شرح الحديث 25 من بلوغ المرام لأبي فائزة البوجيسي

 

25 - وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ:

"كَانَ رَسُوْلُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: "لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيه".

وَفِي لَفْظٍ لَهُ: "لَقَدْ كُنْتُ أَحُكُّهُ يَابِسًا بِظُفُرِي مِنْ ثَوْبِهِ"

 

وشرح الحديث:

 

صحيح البخاري (1/ 55)

229 - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْسِلُ الجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَإِنَّ بُقَعَ المَاءِ فِي ثَوْبِهِ»

 

صحيح البخاري (1/ 55)

230 - عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ المَنِيِّ، يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ فَقَالَتْ: «كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَأَثَرُ الغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ» بُقَعُ المَاءِ

 

صحيح مسلم (1/ 238/ 105)

(رقم: 288) - عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ:

"أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بِعَائِشَةَ، فَأَصْبَحَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ:

«إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُكَ إِنْ رَأَيْتَهُ أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ، فَإِنْ لَمْ تَرَ نَضَحْتَ حَوْلَهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ»

 

والرجل: هو عَبْدُ اللهِ بْنُ شِهَابٍ الْخَوْلَانِيِّ أوْ هَمَّامُ بْنُ الْحَارِثِ النَّخَعِيُّ الكُوْفِيُّ

 

ففي "صحيح مسلم" (1/ 239/ 109)

(رقم: 290) - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ نَازِلًا عَلَى عَائِشَةَ، فَاحْتَلَمْتُ فِي ثَوْبَيَّ، فَغَمَسْتُهُمَا فِي الْمَاءِ، فَرَأَتْنِي جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ، فَأَخْبَرَتْهَا، فَبَعَثَتْ إِلَيَّ عَائِشَةُ، فَقَالَتْ:

"مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ بِثَوْبَيْكَ؟"

قَالَ قُلْتُ: "رَأَيْتُ مَا يَرَى النَّائِمُ فِي مَنَامِهِ."

قَالَتْ: "هَلْ رَأَيْتَ فِيهِمَا شَيْئًا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: «فَلَوْ رَأَيْتَ شَيْئًا، غَسَلْتَهُ. لَقَدْ رَأَيْتُنِي، وَإِنِّي لَأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَابِسًا بِظُفُرِي»

 

سنن أبي داود (1/ 101)

371 - عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَاحْتَلَمَ، فَأَبْصَرَتْهُ جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ وَهُوَ يَغْسِلُ أَثَرَ الْجَنَابَةِ مِنْ ثَوْبِهِ، أَوْ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ، فَ أَخْبَرَتْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 181)

فائدة:

قال الزركشي: الخارج من الإنسان ثلاثة أقسام:

أحدها: طاهر بلا نزاع: وهو الدمع، والريق، والمخاط، والبصاق، والعرق.

الثاني: نجس بلا نزاع: وهو الغائط، والبول، والودي، والمذي، والدم.

الثالث: مختلف فيه: وهو المني، وسبب الاختلاف هو تردده في مجرى البول.

قال شيخ الإِسلام ابن تيمية:

"المني طاهر، وكون عائشة تارةً تغسله من ثوب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وتارةً تفركه لا يقتضي تنجيسه، فإنَّ الثوب يغسل من المخاط والوسخ. وهذا قول غير واحدٍ من الصحابة." [مجموع الفتاوى (21/ 606)]

وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد، رحمه الله تعالى." اهـ

 

خلاف العلماء:

 

"ذهب الحنفية والمالكية: إلى أنَّ المني نجس؛ واستدلوا على ذلك بأمور:

أوَّلاً: أحاديث غسله من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والغسل لا يكون إلاَّ من نجاسة.

ثانيًا: أنَّه يخرج من مجرى البول، فيتعيَّن غسله بالماء؛ كغيره من النجاسات.

ثالثًا: قياسه على غيره من فضلات البدن المستقذرة من البول والغائط؛ لأنَّها كلها متحللةٌ من الغذاء.

رابعًا: لا مانع أن يكون أصل الإنسان وهو المنيُّ نجسًا؛ إذ مَنْ مَنَع ذلك يقول بنجاسة العلقة؛ لأنَّها دم، وهو نجس، وهي أصلٌ للإنسان أيضًا.

خامسًا: ليس في أحاديث فرك المني دليلٌ على طهارته، فقد يجوز أنْ يكون الفرك هو المطهِّرَ للثوب، والمني في نفسه نجس؛ كما قد روي فيما أصاب النعل من الأذى، فطهورهما التراب، فكان ذلك التراب يجزىء من غسلهما، وليس في ذلك دليلٌ على طهارة الأذى في نفسه.

وأيضًا: لو كان المني طاهرًا، فلماذا أمر -صلى الله عليه وسلم- بفركه، فلو كان طاهرًا، لجازت الصلاة به دون فركه. انتهى ملخصًا من شرح معاني الآثار للطحاوي.

وذهب الإمام الشافعي وأحمد: إلى أنَّه طاهر ليس بنجس؛ وقالوا: إنَّه لا يزيد وساخة على المخاط والبصاق؛ واستدلوا على ذلك بأمور:

أوَّلاً: أحاديث فركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحتِّه من دون غسل، وهذا أكبر دليل على طهارته، ولو كان نجسًا، لم يكف فيه ذلك.

ثانيًا: أنَّ هذا أصل خلق الإنسان الطاهر الذي كرَّمه الله، فكيف يكون أصله النجاسة؟! وأمَّا غسله بعض الأحيان من ثوبه -صلى الله عليه وسلم-، فلا يدل على النجاسة، وإنَّما لأجل النظافة، كما تزال البصقة والمخاط.___

ثالثًا: عدم مبادرة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- إلى إزالته وتركه حتَّى ييبس، دليل على طهارته؛ ذلك أنَّ المعروف من هدي النَّبي -صلى الله عليه وسلم- المبادرةُ في إزالة النجاسة، كما أمر الصحابة بغسل بول الأعرابي الذي بال في المسجد، وكما بادر بغسل ثوبه من بول الغلام الذي بال في حجره، وغير ذلك من الجزئيات.

والرّاجح: ما ذهب إليه الشَّافعي وأحمد، رحمهما الله تعالى." اهـ من توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 182_183)

 

الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (2/ 160)

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْمَنِيُّ طَاهِرٌ وَلَا أَعْلَمُ دَلَالَةً مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ يُوجِبُ غَسْلَهُ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي اخْتَصَرْتُ مِنْهُ هَذَا الْكِتَابَ حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ

 

فتح الباري لابن حجر (1/ 332_333)

"ليس بين حديث الغسل، وحديث الفرك تعارض؛ لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المنيّ بأن يُحْمَل الغسل على الاستحباب للتنظيف، لا على الوجوب، وهذه طريقة الشافعيّ، وأحمد، وأصحاب الحديث.

وكذا الجمع ممكنًا على القول بنجاسته، بأن يُحمَل الغسل على ما كان رَطْبًا، والفرك على ما كان يابسًا، وهذه طريقة الحنفية.

والطريقة الأولى أرجح؛ لأن فيها العمل بالخبر والقياس معًا؛ لأنه لو كان نجسًا لكان القياس وجوب غسله، دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره، وهم لا يَكتفون فيما لا يُعْفَى عنه من الدم بالفرك." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه صحيح البخاري (1/ 55_56) (رقم: 229_232)، صحيح مسلم (1/ 238_239/ 105 و 108 و 109) (رقم: 288 و 289 و 290)، سنن أبي داود (1/ 101_102) (رقم: 371_273)، سنن الترمذي ت شاكر (1/ 198 و 1/ 201) (رقم: 116 و 117)، سنن النسائي (1/ 156_157) (رقم: 295_301)، سنن ابن ماجه (1/ 178_179) (رقم: 536_539)

 

من فوائد الحديث:

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (7/ 265)

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق من بيان المذاهب، وأدلّتها في حكم المنيّ أن الصحيح مذهب من قال بطهارته؛ لقوّة حججه.

ومن الأدلّة على طهارته عدم مبادرة النبيّ - صلي الله عليه وسلم - إلى إزالته، وتركه حتى ييبس، وما ذلك إلا لطهارته؛ لأن المعروف من هديه - صلى الله عليه وسلم - المبادرة في إزالة النجاسة، فقد أمر الصحابة - رضي الله عنهم - فور فراغ الأعرابيّ من بوله بصبّ الماء عليه، وبادر بنضح الماء على ثوبه فور بول الغلام الذي بال في حجره، وغير ذلك.

وقد أطلت البحث في تحقيقه في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (7/ 261_262):

"في فوائده:

1 - (منها): أنه استَدَلّ به من قال بطهارة المنيّ، وهو الراجح، وسيأتي تحقيق الخلاف في المسألة التالية - إن شاء الله تعالى -.

2 - (ومنها): أن السنّة هي الاقتصار على فرك يابس المنيّ، وغسل رطبه، كما بيّنَتْهُ روايات حديث الباب.

قال الإمام ابن حبّان في "صحيحه" بعد إخراج الحديث ما انصّه: كانت عائشة - رضي الله عنها - تغسل المنيّ من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان رطبًا؛ لأن فيه استطابةً للنفس، وتفرُكُهُ إذا كان يابسًا، فيُصلّي - صلى الله عليه وسلم - فيه، فهكذا نقول، ونختار أن الرطب منه يُغسل لطيب النفس، لا أنه نجسٌ، وأن اليابس منه يُكتفى منه بالفرك اتّباعًا للسنّة. انتهى ["تقريب الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان" (4/ 221)].___

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (7/ 262)

3 - (ومنها): أن فيه خدمة المرأة زوجها في غسل ثيابه وشبهه، خصوصًا إذا كان يتعلّق بها، وهو من حسن العِشْرة، وجميل الصحبة.

4 - (ومنها): أن المرأة الصالحة المتحبّبة إلى زوجها لا تأنَف، ولا تترفّع عن مثل هذه الأعمال من إزالة الأوساخ والفضلات من ثوب، أو بدن زوجها لما تعلمه من عِظَم قدر حقّه عليها.

5 - (ومنها): أنه ينبغي نقلُ أحوال الشخص المقتدى به، وإن كان يُستحيى من ذكره في العادة للناس؛ ليقتدوا به.

6 - (ومنها): العناية بإزالة المنيّ من الثوب، ونحوه، وسيأتي الخلاف هل هو للوجوب، أو للاستحباب، وهو الراجح - إن شاء الله تعالى -.

7 - (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ - صلي الله عليه وسلم - من التقلّل من الحياة الدنيا ومتاعهما؛ إذ ثوب نومه هو ثوب صلاته، وخروجِه، وذلك كلُّه إرشاد منه - صلى الله عليه وسلم - لأمته بعدم الرفاهية فيها والرغبة فيما عند الله تعالى من نعيم الجنة.

8 - (ومنها): أن الخروج على الناس مع وجود آثار الأمور العاديّة من الأكل والشرب والجماع لا يُعتبر إخلالًا بفضيلة خصلة الحياء.

9 - (ومنها): أنه استَدَلّ به جماعة على طهارة رطوبة فرج المرأة، وهو الأصحّ عند الشافعيّة؛ لأن الاحتلام مستحيل في حقّه - صلى الله عليه وسلم - على الأشبه، فتعيّن أن يكون المنيّ من جماع. وتُعُقّب بأنه قد يكون خرج بمقدّمات الجماع، فسقط منه شيء على الثوب، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (7/ 278):

"وفيه: بيان ما كان عليه النبيّ - صلي الله عليه وسلم - من الزهد في الدنيا، وتواضعه، ولين أخلاقه، وحسن عشرته.

وفي قول سليمان: "سألت عائشة إلخ " من الفوائد: جواز سؤال النساء عما يُستحيى منه؛ لمصلحة تعلّم الأحكام، وفيه خدمة الزوجات لأزواجهنّ.

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 180_181):

"* ما يؤخذ من الحديث:

1 - أنَّ سنَّة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- هي الاقتصار على فرك المَنِيِّ إنْ كان يابسًا، وغسله إنْ كان رطبًا.

2 - طهارة مني الآدمي؛ فإنَّ اقتصار النَّبي -صلى الله عليه وسلم- على حكِّه دون غسله دليلٌ على طهارته؛ كما أنَّ تركه المني في ثوبه -صلى الله عليه وسلم- حتَّى ييبس -مع أنَّ المعروف من هديه المبادرة بغسل النجاسات وإزالتها- دليل على طهارته أيضًا.

3 - الاستحباب في غسل المني، سواءٌ كان رطبًا أو يابسًا؛ لأجل كمال النظافة، كما يغسل المخاط ونحوه من الطَّاهرات.

4 - عدم توقِّي مثل هذه الفضلات التي ليست بنجسة، وجواز بقائها في البدن أو الثوب أو غيرهما؛ أخذًا من بقاء المنِّي في ثوبه -صلى الله عليه وسلم- حتَّى ييبس.

5 - ما كان عليه النَّبي -صلى الله عليه وسلم- من التقلل من الحياة الدنيا ومتاعها؛ إذ إنَّ ثوب نومه هو ثوب صلاته وخروجه، وذلك كله إرشادٌ للأمَّة بعدم المغالاة فيها، والرغبة فيما عند الله تعالى من جزيل ثوابه وعطائه.

6 - خدمة المرأة زوجها، وقيامها بخدمة بيته، والقيام بما يجب له، حسب ما جرت به العادة؛ فإنَّ هذا من العشرة الحسنة للزوج.

7 - أنَّ الخروج على النَّاس مع وجود آثار الأمور العادية من الأكل والشرب والجماع، لا يعتبر إخلالًا بفضيلة خَصْلَةِ الحياء.

8 - أنَّ المرأة الصالحة المتحبِّبة إلى زوجها لا تأنف ولا تترفَّع عن مثل هذه الأعمال، من إزالة الأوساخ والفضلات من ثوب أو بدن زوجها؛ لما تعلمه من عظم قدر حق زوجها عليها.___

9 - قال ابن الملقِّن في شرح العمدة: استدل جماعةٌ بهذا الحديث -حديث عائشة- على طهارة رطوبة فرج المرأة، وهو الأصح عندنا -الشافعية-.

وقال في المغني: في رطوبة فرج المرأة روايتان:

إحداهما: نجاسته؛ لأنَّه بللٌ في الفرج لا يُخْلَقُ منها الولد؛ لذا أشبه المذي.

الثانية: طهارته لأنَّنا لو حكمنا بنجاسته، لحكمنا بنجاسة منيها.

وقال في الإنصاف: وفي رطوبة فرج المرأة روايتان؛ إحداهما: طاهر؛ وهذا هو الصحيح من المذهب.

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 152_154)

"فوائد الحديث:

في حديث عائشة رضي الله عنها في حكايتها في تقرير المني،

من فوائده: جواز التصريح بما يستحيا من ذكره عند الحاجة إليه؛ لقولها: "يغسل المني"...

ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي إزالة أثر المني، سواء قلنا بطهارته أو بنجاسته.

ومن فوائده: أن المني ليس بنجس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بغسله، فإن قال قائل: ولكنه غسله، فالجواب: أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم المجرد لا يدل على الوجوب، الوجوب يكون بالأمر وبعضهم قال: إن الفعل الدائم المستمر يدل على الوجوب وإن لم يأمر به، وهذا ليس من الشيء المستمر؛ لأنه أحيانا إذا يبس يفركه.___

ومن فوائد هذا الحديث: أنه يمكن أن يقاس على المني كل ما يستحيا من رؤيته، فإنه ينبغي للإنسان أن يزيله عن ثوبه فلو كان به أثر دم وإن قلنا بالطهارة؛ أو كان فيه أثر مخاط؛ أي: في الثوب فإنه ينبغي للإنسان أن يزيله؛ لأن هذا مما يستحيا منه وتتقزز النفوس منه، وبالتالي يكون نفس الذي اتصف به مكروها في طبائع الناس، وإن كان غير مكروه شرعا لكن الناس لا يجبون أن يروا هذا المذى على غيرهم.

ومن فوائد الحديث في لفظ مسلم: أن من العشرة بالمعروف أن تخدم المرأة زوجها لقولها رضي الله عنها: "لقد كنت أفركه".

فإن قال قائل: وهل خدمة الزوجة زوجها أمر واجب عليها؟

فالجواب: أن الله تعالى حكم بهذا حكما عدلا فقال: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19].

فإذا كان المعروف عند الناس أن المرأة تخدم زوجها وجب عليها أن تقوم بخدمته، وإذا كان المعروف أن الزوجة لا تخدم الزوج وأنها تستخدم الخادم لم يجب عليها أن تخدم الزوج، وإذا كان من المعروف أن تخدمه في شيء، دون شيء فعلى حسب المعروف ما جرت العادة أن تخدمه فيه وجب عليها أن تخدمه، وما لم تجر العادة به لم يجب عليها، كل هذا مأخوذ من كلمتين: {وعاشروهن بالمعروف}.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز الاقتصار على فرك المني إذا كان يلبسا، وأنه لا يجب غسله، ولكن بعض الأشخاص يكون لمنيه أثر وإن فركوه فهل نقول: اغسل الأثر؟ الجواب: نعم، اغسله لئلا يتقزز الناس من رؤيته.

ومن فوائد هذا الحديث - أعني: رواية مسلم-: أنه كالصريح في طهارة المني؛ لأن النجس- ولاسيما ما كان له جرم- لا يكفي فيه الفرك؛ إذ إن الثوب يتشرب النجاسة، فالفرك لا يمكن أن يزيل عين النجاسة، وهذا يدل على أن المني طاهر وهو كذلك، بقي أن يقال - وهي مسألة ليست في الحديث-: إذا كانت النجاسة التي لها جرم على شيء أملس كالمرآة فهل يجزئ فيها الفرك إذا أزالها بالكلية؟ الصواب: أنه يجزئ؛ لأن القول الراجح أن النجاسة متى زالت بأي مزيل طهر المحل.

ومن فوائد هذا الحديث: زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا؛ حيث كان ثوبه الذي يصيبه المني يغسله ويصلي فيه،

بمعنى: أنه لا يحتاج إلى ثوب للصلاة، وثوب للفراش، وثوب للبيت وما أشبه ذلك. فهل يقال: إنه لما أنعم الله علينا بالمال ينبغي لأن نعود إلى ذلك، وأن نجعل ثوب النوم هو ثوب الصلاة؟____

الجواب: لا، ليس كذلك إذا وسع الله علينا فإن الله "يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".

فإن قال قائل: هل هذا المني الذي تفركه عائشة من ثوب الرسول - عليه الصلاة والسلام- هو عن احتلام أو عن جماع؟

الجواب: أنه عن جماع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتلم، فإن من خصائصه - عليه الصلاة والسلام- أنه لا يحتلم كما ذكر ذلك أهل العلم.

ومن فوائد اللفظ الثاني لمسلم: جواز تأكيد الشيء بأي مؤكد وذلك من قولها: "كنت أحكه يابسا بظفري"، التوكيد هنا هل هو في قولها: "بظفري"، أو في قولها: "يابسا" أو فيهما؟ الجواب: فيهما، لأنه لا يمكن الحك إلا إذا كان يابسا، والحك أيضا لا يكون إلا بالظفر." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين