شرح الحديث 101 من صحيح الترغيب

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 152):

101 - (5) [حسن] وعن عبادة بنِ الصامت؛

أن رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قال:

"ليس من أُمتي من لم يُجِلَّ كبيرَنا، ويَرحَمْ صغيرَنا، ويعرِفْ لعالمِنا".

رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني والحاكم؛ إلا أنه قال: "ليس منا".

 

ترجمة عُبَادَة بن الصَّامِت الخزرجي

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 807) (رقم: 1372):

عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم ابن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري السالمي،

يكنى___أبا الوليد.

وَقَالَ الحزامي: "أم عبادة بن الصامت: قرة العين بنت عبادة بن نضلة ابن مالك بن العجلان، وكان عبادة نقيبا، وشهد العقبة الأولى والثانية والثالثة.

وآخى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبى مرثد الغنوي، وشهد بدرا والمشاهد كلها،

ثم وجهه عمر إلى الشام قاضيا ومعلما، فأقام بحمص، ثم انتقل إلى فلسطين، ومات بها، ودفن بالبيت المقدس، وقبره بها معروف إلى اليوم.

وقيل: إنه توفي بالمدينة، والأول أشهر وأكثر.

 

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (1/ 211)

قال في التهذيب: مات بالشام في خلافة معاوية، وأمه أسلمت أيضا، وبايعت، واسمها قرة العين بنت عباد بن فضلة الخزرجية؛ وليس في الصحابيات من يسمى بهذا الاسم سواها

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 808):

"وَقَالَ الأوزاعي: أول من تولى قضاء فلسطين عبادة بن الصامت." اهـ

 

إكمال تهذيب الكمال (7/ 191)

وفي سنن البيهقي: عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلت على عبادة بن الصامت وكان قد تفقه في دين الله تعالى.

وقال معاوية فيما ذكره الطبراني: اقتبسوا من عبادة فهو أفقه مني.

 

إكمال تهذيب الكمال (7/ 191)

وذكر أبو نعيم الحافظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على بعض الصدقات وكان يعلم أهل الصفة القرآن

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 808)

توفي عبادة بن الصامت سنة أربع وثلاثين (34 هـ) بالرملة. وقيل بالبيت المقدس، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.

 

وفي "الأعلام" للزركلي (3/ 258_259):

عُبَادَة بن الصَّامِت (38 ق هـ - 34 هـ = 586 - 654 م):

عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي، أبو الوليد: صحابي، من الموصوفين بالورع. شهد العقبة، وكان أحد النقباء، وبدرا وسائر المشاهد.

ثم حضر فتح مصر. وهو أول من ولي القضاء بفلسطين. ومات بالرملة أو ببيت المقدس. روى 181 حديثا اتفق البخاري ومسلم على ستة منها. وكان من سادات الصحابة." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

وعن عبادة بنِ الصامت؛

أن رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قال:

"ليس من أُمتي من لم يُجِلَّ كبيرَنا، ويَرحَمْ صغيرَنا، ويعرِفْ لعالمِنا".

رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني والحاكم؛ إلا أنه قال: "ليس منا".

 

وفي رواية للآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص: 136):

"قَالَ أَحْمَدُ[1]: يَعْنِي يَعْرِفُ حَقَّهُمْ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 288)

(كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه) من امتثال أمره والاهتداء بهديه وتوقيره لما رفعه الله به من العلم.

 

الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (1/ 147)

أي المتبعة لهديي وسنتي

 

موسوعة الأخلاق - الخراز (ص: 332_337) بتصرف:

"بعض الخوارم التي تخل بتوقير العلماء والأدب معهم:

1 - الاعتراض والمراءُ والتجَاسُر.

لا سيما إذا عثر على زلةٍ، أو ظفرَ بخطأٍ، فيُبادر بعضُ الطلاب إلى الإنكار والاعتراض والنقد، وربما المراء، والعالم ليس معصومًا؛ ولكن الآفة إثبات الذوات، وتصيد الأخطاء، والتشنيع ونشرها في الآفاق.

وإياك إذا حضرت مجلس علم أن تكون مستغنيًا بما عندك طالبًا عثرة تشنعها، فهذه أفعال الأراذل الذين لا يفلحون في العلم أبدًا، وهذا كله في حق العلماء المقتدى بهم في الدين، فأما أهل البدع والضلالة، ومن تشبه بالعلماء، وليس منهم، فيجوز بيان جهلهم وإظهار عيوبهم تحذيرًا من الاقتداء بهم.

وأما أئمة الهدى، فإنه يجب أن يعاملوا بالإكرام والاحترام والتثبت والتصويب بما يليق معهم من النصيحة العامة، وفي الوقت المناسب بما يحقق ثمرة النصيحة.

فالحذر من أن ينتقد العالم بأسلوب ينال من هيبته عند صغار الطلبة أو العوام، وليس المراد بترك الاعتراض على العلماء ترك الاعتراض بالكلية، بل المراد ترك الاعتراض في موضع الاحتمال والاجتهاد، وترك الاعتراض المقصود لذاته، وترك المبادرة إلى الاعتراض دون تثبت وتبين.

2 - إبرام الشيخ وإضجاره:

من الأخلاق السيئة إبرام الشيخ وإضجاره، وذلك عن طريق الأسئلة المعروفة والمكررة والمعادة؛ لما يترتب عليها من ضياع للوقت، وإجهاد للشيخ.

قال الإمام الزهري: "إعادة الحديث أشد من نقل الصخر".

ومن الأمثلة الدالة على ذلك أيضاً إطالة الجلوس عند الشيخ وهو كاره، أو زيارته في غير الأوقات المناسبة، أو الاتصال به في الأوقات المكروهة، فينبغي لطالب العلم أن يتحين الوقت المناسب لزيارة شيخه أو سؤاله أو القراءة عليه.

قال ابن عباس _رضي الله عنه_:

"وجدت عامة علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند هذا الحي من الأنصار، إن كنتُ لأقيل بباب أحدهم ولو شئت أن يؤذن لي عليه لأذن لي عليه، ولكن أبتغى بذلك طيب نفسه."

ومن سوء الأدب: أن يؤمر الشيخ ويطلب منه على وجه الغضب، ويلزم بما لا يحب؛ كطلب بعضهم زيارته مع انشغاله واعتذاره، أو تقديم درس ونحوه.

ومن حسن الأدب رقة العبارة في الطلب بصيغة العرض، بعيدًا عن الأمر والإلزام.

3 - الإجابة عن الشيخ وهو موجود:

وهذا سوء أدب ابتلي به كثير من الناس اليوم بسبب بعدهم عن الأخلاق الإسلامية، وهو المتقدم بين يدي العلماء والإجابة عنهم.

قال سفيان الثوري لسفيان بن عيينة: ما لَكَ لاَ تُحَدِّثُ؟ فقال: أمَّا وأنت حي، فلا (!)."

هذا والله الأدب، وهذا هو التوقير والإجلال، فلا ينبغي للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك أو الإجابة عنه، وهو موجود في المجلس.

قال عطاء _رحمه الله_:

"إني لأسمعُ الحديث من الرجلِ، وأنا أعلمُ به منه، فأُريهِ من نفسي أني لا أُحْسِنُ منهُ شيئًا". [تاريخ دمشق لابن عساكر (40/ 401)]

قلتُ:

وقال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله: (إذا رأيت من هو أكبر منك، فقل: " هذا سبقني بالإيمان والعمل الصالح، فهو خير مني، وإذا رأيت من هو أصغر منك، فقل: " سبقته إلى الذنوب والمعاصي، فهو خير مني ") [" صفة الصفوة " (248/ 3)]

4 - مقاطعة الشيخ في الحديث:

ومن سوء الأدب مقاطعة الشيخ في الحديث، بل إن بعضهم يرد على الشيخ ردًا مستهجنًا، ولا شك أن هذا تجاسر مخالف لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أدبنا وعلمنا، فقال: "ليسَ مِنَّا مَن لم يُجِل كبيرنَا، ويرحم صغيرَنا، وَيعرف لعالِمنا حقَّه."

وإن مما نوصي به طالب العلم: ألا تقاطع الشيخ في حديث حتى يفرغ من مسألته تلك، ولقد قال الإمام البخاري:

(باب من سُئلَ علمًا وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث)

ثم ساق الحديث وفيه: أن أعرابيًا قال- والنبي - صلى الله عليه وسلم- يخطب: متى الساعة؟ فمضى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديثه وأعرض عنه، حتى إذا قضى حديثه قال: "أين أُراه السائل عن الساعة؟ .. "

فدلت هذه الجملة على أنه سمعه، لكنه أعرض عنه تأديبًا وزجرًا له.

5 - مسابقة الشيخ في الحديث:

من سوء الأدب: مسابقة الشيخُ في الإجابات أو شرح المسائل، والتقدم بين يديه دون إذن منه، أو ضرب قوله بأقوال آخرين دون دليل، والتشغيب عليه.

قال ابن جَماعة:

"لا يسبقَ الشيخَ إلى شرحِ مسألةٍ، أو جواب سؤال منه أو من غيره، ولا يظهر معرفته به، أو إدراكه له قبل الشيخ، فإن عرض الشيخ عليه ذلك ابتداء، والتمسه منه، فلا بأس، ولا ينبغي أن يقطعَ على الشيخ كلامه - أيَّ كلامٍ كان -، ولا يسابقه فيه، بل يصبر حتى يفرغ الشيخ من كلامه ثم يتكلم، ولا يتحدث مع غيره والشيخ يتحدث معه أو مع جماعة المجلس." [انظر: تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم (ص: 48)]." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه أحمد في "مسنده" - عالم الكتب (5/ 323) (رقم: 22755)، والبخاري في "التاريخ "الكبير للبخاري" (7/ 312) (رقم: 1329)، وابن أبي الدنيا في "النفقة على العيال "(1/ 347) (رقم: 185)، والبزار في "مسنده" = البحر الزخار (7/ 157) (رقم: 2718)، وأبو جعفر الطبري في "تهذيب الآثار" - مسند عمر (2/ 543) (رقم: 787)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3/ 365) (رقم: 1328)، والشاشي في "المسند" (3/ 184) (رقم: 1272 و 1273)، والطبراني في "مكارم الأخلاق" (ص: 367) (رقم: 147)، والآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص: 136) (رقم: 62)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 211) (رقم: 421)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 383) (رقم: 666)، الطيوريات (3/ 1045) (رقم: 978)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (8/ 361) (رقم: 445)

 

والحديث حسن: حسنه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 957) (رقم: 5443)، و"الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام" (ص: 79)، و"تحريم آلات الطرب" (ص: 30)

 

من فوائد الحديث:

 

وقال أبو العباس القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (19/ 113)

"وفيه من أدب الفقه: التذلُّلُ، والتواضُعُ للعالم بين يديه، واستئذانُهُ في سؤاله، والمبالغةُ في احترامِهِ وإِعْظَامِهِ. ومن لم يفعل هكذا، فليس على سنة الأنبياء، ولا على هديهم." اهـ

 

وقال الإثيوبي في "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (3/ 467):

"مما يستفاد من هذا الحديث: تأدبُ طالب العلم، واحترامه لشيخه." اهـ

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 331)

وَذَلِكَ بِمَعْرِفَة حق الْعلم بِأَن يعرف حَقه بِمَا رفع الله من قدره، فإنّهُ قَالَ:

{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [المجادلة: 11]،

ثمَّ قَالَ:

{وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [المجادلة: 11]،

فاحترامُ الْعلمَاء ورعايةُ حُقُوقهم توفيقٌ وهدايةٌ. وإهمالُ ذَلِك خذلانٌ وعقوقٌ وخسرانٌ." اهـ

 

فيض القدير (5/ 389):

"(من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه) بأن لم يحترمه ولم يطع أمره في غير معصية.

قال الحكيم: إجلال الكبير هو حقٌ سَنَّهُ لكونه تَقَلَّبَ في العبودية للهِ في أمدٍ طويلٍ. ورحمة الصغير موافقة لله، فإنه رَحِمَ ورفَع عنه العبودية. ومعرفة حق العالم: هو حق العلم بأن يعرف قدره بما رفع الله من قدره،

فإنه قال: {يرفع الله الذين آمنوا منكم} ثم قال: {والذين أوتوا العلم درجات}،

يعرف له درجته التي رفع الله له بما آتاه من العلم."

 

نوادر الأصول في أحاديث الرسول (1/ 187)

فالإجلال للكبير هُوَ حق سنه الله تَعَالَى أَنه تقلب فِي العبودة لله تَعَالَى فِي مُدَّة طَوِيلَة وَالرَّحْمَة للصَّغِير هُوَ مُوَافقَة لله تَعَالَى بِأَنَّهُ رَحمَه وَرفع عَنهُ العبودة فَلم يؤاخذه بِحِفْظ حد وَلَا حكم وَمَعْرِفَة حق الْعَالم هُوَ حق الْعلم أَن يعرف قدره بِمَا رفع الله من قدره وآتاه الْعلم قَالَ تَعَالَى {يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات} فَيعرف درجاته الَّتِي رفع رفع الله لَهُ بِمَا آتَاهُ من الْعلم

 

نواقض الإيمان القولية (ص: 438)

وما أجمل ما كتبه الآجري في وصف العلماء حيث قال رحمه الله:-

" إن الله _عز وجل وتقدست أسماؤه_ اخْتَصَّ من خلقه مَنْ أَحَبَّ، فهداهم للإيمان كما اختص من سائر المؤمنين من أحب، فتفضل عليهم،

فعلَّمهم الكتابَ والحكمةَ، وفقَّههم في الدين، وعلَّمهم التأويلَ، وفضَّلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كل زمان وأوان، رفعهم بالعلم وزينهم بالحلم، بهم يعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، فضلهم عظيم، وخطرهم[2] جزيل، ورثة الأنبياء، وقرة عين الأولياء.

حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، يذكرون الغافل، ويُعَلِّمُوْنَ الجاهل، ولا يتوقع لهم بائقة[3]، ولا يُخَافُ عنهم غائلةٌ[4]،

جميعُ الخلق إلى علمهم محتاجٌ، هم سِراجُ العباد، ومنار البلادِ، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة،

هم غيظ الشيطان، بهم تحيا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء يُهْتدى بها في ظلمات البر والبحر، إذا انطمست النجوم تحيروا، وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا." اهـ من "أخلاق العلماء" (ص 81 – 83) باختصار.

 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 159)

[الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ إضَاعَةُ نَحْوِ الْعُلَمَاءِ وَالِاسْتِخْفَافُ بِهِمْ]

 

"سير أعلام النبلاء" (17/ 251):

"قال ابن المبارك -رحمه الله-:

"حقّ على العاقلِ أن لا يستخفَّ بثلاثةٍ: العُلماءِ والسلاطين والإخوان،

فإنه من استخفّ بالعلماء ذهبت آخرتُهُ، ومن استخف بالسلطانِ ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مُروءتُهُ" اهـ

 

وقال الإمام ابن حزم رحمه الله:

" اتفقوا على توقير أهل القرآن والإسلام والنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الخليفة والفاضل والعالم " ["الآداب الشرعية" (1/ 408)].

 

قلت: وقد بلغ أمر تعظيم العلماء، ووجوب صيانة تاريخ أكابر المسلمين إلى حَدِّ النص عليه في متون " الاعتقاد " التي لا تضم إلا أمهات قضايا العقيدة المتفق عليها عند أهل السنة، بحيث لا يخالف فيها إلا شاذ خارج عن الجماعة،

قال الإمام الطحاوي في " عقيدته " المشهورة:

" وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر لا يُذْكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل ".

قال شارحه رحمه الله: " قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]،

فيجب على كل مسلم -بعد موالاة الله ورسوله- موالاةُ المؤمنين، كما نطق به القرآن، خصوصًا الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم، يُهتدى بهم في ظلمات البر والبحر،

وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم؛ إذ كل أمة قبل مبعث محمد _صلى الله عليه وسلم_ علماؤها شرارها، إلا المسلمين؛ فإن علماءهم خيارهم، فإنهم خلفاءُ الرسول من أمته، والمُحيون لما مات من سنته، فبهم قام الكتاب، وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا " [" شرح الطحاوية " (2/ 740)] اهـ

 

أمثلة من السلف الصالح في توقير الكبار والمعلماء

 

قال أبو الحسن المدايني: (خطب زيادٌ ذات يوم على منبر الكوفة، فقال:

" أيها الناس إني بتُّ ليلتي هذه مُهْتمًا بخلالٍ ثلاث، رأيت أن أتقدم إليكم فيهن بالنصيحة:

رأيتُ إعظام ذوي الشرف، وإجلال ذوي العلم، وتوقير ذوي الأسنان،

والله لا أُوْتِيَ برجلٍ رَدَّ على ذي علمٍ ليضع بذلك منه إلا عاقبته،

ولا أُوْتِيَ برجل رد على ذي شرف ليضع بذلك من شرفه إلا عاقبته،

ولا أُوْتِيَ برجل ردَّ على ذي شيبة ليضعه بذلك، إلا عاقبته، إنما الناس بأعلامهم، وعلمائهم، وذوي أسنانهم ") [انظر: "جامع بيان العلم" (1/ 234)]

 

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال:

" لقد كنتُ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلامًا، فكنتُ أحفظَ عنه، فما يمنعني من القول؛ إلا أن ههنا رجالاً هم أسنُّ مني " [متفق عليه].

 

وسئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة، فقال:

"إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا" [" سير أعلام النبلاء " (8/ 420)].

 

وقال يحيى بن معين: " إذا حَدَّثْتُ في بلدة فيها مثلُ أبي مُسْهِر؛ فيجب لحيتي أن تُحلَق " [انظر: " سير أعلام النبلاء " (10/ 231).].

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1/ 320) (رقم: 706)

 

عن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ الْخَلَّالُ، قَالَ:

" كُنَّا عِنْدَ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ يُحَدِّثُنَا إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فَقَطَعَ مُعْتَمِرٌ حَدِيثَهُ، فَقِيلَ لَهُ: حَدِّثْنَا، فَقَالَ: «إِنَّا لَا نَتَكَلَّمُ عِنْدَ كُبَرَائِنَا» المجالسة وجواهر العلم (8/ 328) (رقم: 12) لأبي بكر الدِّيْنَوَرِيِّ

 

وعن عاصم قال:

" كان أبو وائل عثمانيًّا، وكان زِرُّ بن حُبيش علويًّا، وما رأيتُ واحدًا منهما قط تكلم في صاحبه حتى ماتا، وكان زِرٌّ أكبرَ من أبي وائل، فكانا إذا جلسا جميعًا، لم يُحدث أبو وائل مع زِرٍ -يعني يتأدب معه لسنِّه " [انظر: "سير أعلام النبلاء" (168/ 4)].

 

قال أبو عبد الله المُعَيطي: رأيتُ أبا بكر بن عياش بمكة، جاءه سفيان بن عيينة، فبرك بين يديه، فجاء رجل يسأل سفيان عن حديث، فقال: " لا تسألني عن حديثٍ ما دام هذا الشيخ قاعدًا "، فجعل أبو بكر يقول: " يا سفيان، كيف أنت؟ وكيف عائلة أبيك؟ " [" سير أعلام النبلاء " (8/ 499)، وكان أبو بكر يكبر سفيان بعشر سنين].

 

وقال سفيان الثوري: " إذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ، وإن كان قد بلغ من العلم مبلغًا، فآيس من خيره، فإنه قليل الحياء " [" المدخل للبيهقي " ص (388).].

 

وعن عقبة بن علقمة قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: " كنا إذا رأينا الحدث يتكلم مع الكبار أيسنا من خلافه، ومن كل خير عنده " [ " حلية الأولياء " (8/ 29)]

 

وذكر يحيى أن الإمام مالكًا كان إذا رأى ازدحامهم في مجلسه؛ قال: " توقروا، فإنه عون لكم، وليعرف صغيركم حقَّ كبيركم " [" ترتيب المدارك " (1/ 154).].

 

وعن ابن وهب قال: سمعت مالكًا يقول: (كنا نجلس إلى ربيعة وغيره، فإذا أتى ذو السن والفضل قالوا له: " ها هنا "، حتى يجلس قريبًا منهم، قال: وكان رييعة ربما أتاه الرجل ليس له ذلك السن، فيقول له: " ها هنا "، فلا يرضى ربيعة حتى يجلسه إلى جانبه، كأنه يفعل ذلك لفضله عنده) [" الجامع " (1/ 345).].

 

قال عبد الله: (رأيت أبي إذا جاء الشيخ والحدث من قريش أو غيرهم من الأشراف لم يخرج من باب المسجد حتى يخرجهم، فيكونوا هم يتقدمونه، ثم يخرج من بعدهم.

وقال المروذي: " رأيته جاء إليه مولى ابن المبارك فألقى إليه مخدة وأكرمه، وكان إذا دخل عليه من يكرم عليه، يأخذ المخدة من تحته، فيلقيها له ".

وقال المروذي: " كان أبو عبد الله من أشد الناس إعظامًا لإخوانه ومن هم أسن منه، لقد جاءه أبو همام راكبًا على حمار، فأخذ له أبو عبد الله بالركاب، ورأيته فعل هذا بمن هو أسن منه من الشيوخ ["الآداب الشرعية، والمنح المرعية " (1/ 416).]

 

وعن سلمة بن كهيل قال: " كان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء لسِنِّه " [" الجامع " (1/ 320).]

 

وانتهى أبو منصور وإبراهيم إلى زقاق، فقال له إبراهيم: «تقَدَّمْ»، فأَبَى أَنْ يتقدَّمَ، فتَقَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ قَالَ: «لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْبَرُ مِنِّي بِيَوْمٍ مَا تَقَدَّمْتُكَ» ["مكارم الأخلاق" لابن أبي الدنيا (ص: 93) (رقم: 286)]

 

وعن مالك بن مِغْوَل قال: (كنت أمشي مع طلحة بن مُصَرِّفٍ، فصرنا إلى مضيق، فتقدمني، ثم قال لي: " لو كنت أعلم أنك أكبر مني بيوم؛ ما تقدَّمتك " [" الجامع " (1/ 170 - 171)]

 

وعن الفضل بن موسى قال: (انتهيت أنا وعبد الله بن المبارك إلى قنطرة، فقلت له: " تقدَّمْ "، وقال لي: " تقدم "، فحاسبته، فإذا أنا أكبر منه بسنتين) [" الجامع " (1/ 171).]

 

وعن حماد بن أبي حنيفة قال: (رأيت الحسن بن عمارة وأبي انتهيا إلى قنطرة، فقال له أبي: " تقدم "، فقال: " أتقدم؟! تقدمْ أنت، فإنك أفقهنا، وأعلمنا، وأفضلنا " [" الجامع " (1/ 171).]



[1]  وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ط الرسالة (12/ 70_71) (رقم: 16):

"أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَسَّانٍ، ابْنُ التُّسْتَرِيِّ * (خَ، م، د، س، ق) الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ المِصْرِيُّ، المَعْرُوْفُ: بِابْنِ التُّسْتَرِيِّ...تُوُفِّيَ: بِسَامَرَّاءَ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَكَانَ أَبُوْهُ يَتَّجِرُ إِلَى تُسْتَرَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا اليَوْمَ: شُشْتَرُ، فَعُرِفَ بِالتُّسْتَرِيِّ لِهَذَا." اهـ

[2]  وفي تعليق مؤلف نواقض الإيمان القولية (ص: 438): "خطرهم: أي شرفهم وقدرهم، انظر: المصباح المنير ص 208 ومختار الصحاح ص 180." اهـ

[3]  وفي مقاييس اللغة (1/ 320): "فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: بَاقَتْهُمْ بَائِقَةٌ وَهِيَ الدَّاهِيَةُ تَنْزِلُ." اهـ

[4]  وفي لسان العرب (11/ 512): "وَالْغَائِلَةُ: الحِقْد الْبَاطِنُ، اسْمٌ كالوابِلَة. وَفُلَانٌ قَلِيلُ الْغَائِلَةِ والمَغَالَة أَي الشَّرِّ. الْكِسَائِيُّ: الغَوَائِل الدَّوَاهِي." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين