شرح الحديث 28 من بلوغ المرام

 

باب إزالة النجاسة وبيانها


28 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_ قَالَ:

قَالَتْ خَوْلَةُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ الدَّمُ؟

قَالَ: "يَكْفِيكِ الْمَاءُ، وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ" أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَسَنَدُهُ ضَعِيْفٌ

 

ترجمة خَوْلَةُ بِنْتُ يَسَارٍ _رضي الله عنها_:

 

وفي "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (6/ 3314):

"خَوْلَةُ بِنْتُ يَسَارٍ اسْتَفْتَتِ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فِي طَهَارَةِ ثِيَابِهَا، لَهَا ذِكْرٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ." اهـ

 

وفي "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (4/ 1833) لابن عبد البر:

"وأخشى أن تكون خولة___بنت اليمان، لأن إسناد حديثهما واحدٌ، وإنما هو علي بن ثابت، عن الوازع بن نافع، عَنْ أبي سلمة بالحديث الَّذِي ذكرنا فِي اسم خولة بنت اليمان، وبالذي ذكرناها هنا، إلا أن من دون عَلَى بْن ثابت يختلف فِي الحديثين. وفي ذلك نظر." اهـ

 

وقال الحافظ _رحمه الله_ في "الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 122) تعقبا على ابن عبد البر:

"قلت: لا يلزم من كون الإسناد إليهما واحدا مع اختلاف المتن أن تكونا واحدة، فقد ذكر ابن مندة: أنّ امرأة ربعي بن حراش روت عن خولة بنت اليمان،

ووصله أبو مسلم الكجي، وأبو نعيم، من طريقه، من رواية أبي عوانة، عن منصور، عن ربعي، عن امرأته، عن أخت حذيفة، قالت: قام فينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: (يا معشر النّساء، أما لكنّ في الفضّة ما تحلين به) ... الحديثَ[1]، في الزجر عن التحلي بالذهب." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_ قَالَ:

قَالَتْ خَوْلَةُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ الدَّمُ؟

قَالَ: "يَكْفِيكِ الْمَاءُ، وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ" أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَسَنَدُهُ ضَعِيْفٌ

 

وتمام الحديث:

 

في "سنن أبي داود" (1/ 100)

365 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسَارٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَحِيضُ فِيهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: «إِذَا طَهُرْتِ فَاغْسِلِيهِ، ثُمَّ صَلِّي فِيهِ». فَقَالَتْ: فَإِنْ لَمْ يَخْرُجِ الدَّمُ؟ قَالَ: «يَكْفِيكِ غَسْلُ الدَّمِ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُه»


وأخرج الدارمي في "سننه" (1/ 686) (رقم: 1051): عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:

«إِذَا غَسَلَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ فَلَمْ يَذْهَبْ، فَلْتُغَيِّرْهُ بِصُفْرَةِ، وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ»

صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 599)، وقال: "وسنده صحيح على شرط الشيخين." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه أبو داود في "سننه" (1/ 100) (رقم: 365)، مسند أحمد - عالم الكتب (2/ 364 و 2/ 380) (رقم: 8767 و 8939)، وابن خزيمة في "فوائد الفوائد" (ص: 49) (رقم: 10)، وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 149) (رقم: 710)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (6/ 3314) (رقم: 7607)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 572) (رقم: 4116_4117).

 

إسناده حسن، ابن لهيعة، وهو عبد الله بن لهيعة، وإن كان سيئ الحفظ، قد رواه عنه قتيبة، وروايته عنه قوية،

وتابعه عبد الله بن وهب أيضاً، وهو أحد العبادلة الذين رووا عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه.

وَلمَّا ذكر الحافظ في التلخيص هذا الحديث برواية أبي داود، قال:

ورواه الطبراني في الكبير (615) من حديث خولة بنت حكيم، وإسناده أضعف من الأوَّل، وله شاهدٌ مرسل.

أمَّا الشيخ ناصر الدِّين الألباني، فقال: صحيح، رواه أبو داود (365)، والبيهقي (2/ 408)، وأحمد (8549)، بإسنادٍ صحيح عنه، وهو -وإنْ كان فيه ابن لهيعة- فإنَّه قد رواه عنه جماعةٌ منهم عبد الله بن وهب، وحديثه عنه صحيح، كما قال غير واحدٍ من الحفَّاظ.

 

فالحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "إرواء الغليل" (1/ 189) (رقم: 168)

 

من فوائد الحديث:

 

وقال محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيد الناس، اليعمري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين (المتوفى: 734 هـ) _رحمه الله_ "النفح الشذي شرح جامع الترمذي" – ط. الصميعي (3/ 244):

" النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي (3/ 244)

وفيه أن بقاء الأثر من النجاسة لتعذره بعد زوال عينها لا يضر، لقوله عليه السلام لخولة: "لا يضرك أثره" كما سبق، وقد اختلف في شيء من ذلك كما سنذكره.

ولنقدم بين ذلك مقدمة وهي (1):

أن الشيء النجس ينقسم إلى نجس العين وغيره، أما نجس العين فلا يطهر بحال إلا الخمر بالتخليل (2) وجلد الميتة (3) بالدباغ والعلقة في المضغة والدم من (4) حشو البيضة إذا نجسناها فاستحالت حيوانًا.

وأما غيره فالنجاسة تنقسم إلى حكمية وإلى عينية؛ أما الحكمية: فهي التي لا تحس مع تيقن وجودها كالبول إذا جف على المحل ولم توجد له رائحة ولا أثر، فيكفي إجراء الماء على موردها إذليس ثم ما يزال، ولا يجب في الإجراء عدد (5) عندنا خلافًا لمن اشترطه كما تقدم.

وأما العينية: فلا يكفي فيها إجراء الماء بل لا بد من محاولة إزالة أوصافها الثلاثة اللون، والطعم والرائحة وما وجد منها، فإن بقي طعم لم يطهر سواء بقي مع غيره من الصفات أو وحده، لأن الطعم سهل الإزالة، ويظهر تصويره فيما إذا دميت لثته أو تنجس فوه بنجاسة أخرى فغسله فهو غير طاهر ما دام يجد طعمه فيه، وإن___لم يبق الطعم نظر إن بقي اللون وحده وكان سهل الإزالة فلا يطهر، وإن كان عسر الإزالة كدم الحيض يصيب الثوب وربما لا يزول بعد المبالغة والاستعانة بالحت والقرص فيطهر لما ذكرناه من حديث خولة وغيره، ولا رويناه في حديث عائشة من طريق الدارمي: "فلتغيره بصفرة ورس أو زعفران". [مي][2]

وكأن المراد -والله أعلم- أن ذلك الأثر لا يضر وأنها إن كرهت لون الدم فلها أن تغيره بالصفرة المشار إليها في الخبر، وإن بقيت الرائحة وحدها وهي عسرة الإزالة كرائحة الخمر، فهل يطهر المحل؟ فيه قولان -وقيل وجهان والأول أصح-:

أحدهما: لا؛ لأن بقاء الرائحة يدل على بقاء العين، فصار كالطعم، وهذا هو القياس في اللون، لولا الأخبار التي ذكرناها.

الثاني: وهو الأصح يطهر، لأنا إنما احتملنا بقاء اللون للمشقة في إزالته، وهذا المعنى موجود في الرائحة." اهـ

 

وقال أبو الحسن برهان الدين (المتوفى: 593 هـ) _رحمه الله_ في "الهداية في شرح بداية المبتدي" (1/ 36)

"وإذا وجب التطهير بما ذكرنا في الثوب وجب في البدن والمكان فإن الإستعمال في حالة الصلاة يشمل الكل." اهـ

 

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 599)

والحديث دليل على نجاسة دم الحيض لأمره صلى الله عليه وسلم بغسله، وظاهره

أنه يكفي فيه الغسل، ولا يجب فيه استعمال شيء من الحواد والمواد القاطعة

لأثر الدم، ويؤيده الحديث الآتي:

" إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء (وفي رواية:

ثم اقرصيه بماء ثم انضحي في سائره) ثم لتصلي فيه ".

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 463)

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ الْمَاءِ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهَا بِإِزَالَةِ الْحَيْضَةِ بِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّجَاسَاتِ إِجْمَاعًا اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا تَعْيِينَ بِطْرِيقِ الْحَصْرِ، بَلْ ذَكْرُهُ وَاقِعِيٌّ غَالِبِيٌّ أَوْ يَقِيسُ عَلَيْهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْمَائِعِ الْمُزِيلِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 191):

* ما يُؤْخذ من الحديث:

1 - وجوب غسل دم الحيض من ثوب المرأة وبدنها.

2 - يكون غسله بالماء.

3 - أن الثَّوبَ ونحوه إذا غسل من دم الحيض، ثُمَّ بقي أثر لونه في الثوب أو البدن، أنَّه لا يضر في كمال التطهر، ولا يضر في صحة الصلاة ونحوها.

4 - سماحة هذه الشريعة ويسرها؛ فالمسلم يتقي الله قدر استطاعته، وما زاد عن ذلك، فهو معفوٌّ عنه.

5 - أنَّ بدن الحائض وعرقها طاهران، فإنَّها لم تؤمر بغسل شيءٍ إلاَّ ما أصابه الدم، وأمَّا البدن وبقيَّة الثوب، فهو باقٍ على طهارته الأصلية.

أما غُسْلُهَا من الحيض، فليس من أجل نجاستها، وإنما من أجل أن عليها حدثًا أكبر، وهو لا يوصف بأنه نجاسة، وإنما هو وصف يقوم بالبدن ويرتفع بالغُسْلِ، ولو كان نجاسة، لم يُغْسَلْ إلاَّ مكان الحيض، وَلَمَا جَازَ مباشرة الحائض وقربها، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة.

6 - المقصود بالطهارة والابتعاد عن النجاسات، هو أنْ يكون المصلِّي على أكمل هيئة، وأحسن زينة؛ حين مناجاة ربِّه تبارك وتعالى.

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 161)

ففي هذا الحديث فائدة تضاف إلى ما سبق وهي: أنه إذا بقي لون الدم فإنه لا يضر؛ لأن العبرة بزوال عين النجاسة أما لونها فهو لا يضر، وبهذا يتم ما أورده المؤلف رحمه الله من الأحاديث في باب "إزالة النجاسة وبيانها" فلنرجع إلى تحرير ذلك وتلخيصه.

أولا: إزالة النجاسة على القول الراجح تحصل بأي مزيل، وبأي عدد فلا يشترط فيما يزيلها نوع معين، ولا يشترط فيما يزيلها عدد معين، بل قد تزول بأول مرة أو بثاني مرة أو لا تزول إلا بعد عشرين مرة، المهم أن النجاسة عين قذرة لا يطهر المحل إلا بزوالها.

ثانيا: إزالة النجاسة هل يتحقق بغير الماء أو لابد من الماء؟ في ذلك خلاف بين العلماء وأكثر العلماء أنه لا تتحقق إزالة النجاسة إلا بالماء إلا ما استثني كالاستجمار، فإن النجاسة تزول بالاستجمار، ومن العلماء من يقول: إن النجاسة لا تزول بالاستجمار؛ وإنما يزول حكمها، وأن الاستجمار هذا مبيح وليس بمطهر، وهذا هو المشهور عند فقهاء الحنابلة - رحمهم الله-، وينبني على ذلك أنه لو استجمر ثم مس ثوبه وهو رطب بمحل الاستجمار، فإن الثوب ينجس؛ لأن النجاسة لم تُزَلْ بالاستجمار، وكذلك يقولون: لو احتلم الإنسان وهو مستجمر فإن ما يبرز من الماء يلاقي مكانا نجسا فينجس ويكون الماء الذي خرج بالاحتلام متنجسا وليس بنجس، لكن القول الراجح: أن الاستجمار مطهر لحديث ابن مسعود رضي الله عنه "إنهما" - أي: الروث والعظم- "لا يطهران"؛ فدل ذلك على أن الاستجمار مطهر وهو كذلك،

وكذلك وردت السنة بأن الحذاء نطهر بالدلك بالتراب، وأن أسفل ثوب المرأة إذا مر بالنجاسة فإنه يطهر بما يمر به من بعد النجاسة من التراب الطاهر.

وهذه الشواهد تدل على أن إزالة النجاسة تحصل بأي مزيل، وهذا هو الحق." اهـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

باب الوضوء

 

مقدمة

 

الوضوء لغةً: بضم الواو: مصدر هو الفعل، مأخوذٌ من الوضاءة، وهي النظافة والحُسْن؛ وأمَّا بالفتح: فالماء الذي يُتوضأ به.

قال النووي: بالضم (إذا أُريد الفعل الذي هو المصدر)، وبالفتح (إذا أُريد الماء).

وشرعًا: استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة، على صفةٍ مخصوصة في الشرع، بأنْ يأتي بها مرتَّبة متوالية.

وهو ثابتٌ بالكتاب والسنَّة والإجماع.

فالكتاب: آية المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} الآية.

والأحاديث فيه قولاً وفعلاً وتقريرًا كثيرة.

وأجمع العلماء: على أنَّ الطهارة من الحدث شرطٌ لصحَّة الصلاة.

 

ما يعرف من حِكمة الوضوء:

 

جوهر الصلاة وروحها هو أنْ يتصوَّر العبد أنَّه أمام الله تعالى، ولكي يتهيأ ذهنه لذلك، ويتخلَّص من شواغل الحياة، فُرِض الوضوءُ قبل القيام بالعبادة؛ لكون الوضوء آله هادئة لتنبيه ذهنه المستَغْرِقِ في أعمال الحياة إلى أداء الصلاة.

فإنَّ المستغرق بفكره في أعمال تجارته أو صناعته ونحوهما، لو قيل له: قم للعبادة، لوجد صعوبة في تأديتها، وهنا كانت حكمة الوضوء؛ لأنَّه يساعد على ترك التفكير الأوَّل، ويعطيه الوقت الكافي ليبدأ في تفكيرٍ عميقٍ من نوع آخر.

وبالجملة: فللنَّفْسِ انتقالٌ واقعيٌّ، وتنبيه من خصلة إلى خصلة، هو العمدة في المعالجات النفسية، وإنَّما يحصل هذا التنبيه بمراكز في صميم طبائعهم وجذور نفوسهم.

وتقتصر الطهارة الصغرى على غسل الأطراف التي جرت العادة بانكشافها وخروجِهَا من اللباس، فتسرع إليها الأوساخ، كما جرت العادة بنظافتها عند الأعمال النظيفة، وعند الدخول على الكبراء، وتقابُلِ النَّاس بعضهم ببعض.

كما أنَّ غسل هذه الأعضاء الأربعة فيه تنبيه للنَّفس من النوم والكسل.

 

قال شيخ الإِسلام: جاءت السنَّة باجتناب الخبائث الجسمانية والتطهُّر منها، وكذلك جاءت باجتناب الخبائث الروحانية والتطهُّر منها؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا استيقظ أحدكم من منامه، فليستنثر ثلاثًا؛ فإنَّ الشيطان يبيت على خيشومه"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قام أحدكم من نوم الليل، فلا يغمس يده حتَّى يغسلها ثلاثًا؛ فإنَّ أحدكم لا يدري أين باتت يده"؛ فعلَّل الأمر بالاستنشاق بمبيت الشيطان على خيشومه؛ فعلم أنَّ ذلك سبب الطهارة من غير النجاسة الظاهرة.

والوضوء من أهم شروط الصلاة؛ لما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعًا: "إنَّ الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتَّى يتوضأ"، ولما روى مسلم: "الوضوء شطر الإيمان"، ونزلت فريضته من السماء في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} الآية.

واختلف العلماء هل فرض في مكَّة أو في المدينة؟ والمحققون: على أنَّه فرض بالمدينة؛ لعدم النص النَّاهض على خلافه.

قال شيخ الإسلام:

الوضوء من خصائص هذه الأمَّة؛ كما جاءت به الأحاديث الصحيحة: "إنَّهم يُبْعَثُون يوم القِيامَةِ غُرًّا محجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوضوء"، وأنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف أمته بهذه السيماء؛ فدلَّ على أنَّه لا يشاركهم فيها غيرهم. وأمَّا ما رواه ابن ماجه: "أنَّ جبريل علَّم النَّبي -صلى الله عليه وسلم- الوضوء" زاد عليه أحمد وقال: "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي"، فضعيفٌ لا يحتج به. [مجموع الفتاوى (23/ 167_168)]

 

 



[1]  أخرج أبي داود في "سننه" (4/ 93) (رقم: 4237) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنِ امْرَأَتِهِ، عَنْ أُخْتٍ لِحُذَيْفَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، أَمَا لَكُنَّ فِي الْفِضَّةِ مَا تَحَلَّيْنَ بِهِ، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تَحَلَّى ذَهَبًا تُظْهِرُهُ، إِلَّا عُذِّبَتْ بِهِ»

وأخرجه النسائي في "سننه" (8/ 156 و 8/ 157) (رقم: 5137 و 5138)، وضعفه الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح" (2/ 1257) (رقم: 4403)، والأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (38/ 395) (رقم: 23380) لجهالة امرأة ربعي بن حِراش، وبقية رجال الإسناد ثقات = رجال الشيخين، غير صحابيَّة الحديث اُختِ حُذَيفة – واسمُها: فاطمة بنتُ اليَمان، وقيل: خولة- .

[2]  أخرجه الدارمي في "سننه" (1/ 686) (رقم: 1051): عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:

«إِذَا غَسَلَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ فَلَمْ يَذْهَبْ، فَلْتُغَيِّرْهُ بِصُفْرَةِ، وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ»

صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 599)، وقال: "وسنده صحيح على شرط الشيخين." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين