شرح الوجه 35 - 36 من مفتاح دار السعادة

 

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 56)

الْوَجْه الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ:

 

قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } [التوبة: 122]،

 

ندب تَعَالَى الْمُؤمنِينَ إلى التفقه فِي الدّين (وَهُوَ تعلمه)، وإنذارِ قَومهمْ إِذا رجعُوا إليهم (وَهُوَ التَّعْلِيم)،

 

وَقد اخْتلف فِي الآية:

* فَقيل: الْمَعْنى أنَّ الْمُؤمنِينَ لم يَكُونُوا لينفروا كلُّهم للتفقه والتعلم، بل يَنْبَغِي أن ينفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَةٌ، تتفقهُ تِلْكَ الطَّائِفَة، ثمَّ ترجع تُعَلِّمُ القاعدين، فَيكون النفير على هَذَا نفيرَ تعلُّمٍ،

و(الطائفة) تقال على الْوَاحِد، فَمَا زَاد.

قَالُوا فَهُوَ دَلِيل على قبُول خبر الْوَاحِد، وعَلى هَذَا، نفير تعلم،

وعَلى هَذَا، حملهَا الشَّافِعِي وَجَمَاعَة.

* وَقَالَت طَائِفَة أخرى: الْمَعْنى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا إِلَى الْجِهَادِ كلُّهم، بل يَنْبَغِي أن تنفر طَائِفَة للْجِهَاد وَفرْقَةٌ تقعد تتفقه فِي الدّين، فَإِذا جَاءَت الطَّائِفَة الَّتِي نفرت فقَّهتها الْقَاعِدَةَ وعلَّمتها مَا أنْزِل من الدّين والحلال وَالْحرَام،

وعَلى هَذَا، فَيكون قَوْلُه (ليتفقهوا ولينذروا) للفرقة الَّتِي نفرت مِنْهَا طَائِفَة. وَهَذَا قَول الاكثرين،

وعَلى هَذَا فالنفير نفير جِهَاد على أصله، فَإِنَّهُ حَيْثُ اسْتعْمل إِنَّمَا يفهم مِنْهُ الْجِهَاد،

قَالَ الله تَعَالَى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 41]

وَقَالَ النَّبِي: (لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح، وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة، وَإِذا استنفرتم فانفروا) [خ م]،

وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف من هَذِه اللَّفْظَة،

وعَلى الْقَوْلَيْنِ فَهُوَ ترغيب فِي التفقه فِي الدّين وتعلمه وتعليمه فَإِن ذَلِك يعدل الْجِهَاد بل رُبمَا يكون أفضل مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيره فِي الْوَجْه الثَّامِن وَالْمِائَة ان شَاءَ الله تَعَالَى." اهـ

 

زاد المسير في علم التفسير (2/ 309)

قوله تعالى: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً في سبب نزولها أربعة أقوال:

زاد المسير في علم التفسير (2/ 310)

أحدها: أنه لمّا أنزل الله عزّ وجلّ عيوب المنافقين في غزوة تبوك، قال المؤمنون: والله لا نتخلَّف عن غزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سريَّة أبداً. فلما أرسل السرايا بعد تبوك، نفر المسلمون جميعاً، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا على مضر، أجدبت بلادهم فكانت القبيلة منهم تقبل___بأسرها إلى المدينة من الجُهد ويظهرون الإسلام وهم كاذبون فضيَّقوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثالث: أن ناساً أسلموا، وخرجوا إلى البوادي يعلِّمون قومهم، فنزلت: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ «1» ، فقال ناس من المنافقين: هلك من لم ينفر من أهل البوادي، فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة.

والرابع: أن ناساً خرجوا إلى البوادي يعلِّمون الناس ويَهدونهم، ويصيبون من الحطب ما ينتفعون به فقال لهم الناس: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا فأقبلوا من البادية كلهم، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد.

 

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 355)

ثم نبه على أن في إقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم، فقال: {لِيَتَفَقَّهُوا} أي: القاعدون {فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} أي. ليتعلموا العلم الشرعي، ويعلموا معانيه، ويفقهوا أسراره، وليعلموا غيرهم، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.

ففي هذا فضيلة العلم، وخصوصا الفقه في الدين، وأنه أهم الأمور، وأن من تعلم علما، فعليه نشره وبثه في العباد، ونصيحتهم فيه فإن انتشار العلم عن العالم، من بركته وأجره، الذي ينمى له.

وأما اقتصار العالم على نفسه، وعدم دعوته إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وترك تعليم الجهال ما لا يعلمون، فأي منفعة حصلت للمسلمين منه؟ وأي نتيجة نتجت من علمه؟ وغايته أن يموت، فيموت علمه وثمرته، وهذا غاية الحرمان، لمن آتاه الله علما ومنحه فهما.

وفي هذه الآية أيضا دليل وإرشاد وتنبيه لطيف، لفائدة مهمة، وهي: أن المسلمين ينبغي لهم أن يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة من يقوم بها، ويوفر وقته عليها، ويجتهد فيها، ولا يلتفت إلى غيرها، لتقوم مصالحهم، وتتم منافعهم، ولتكون وجهة جميعهم، ونهاية ما يقصدون قصدا واحدا، وهو قيام مصلحة دينهم ودنياهم، ولو تفرقت الطرق وتعددت المشارب، فالأعمال متباينة، والقصد واحد، وهذه من الحكمة العامة النافعة في جميع الأمور.

 

فتح البيان في مقاصد القرآن (5/ 425)

والمعنى أن طائفة من هذه الفرقة تخرج إلى الغزو ومن بقي من الفرقة يقفون لطلب العلم ويعلمون الغزاة أو يذهبون في طلبه إلى المكان الذي يجدون فيه من يتعلمون منه ليأخذوا عنه الفقه في الدين.

(ولينذروا قومهم) عطف علة،

ففيه: إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون غرض المتعلم الاستقامة وتبليغ الشريعة لا الترفع على العباد والتبسط في البلاد كما هو دأب أبناء الزمان

 

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 56_57):

"الْوَجْه السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ:

قَوْله _تَعَالَى_: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

 

قَالَ الشَّافِعِي _رضى الله عَنهُ_: (لَو فكر النَّاس كلُّهم فِي هَذِه السُّورَة لكفتهم)،

 

وَبَيَان ذَلِك: أن الْمَرَاتِب أربعة،

وباستكمالها، يحصل للشَّخْص غَايَةُ كَمَاله:

* إحداها: معرفَة الْحق،

* الثَّانِيَة: عمله بِهِ،

* الثَّالِثَة: تَعْلِيمه من لَا يُحسنهُ،

* الرَّابِعَة: صبره على تعلمه وَالْعَمَل بِهِ وتعليمه.

 

فَذكر _تَعَالَى_ الْمَرَاتِب الأربعةَ فِي هَذِه السُّورَة، وأقسم _سُبْحَانَهُ_ فِي هَذِه السُّورَة بـ(العصر) أنَّ كل أحدٍ فِي خُسْرٍ،

(إلاَّ الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات)، وهم الَّذين عرفُوا الْحق وَصَدَّقُوا بِهِ، فَهَذِهِ مرتبَة.

(وَعمِلُوا الصَّالِحَات)، وهم الَّذين عمِلُوا بِمَا علموه من الْحق، فَهَذِهِ مرتبَة أخرى.

(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ)، وصّى بِهِ بَعضُهم بَعْضًا تَعْلِيما وإرشادا، فَهَذِهِ مرتبَة ثَالِثَة.

(وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ): صَبَرُوا على الْحق، ووصَّى بَعضهم بَعْضًا بِالصبرِ عَلَيْهِ والثبات، فَهَذِهِ مرتبَة رَابِعَة.

 

وهذا نهاية الْكَمَال، فَإِن الْكَمَال: أن يكون الشَّخْص كَامِلا فِي نَفسه، مكملا لغيره. وكماله: باصلاح قوتيه العلمية والعملية،

فصلاح الْقُوَّة العلمية بالايمان___، وَصَلَاح الْقُوَّة العملية بِعَمَل الصَّالِحَات، وتكميلِه غَيرَه بتعليمه إياه وَصَبرِه عَلَيْهِ وتوصيته بِالصبرِ على الْعلم وَالْعَمَل،

 

فَهَذِهِ السُّورَة على اختصارها، هِيَ من أجْمَعْ سور الْقُرْآن للخير بحذافيره،

وَالْحَمْد لله الَّذِي جعل كِتَابه كَافِيا عَن كل مَا سواهُ شافيا من كل دَاء هاديا الى كل خيرٍ." اهـ

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين