شرح الحديث 26 من بلوغ المرام لأبي فائزة البوجيسي

 

26 - وَعَنْ أَبِي السَّمْحِ -رضي الله عنه- قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:

"يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الغُلَامِ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ

 

ترجمة أبي السمح _رضي الله عنه_:

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 383) (رقم: 7414) (د س ق):

"أَبُو السمح، مولى رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ_ وخادمه، يقال: اسمه زِيَادٌ.

 

وقال أبو الفتح محمد بن الحسين الموصلي الأزدي (المتوفى: 374هـ) في "أسماء من يعرف بكنيته" (ص: 45) (رقم: 69):

"أَبُو سمح، اسْمه: إياد، وَكَانَ أَبُو السَّمْح خَادِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم." اهـ

 

وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (1/ 147) (رقم: 161):

"إياد أبو السمح، خادم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، هو مذكور بكنيته، لم يرو عنه فيما علمت إلا محلّ بن خليفة." اهـ

 

الإصابة في تمييز الصحابة (7/ 161) (رقم: 10058):

"أبو السّمح: مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، يقال: إن اسمه أبو ذر." اهـ

 

وقال ابن الأثير في "أُسْدِ الغابة" – ط. العلمية (5/ 24) (رقم: 4600):

"مالك أَبُو السمح، خادم النَّبِيّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، سماه يَحْيَى بْن يونس فيما حكاه جَعْفَر عَنْهُ،

وقال الحاكم أَبُو أحمد النيسابوري: "ضل أَبُو السمح، ولا ندري أين مات؟"

ويرد فِي الكنى إن شاء اللَّه تعالى." اهـ

 

وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي _رحمه الله_ في "التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل" (3/ 228) (رقم: 2088):

"يقال: اسمه إياد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين." اهـ

 

وقال تقي الدين الفاسي في "العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين" (6/ 291):

"يقال: إنه ضل، ولاَ يُدْرَى أَيْنَ مَاتَ." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

* وَعَنْ أَبِي السَّمْحِ -رضي الله عنه- قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:

"يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ, وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الغُلَامِ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ

 

وتمام الحديث: في رواية أبي داود (1/ 102):

عن أَبُو السَّمْحِ قَالَ:

"كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَالَ: «وَلِّنِي قَفَاكَ». فَأُوَلِّيهِ قَفَايَ فَأَسْتُرُهُ بِهِ،

فَأُتِيَ بِحَسَنٍ، أَوْ حُسَيْنٍ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_، فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ، فَجِئْتُ أَغْسِلُهُ فَقَالَ: «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ»

قَالَ عَبَّاسٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْوَلِيدِ

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ هَارُونُ بْنُ تَمِيمٍ: عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «الْأَبْوَالُ كُلُّهَا سَوَاءٌ»

 

* وفي سنن أبي داود (1/ 103):

عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَطْعَمْ»

 

* عن أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ الأَسَدِيَّةِ _رضي الله عنها_:

"أَنَّهَا أَتَتْ بابنٍ لها صَغيرٍ؛ لم يأكلِ الطعامَ، إلى رسولِ الله _صلى الله عليه وسلم_، فَأَجْلَسَهُ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ في حِجْرِهِ، فَبَالَ على ثَوْبِه؛ فنَضَحَهُ بماءٍ، ولم يَغْسِلْهُ." رواه البخاري (221)، ومسلم (287)

 

فتح الباري لابن حجر (1/ 327):

وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْ بَيْنَ (نَضَحَ وَرَشَّ)، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الِابْتِدَاءَ كَانَ بِالرَّشِّ وَهُوَ تَنْقِيطُ الْمَاءِ وَانْتَهَى إِلَى النَّضْحِ وَهُوَ صَبُّ الْمَاء." اهـ

 

وقال ابن فارس في "مقاييس اللغة" (2/ 373):

"(رَشَّ) الرَّاءُ وَالشِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى تَفْرِيقِ الشَّيْءِ ذِي النَّدَى." اهـ

 

مقاييس اللغة (5/ 438)

(نَضَحَ) النُّونُ وَالضَّادُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ يُنَدَّى، وَمَاءٌ يُرَشُّ. فَالنَّضْحُ: رَشُّ الْمَاءِ. وَنَضَحْتُهُ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ لِكُلِّ مَا رَقَّ: نَضْحٌ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّ الرَّشَّ رَقِيقٌ.

 

سبل السلام (1/ 53)

وَاعْلَمْ أَنَّ )النَّضْحَ( قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ:

هُوَ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي أَصَابَهُ الْبَوْلُ يُغْمَرُ وَيُكَاثَرُ بِالْمَاءِ مُكَاثَرَةً لَا تَبْلُغُ جَرَيَانَ الْمَاءِ وَتَرَدُّدَهُ، وَتَقَاطُرَهُ، بِخِلَافِ الْمُكَاثَرَةِ فِي غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يَجْرِي عَلَيْهَا بَعْضُ الْمَاءِ، وَيَتَقَاطَرُ مِنْ الْمَحَلِّ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَصْرُهُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَهُوَ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُحَقِّقِينَ." اهـ

 

وقال الشيخ سعد الخثلان _حفظه الله_ في "موقعه الرسمي"[1]:

المقصود بالنضح والرش الوارد في الأحاديث هو الغمر بالماء من غير عصر، فإن كان غمرًا بالماء مع العصر فهذا يسمى غسلًا،

فالفرق بين الغسل والنضح:

* أن الغسل يكون فيه عصر،

* والنضح يكون بدون عصر،

هذا المعنى قد ذكره الموفق ابن قدامة في مغنيه، بعض الناس يفهم المقصود بالرش أنه يأخذ ماء ويرش بعض أجزاء المكان، هذا غير صحيح، ليس هذا المقصود، ولو فعل هذا ما طهر، وإنما المقصود هو الغمر؛ يغمره بالماء من غير عصر

 

خلاف بين العلماء، وحكمة الغسل والرش:

 

إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 45_46):

وَأَمَّا غَسْلُ الثَّوْبِ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيَّةِ وَنَضْحِهِ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ إذَا لَمْ يَطْعَمَا،

فَهَذَا لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُمَا يُغْسَلَانِ جَمِيعًا.

وَالثَّانِي: يُنْضَحَانِ.

وَالثَّالِثُ: التَّفْرِقَةُ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَتَمَامِ حِكْمَتِهَا وَمَصْلَحَتِهَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:___

أَحَدُهَا: كَثْرَةُ حَمْلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلذَّكَرِ، فَتَعُمُّ الْبَلْوَى بِبَوْلِهِ، فَيَشُقُّ عَلَيْهِ غَسْلُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ بَوْلَهُ لَا يَنْزِلُ فِي مَكَان وَاحِدٍ، بَلْ يَنْزِلُ مُتَفَرِّقًا هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَيَشُقُّ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ كُلَّهُ، بِخِلَافِ بَوْلِ الْأُنْثَى.

الثَّالِثُ: أَنَّ بَوْلَ الْأُنْثَى أَخْبَثُ وَأَنْتَنُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ، وَسَبَبُهُ حَرَارَةُ الذَّكَرِ وَرُطُوبَةُ الْأُنْثَى؛ فَالْحَرَارَةُ تُخَفِّفُ مِنْ نَتْنِ الْبَوْلِ وَتُذِيبُ مِنْهَا مَا لَا يَحْصُلُ مَعَ الرُّطُوبَةِ، وَهَذِهِ مَعَانٍ مُؤَثِّرَةٌ يَحْسُنُ اعْتِبَارُهَا فِي الْفَرْقِ." اهـ

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 201):

"وذكر الشافعي في الفرق وجها آخر كما رواه ابن ماجه في سننه، والحق فيه وفي مثله: التعبد والإتباع، والسؤال عن الحكم خارج عن ذلك، فالواجب على الفقيه أن يتبع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث وجده، ولا يضرب له الأمثال." اهـ

 

شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 250)

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَفِي وَجْهِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَوْجُهٌ رَكِيكَةٌ وَأَقْوَاهَا مَا قِيلَ إِنَّ النُّفُوسَ أَعْلَقُ بِالذَّكَرِ مِنْهَا بِالْإِنَاثِ يَعْنِي فَحَصَلَتِ الرُّخْصَةُ فِي الذُّكُورِ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ،

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه أبو داود في "سننه" (1/ 102) (رقم: 376)، والنسائي في "سننه"  (1/ 158) (رقم: 304)، وفي "السنن الكبرى" (1/ 186) (رقم: 289)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 175) (رقم: 526)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1/ 346 و 5/ 94) (رقم: 469 و 2637)، والدولابي في "الكنى والأسماء" (1/ 109) (رقم: 226)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 143) (رقم: 283)، والطبراني في "المعجم الكبير" (22/ 384) (رقم: 958)، والدارقطني في "سننه" (1/ 235) (رقم: 470)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 271) (رقم: 589)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (9/ 62)، وفي "معرفة الصحابة" (5/ 2920) (رقم: 6840)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 581) (رقم: 4157)، وفي "معرفة السنن والآثار" (3/ 376) (رقم: 4982).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 156) (رقم: 502)، و"صحيح أبي داود - الأم (2/ 224) (رقم: 402)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1349) (رقم: 8117).

 

من فوائد الحديث:

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 185_186):

* ما يُؤْخذ من الحديث:

1 - يؤخذ من الحديث: أنَّ الأصل في أحكام الغلام والجارية سواء؛ فتفريق السنة بينهما في البول دليل على أنَّ ما عداهما باقٍ على الأصل.

2 - بول البنت نجس كغيره من النجاسات، ولو كانت في سن الرضاع.

3 - فيغسل منه الثوب وغيره إذا أصابه؛ كما يغسل من سائر النجاسات.

4 - بول الغلام الذي لم يأكل الطعام لشهوة: نجس؛ ولكن نجاسته أخفُّ نجاسةً من بول البنت.

5 - يكفي في تطهير ما أصابه بولُ الغلام الذي لم يأكل لشهوة: رشُّه بالماء فقط، دون غسله.

6 - فيه أنَّه لا يقتصر في تطهير بول الغلام على إمرار اليد، وإنَّما المقصود إزالة العين.

7 - بحث العلماء في السِّر الذي من أجله حصل التفريق بين بول الغلام وبين بول الجارية:

* فقال بعضهم: إنَّ الغلام عادةً يكون أَرغَبَ عند أهله من___الجارية؛ فيكثر حمله وتكثر إصابة حامله ببوله، فمن باب التيسير خفف في غسل نجاسة بوله؛ فيكون من باب القاعدة الكبرى: "المشقة تجلب التيسير".

* وقال بعضهم: إن بول الغلام يخرج من ثقب ضيق، من قضيب ممتد، فيخرج بقوة وشدة دفع، فينتشر بوله وتكثر الإصابة منه، فاقتضت الحكمة التخفيف من الحكم في تطهير نجاسته؛ أما الجارية: فيخرج بولها من ثقب فيه سعة وبدون قضيب، فيستقر في مكان واحدة فيثبت على أصل نجاسة البول.

* وقال بعضهم: إنَّ الغلام فيه حرارة طبيعية زائدة على حرارة الجارية، وهو معلوم، وهذه الحرارة تخفِّف فضلات الطعام، فإذا صادف أنَّ الطعام خفيف أيضًا، وهو اللبن: حصل من مجموع الأمرين خفَّة النجاسة، بخلاف الجارية، فليس لديها هذه الحرارة الملطِّفة، فتبقى على الأصل.

هذه من الحِكَمِ التي تلمَّسها العلماء للفرق بين بول الغلام وبين بول الجارية، فإنْ صحَّتْ، فهي حِكَمٌ معقولة؛ لأنَّها فروق واضحة، وإنْ لم تصح فالحكمة هي حُكْمُ الله تعالى؛ فإنَّنا نعلم يقينا أنَّ شرع الله هو الحكمة؛

فانَّ الشرع لا يفرِّقُ بين شيئين متماثلين في الظاهر، إلاَّ والحكمة تقتضي التفريق، ولا يجمع بينهما إلاَّ والحكمة تقتضي الجمع؛ لأنَّ أحكام الله لا تكون إلاَّ وفق المصلحة؛ ولكن قَدْ تظهر وقد لا تظهر.

أمَّا قَيْءُ الغلام والجارية، ففيهما قولان لأهل العلم:

* فمن جعل حكمه حكم البول من الغلام والجارية، ألحقه به من باب الأولى؛ لأنَّ القيء أخف نجاسةً من البول؛ وهذا مذهب الحنابلة.

* وأمَّا من لم يلحقه، فقال: إنَّ الأصل أنَّهما سواء في الأحكام إلاَّ ما أخرجه النص، والنص لم يخرج القيء، فيبقى على أصله، وهو الاشتراك في حكم النجاسة بينهما." اهـ

 

سبل السلام (1/ 53):

وَأَمَّا: هَلْ بَوْلُ الصَّبِيِّ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ؟ فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ، وَإِنَّمَا خَفَّفَ الشَّارِعُ تَطْهِيرَهُ.

 

المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (3/ 253)

(فقه الحديث) دلّ الحديث:

* على مشروعية خدمة أهل الفضل،

* وعلى طلب ستر العورات،

* وعلى مزيد تواضعه _صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم_ وعظيم شفقته،

* وعلى مشروعية غسل بول الأنثى ورشّ بول الذكر، وهو نصّ صريح في الفرق بين بوليهما." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 155_157):

"ففي هذا الحديث: دليل على التفريق بين الأنثى والذكر، والفروق بين الأنثى والذكر قدرا وشرعا كثيرة ويمكن - إن شاء الله- أن نكلفكم بإحصائها؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك،

الفرق بين الذكر والأنثى من وجوه كثيرة قدرية وشرعية، فهنا فيه الفرق بين بول الذكر وبول الأنثى الصغار، الأنثى يغسل كما تغسل سائر الأبوال، والذكر ينضح، والرش هنا بمعنى النضح حتى يعم سواء تقاطر أم لم يتقاطر، ولا يحتاج إلى عصر أو إلى فرك.

فإن قال قائل: ما الفرق بينهما؟

قلنا: الفرق بينهما حكم الله ورسوله، فمتى حكم الله ورسوله بين شيئين متقاربين فالعلة هي حكم الله ورسوله،

وهذه العلة مقنعة لكل مؤمن ولا يحتاج بعدها إلى نقاش؛ لأننا نؤمن بأن حكم الله مبني على الحكمة،

وإذا كنا مؤمنين بأن حكم الله مبني على الحكمة علمنا أنه لابد أن___يكون هناك حكمة أوجبت التفريق في الحكم،

وحينئذ نقتنع ولا يخفى على كثير منكم "أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟

فقالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة"، وجعلت ذلك هو الحكمة وهو كذلك، لكن بعض العلماء - رحمهم الله- التمس لذلك علة وبعض العلماء قال: لا نعلم، فهو أمر تعبدي جاءت به السنة، فعلينا ألا نسأل بل نطبق.

ومن الفروق التي ذكرها من فرق أو من ذكر حكمة التفريق نقول: إن الغذاء الذي هو اللبن لطيف خفيف ليس له ثقل كالطعام؛ يعني: ليس له جرم يظهر بل هو خفيف تشربه المعدة والعروق ويخرج منه الشيء خفيفا، وبناء على ذلك يتلاقى هذا مع حرارة الذكورة وقوة إنضاج الذكر للطعام، فمن هذه القوة وخفة الغذاء يكون البول خفيف النجاسة،

ولهذا يوجد فرق بينه وبين بول الجارية في الرائحة مما يدل على صحة هذا التعليل، وأن الخبث الذي يكون في بول الذكر بالنسبة لبول الأنثى أخف. هذه واحدة.

ثانيا: قالوا: بول الذكر يخرج من ثقب في أنبوبة، وهذا يقتضي أن ينتشر وأن يتسع ما يصيبه، وإذا انتشر واتسع ما يصيبه صار التحرز منه شديدا؛ لأنه ينتشر فيكون التحرز منه شديدا، بخلاف بول الجارية، فإنه يخرج ثرثرة بدون أن يكون له بروز، فيكون ما يصيب الثوب منه او البدن قليلا، وهذه علة كما تعلمون تمشي على ثلاثة من أربعة.

الثالث: يقولون: الذكر مرغوب عند أمه، فتحمله كثيرا بخلاف الجارية، الغالب أن الجارية مسكينة تكون في ركن الزاوية ولا يهتمون بها كثيرا بخلاف الذكر، فإذا كانت تهتم به كثيرا فسوف تحمله كثيرا، ويشق التحرز من بوله بخلاف الجارية، وهذه العلة تمشي على اثنتين من أربع لماذا؟ لأننا نجد كثيرا من الناس - ولاسيما في زمن الصغر- يرقون للبنات أكثر ما يرقون للأولاد، ويكون حملهما للجارية أكثر.

على كل حال: أقرب شيء أن العلة الأولى هي المقنعة لكل مؤمن وهي: أن هذا حكم الله ورسوله، ولابد أن يكون هناك حكمة لكننا لا يمكن أن نحيط بكل حكم الله عز وجل.

الثانية: ما ذكرنا من لطافة الغذاء وحرارة البدن، فيجتمع هذا وهذا يكون خفيفا بدليل الفرق في الرائحة،

استفدنا من هذا الحديث فوائد:

الفائدة الأولى: أن بول الغلام الصغير وبول الجارية الصغيرة نجس؛ لأن كلا منهما عرضة للتطهير منه، لكن الجارية تغسل والغلام نضح أو رش.___

ومن فوائد هذا الحديث: أننا فهمنا بذلك حكمةَ الشريعةِ وتفريقَها في الأمور على حسب ما يقتضيه الحال؛ سواء قلنا: إن هذا الحكم تعبدي أو إنه معلل؛ لأننا نعلم أنه لا يمكن التفريق إلا أن هناك علة مؤثرة.

ومن فوائد هذا الحديث: أن العَذِرَةَ من الغلام ومن الجارية على حد سواء؛ لأن التفريق إنما كان في البول فقط فتبقى العذرة على ما هي عليه.

ومن فوائده أيضا: أنه إذا كبُرَ الغلامُ، ووصل إلى حد يتغذى بالطعام أو يكون غذاؤه بالطعام أكثر، فإن حكمه كالبالغ؛ يعني: لابد من غسل بوله.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز التصريح بذكر البول "يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام"،

وكثير من الناس إذا أراد أن يعبر عن البول يقول: (أطيرا)

وهذه لغة عامية قصيمية، يقول صاحب الفروع - وقد كان من أكبر تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية وأعلمِهم بفقهيات شيخ الإسلام ابن تيمية حتى كان ابن القيم يرجع إليه في فقهيات شيخ الإسلام-:

"الأولى أن يقول: (أبول)، ولا يقول: (أريق الماء)." لأن هذا غلط،

هل البول ماءٌ، فكيف يقول ذلك: (أريق الماء)، إذا كان ماءً، فهو يُشْرَبُ، وفي إناء، لكن الآن هذا نجس، فقل: (أبول)، كما قال النبي _عليه الصلاة والسلام_: (يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام)." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين