَهُوَ ضَامِنٌ) لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ الْهَلَاكُ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ إِذْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فَتَكُونُ جِنَايَتُهُ مَضْمُونَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (36/ 251)

قَالَ عبد العزيز: أما إنه ليس بالنعت، إنما هو قطع العُرُوق، والبطّ، والكيّ. انتهى. وقوله: "فأعنت": أي أضرّ بالمريض، وأفسده. وقوله: "البطّ": أي الشقّ. و"الكيّ": أي حرق الجلد بحديدة، ونحوها. ومراد عبد العزيز -والله أعلم- أن لفظ الطبيب الواقع فِي الْحَدِيث ليس المقصود منه معناه الوصفيّ العامّ الشامل لكلّ منْ يُعالج، بل المقصود منه قاطع العروق، والباطّ، والكاوي، ولكن أنت تعلم أن لفظ الطبيب فِي اللغة عامّ لكلّ منْ يعالج الجسم، فلابدّ للتخصيص ببعض الأنواع منْ دليل. انتهى "عون المعبود" 12/ 330 - 331.

 

المغني لابن قدامة (5/ 398)

مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَلَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ، وَلَا خَتَّانٍ، وَلَا مُتَطَبِّبٍ، إذَا عُرِفَ مِنْهُمْ حِذْقُ الصَّنْعَةِ، وَلَمْ تَجْنِ أَيْدِيهمْ)

وَجُمْلَتُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ إذَا فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ، لَمْ يَضْمَنُوا بِشَرْطَيْنِ:

* أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونُوا ذَوِي حِذْقٍ فِي صِنَاعَتِهِمْ، وَلَهُمْ بِهَا بِصَارَةٌ وَمَعْرِفَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ مُبَاشَرَةُ الْقَطْعِ، وَإِذَا قَطَعَ مَعَ هَذَا كَانَ فِعْلًا مُحَرَّمًا، فَيَضْمَنُ سِرَايَتَهُ، كَالْقَطْعِ ابْتِدَاءً.

* الثَّانِي: أَنْ لَا تَجْنِيَ أَيْدِيهِمْ، فَيَتَجَاوَزُوا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ

فَإِذَا وُجِدَ هَذَانِ الشَّرْطَانِ. لَمْ يَضْمَنُوا؛ لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا قَطْعًا مَأْذُونًا فِيهِ، فَلَمْ يَضْمَنُوا؛ سِرَايَتَهُ، كَقَطْعِ الْإِمَامِ يَدَ السَّارِقِ، أَوْ فَعَلَ فِعْلًا مُبَاحًا مَأْذُونًا فِي فِعْلِهِ، أَشْبَهَ مَا ذَكَرْنَا.

فَأَمَّا إنْ كَانَ حَاذِقًا وَجَنَتْ يَدُهُ، مِثْلُ أَنْ تَجَاوَزَ قَطْعَ الْخِتَانِ إلَى الْحَشَفَةِ، أَوْ إلَى بَعْضِهَا، أَوْ قَطَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقَطْعِ، أَوْ يَقْطَعُ الطَّبِيبُ سِلْعَةً مِنْ إنْسَانٍ، فَيَتَجَاوَزُهَا، أَوْ يَقْطَعُ بِآلَةٍ كَالَّةٍ يَكْثُرُ أَلَمُهَا، أَوْ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ الْقَطْعُ فِيهِ، وَأَشْبَاهِ هَذَا، ضَمِنَ فِيهِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَا يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَأَشْبَهَ إتْلَافَ الْمَالِ، وَلِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، فَيَضْمَنُ سِرَايَتَهُ، كَالْقَطْعِ ابْتِدَاءً

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي النِّزَاعِ، وَالْقَاطِعِ فِي الْقِصَاصِ، وَقَاطِعِ يَدِ السَّارِقِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْي، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

 

زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 128_130)

الْأَقْسَامُ خَمْسَةٌ:

أَحَدُهَا: طَبِيبٌ حَاذِقٌ أَعْطَى الصَّنْعَةَ حَقَّهَا وَلَمْ تَجْنِ يَدُهُ، فَتَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، وَمِنْ جِهَةِ مَنْ يَطِبُّهُ تَلَفُ الْعُضْوِ أَوِ النَّفْسِ، أَوْ ذَهَابُ صِفَةٍ، فَهَذَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا،

فَإِنَّهَا سِرَايَةُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَهَذَا كَمَا إِذَا خَتَنَ الصَّبِيَّ فِي وَقْتٍ، وَسِنُّهُ قَابِلٌ لِلْخِتَانِ، وَأَعْطَى الصَّنْعَةَ حَقَّهَا، فَتَلِفَ الْعُضْوُ أَوِ الصَّبِيُّ، لَمْ يَضْمَنْ،

وَكَذَلِكَ إِذَا بَطَّ مِنْ عَاقِلٍ أَوْ غَيْرِهِ مَا يَنْبَغِي بَطُّهُ فِي وَقْتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي فَتَلِفَ بِهِ، لَمْ يَضْمَنْ، وَهَكَذَا سِرَايَةُ كُلِّ مَأْذُونٍ فِيهِ لَمْ يَتَعَدَّ الْفَاعِلُ فِي سَبَبِهَا، كَسِرَايَةِ الْحَدِّ بِالِاتِّفَاقِ.

وَسِرَايَةُ الْقِصَاصِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لأبي حنيفة فِي إِيجَابِهِ الضَّمَانَ بِهَا، وَسِرَايَةِ التَّعْزِيرِ، وَضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَالْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ، وَالْمُسْتَأْجِرِ الدَّابَّةَ، خِلَافًا لأبي حنيفة وَالشَّافِعِيِّ فِي إِيجَابِهِمَا الضَّمَانَ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ ضَرْبَ الدَّابَّةِ.

وَقَاعِدَةُ الْبَابِ إِجْمَاعًا وَنِزَاعًا: أَنَّ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ مَضْمُونَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَسِرَايَةُ الْوَاجِبِ مُهْدَرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا بَيْنَهُمَا فَفِيهِ النِّزَاعُ.

فأبو حنيفة أَوْجَبَ ضَمَانَهُ مُطْلَقًا، وأحمد ومالك أَهْدَرَا ضَمَانَهُ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْمُقَدَّرِ، فَأَهْدَرَ ضَمَانَهُ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمُقَدَّرِ فَأَوْجَبَ ضَمَانَهُ. فأبو حنيفة نَظَرَ إِلَى أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْفِعْلِ إِنَّمَا وَقَعَ مَشْرُوطًا بِالسَّلَامَةِ، وأحمد ومالك نَظَرَا إِلَى أَنَّ الْإِذْنَ أَسْقَطَ الضَّمَانَ، وَالشَّافِعِيُّ نَظَرَ إِلَى أَنَّ الْمُقَدَّرَ لَا يُمْكِنُ النُّقْصَانُ مِنْهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُقَدَّرِ كَالتَّعْزِيرَاتِ وَالتَّأْدِيبَاتِ فَاجْتِهَادِيَّةٌ، فَإِذَا تَلِفَ بِهَا، ضَمِنَ، لِأَنَّهُ فِي مَظِنَّةِ الْعُدْوَانِ.____

الْقِسْمُ الثَّانِي: مُطَبِّبٌ جَاهِلٌ بَاشَرَتْ يَدُهُ مَنْ يَطِبُّهُ، فَتَلِفَ بِهِ، فَهَذَا إِنْ عَلِمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَاهِلٌ لَا عِلْمَ لَهُ، وَأَذِنَ لَهُ فِي طِبِّهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَا تُخَالِفُ هَذِهِ الصُّورَةُ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ السِّيَاقَ وَقُوَّةَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَرَّ الْعَلِيلَ، وَأَوْهَمَهُ أَنَّهُ طَبِيبٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ ظَنَّ الْمَرِيضُ أَنَّهُ طَبِيبٌ، وَأَذِنَ لَهُ فِي طَبِّهِ لِأَجْلِ مَعْرِفَتِهِ، ضَمِنَ الطَّبِيبُ مَا جَنَتْ يَدُهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ وَصَفَ لَهُ دَوَاءً يَسْتَعْمِلُهُ، وَالْعَلِيلُ يَظُنُّ أَنَّهُ وَصَفَهُ لِمَعْرِفَتِهِ وَحِذْقِهِ فَتَلِفَ بِهِ، ضَمِنَهُ، وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِيهِ أَوْ صَرِيحٌ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: طَبِيبٌ حَاذِقٌ، أَذِنَ لَهُ وَأَعْطَى الصَّنْعَةَ حَقَّهَا، لَكِنَّهُ أَخْطَأَتْ يَدُهُ، وَتَعَدَّتْ إِلَى عُضْوٍ صَحِيحٍ فَأَتْلَفَهُ، مِثْلَ أَنْ سَبَقَتْ يَدُ الْخَاتِنِ إِلَى الْكَمَرَةِ،

فَهَذَا يَضْمَنُ لِأَنَّهَا جِنَايَةُ خَطَأٍ، ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الثُّلُثَ فَمَا زَادَ، فَهُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةٌ،

فَهَلْ تَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الطَّبِيبُ ذِمِّيًّا، فَفِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ، أَوْ تَعَذَّرَ تَحْمِيلُهُ،

فَهَلْ تَسْقُطُ الدِّيَةُ، أَوْ تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَشْهُرُهُمَا: سُقُوطُهَا.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الطَّبِيبُ الْحَاذِقُ الْمَاهِرُ بِصَنَاعَتِهِ، اجْتَهَدَ فَوَصَفَ لِلْمَرِيضِ دَوَاءً فَأَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ، فَقَتَلَهُ،

فَهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ دِيَةَ الْمَرِيضِ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهَا عَلَى عَاقِلَةِ الطَّبِيبِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِمَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي خَطَأِ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ.____

الْقِسْمُ الْخَامِسُ: طَبِيبٌ حَاذِقٌ أَعْطَى الصَّنْعَةَ حَقَّهَا، فَقَطَعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ إِذْنِ وَلِيِّهِ، أَوْ خَتَنَ صَبِيًّا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ، فَتَلِفَ،

فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ فِعْلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْبَالِغُ، أَوْ وَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، لَمْ يَضْمَنْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَضْمَنَ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا، فَلَا أَثَرَ لِإِذْنِ الْوَلِيِّ فِي إِسْقَاطِ الضَّمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا، فَلَا وَجْهَ لِضَمَانِهِ.

فَإِنْ قُلْتَ: هُوَ مُتَعَدٍّ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ، غَيْرُ مُتَعَدٍّ عِنْدَ الْإِذْنِ، قُلْتُ: الْعُدْوَانُ وَعَدَمُهُ إِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى فِعْلِهِ هُوَ، فَلَا أَثَرَ لِلْإِذْنِ وَعَدَمِهِ فِيهِ، وَهَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه أبو داود في "سننه" (4/ 195) (رقم: 4586)، والنسائي في "سننه" (8/ 52) (رقم: 4830)، وفي "السنن الكبرى" (6/ 366 و 6/ 378) (رقم: 7005 و 7039)، سنن ابن ماجه (2/ 1148) (رقم: 3466)، وغيرهم

 

والحديث حسن: حسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2/ 226) (رقم: 635)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1059) (رقم: 6153)

 

وقال الشيخ عبد الزيز بن محمد السدحان _حفظه الله_ في كتابه "أربعين حديثا في التربية والمنهج" (ص ٤٨_49):

 

"* فيه: ذم من ادعى ما ليس فيه.

* وفيه: شرف مهنة طب الأبدان.

 

قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

« إِنَّمَا الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمُ الدِّينِ، وَعِلْمُ الدُّنْيَا. فَالْعِلْمُ الَّذِي لِلدِّينِ هُوَ: الْفِقْهُ، وَالْعِلْمُ الَّذِي لِلدُّنْيَا هُوَ: الطِّبُّ». [آداب الشافعي ومناقبه (ص: 244)]

 

وقال أيضا: «لا تسكنن بلدا لا يكُوْنَنَّ فيه عالم ينبئك عن دينك، ولا طبيب ينبئك عن أمر بدنك» [تاريخ دمشق لابن عساكر (51/ 410)][1].

 

وفيه: الإشارة إلى أن من ادعى ما ليس فيه فهو مفسد . وفيه: وجوب الضمان لما أتلف بدعوى التعالم.

 

وفيه: أنه إذا كان هذا في فساد الأبدان فكيف بمن لبس ثوب العلماء وتعالم وأفسد الأديان والقلوب؟!

 

ومما يحسن ذكره هنا: تفاوت دعاة الخير في دعوة الناس كل بحسب علمه، وفي كل وإنا المحذور أن يتعالم أحد فيها لا علم له به فيلبس ثوب غيره فيضر نفسه ويضر غيره، ولذا يلتبس على كثير من مريدي الإصلاح - وبخاصة الناشئة - الفرق بين العالم الذي خير،

 

أمرنا الله تعالى بسؤاله، وبين غير العالم ممن فتح له باب في الخطابة أو العبادة أو الكتابة.

 

فموهبة الخطابة والكتابة وكثرة العبادة كل ذلك من أبواب الخير والفضل إذا كان صاحبها على علم،

لكن مع ذلك كله تبقى الفتيا - وبخاصةٍ في الأمور الخاصة - موقوفة على العالم المعروف بصحة المعتقد وسلامة المنهج والرسوخ في العلم.

 

وهذا اللبس (عدم التفريق بين العلماء وغيرهم) جرَّ على كثير من مجتمعات المسلمين نكبات وويلات في وقت، هم أحوج ما يكونون إلى التكاتف والترابط .

 

لكن تصدر بعض الناس )مِمَّنْ لا يُعْرَفُوْنَ بالعلم، فضلا عن التضلع فيه( لمجالس الفتيا وإصدار الفتاوى المجردة من الدليل الشرعي - بسبب عاطفة جياشة أو محاكاة لآخرين –

أضاع كثيرا من الجهود وكان سببا في إغلاق أبواب من الخير وفتح أبواب من الشتر _نسأل الله تعالى أن يحفظ المصلحين من كيد الهوى والشيطان_.

 

وعلى هذا؛ فعلى مريد الإصلاح أن يتريث إذا التبست الأمور، وليحذر من الأخذ بكل ما يسمع، ولو كان معجبا به. فكل هذا لا يشفع لأخذ كلامه بالقناعة التامة،

 

فمنزلة العالم لا يبلغها المتكلم والخطيب، ولا يكاد، إذا كان عازفا عن طلب العلم الشرعي.

 

كذلك على مريد الإصلاح ممن أوتي حظًّا في الخطابة أو الكتابة ونحوهما وحسن ظن الناس فيه ـ لخلقه وسمته ـ أن يعرف قدر نفسه،

 

فلا يفتي بغير علم، ولا يستنكف أو يستحيي من قول: لا أدري؛ لئلا يورد يورد نفسه وغيره موارد الزلل، وبإمكانه أن يرشد إلى أهل العلم فيما لا علم له به، فيكون دالا على خير عظيم، فضلا عن استبرائه لدينه

 

من فوائد الحديث:

 

وقال أبو سليمان الخطابي في "معالم السنن" (4/ 39):

"لا أعلم خلافاً في المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامناً والمتعاطي علماً أو عملاً لا يعرفه متعدي،

فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية وسقط عنه القود لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض، وجناية الطبيب في قول عامة الفقهاء على عاقلته."

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (36/ 252)

فِي فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان كون القتل بالطبّ منْ نوع شبه العمد، كما أسلفه فِي أول الباب.

(ومنها): مشروعية التداوي بالطبّ، إذا كَانَ الطبيب معروفًا به.

(ومنها): تحريم الطب عَلَى منْ لا يُتقنه، ولا يُحسنه؛ لأنه إلحاق ضرر بالمسلمين.

(ومنها): وجوب الضمان عَلَى منْ تطبب بغير علم، فتلف به إنسان، أو شيء منه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

سبل السلام (2/ 363)

الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَضْمِينِ الْمُتَطَبِّبِ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ فَمَا دُونَهَا سَوَاءٌ أَصَابَ بِالسِّرَايَةِ أَوْ بِالْمُبَاشَرَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، وَقَدْ ادَّعَى عَلَى هَذَا الْإِجْمَاعَ.

وَفِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ إذَا أَعْنَتَ أَيْ الْمُتَطَبِّبُ كَانَ عَلَيْهِ الضَّرْبُ وَالسَّجْنُ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَقِيلَ: عَلَى الْعَاقِلَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَطَبِّبَ هُوَ مَنْ لَيْسَ لَهُ خِبْرَةٌ بِالْعِلَاجِ وَلَيْسَ لَهُ شَيْخٌ مَعْرُوفٌ وَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ هُوَ مَنْ لَهُ شَيْخٌ مَعْرُوفٌ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِجَوْدَةِ الصَّنْعَةِ وَإِحْكَامِ الْمَعْرِفَةِ.

 

 



[1]  وفي آداب الشافعي ومناقبه (ص: 244): عَنِ الشَّافِعِيِّ _رَحِمَهُ اللَّهُ_، قَالَ: "لا تَسْكُنَنَّ بَلَدًا لا يَكُونُ فِيهِ عَالِمٌ يُفْتِيكَ عَنْ دِينِكَ، وَلا طَبِيبٌ يُنْبِئُكَ عَنْ أَمْرِ بَدَنِكَ." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين