شرح الحديث 16 من الأدب المفرد - السفر الدعوي لأبي فائزة البوجيسي

 

7- باب عقوق الوالدين


16 - [2] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَرَّادٍ، كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَيَّ بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ وَرَّادٌ : فَأَمْلَى عَلَيَّ وَكَتَبْتُ بِيَدَيَّ :

«إِنِّي سَمِعْتُهُ يَنْهَى عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَعَنْ قِيلَ وَقَالَ».

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث


* حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ (ثقة ثبت: 227 هـ):

محمد بن سلام بن الفرج : أبو عبد الله البخاري البيكندي، روى له:  خ

 

* قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ (ثقة: ت 188 هـ)

جرير بن عبد الحميد بن قرط الضَّبِّيُّ، أبو عبد الله الرازي الكوفي القاضي، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق 

 

* عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ (ثقة: ت 136 هـ):

عبد الملك بن عمير بن سويد الفَرَسِيُّ اللَّخْمِيُّ، أبو عمرو الكوفي، المعروف بـ"القِبْطِي" (حليف بنى عدي)، من التابعين، روى له: خ م د ت س ق

 

* عَنْ وَرَّادٍ، كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ (ثقة) :

وراد الثقفى ، أبو سعيد الكوفي، مولى المغيرة بن شعبة (وكَاتِبُهُ)، من الوسطى من التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

* المغيرة بن شعبة _رضي الله عنه_ (ت: 50 هـ على الصحيح بـ الكوفة):

المغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتب، أبو عيسى الثقفى _رضي الله عنه_، روى له: خ م د ت س ق

 

نص الحديث وشرحه:

 

عَنْ وَرَّادٍ، كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَيَّ بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ وَرَّادٌ : فَأَمْلَى عَلَيَّ وَكَتَبْتُ بِيَدَيَّ :

«إِنِّي سَمِعْتُهُ يَنْهَى عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَعَنْ قِيلَ وَقَالَ».

 

وفي رواية البخاري :

عن أَبي عيسى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قَالَ :

«وَكَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ المَالِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ، وَعُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ البَنَاتِ»

 

وفي رواية مسلم :

«إِنَّ اللهَ حَرَّمَ ثَلَاثًا، وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ: حَرَّمَ عُقُوقَ الْوَالِدِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَلَا وَهَاتِ، وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ»

 

والمنهي في الحديث ثلاثة:

* كَثْرَةِ السُّؤَالِ،

 

وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى:  852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (10 / 407_408):

"قوله: (وكثرة السؤال):

تقدم في كتاب الزكاة بيان الاختلاف في المراد منه : "وهل هو سؤال المال، أو السؤال عن المشكلات والمعضلات، أو أعم من ذلك؟"

وأن الأولى حمله على العموم.

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به :

*كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان، أو

*كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، فإن ذلك مما يكره المسئول غالبا.

*وقد ثبت النهي عن الأغلوطات : أخرجه أبو داود من حديث معاوية.

*وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدا، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ.

*وأما ما تقدم في اللعان فكره النبي صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها، وكذا في التفسير في قوله تعالى: { لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} فذلك خاص بزمان نزول الوحي، ويشير إليه حديث: "أعظم الناس جرما عند الله من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته"

*وثبت أيضا ذم السؤال للمال ومدح من لا يحلف فيه كقوله تعالى: {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}

وتقدم في الزكاة حديث : "لا تزال المسألة بالعبد حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم"

وفي صحيح مسلم: "إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي____فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو جائحة."

وفي السنن قوله _صلى الله عليه وسلم_ لابن عباس: "إذا سألت فاسأل الله." [ت][1]

وفي سنن أبي داود: "إن كنت لا بد سائلا، فاسأل الصالحين."[2] اهـ

 

* وَإِضَاعَةِ الْمَالِ،

 

وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى:  852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (10 / 408):

"قوله : «وإضاعة المال» تقدم في الاستقراض أن الأكثر حملوه على الإسراف في الإنفاق، وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام،

والأقوى: أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعا سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه، لأن الله تعالى جعل المال قياما لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويتُ تلكَ المصالحِ، إما في حق مضيعها، وإما في حق غيره،

ويستثنى من ذلك: كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوِّت حقا أخرويا أهم منه." اهـ

 

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (12 / 11):

"وأما اضاعة المال فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف. وسبب النهي: أنه إفسادٌ، واللهُ لا يُحِب المفسدين، ولأنه إذا أضاع مالَهُ، تَعَرَّضَ لما في أيدي الناس." اهـ

 

* وَعَنْ قِيلَ وَقَالَ

 

وقال الحسين بن محمود بن الحسن، مظهر الدين الزَّيْدَانيُّ الحَنَفيُّ، المشهورُ بـ"المُظْهِرِيّ" (المتوفى: 727 هـ)_رحمه الله_ في "المفاتيح في شرح المصابيح" (5 / 203):

"وكَرِهَ لكم قيل وقال": وكَرِهَ الله لكم التحدُّثَ بالحكايات التي ليس فيها ثوابٌ ولا ضرورةَ لكم فيها؛ لأن كثرةَ الكلام قسوةٌ للقلوب." اهـ

 

* وفي رواية لمسلم:

«إِنَّ اللهَ حَرَّمَ ثَلَاثًا، وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ. حَرَّمَ: عُقُوقَ الْوَالِدِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَلَا وَهَاتِ. وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ»

 

وفيه: أن المحرمات ثلاثة:

1/ عُقُوق الْوَالِدِ:

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (12 / 11_12):

"وأما عقوق الأمهات فحرام وهو من الكبائر باجماع العلماء وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على عده من الكبائر وكذلك عقوق الآباء من الكبائر وإنما____اقتصر هنا على الأمهات لأن حرمتهن آكد من حرمة الآباء ولهذا قال صلى الله عليه و سلم حين قال له السائل من أبر قال أمك ثم أمك ثلاثا ثم قال في الرابعة ثم أباك ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات ويطمع الأولاد فيهن وقد سبق بيان حقيقة العقوق وما يتعلق به في كتاب الإيمان." اهـ

 

2/ وَوَأْد الْبَنَاتِ:

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (12 / 12):

"وأما وأد البنات بالهمز فهو دفنهن في حياتهن فيمتن تحت التراب وهو من الكبائر الموبقات لأنه قتل نفس بغير حق ويتضمن أيضا قطيعة الرحم وإنما اقتصر على البنات لأنه المعتاد الذي كانت الجاهلية تفعله." اهـ

 

3/ وَلَا وَهَاتِ:

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (12 / 12):

"وأما قوله ومنعا وهات وفي الرواية الأخرى ولا وهات فهو بكسر التاء من هات، ومعنى الحديث: أنه نهى أن يمنع الرجل ما توجه عليه من الحقوق أو يطلب مالا يستحقه." اهـ

 

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري - (10 / 207):

"قال [يعني : الخطابي] : "ويريد بـ«منعا وهات» منع الواجب عليك من الحقوق، وأخذ مَا لاَ يَحِلُّ لَكَ من أموال الناس." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 20) (رقم : 16)، وفي صحيحه (8/ 100) (رقم : 6473)، ومسلم في صحيحه (3/ 1341) (593)، والنسائي في "السنن الكبرى" (10/ 382) (رقم: 11784)

 

من فوائد الحديث :

 

وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (30/ 105):

"في فوائده:

1 - (منها): تحريم عقوق الأمهات، وهو من الكبائر بإجماع العلماء، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على عدّه من الكبائر، وكذلك عقوق الآباء من الكبائر، وإنما اقتصر هنا على الأمهات؛ لأنَّ حرمتهن آكد من حرمة الآباء، ولهذا قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قال له السائل: مَن أَبَرّ؟ قال: "أمك، ثم أمك"، ثلاثًا، ثم قال في الرابعة: "ثم أباك"، ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات.

2 - (ومنها): تحريم وأد البنات - بالهمز - وهو دفنهن في حياتهن، فيمتن تحت التراب، وهو من الكبائر الموبقات؛ لأنه قتل نفس بغير حقّ، ويتضمن أيضًا قطيعة الرحم، وإنما اقتصر على البنات؛ لأنه المعتاد الذي كانت الجاهلية تفعله غالبًا.

3 - (ومنها): تحريم "منعٍ، وهات"، وهو أن يمنع الرجل ما توجّه عليه من الحقوق، أو يطلب ما لا يستحقه.

4 - (ومنها): تحريم كثرة السؤال، وقد مضى تفصيله.____

5 - (ومنها): تحريم إضاعة المال، وقد مضى تفصيل أيضًا.

6 - (ومنها): ما قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -:

"وفي قوله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: "حرّم ثلاثًا"، و"كَرِه ثلاثًا" دليل على أنَّ الكراهة في هذه الثلاثة الأخيرة للتنزيه، لا للتحريم." انتهى

قال الجامع _عفا الله عنه_: قوله: "لا للتحريم" محلّ تأمّل، والله تعالى أعلم." اهـ

 

وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى:  852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (10 / 408_409):

"والحاصل في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجه:

الأول: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعا فلا شك في منعه،

والثاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعا فلا شك في كونه مطلوبا بالشرط المذكور،

والثالث: إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذ النفس،

فهذا ينقسم إلى قسمين:

1)  أحدهما: أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله، فهذا ليس بإسراف.

2)  والثاني: ما لا يليق به عرفا،

وهو ينقسم أيضا إلى قسمين:

أحدهما: ما يكون لدفع مفسدة إما ناجزة أو متوقعة، فهذا ليس بإسراف،

والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك

فالجمهور على أنه إسراف، وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس بإسراف قال: لأنه تقوم به مصلحة البدن وهو غرض صحيح، وإذا كان في غير معصية فهو مباح له. قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قال اهـ.

وقد صرح بالمنع القاضي حسين، فقال في كتاب "قسم الصدقات" : "هو حرام". وتبعه الغزالي، وجزم به الرافعي في الكلام على المغارم،

وصحح في باب الحجر من الشرح وفي المحرر : أنه ليس بتبذير، وتبعه النووي، والذي يترجح أنه ليس مذموما لذاته، لكنه يفضي غالبا إلى ارتكاب المحذور كسؤال الناس، وما أدى إلى المحذور فهو محذور.

وقد تقدم في كتاب الزكاة البحث في جواز التصدق بجميع المال وأن ذلك يجوز لمن عرف من نفسه الصبر على المضايقة،

وجزم الباجي من المالكية بمنع استيعاب جميع المال بالصدقة قال: ويكره كثرة إنفاقه في مصالح الدنيا، ولا بأس به إذا وقع نادرا لحادث يحدث كضيف أو عيد أو وليمة.

ومما لا خلاف في كراهته مجاوزة الحد في الإنفاق على البناء زيادة على قدر الحاجة، ولا سيما إن أضاف إلى ذلك المبالغة في الزخرفة

ومنه : احتمال الغبن الفاحش في البياعات بغير سبب.

وأما إضاعة المال في المعصية فلا يختص بارتكاب الفواحش، بل يدخل فيها سوء القيام على الرقيق والبهائم حتى يهلكوا، ودفع مال من لم يؤنس منه الرشد إليه، وقسمه مالا____ينتفع بجزئه كالجوهرة النفيسة.

وقال السبكي الكبير في "الحلبيات": الضابط في إضاعة المال أن لا يكون لغرض ديني ولا دنيوي، فإن انتفيا حرم قطعا، وإن وجد أحدهما وجودا له بال وكان الإنفاق لائقا بالحال ولا معصية فيه جاز قطعا. وبين الرتبتين وسائط كثيرة لا تدخل تحت ضابط.

فعلى المفتي أن يرى فيما تيسر منها رأيه، وأما ما لا يتيسر فقد تعرض له؛ فالإنفاق في المعصية حرام كله، ولا نظر إلى ما يحصل في مطلوبه من قضاء شهوة ولذة حسنة. وأما إنفاقه في الملاذ المباحة فهو موضع الاختلاف، فظاهر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} أن الزائد الذي لا يليق بحال المنفق إسراف.

ثم قال: ومن بذل مالا كثيرا في غرض يسير تافه عده العقلاء مضيعا، بخلاف عكسه، والله أعلم." اهـ

 

وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى:  852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (10 / 409):

"قال الطيبي: هذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق، وهو تتبع جميع الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة." اهـ

 

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (12 / 11_12):

"وأما عقوق الأمهات فحرام وهو من الكبائر باجماع العلماء وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على عده من الكبائر،

وكذلك عقوق الآباء من الكبائر وإنما____اقتصر هنا على الأمهات لأن حرمتهن آكد من حرمة الآباء ولهذا قال صلى الله عليه و سلم حين قال له السائل من أبر قال أمك ثم أمك ثلاثا ثم قال في الرابعة ثم أباك ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات ويطمع الأولاد فيهن." اهـ

 

وقال عياض بن موسى السبتي، المعروف بـ"القاضي عياض" اليحصبي (المتوفى: 544 هـ) _رحمه الله_ في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (5 / 570):

"فلا خلاف أن العقوق من الكبائر، وكذلك الوأد للبنات. والوأد: دفنهن أحياء، كما كانت تفعله الجاهلية." اهـ

 

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (12 / 12):

"قوله _صلى الله عليه وسلم_: (إن الله حرم ثلاثا ونهى عن ثلاث حرم عقوق الوالد ووأد البنات ولا وهات ونهى عن ثلاث قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)

هذا الحديث دليل لمن يقول: أن النهي لا يقتضي التحريم والمشهور أنه يقتضي التحريم وهو الأصح ويجاب عن هذا بأنه خرج بدليل آخر." اهـ

 

سبل السلام - (2 / 630)

وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْأُمُّ هُنَا إظْهَارًا لِعِظَمِ حَقِّهَا وَإِلَّا فَالْأَبُ مُحَرَّمٌ عُقُوقُهُ، وَضَابِطُ الْعُقُوقِ الْمُحَرَّمِ كَمَا نُقِلَ خُلَاصَتُهُ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ وَهُوَ أَنْ يَحْصُلُ مِنْ الْوَلَدِ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ عُرْفًا فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا مَا إذَا حَصَلَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ فَخَالَفَهُمَا بِمَا لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ مُخَالَفَتُهُ عُقُوقًا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُقُوقًا،

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَثَلًا عَلَى الْأَبَوَيْنِ دَيْنٌ لِلْوَلَدِ أَوْ حَقٌّ شَرْعِيٌّ فَرَافَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُقُوقًا كَمَا «وَقَعَ مِنْ بَعْضِ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ شِكَايَةُ الْأَبِ إلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فِي احْتِيَاجِهِ لِمَالِهِ، فَلَمْ يَعُدَّ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ شِكَايَتَهُ عُقُوقًا»

(قُلْت) فِي هَذَا تَأَمُّلٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» دَلِيلٌ عَلَى نَهْيِهِ عَنْ مَنْعِ أَبِيهِ عَنْ مَالِهِ وَعَنْ شِكَايَتِهِ،

ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الضَّابِطِ: فَعَلَى هَذَا، الْعُقُوقُ أَنْ يُؤْذِيَ الْوَلَدُ أَحَدَ أَبَوَيْهِ بِمَا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ أَبَوَيْهِ كَانَ مُحَرَّمًا مِنْ جُمْلَةِ الصَّغَائِرِ فَيَكُونُ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ كَبِيرَةً، أَوْ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ فِيمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَوْفُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ فَوَاتِ نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، أَوْ مُخَالَفَتُهُمَا فِي سَفَرٍ يَشُقُّ عَلَيْهِمَا وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى الْوَلَدِ أَوْ فِي غَيْبَةٍ طَوِيلَةٍ فِيمَا لَيْسَ لِطَلَبِ عِلْمٍ نَافِعٍ أَوْ كَسْبٍ، أَوْ تَرْكِ تَعْظِيمٍ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَدِمَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقُمْ إلَيْهِ أَوْ قَطَّبَ فِي وَجْهِهِ فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ الْغَيْرِ مَعْصِيَةً فَهُوَ عُقُوقٌ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ." اهـ



[1] أخرجه الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (4/ 667) (رقم: 2516)، وهو صحيح: صححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1317) (رقم: 7957)، وفي "التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (9/ 417) (رقم: 6725)

[2] أخرجه أبو داود في "سننه" (2/ 122) (رقم: 1646)، والنسائي في "سننه" (5/ 95) (رقم: 2587)،

والحديث ضعيف: ضعفه الألباني _رحمه الله_ في "ضعيف أبي داود" - الأم (2/ 127) (رقم: 292)، وفي "ضعيف الجامع الصغير وزيادته" (ص: 187) (رقم: 1299)، لجهالة مسلم بن مَخْشيّ وابن الفراسي.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين