شرح الحديث 65 من كتاب رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

[65] السادس: عن أبي هريرةَ _رضي الله عنه_ :

أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ _صلى الله عليه وسلم_، يقُولُ :

«إنَّ ثَلاثَةً مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ: أبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، أَرَادَ اللهُ أنْ يَبْتَليَهُمْ فَبَعَثَ إِليْهمْ مَلَكاً،

* فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ : "أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ؟"

قَالَ : "لَوْنٌ حَسنٌ، وَجِلدٌ حَسَنٌ، وَيَذْهبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ"؛

فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ، وَأُعْطِيَ لَوناً حَسنَاً وجِلْدًا حَسَنًا.

فَقَالَ : "فَأيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليكَ؟" قَالَ : "الإِبلُ _أَوْ قالَ: البَقَرُ شكَّ الرَّاوي_."

فَأُعطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ : "بَاركَ الله لَكَ فِيهَا".

* فَأَتَى الأَقْرَعَ، فَقَالَ : "أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ؟"

قَالَ : "شَعْرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَذِرَني النَّاسُ"؛

فَمَسَحَهُ فَذَهبَ عَنْهُ وأُعْطِيَ شَعراً حَسَناً. قالَ : "فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ؟"

قَالَ: "البَقَرُ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلاً"، وَقالَ : "بَارَكَ الله لَكَ فِيهَا."

 

فَأَتَى الأَعْمَى، فَقَالَ : "أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟" قَالَ : "أَنْ يَرُدَّ الله إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ"؛

فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرهُ.

قَالَ: "فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ؟" قَالَ : "الغَنَمُ"،

فَأُعْطِيَ شَاةً والداً، فَأَنْتَجَ هذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكانَ لِهذَا وَادٍ مِنَ الإِبلِ، وَلِهذَا وَادٍ مِنَ البَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الغَنَمِ.

 

ثُمَّ إنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ في صُورَتِهِ وَهَيئَتِهِ، فَقَالَ: رَجلٌ مِسْكينٌ قَدِ انقَطَعَتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَري فَلا بَلاغَ لِيَ اليَومَ إلا باللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذي أعْطَاكَ اللَّونَ الحَسَنَ، والجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ، بَعِيراً أَتَبَلَّغُ بِهِ في سَفَري"،

فَقَالَ: "الحُقُوقُ كثِيرةٌ". فَقَالَ : "كأنِّي اعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فقيراً فأعْطَاكَ اللهُ!؟"

فَقَالَ: "إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا المالَ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ"، فَقَالَ : "إنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيَّرَكَ الله إِلَى مَا كُنْتَ."

 

وَأَتَى الأَقْرَعَ في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذا، وَرَدَّ عَلَيهِ مِثْلَ مَا رَدَّ هَذَا،

فَقَالَ: إنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ.

 

وَأَتَى الأَعْمَى في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ : "رَجُلٌ مِسْكينٌ وابنُ سَبيلٍ، انْقَطَعتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَرِي، فَلا بَلاَغَ لِيَ اليَومَ إلا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسأَلُكَ بالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَركَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا في سَفري؟"

فَقَالَ: "قَدْ كُنْتُ أعمَى، فَرَدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، وَدَعْ مَا شِئْتَ. فَوَاللهِ، لا أجْهَدُكَ اليَومَ بِشَيءٍ أخَذْتَهُ للهِ _عز وجل_.

فَقَالَ: "أمْسِكْ مالَكَ فِإنَّمَا ابْتُلِيتُمْ. فَقَدْ رضي الله عنك، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيكَ"». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

و «النَّاقةُ العُشَرَاءُ» بضم العين وفتح الشين وبالمد: هي الحامِل. قوله: «أنْتَجَ» وفي رواية: «فَنتَجَ» معناه: تولَّى نِتاجها، والناتج لِلناقةِ كالقابِلةِ للمرأةِ. وقوله: «وَلَّدَ هَذَا» هُوَ بتشديد اللام: أي تولى ولادتها، وَهُوَ بمعنى أنتج في الناقة، فالمولّد، والناتج، والقابلة بمعنى؛ لكن هَذَا لِلحيوان وذاك لِغيرهِ. وقوله: «انْقَطَعَتْ بي الحِبَالُ» هُوَ بالحاءِ المهملةِ والباءِ الموحدة: أي الأسباب. وقوله: «لا أجْهَدُكَ» معناه: لا أشق عليك في رد شيء تأخذه أَوْ تطلبه من مالي.

وفي رواية البخاري: «لا أحمَدُكَ» بالحاءِ المهملة والميمِ،

ومعناه: لا أحمدك بترك شيء تحتاج إِلَيْه، كما قالوا: لَيْسَ عَلَى طولِ الحياة ندم: أي عَلَى فواتِ طولِها.

 

نص الحديث:

 

عن أبي هريرةَ _رضي الله عنه_ :

أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ _صلى الله عليه وسلم_، يقُولُ :

«إنَّ ثَلاثَةً مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ: أبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، أَرَادَ اللهُ أنْ يَبْتَليَهُمْ فَبَعَثَ إِليْهمْ مَلَكاً،

* فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ : "أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ؟"

قَالَ : "لَوْنٌ حَسنٌ، وَجِلدٌ حَسَنٌ، وَيَذْهبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ

فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ، وَأُعْطِيَ لَوناً حَسنَاً وجِلْدًا حَسَنًا.

 

وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 502): "قَوْلُهُ (قَذِرَنِي النَّاسُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ، أَيِ : اشْمَأَزُّوا مِنْ رُؤْيَتِي." اهـ

 

فَقَالَ: "فَأيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليكَ؟" قَالَ: "الإِبلُ - أَوْ قالَ : البَقَرُ شكَّ الرَّاوي –".

فَأُعطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ[1]، فَقَالَ : "بَاركَ الله لَكَ فِيهَا".

 

قلت:

وفي "فتح الباري" لابن حجر (6/ 502) :

"وَالْعُشَرَاءُ _بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْملَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة مَعَ المد_: هى الْحَامِلُ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا فِي حَمْلِهَا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ طَرَقَهَا الْفَحْلُ. وَقِيلَ : يُقَالُ لَهَا ذَلِك إِلَى أَن تَلد وَبعد مَا تَضَعُ وَهِيَ مِنْ أَنْفَسِ الْمَالِ." اهـ

 

وفي "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (3/ 407) لابن الجوزي : "العُشَرَاءُ: وَاحِدَةُ الْعِشَارِ: وَهِي النوق الْحَوَامِل الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا عشرَة أشهر." اهـ

 

* فَأَتَى الأَقْرَعَ، فَقَالَ : "أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ؟"

قَالَ : "شَعْرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَذِرَني النَّاسُ"؛

فَمَسَحَهُ فَذَهبَ عَنْهُ وأُعْطِيَ شَعراً حَسَناً. قالَ : "فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ؟"

قَالَ : "البَقَرُ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلاً"، وَقالَ : "بَارَكَ الله لَكَ فِيهَا."

فَأَتَى الأَعْمَى، فَقَالَ : "أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟" قَالَ : "أَنْ يَرُدَّ الله إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ"؛

فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرهُ.

قَالَ : "فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ؟" قَالَ : "الغَنَمُ"،

فَأُعْطِيَ شَاةً والداً، فَأَنْتَجَ هذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكانَ لِهذَا وَادٍ مِنَ الإِبلِ، وَلِهذَا وَادٍ مِنَ البَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الغَنَمِ.

 

قلت:

وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 502) : "قَوْلُهُ (شَاةً وَالِدًا)، أَيْ : ذَاتَ وَلَدٍ، وَيُقَالُ : حَامِلٌ." اهـ

 

ثُمَّ إنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ في صُورَتِهِ وَهَيئَتِهِ[2]، فَقَالَ: رَجلٌ مِسْكينٌ قَدِ انقَطَعَتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَري[3] فَلا بَلاغَ لِيَ اليَومَ إلا باللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذي أعْطَاكَ اللَّونَ الحَسَنَ، والجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ، بَعِيراً أَتَبَلَّغُ بِهِ في سَفَري"،

 

قلت: وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 502) : "(وَأَتَبَلَّغُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ (الْبُلْغَةِ) وَهِيَ الْكِفَايَةُ، وَالْمَعْنَى أَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مُرَادِي." اهـ

 

فَقَالَ : "الحُقُوقُ كثِيرةٌ". فَقَالَ : "كأنِّي اعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فقيراً فأعْطَاكَ اللهُ!؟"

فَقَالَ : "إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا المالَ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ[4]"، فَقَالَ : "إنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيَّرَكَ الله إِلَى مَا كُنْتَ."

وَأَتَى الأَقْرَعَ في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذا، وَرَدَّ عَلَيهِ مِثْلَ مَا رَدَّ هَذَا،

فَقَالَ : إنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ.

وَأَتَى الأَعْمَى في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ : "رَجُلٌ مِسْكينٌ وابنُ سَبيلٍ، انْقَطَعتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَرِي، فَلا بَلاَغَ لِيَ اليَومَ إلا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسأَلُكَ بالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَركَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا في سَفري؟"

فَقَالَ : "قَدْ كُنْتُ أعمَى، فَرَدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، وَدَعْ مَا شِئْتَ. فَوَاللهِ، لا أجْهَدُكَ[5] اليَومَ بِشَيءٍ أخَذْتَهُ للهِ _عز وجل_.

فَقَالَ : "أمْسِكْ مالَكَ فِإنَّمَا ابْتُلِيتُمْ. فَقَدْ رضي الله عنك، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيكَ"» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

قال النووي بعد إيراد الحديث شارحا لغرائب الحديث:

و «النَّاقةُ العُشَرَاءُ» بضم العين وفتح الشين وبالمد: هي الحامِل.

قوله: «أنْتَجَ» وفي رواية: «فَنتَجَ» معناه: تولَّى نِتاجها، والناتج لِلناقةِ كالقابِلةِ للمرأةِ.

وقوله: «وَلَّدَ هَذَا» هُوَ بتشديد اللام: أي تولى ولادتها، وَهُوَ بمعنى أنتج في الناقة، فالمولّد، والناتج، والقابلة بمعنى؛ لكن هَذَا لِلحيوان وذاك لِغيرهِ.

وقوله: «انْقَطَعَتْ بي الحِبَالُ» هُوَ بالحاءِ المهملةِ والباءِ الموحدة: أي الأسباب.

وقوله: «لا أجْهَدُكَ» معناه: لا أشق عليك في رد شيء تأخذه أَوْ تطلبه من مالي.

وفي رواية البخاري: «لا أحمَدُكَ» بالحاءِ المهملة والميمِ،

ومعناه: لا أحمدك بترك شيء تحتاج إِلَيْه، كما قالوا: لَيْسَ عَلَى طولِ الحياة ندم: أي عَلَى فواتِ طولِها.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (4/ 171) (رقم : 3464)، ومسلم في "صحيحه" (4/ 2275) (رقم : 2964)، ابن حبان في "صحيحه" (2/ 13) (رقم: 314)، واللالكائي في "كرامات الأولياء" - من "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (9/ 94) (رقم: 38)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (4/ 369)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 357) (رقم: 14251)، و"شعب الإيمان" (5/ 83) (رقم: 3130).

 

من فوائد الحديث :

 

فتح الباري لابن حجر (6/ 503)

وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ ذِكْرِ مَا اتَّفَقَ لِمَنْ مَضَى لِيَتَّعِظَ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ غِيبَةً فِيهِمْ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَرْكِ تَسْمِيَتِهِمْ وَلَمْ يُفْصِحْ بِمَا اتَّفَقَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِمْ وَقَعَ كَمَا قَالَ الْمَلَكُ،

وَفِيهِ : التَّحْذِيرُ مِنْ كُفْرَانِ النِّعَمِ،

وَالتَّرْغِيبُ فِي شُكْرِهَا، وَالِاعْتِرَافُ بِهَا، وَحَمْدُ اللَّهِ عَلَيْهَا.

وَفِيهِ : فَضْلُ الصَّدَقَةِ، وَالْحَثُّ عَلَى الرِّفْقِ بِالضُّعَفَاءِ، وَإِكْرَامُهُمْ، وَتَبْلِيغُهُمْ مَآرِبَهُمْ.

وَفِيهِ : الزَّجْرُ عَنِ الْبُخْلِ لِأَنَّهُ حَمَلَ صَاحِبَهُ عَلَى الْكَذِبِ وَعَلَى جَحْدِ نِعْمَةِ اللَّهِ _تَعَالَى_." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 262):

* في هذا الحديث من الفقه: أن الله تعالى جعل هؤلاء الثلاثة آية من آياته ليذكر بكل منهم أصحابُ البلاء من جنسه، وليخوف الناسي فضل الله سبحانه، والجاحد نعتمه؛ وليعلم أن البلاء في الغالب يكون بعرضة أن يزول إلى خير، وأن النعمة في الغالب تكون بعرضة أن تزول إلى هلاك، إلا القليل؛ لأن هؤلاء إنما نجا منهم واحد وهلك اثنان في حالة الغنى.

فالنعمة منسية مطغية، حتى تعود بالمنعم عليه كما ليس الذي كان.

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 263):

* وفيه: أن الصبر على البلاء قد يكون خيرًا للمبتلى من زوال البلاء؛ فإن ذين لما اختاروا السلامة، بأن ما جرى لهما في الصحة أن المرض كان لهما أصلح؛ لأن السلامة كانت سبب هلكتهما،

فاستدل من هذا الحديث أن كل من طلب من الله تعالى إزالة ضرر، فلم يجد سرعة الإجابة، فلا ينبغي أن يتهم الله في أقداره، وليعلم أن الله قد نظر له وإليه، وذلك الأعمى فقد رد الله بصره وأقر بصيرته على ما كانت عليه." اهـ

 

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (19/ 621) لابن الملقن :

* "وفي الحديث ذكر الرجل بما فيه من العيوب وأنه ليس غيبة،

* وأن النعم إنما تثبت بالشكر وردها إلى المنعم.

* وفيه: أن الصدقة تطفئ غضب الرب -جل وعلا-،

* وفيه: إكرام الضعفاء والحث على ذلك، والحذر من كسر قلوبهم واحتقارهم." اهـ[6]

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 64):

"في هذا الحديث: التحذير من كفران النعم، والترغيب في شكرها، والاعتراف بها، وحمد الله عليها.

وفيه: فضل الصدقة، والحث على الرفق بالضعفاء، وإكرامهم وتبليغهم مآربهم.

وفيه: الزجرُ عن البخل؛ لأنه حمل صاحبه على الكذب وعلى جحد نعمة الله تعالى." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 505_507) للعثيمين :

* وفي هذا دليل علي إن شكر نعمة الله علي العبد من أسباب بقاء النعم وزيادتها، كما قال الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم: 7) .

وفي قصتهم آيات من آيات الله عز وجل :

* منها : إثبات الملائكة، والملائكة عالم غيبي خلقهم الله _ عز وجل_ من نور، وجعل لهم قوة في تنفيذ أمر الله، وجعل لهم إرادة في طاعة الله، فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما

يؤمرون.

* ومنها : إن الملائكة قد يكونون علي صورة بني آدم، فان الملك أتى لهؤلاء الثلاث بصورة إنسان.

* ومنها أيضا : انهم_ أي الملائكة_ يتكيفون بصورة الشص المعين، كما جاء إلى الأبرص والأقرع والأعمى غفي المرة الثانية بصورته وهيئته.

* ومنها أيضا: انه يجوز الاختبار للإنسان في إن يأتي الشخص علي هيئة معينة ليختبره، فان هذا الملك جاء علي صورة الإنسان المحتاج المصاب بالعاهة ليرق له هؤلاء الثلاثة، مع إن الملك فيما يبدو_ والعلم عند الله_ لا يصاب في الأصل بالعاهات، ولكن الله_ سبحانه وتعالى_ جعلهم يأتون علي هذه الصورة من اجل الاختبار.

* ومنها: إن الملك مسح الأقرع والأبرص والأعمى مسحة واحدة فأزال الله عيبهم بهذه المسحة، لان الله_ سبحانه وتعالى_ إذا أراد شيئا قال___له كن فيكون، ولو شاء الله لاذهب عنهم العاهة بدون هذا الملك، ولكن الله جعل هذا سببا للابتلاء والامتحان.

* ومنها : إن الله قد يبارك للإنسان بالمال حتى ينتج منه الشيء الكثير، فان هؤلاء النفر الثلاث صار لواحد واد من الإبل، وللثاني واد من البقر، وللثالث واد من الغنم، وهذا من بركة الله عز وجل. وقد دعا الملك لكل واحد منهم بالبركة.

* ومنها : تفاوت بني آدم في شكر نعمة الله ونفع عباد الله، فان الأبرص والأقرع وقد أعطاهم الله المال الأهم والأكبر، ولكن جحدا نعمة الله، قالا: إنما ورثنا هذا المال كابرا عن كابر، وهم كذبة في ذلك، فانهم كانوا فقراء أعطاهم الله المال، لكنهم_ والعياذ بالله_ جحدوا نعمة الله، وقالوا: هذا من آبائنا وأجدادنا. أما الأعمى فانه شكر نعمة الله واعترف لله بالفضل، ولذاك وفق وهداه الله وقال للملك: ((خذ ما شئت ودع ما شئت))،

* ومنها أيضا: إثبات الرضا والسخط لله سبحانه وتعالى، أي انه يرضي علي ما شاء ويسخط علي ما شاء، وهما من الصفات التي يجب إن نثبتها لربنا سبحانه وتعالى، لأنه وصف نفسه بها.

ففي القرآن الكريم الرضا : (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (التوبة: من الآية100)،

وفي القران الكريم : (أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) (المائدة: من الآية80) ،

وفي القران العظيم الغضب: (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) (النساء: من الآية93) ،

وهذه الصفات وأمثالها يؤمن بها أهل السنة___والجماعة بأنها ثابتة لله علي وجه الحقيقة، لكنها لا تشبه صفات المخلوقين، كما إن الله_ عز وجل_لا يشبه المخلوقين، فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 507):

ومن فوائد هذا الحديث: إن في بني إسرائيل من العجب والآيات ما جعل النبي صلي الله عليه وسلم ينقل لنا من أخبارهم حتى نتعظ. [7]  

ومثل هذا الحديث : قصة النفر الثلاث الذين لجاءوا إلى غار فانطبقت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار وعجزوا عن زحزحتها، وتوسل كل واحد منهم إلى الله تعالى بصالح عمله.

فالنبي _ عليه الصلاة والسلام_ يقص علينا من أنباء بني إسرائيل ما يكون فيه الموعظة والعبرة،

فعلينا إن نأخذ من هذا الحديث عبرة بان الإنسان إذا شكر نعمة الله، واعترف لله بالفضل، وادي ما يجب عليه في ماله، فان ذلك من أسباب البقاء والبركة في ماله. والله الموفق." اهـ

 

منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (4/ 220) لحمزة محمد قاسم بتحقيق الأرنؤوط :

"فقه الحديث : دل هذا الحديث على ما يأتي:

أولاً : التحذير من كفران النعم، لأنه يؤدي إلى زوالها، والترغيب في شكرها، لأنه يؤدي إلى دوامها وزيادتها، فالحديث مصداق قوله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

ثانياً : أن شكر النعمة واجب، وكفرها معصية، ولولا ذلك لما غضب على الأبرص والأقرع وعاقبهما في الدنيا قبل الآخرة.

ثالثاً : أنه لا مانع من تذكير الإِنسان بحالته السيئة التي كان عليها إذا كان ذلك لنصحه ودعوته لشكر الله تعالى، أما إذا كان ذلك لتعييره بماضيه أو التشهير به فإنه لا لا يجوز شرعاً.

رابعاً : الحث على الصدقة، والرفق بالضعفاء، ومد يد المعونة لهم.

خامساً : أن على الإِنسان أن يذكر إذا صار في نعمة ما كان عليه سابقاً من فقر أو مرض أو عاهة، لأن ذلك يدفعه لمزيد الشكر والامتنان.

سادساً : الزجر عن البخل، والتحذير من عواقبه السيئة، لأنه رأس كل رذيلة.

سابعاً : أن هذه قصة من قصص بني إسرائيل العجيبة التي فيها الكثير من المواعظ والعبر،

ولهذا حدثنا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكي ننتفع بها في حياتنا وسلوكنا." اهـ

 

الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (26/ 352) لمحمد الأمين بن عبد الله الأُرَمي العَلَوي الهَرَري الشافعي :

"وفي هذا الحديث الحث على الرفق بالضعفاء وإكرامهم وتبليغهم ما يطلبون مما يمكن، والحذر من كسر قلوبهم واحتقارهم، وفيه التحدث بنعمة الله تعالى وذم جحدها." اهـ

 

مجموع الفتاوى (14/ 145) لابن تيمية :

"وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي هُوَ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ يُحَضُّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ فِي الْفِعْلِ مَتَى اعْتَقَدَهُ الْعَبْدُ وَعَزَمَ عَلَى الِامْتِثَالِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ كَإِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُمِرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ وَكَحَدِيثِ أَقْرَعَ وَأَبْرَصَ وَأَعْمَى لَمَّا طُلِبَ مِنْهُمْ إعْطَاءُ ابْنِ السَّبِيلِ فَامْتَنَعَ الْأَبْرَصُ وَالْأَقْرَعُ فَسُلِبَا النِّعْمَةَ وَأَمَّا الْأَعْمَى فَبَذَلَ الْمَطْلُوبَ فَقِيلَ لَهُ "أَمْسِكْ مَالَك فَإِنَّمَا اُبْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ عَنْك وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْك."

وَهَذَا هُوَ الْحِكْمَةُ النَّاشِئَةُ مِنْ نَفْسِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَا مِنْ نَفْسِ الْفِعْلِ فَقَدْ يُؤْمَرُ الْعَبْدُ وَيُنْهَى، وَتَكُونُ الْحِكْمَةُ طَاعَتَهُ لِلْأَمْرِ وَانْقِيَادَهُ لَهُ وَبَذْلَهُ لِلْمَطْلُوبِ كَمَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْ إبْرَاهِيمَ تَقْدِيمَ حُبِّ اللَّهِ عَلَى حُبِّهِ لِابْنِهِ حَتَّى تَتِمَّ خُلَّتُهُ بِهِ قَبْلَ ذَبْحِ هَذَا الْمَحْبُوبِ لِلَّهِ،

فَلَمَّا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَقَوِيَ عَزْمُهُ بِإِرَادَتِهِ لِذَلِكَ تَحَقَّقَ بِأَنَّ اللَّهَ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهِ مَحْبُوبٌ يُزَاحِمُ مُحِبَّةَ اللَّهِ." اهـ

 

تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (ص: 544)

وهذا حديث عظيم، وفيه معتبر، فإن الأَوَّلَيْنِ جحدا نعمة الله، فما أقرا لله بنعمته، ولا نسبا النعمة إلى المنعم بها، ولا أدّيا حق الله، فحل عليهما السخط. وأما الأعمى فاعترف بنعمة الله، ونسبها إلى من أنعم عليه بها، وأدّى حق الله فيها، فاستحق الرضى من الله بقيامه بشكر النعمة لما أتى بأركان الشكر الثلاثة التي لا يقوم الشكر إلا بها، وهي: الإقرار بالنعمة، ونسبتها إلى المنعم، وبذلها فيما يحب.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله:"أصل الشكر هو الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع له، والذل، والمحبة، فمن لم يعرف النعمة، بل كان جاهلاً بها، لم يشكرها، ومن عرفها ولم يعرف المنعم بها، لم يشكرها أيضًا، ومن عرف النعمة والمنعم، لكن جحدها كما يجحدها المنكر لنعمة المنعم عليه بها، فقد كفرها، ومن عرف النعمة والمنعم بها وأقر بها ولم يجحدها، ولكن لم يخضع له ولم يحبه ولم يرض به وعنه، لم يشكره أيضًا، ومن عرفها وعرف المنعم بها وأقر بها وخضع للمنعم بها وأحبه ورضي به وعنه، واستعملها في محابه وطاعته، فهذا هو الشاكر لها. فلا بد في الشكر من علم القلب، وعمل يتبع العلم، وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له". اهـ

 

القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 293_287) للعثيمين :

"وفي هذا الحديث من العبر شيء كثير، منها:

1- أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقص علينا أنباء بني إسرائيل؛ لأجل الاعتبار والاتعاظ بما جرى، وهو أحد الأدلة لمن قال: إن شَرْع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد شرعنا بخلافه، ولا شك أن هذه قاعدة صحيحة.

2- بيان قدرة الله عز وجل بإبراء الأبرص والأقرع والأعمى من هذه العيوب التي فيهم بمجرد مسح المَلَك لهم.

3- أن الملائكة يتشكلون حتى يكونوا على صورة البشر; لقوله: " فأتى الأبرص في صورته " وكذلك الأقرع والأعمى، لكن هذا -والله أعلم- ليس إليهم، وإنما يَتَشَكَّلون بأمر الله تعالى.

4- أن الملائكة أجسام، وليسوا أرواحا، أو معاني، أو قوى فقط.

5- حرص الرواة على نقل الحديث بلفظه.

6- أن الإنسان لا يلزمه الرضاء بقضاء الله - أي بالمقضي -; لأن هؤلاء الذين أصيبوا قالوا: أحب إلينا كذا وكذا، وهذا يدل على عدم الرضا.___

وللإنسان عند المصائب أربع مقامات :

جزع، وهو محرم.

صبر، وهو واجب.

رضا، وهو مستحب.

شكر، وهو أحسن وأطيب.

وهنا إشكال، وهو كيف يشكر الإنسان ربه على المصيبة، وهي لا تلائمه؟

أجيب: أن الإنسان إذا آمن بما يترتب على هذه المصيبة من الأجر العظيم؛ عرف أنها تكون بذلك نعمة، والنعمة تشكر.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم " فمن رضي، فله الرضا، ومن سخط، فله السخط "[8].

فالمراد بالرضا هنا الصبر، أو الرضا بأصل القضاء الذي هو فعل الله; فهذا يجب الرضا به لأن الله عز وجل حكيم، ففرق بين فعل الله والمقضي. والمقضي ينقسم إلى: مصائب لا يلزم الرضا بها، وإلى أحكام شرعية يجب الرضا بها.

7- جواز الدعاء المعلق; لقوله: "إن كنت كاذبا; فصيرك الله إلى ما كنت" وفي القرآن الكريم قال الله تعالى: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:7] ، {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:9] ، وفي دعاء الاستخارة: " اللهم! إن كنت تعلم ... إلخ".___

القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 295)

8- جواز التنزل مع الخصم، فيما لا يقر به الخصم المتنزل لأجل إفحام الخصم; لأن الملك يعلم أنه كاذب، ولكن بناء على قوله: إن هذا ما حصل، وإن المال ورثه كابرا عن كابر.

وقد سبق بيان وروده في القرآن، ومنه أيضا قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: من الآية24] ،

ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه على هدى، وأولئك على ضلال، ولكن هذا من باب التنزل معهم من باب العدل.

9- أن بركة الله لا نهاية لها، ولهذا كان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم.

10- هل يستفاد منه أن دعاء الملائكة مستجاب أو أن هذه قضية عين؟

الظاهر أنه قضية عين، وإلا; لكان الرجل إذا دعا لأخيه بظهر الغيب، وقال الملك: آمين ولك بمثله، علمنا أن الدعاء قد استجيب.

11- بيان أن شكر كل نعمة بحسبها; فشكر نعمة المال أن يبذل في سبيل الله، وشكر نعمة العلم أن يبذل لمن سأله بلسان الحال أو المقال، والشكر الأعم أن يقوم بطاعة المنعم في كل شيء.

ونظير هذا ما مر أن التوبة من كل ذنب بحسبه، لكن لا يستحق الإنسان وصف التوبة المطلق؛ إلا إذا تاب من جميع الذنوب.

12- جواز التمثيل، وهو أن يتمثل الإنسان بحال ليس هو عليها في الحقيقة، مثل أن يأتي بصورة مسكين وهو غني، وما أشبه ذلك، إذا كان فيه مصلحة، وأراد أن يختبر إنسانا بمثل هذا; فله ذلك.

13- أن الابتلاء قد يكون عاما وظاهرا، يؤخذ من قوله: "فإنما ابتليتم"، وقصتهم مشهورة كما سبق.___

14- فضيلة الورع والزهد، وأنه قد يجر صاحبه إلى ما تحمد عقباه; لأن الأعمى كان زاهدا في الدنيا; فكان شاكرا لنعمة الله.

15- ثبوت الإرث في الأمم السابقة; لقوله: "ورثته كابرا عن كابر".

16- أن من صفات الله عز وجل الرضا، والسخط، والإرادة، وأهل السنة والجماعة يثبتونها على المعنى اللائق بالله على أنها حقيقة.

وإرادة الله نوعان: كونية، وشرعية.

والفرق بينهما: أن الكونية يلزم فيها وقوع المراد ولا يلزم أن يكون محبوبا لله، فإذا أراد شيئا قال له: كن فيكون.

وأما الشرعية: فإنه لا يلزم فيها وقوع المراد ويلزم أن يكون محبوبا لله، ولهذا نقول: الإرادة الشرعية بمعنى المحبة، والكونية بمعنى المشيئة.

فإن قيل: هل الله يريد الخير والشر كونا أو شرعا؟

أجيب : إن الخير إذا وقع، فهو مراد لله كوْنًا وشَرْعًا، وإذا لم يقع، فهو مراد لله شرعا فقط، وأما الشر فإذا وقع، فهو مراد لله كونًا لا شرعًا، وإذا لم يقع، فهو غير مراد كونا ولا شرعا.

واعلم أن الشر لا ينسب إلى فعل الله - سبحانه -، ولكن إلى مخلوقات الله، فكل فعل الله تعالى خير، لأنه صادر عن حكمة ورحمة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:

" الخير بيديك والشر ليس إليك"[9]

وأما مخلوقات الله، ففيها خير وشر.

وإثبات صفة الرضا لله -سبحانه- لا يقتضي انتفاء صفة الحكمة، بخلاف رضا المخلوق، فقد تنتفي معه الحكمة، فإن الإنسان إذا رضي عن شخص مثلا؛ فإن عاطفته قد تحمله على أن يرضى عنه في كل شيء، ولا يضبط نفسه في معاملته لشدة رضاه عنه، قال الشاعر:___

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا

لكن رضا الله مقرون بالحكمة، كما أن غضب الخالق ليس كغضب المخلوق، فلا تنتفي الحكمة مع غضب الخالق، بخلاف غضب المخلوق، فقد يخرجه عن الحكمة، فيتصرف بما لا يليق؛ لشدة غضبه.

ومن فسّر الرضا بالثواب أو إرادته، فتفسيره مردود عليه، فإنه إذا قيل: إن معنى "رضي"، أي: أراد أن يثيب، فمقتضاه أنه لا يرضى، ولو قالوا : "لا يرضى" لكفروا، لأنهم نفوها نفي جحود، لكن أَوّلُوها تأويلا يستلزم جواز نفي الرضا، لأن المجاز معناه نفي الحقيقة، وهذا أمر خطير جدا؛

ولهذا بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم : أنه لا مجاز في القرآن ولا في اللغة، خلافا لمن قال :" كل شيء في اللغة مجاز."

17- أن الصحبة تطلق على المشاكلة في شيء من الأشياء، ولا يلزم منها المقارنة، لقوله : "وسخط على صاحبيك"، فالصاحب هنا : من يشبه حاله في أن الله أنعم عليه بعد البؤس.

18- اختبار الله _عز وجل_ بما أنعم عليهم به.

19 أن التذكير قد يكون بالأقوال أو الأفعال أو الهيئات.

20- أنه يجوز للإنسان أن ينسب لنفسه شيئا لم يكن من أجل الاختبار، لقول الملك: إنه فقير وابن سبيل.

21- أن هذه القصة كانت معروفة مشهورة، لقوله : "فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك ". اهـ

 

الملخص في شرح كتاب التوحيد (ص: 359) للفوزان :

"ما يستفاد من الحديث:

1- وجوب شكر نعمة الله في المال وأداء حق الله فيه.

2- تحريم كفر النعمة ومنع حق الله في المال.

3- جواز ذكر حال من مضى من الأمم؛ ليتعظ به من سمِعه.

4- أن الله يختبر عباده بالنعم.

5- مشروعية قول: بالله ثم بك، فيكون العطف بثُمَّ لا بالواو في مثل هذا التعبير." اهـ

 

الجديد في شرح كتاب التوحيد (ص: 397) لمحمد بن عبد العزيز السليمان القرعاوي :

الفوائد:

1. إثبات معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.

2. نسبة النعمة إلى غير الله كفر بها وسبب لزوالها.

3. نسبة النعمة إلى الله شكر لها وسبب لبقائها.

4. إثبات المشيئة للمخلوق ولكنها تابعة لمشيئة الله وإرادته.

5. إثبات صفة الرضا لله تعالى.

6. إثبات صفة السخط لله تعالى.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (45/ 90)

في فوائده:

1 - (منها): بيان ما جُبل عليه أكثر الناس من جَحْد نِعم الله تعالى، وكذا

معنى قوله -عز وجل-: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)} [العاديات: 6]، فمعنى "الكنود": هو الجَحود لِنِعَم ربه، فالقائم بشكر الله تعالى قليل، كما قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ

عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، مصداق ذلك في هذا الحديث، فاثنان من الثلاثة

قاما بالجحود، وواحد منهم قام بالشكر لربه -سبحانه وتعالى-.

2 - (ومنها): الحثّ على الرفق بالضعفاء، وإكرامهم، وتبليغهم ما يطلبون، مما يمكن، والحذر من كَسْر قلوبهم، واحتقارهم.

3 - (ومنها): الحثّ على التحدث بنعمة الله تعالى، وذم جحدها، والله أعلم." اهـ



[1]

 

[2] وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 502) : "قَوْلُهُ (ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ) أَيْ : فِي الصُّورَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا لَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ وَهُوَ أَبْرَصُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ." اهـ

[3] وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 502) : "وَالْحِبَالُ _بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ خَفِيفَةٌ_ جَمْعُ حَبْلٍ، أَيِ الْأَسْبَابُ الَّتِي يَقْطَعُهَا فِي طَلَبِ الرِّزْقِ." اهـ

[4] وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 502) : "قَوْلُهُ (لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِر)، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ : "كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ". وَفِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ : "إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ". أَيْ : كَبِيرٍ عَنْ كَبِيرٍ فِي الْعِزِّ وَالشَّرَفِ." اهـ

[5] وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 503) : "أَيْ لَا أَشُقُّ عَلَيْكَ فِي رَدِّ شَيْءٍ تَطْلُبُهُ مِنِّي أَوْ تَأْخُذُهُ." اهـ

[6] وفي مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 311) لعبيد الله الرحمني المباركفوري :

"وفي الحديث جواز ذكر ما اتفق لمن مضى ليتعظ به من سمعه، ولا يكون ذلك غيبة فيهم ولعل هذا هو السر في ترك تسميتهم،

وفيه التحذير من كفران النعم والترغيب في شكرها، والاعتراف بها وحمد الله عليها،

وفيه فضل الصدقة والحث على الرفق بالضعفاء وإكرامهم وتبليغهم مآربهم،

وفيه الزجر عن البخل لأنه حمل صاحبه على الكذب وعلى جحد نعمة الله تعالى."

[7] وفي شرح رياض الصالحين (1/ 500_501) للعثيمين :

"وقد جاءت أخبار___كثيرة عن ابني إسرائيل، وهي ثلاث أقسام: الأول: ما جاء في القران. والثاني: ما جاء في صحيح السنة. والثالث: ما جاء عن أحبارهم وعن علمائهم. فأما الأول والثاني فلا شك في انه حق، ولا شك في قبوله، مثل قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (البقرة: من الآية246) .

ومن السنة مثل هذا الحديث الذي رواه آبو هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم،

وأما ما روي عنهم عن أحبارهم وعلمائهم : فأن ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

الأول : ما شهد الشرع ببطلانه، فهذا باطل يجب رده، وهذا يقع كثيرا فيما ينقل من الإسرائيليات في تفسير القران، فانه ينقل في تفسير القران كثير من الأخبار الإسرائيلية التي يشهد الشرع ببطلانها.

والثاني : ما شهد الشرع بصدقه، فهذا يقبل، لا لأنه من أخبار بني إسرائيل، ولكن لان الشرع شهد بصدقه وانه حق.

والثالث : ما لم يكن في الشرع تكذيبه ولا تصديقه، فهذا يتوقف فيه، لا يصدقون ولا يكذبون، لأننا إن صدقناهم فقد يكون باطلا، فنكون قد صدقناهم بباطل، وان كذبناهم فقد يكون حقا، فقد كذبناهم بحق، ولهذا نتوقف فيه، ولكن مع ذلك لا حرج من التحديث به فيما ينفع في ترغيب أو ترهيب." اهـ

[8] أخرجه الترمذي في سننه، ت. بشار (4/ 179) (رقم : 2396)، وابن ماجه في سننه (2/ 1338) (رقم : 4031)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 331) (رقم : 3407)

[9] وأخرجه مسلم في صحيحه (1/ 534) (رقم : 771)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين