شرح الحديث 73 من كتاب رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

[73] الخامس : عن أبي أُمَامَةَ صُدَيّ بنِ عجلانَ الباهِلِيِّ _رضي الله عنه_ قَالَ:

سَمِعتُ رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_ يَخْطُبُ في حجةِ الوداعِ، فَقَالَ:

«اتَّقُوا الله، وَصلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا أُمَرَاءكُمْ: تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» رواه الترمذي، في آخر كتابِ الصلاةِ، وَقالَ: (حديث حسن صحيح)

 

ترجمة أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي _رضي الله عنه_ :

 

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 1020)

أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ: صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَزِيلُ حِمْصَ، اسْمُهُ: صُدَيُّ بْنُ عَجْلانَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَرِيبٍ مِنْ أَعْصَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسٍ عَيْلانُ.

رَوَى عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَعَنْ: عُمَرَ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذٍ، وَغَيْرِهِمْ." اهـ

 

وفي "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" (1/ 243) لأبي بكر السيوطي:

"أبو أمامة الباهلي صُدَيّ بن عجلان "ك". من مشاهير الصحابة.

قال الذهبي: سكن مصر، ثم سكن حمص. قال ابن عيينة: كان آخر من مات بالشام من الصحابة، وكانت وفاته سنة ست وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة." اهـ

 

وفي الأعلام للزركلي (3/ 203) :

"صُدَيُّ بْنُ عَجْلاَنَ بْنِ وَهْبٍ الباهِلِيُّ، أبو أمامة: صحابي. كان مع علي في (صفين) وسكن الشام، فتوفي في أرض حمص. وهو آخر من مات من الصحابة بالشام. له في الصحيحين 250 حديثا". اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

عن أبي أُمَامَةَ صُدَيّ بنِ عجلانَ الباهِلِيِّ _رضي الله عنه_ قَالَ:

سَمِعتُ رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_ يَخْطُبُ في حجةِ الوداعِ، فَقَالَ:

«اتَّقُوا الله،

وفي مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (1/ 529) للشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي :

"قال الإمام ابن رجب _رحمه الله_ : "أصل التقوى أن يجَعَل العبد بينه وبين ما يخافه ويَحذره وقايةً تقيه منه، فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك، وهو فعل طاعته، واجتناب معاصيه." اهـ

 

وَصلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا أُمَرَاءكُمْ:

 

وفي تحفة الأحوذي (3/ 193)

"قال القارىء : "أَيِ: الْخَلِيفَةَ وَالسُّلْطَانَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْأُمَرَاءِ أَوِ الْمُرَادُ الْعُلَمَاءُ أَوْ أَعَمُّ أَيْ كُلُّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرًا مِنْ أُمُورِكُمْ سَوَاءٌ كَانَ السُّلْطَانَ وَلَوْ جَائِرًا وَمُتَغَلِّبًا وَغَيْرَهُ وَمِنْ أُمَرَائِهِ وَسَائِرِ نُوَّابِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَلَمْ يَقُلْ أَمِيرَكُمْ إِذْ هُوَ خَاصٌّ عُرْفًا بِبَعْضِ مَنْ ذُكِرَ وَلِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر منكم." انتهى كلام القارىء." اهـ

 

وفي تحفة الأحوذي (3/ 194):

"وَقَالَ العيني في عمدة القارىء ص 455 ج 8 :

"قوله (وأولى الأمر منكم)، فِي تَفْسِيرِهِ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا :

الْأَوَّلُ: الْأُمَرَاءُ قاله بن عباس وأبو هريرة وبن زَيْدٍ وَالسُّدِّيُّ. الثَّانِي: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. الثَّالِثُ: جَمِيعُ الصَّحَابَةِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ. الرَّابِعُ: الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ فِيمَا قَالَهُ الثَّعْلَبِيُّ. الْخَامِسُ: الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ قَالَهُ عَطَاءٌ. السَّادِسُ: الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ. السَّابِعُ: أَرْبَابُ الْعَقْلِ الذين يسوسون أمر الناس قاله بن كَيْسَانَ. الثَّامِنُ: الْعُلَمَاءُ وَالْفُقَهَاءُ قَالَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ. التَّاسِعُ: أُمَرَاءُ السَّرَايَا قَالَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ. والعاشر: أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَاخْتَارَهُ مَالِكٌ. الْحَادِيَ عَشَرَ: عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ شَيْءٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ ذَوِي الْأَمْرِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ." اهـ

 

تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» . رواه الترمذي، في آخر كتابِ الصلاةِ، وَقالَ: (حديث حسن صحيح) .

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الترمذي في "سننه" (2/ 516) (رقم : 616)، وأحمد في "مسنده" (36/ 486) (رقم : 22161)، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 505) (رقم : 1061)، وابن حبان في "صحيحه" (10/ 426) (رقم : 4563)، والدارقطني في "سننه" (3/ 362) (رقم : 2759)، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 115) (رقم : 7535)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (رقم : 6967)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 52) (رقم : 19)، والروياني في "مسنده" (2/ 309) (رقم : 1264)

 

والحديث صحيح: صححه المحدث الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2/ 524) (رقم : 867)

 

من فوائد الحديث :

 

شرح رياض الصالحين (1/ 534) للعثيمين:

"كانت خطب الرسول _عليه الصلاة والسلام_ علي قسمين: خُطَب راتبة، وخطب عارضة.

فأما الراتبة : فهي خطبة في الجمع والأعياد، فإنه _صلى الله عليه وسلم_ كان يخطب الناس في كل جمعة وفي كل عيد." اهـ

 

تحفة الأحوذي (3/ 192) للمباركفوري :

قَوْلُهُ (وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ) أَضَافَ إِلَيْهِمْ لِيُقَابِلَ الْعَمَلَ بِالثَّوَابِ فِي قَوْلِهِ (جَنَّةَ رَبِّكُمْ) وَلِيَنْعَقِدَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ الْآيَةَ

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: "حِكْمَةُ إِضَافَةِ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ إِلَيْهِمْ إِعْلَامُهُمْ بِأَنَّ ذَوَاتِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ بِكَيْفِيَّتِهَا الْمَخْصُوصَةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهُمُ الَّتِي امْتَازُوا بِهَا عَنْ سَائِرِ الْأُمَمِ وحثهم على___الْمُبَادَرَةِ لِلِامْتِثَالِ بِتَذْكِيرِهِمْ بِمَا خُوطِبُوا بِهِ وَتَذْكِيرُهُمْ بِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ الْعَمَلِيَّةَ يُقَابِلُهَا إِضَافَةٌ فَضْلِيَّةٌ هِيَ أَعْلَى مِنْهَا وَأَتَمُّ وَهِيَ الْجَنَّةُ الْمُضَافَةُ إِلَى وَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ الْمُشْعِرِ بِمَزِيدِ تَرْبِيَتِهِمْ وَتَرْبِيَةِ نَعِيمِهِمْ بِمَا فَارَقُوا بِهِ سَائِرَ الْأُمَمِ." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 69) :

"بدأ بالتقوى لأنها الأساس؛ لِتَنَاوُلِهَا فعْلَ سائر المأمورات، وتَرْكَ سائِرِ الْمَنَاهِيْ، وعطف عليها ما بعدها وهو من عطف العام على الخاص، والله أعلم." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 518):

فَهَذِهِ الْأَعْمَالُ أَسْبَابٌ مُقْتَضِيَةٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ ارْتِكَابُ الْمُحَرَّمَاتِ مَوَانِعَ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ، قَالَ:

«جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَصَلَّيْتُ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ زَكَاةَ مَالِي، وَصُمْتُ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا - وَنَصَبَ أُصْبُعَيْهِ - مَا لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ»[1]." اهـ

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 259) لابن علان الصديقي :

"ولما كان من ثمرات التقوى العرفان الذي به تنجلي الأمور، والنور الذي تنشرح به___الصدور، ومن انشرح صدره واستنار قلبه بشهود التوحيد وأنه لا شريك له في ملكه ولا في شيء من أفعاله، تيقن أن لا حول له ولا قوّة، وأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً، فخرج عما في نفسه من التدابير، وألقى نفسه مع جري المقادير، ففاز كما جاء في الحديث الشريف «لا حول ولا قوة إلا با كنز من كنوز الجنة» وظهر بهذا أن التوكل واليقين من ثمرات التقوى فلذا عقبها بهما." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 327) للأمير الصنعاني :

"اشتمل الحديث على الثلاثة من أركان الإِسلام، ولم يذكر الحج كأنه قبل فرضه، أو لأن هذه الأمور لتكررها كل يوم، وكل عام تثقل أداؤها، فخصّها بالأمر والتوصية." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 537) للعثيمين :

"فهذه الأمور التي أوصى بها النبي صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع: تقوي الله، والصلوات الخمس، والزكاة، والصيام، وطاعة ولاة الأمور، هذه من الأمور الهامة التي يجب علي الإنسان إن يعتني بها، وان يمتثل أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم فيها، والله اعلم." اهـ

 

وقال الحسين بن غنّام النجدي الأحسائي المالكي (المتوفى: 1225هـ) _رحمه الله_ "العقد الثمين في شرح أحاديث أصول الدين" (ص: 149):

"وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا, وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم, وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم." اهـ

 

مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (26/ 115) :

"وهي أيضًا وصية الرسول _صلى الله عليه وسلم_ لأمته،

وكان _صلى الله عليه وسلم_ إذا بعث أميرًا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرًا. ولم يزل السلف الصالح يتواصون بها في خطبهم ومكاتباتهم ووصاياهم عند الوفاة." اهـ



[1] أخرجه أحمد في "مسنده" - عالم الكتب (5/ 466/80) (24009)، وصححه الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (39/ 522) (رقم: 81)، والألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 663) (رقم: 2515)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين