شرح الحديث 22 من بلوغ المرام

 

باب إزالة النجاسة وبيانها

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 168_169)

مقدمة

الإزالة: يقال: أزلت الشيء إزالة وزلته زيلاً، والإزالة التنحية.

النجاسة: لغة: اسم مصدر، جمعها أنجاس، والنجس: هو المستقذر المستخبَث، ويشمل النجاسة العينية والحُكْمية.

وعرفًا: تختص بالعينية.

والنجاسة شرعًا: قذر مخصوص؛ كالبول، يمنع جنسه الصلاة ونحوها.

وهذا الباب يذكر فيه أحكام النجاسة، وكيفية إزالتها، وتطهير محلها، وما يعفى عنه منها، وما يتعلَّق بذلك.

واتفق العلماء على وجوب إزالتها، وأنَّه شرط لصحة الصلاة.

قال الوزير: أجمعوا على أنَّ طهارة البدن من النجس شرط في صحة الصلاة للقادر عليها.

والنجاسة قسمان:

أحدهما: الحُكْمية، وهي الطارئة على محلٍّ طاهر؛ فهذه يكفي في تطهيرها إجراء الماء على جميع مواردها، بعد إزالة عينها عن المحل الطَّاهر.

الثاني: العينيَّة: فهذه لا تطهر بحال.

وعند الجمهور -ومنهم الحنابلة-: أن النَّجاسة إنَّما تزال بالماء دون غيره من المائعات.____

ومذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد: أنَّها تزال بكلِّ مائعٍ طاهرٍ مزيل للعين والأثر؛ واختاره ابن عقيل، والشيخ تقي الدِّين.

والنجاسة لها ثلاث صفات: طعمٌ، وريحٌ، ولون:

فبقاء الطعم والريح بعد الغسل: دليل على بقاء عينها، وأنَّها لم تَزُلْ، أمَّا بقاء اللون بعد الغسل الجيد: فلا يضر؛ لأنه معفوٌّ عنه.

وأثر النجاسة من الروائح الكريهة السَّامة تختلط بالهواء، وتدخل في البدن بواسطة مسامه، فتضر الجسم وتخل بالصحة؛ لأنَّ الهواء سيَّال مركَّبٌ لطيف، يدخل بما يحمل معه بسهولة في أضيق مسام الأجسام؛ ولذا عيَّن الشَّارع الحكيم الماء لإزالة النجاسات؛ لأنَّ الماء في حالته الطبيعية فيه رقَّة وسيلان، وقوَّة في إزالة المستقذرات، والله أعلم.

قال العلماء: الأصل في كلِّ شيءٍ أنَّه طاهر؛ لأنَّ القول بنجاسته يستلزم تعبد العباد بحكم من الأحكام، والأصل عدم ذلك، والبداهة قاضية بأنَّه لا تكليف بالمحتمل، حتَّى يثبت ثبوتًا بنقل في ذلك، وليس مَنْ أثبَتَ الأحكامَ المنسوبة إلى الشرع؛ بدون دليل -بأقل إثمًا ممَّن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام؛ فالكل من التقوُّل على الله بما لم يقل، أو من إبطال ما قد شرعه لعباده بلا حجَّة، ومن أصيب بالوسواس، فعلاجه أنْ يعلم يقينًا أنَّ الأصل في الأشياء الطهارة، وأنَّه لا يحكم بنجاسة شيءٍ حتَّى يعلم يقينًا بنجاسته.

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 172)

* خلاف العلماء:

اتفق العلماء على أنَّ الماء الطهور يزيل النجاسة، واختلفوا فيما سوى ذلك من المائعات والجامدات التي تزيلها:

فذهب أبو حنيفة وأصحابه: إلى أنَّ النجاسة تطهَّر في أي موضعٍ كان، بأي طاهرٍ مزيل لعين النجاسة، سواءٌ كان مائعًا أو جامدًا.

وذهب الأئمة الثلاثة: إلى أنَّه لا يطهَّر المحل من النجاسة إلاَّ بالماء الطهور، إلاَّ في الاستجمار فقط.

قال ابن رشد: وسبب اختلافهم هو: هل المقصود بإزالة النجاسة بالماء هو إتلاف عينها فقط، فيستوي في ذلك مع الماء كل ما يتلف عينها، أم أنَّ للماء في ذلك مزيد خصوص ليس بغير الماء؟

استدل أبو حنيفة بأحاديث وآثار في هذا الباب، منها: ما رواه أبو داود (386) من حديث أبي هريرة؛ أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا وطىء أحدكم الأذى بنعليه، فإنَّ التراب له طهور".

وبما رواه الترمذي في سننه (143) من حديث أم سلمة؛ أنَّها قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنِّي امرأةٌ أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:___

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 173)

يطهِّرُهُ ما بعده"، وهناك أحاديث أخرى وآثار.

وهذا الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: هذا الحديث ممَّا رواه مالك فصح، وإنْ كان غيره لم يره صحيحًا. وسُئِلَ الإمامُ أحمد عن حديث أم سلمة، فقال: ليس هذا عندي على أنَّه أصابه "ذيلَ ثوبها" بولٌ، فمر بعدها على الأرض، فطهره؛ ولكنَّه يمر بالمكان فيقذره، فيمر بمكانٍ أطيب منه فيطهره.

والرواية الأُخرى عن الإمام أحمد على هذا القول، واختاره ابن عقيل، والشيخ تقي الدِّين.

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: الصحيح أن النجاسة إذا زالت بأي شيءٍ، فإنَّها تطهر، وكذلك إذا انتقلت صفاتها الخبيثة، وخلفتها الصفات الطيبة، فإنَّها تطهر بذلك كله؛ لأنَّ النجاسة تدور مع الخبث وجودًا وعدمًا." اهـ

 

22 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ:

"سُئِلَ رَسُوْلُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلاًّ? قَالَ: لاَ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حسنٌ صَحِيْحٌ

 

شرح الحديث:

 

سنن أبي داود (3/ 326) (رقم: 3675): عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:

أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ، سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا، قَالَ: «أَهْرِقْهَا» قَالَ: أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ: «لَا»

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (33/ 584)

و"الْخَلُّ" بفتح الخاء المعجمة، وتشديد اللام: قال ابن سِيدَهْ: هو: ما حَمُض من عصير الْعِنَب وغيره، وقال ابن دُريد: هو عربيّ صحيح،

وفي الحديث: "نِعْم الإدام الخلّ"، واحدته خَلّة، يُذهب بها إلى الطائفة منه، قاله في "اللسان" ["لسان العرب" (11/ 211)]." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 136)

"تتخذ خلا" الخل: هو الماء يمزج فيه شيء من التمر أو العنب أو ما أشبه ذلك مما يحيله ويجعله صالحا لأن يكون إداما

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 136)

"الخمر: كل مسكر، كل مسكر فهو خمر من أي شيء كان، سواء كان من العنب، أو من التمر، أو البر، أو الشعير أو غيرها من الحبوب، كل مسكر فهو خمر، ولا يتحدد بشيء معين." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 136)

ولكن ما هو الإسكار؟ الإسكار: تغطية العقل على وجه اللذة والطرب والنشوة، ليس على وجه التعطيل؛ لأن العقل قد يغطى بتعطل أدواته، وقد يغطى بهذه النشوة والفرح العظيم والخيلاء واللذة التي عجز أن يملك عقله بسببها. هذا هو الإسكار؛ ولهذا لا نقول: إن البنج خمر؛ لماذا؟ لأنه صحيح يغطى العقل لكن لا على وجه اللذة والطرب، أما الخمر فإنه على وجه اللذة والطرب تجد الإنسان يصير مثل المجنون بل مجنون، ولا يخفى على كثير منكم ما يحصل للسكرى من اللغط والكلمات التي لو قالها في صحوة لكان كافرا، فهذا هو الخمر.

 

سبل السلام (1/ 47)

وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي خَلِّ الْخَمْرِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:

(الْأَوَّلُ) : أَنَّهَا إذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ بِغَيْرِ قَصْدٍ حَلَّ خَلُّهَا، وَإِذَا خُلِّلَتْ بِالْقَصْدِ حَرُمَ خَلُّهَا.

(الثَّانِي) : يَحْرُمُ كُلُّ خَلٍّ تَوَلَّدَ عَنْ خَمْرٍ مُطْلَقًا.

(الثَّالِثُ) : أَنَّ الْخَلَّ حَلَالٌ مَعَ تَوَلُّدِهِ مِنْ الْخَمْرِ سَوَاءٌ قُصِدَ أَمْ لَا، إلَّا أَنَّ فَاعِلَهَا آثِمٌ إنْ تَرَكَهَا بَعْدَ أَنْ صَارَتْ خَمْرًا، عَاصٍ لِلَّهِ، مَجْرُوحُ الْعَدَالَةِ، لِعَدَمِ إرَاقَتِهِ لَهَا حَالَ خَمْرِيَّتِهَا، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا دَلَّ لَهُ حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ. لَكِنْ قَالَ فِي الشَّرْحِ: يَحِلُّ الْخَلُّ الْكَائِنُ عَنْ الْخَمْرَةِ فَإِنَّهُ خَلٌّ لُغَةً وَشَرْعًا.

وَقِيلَ: وَجُعِلَ التَّخَلُّلُ أَيْضًا مِنْ دُونِ تَخَمُّرٍ فِي صُوَرٍ.

مِنْهَا: إذَا صَبَّ فِي إنَاءٍ مُعَتَّقٍ بِالْخَلِّ عَصِيرَ عِنَبٍ، فَإِنَّهُ يَتَخَلَّلُ وَلَا يَصِيرُ خَمْرًا.

وَمِنْهَا: إذَا جُرِّدَتْ حَبَّاتُ الْعِنَبِ مِنْ عَنَاقِيدِهَا، وَخُتِمَ رَأْسُ الْإِنَاءِ بِطِينٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَتَخَلَّلُ وَلَا يَصِيرُ خَمْرًا.

وَمِنْهَا: إذَا عُصِرَ أَصْلُ الْعِنَبِ، ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَخَلَّلَ مِثْلَاهُ خَلًّا صَادِقًا، فَإِنَّهُ يَتَخَلَّلُ، وَلَا يَصِيرُ خَمْرًا أَصْلًا.

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 171)

* خلاف العلماء في طهارة النجاسة بالاستحالة:

اختلف العلماء هل تطهير النجاسة بالاستحالة؟ ذلك بأنْ تنقلب من حالتها إلى حالة أخرى:

ذهب أبو حنيفة وأهل الظاهر: إلى أنَّ النجاسة تطهير بالاستحالة؛ وهو رواية في مذهب الإمامين مالك وأحمد، وهو اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية.

وذهب جمهور العلماء: إلى أنَّها لا تطهير بالاستحالة؛ وهو مذهب الأئمة____

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 172)

الثلاثة: مالك، والشَّافعي، وأحمد.

ودليلهم: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن أكل الجَلَّالة وألبانها؛ لأنَّ أكلها النجاسةُ.

قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: الصواب أنَّ ذلك طاهر، إذا لم يبق أثر النجاسة ولا طعمها ولا لونها ولا ريحها؛ لأنَّ الله تعالى أباح الطيبات وحرَّم الخبائث، وذلك يتبع صفات الأعيان وحقائقها، فإذا عادت العين، خلاًّ دخلت في الطيبات.

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: الاستحالة تطهير النجس.

وهذا هو الصحيح وأدلَّة هذا القول واضحة."

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (33/ 584)

(فَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ("لَا")؛ أي: لا تتخللوا الخمر، فإنه لا يجوز،

قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -:

هذا دليل الشافعيّ والجمهور أنه لا يجوز تخليل الخمر، ولا تطهر بالتخليل، هذا إذا خلّلها بخبز، أو بَصَل، أو خَمِيرة، أو غير ذلك، مما يُلْقَى فيها، فهي باقية على نجاستها، وينجس ما أُلقي فيها، ولا يطهر هذا الخل بعده أبدًا، لا بغسل، ولا بغيره،

أما إذا نُقِلت من الشمس إلى الظلّ، أو من الظل إلى الشمس، ففي طهارتها وجهان لأصحابنا:

* أصحهما تطهر،

* وهذا الذي ذكرناه من أنَّها لا تطهر إذا خُفلت بإلقاء شيء فيها، هو مذهب الشافعيِّ، وأحمد، والجمهور،

وقال الأوزاعيّ، والليث، وأبو حنيفة: تطهر،

وعن مالك ثلاث روايات: أصحها عنه: أن التخليل حرام، فلو خللها عصي، وطَهُرت، والثانية: حرام، ولا تطهُر، والثالثة: حلال، وتطهر،

وأجمعوا على أنَّها إذا انقلبت بنفسها خلًّا، طهرت، وقد حُكِيَ عن سحنون المالكيّ أنَّها لا تطهر، فإن صحَّ عنه فهو محجوج بإجماع من قبله، والله أعلم.

قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدَّم أن القول بنجاسة الخمر وإن قاله الجمهور فهو محلّ نظر، فتنته، والله تعالى أعلم. " اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (33/ 585):

لو تخلَّلت الخمر بأمرٍ من الله – عَزَّ وَجَلَّ - حلَّت، ولا خلاف في ذلك على ما حكاه القاضي عبد الوهاب،

فأمَّا لو خلَّلها آدميّ فقد أَثِمَ؛ لاقتحامه النهي، ثم إنها تحلّ وتطهر، على الرواية الظاهرة عن مالك،

وعنه رواية أخرى: أنَّها لا تحل تغليظًا على المقتحم.

قال الجامع: هذا القول هو الصحيح؛ للنهي في هذا الحديث، وهو للتحريم، والتحريم يقتضي الفساد، والله تعالى أعلم." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (33/ 588)

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن مما سبق أن ما ذهب إليه الجمهور من أن تخليل الخمر حرام، لا يجوز لمسلم أن يفعله، فلو فعله لا تكون حلالًا هو الحقّ؛ لوضوح حجته، فإن حديث الباب صريح في النهي، والنهي للتحريم، فتبصّر.

وأما مسألة كون الخمر نجسة، فقد قدّمنا أنه وإن ذهب إليه الجمهور، إلَّا أنه لا دليل عليه، فالقول بطهارتها أظهر دليلًا، فتأمل بالإمعان، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

صحيح مسلم (3/ 1573/ 11) (رقم: 1983)، سنن أبي داود (3/ 326) (رقم: 3675)، سنن الترمذي ت شاكر (3/ 581) (رقم: 1294)

 

من فوائد الحديث:

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 170)

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - الخمر محرمة؛ فعلاجها لتعود خلاًّ لا يجوز، ولو بنقلها من ظلٍّ إلى شمس أو عكسه، وهذا المفهوم من قوله: "تتخذ خلاًّ"،

أمَّا عند الشَّافعية: فالأصح أنَّه يطهر بنقلها من الظلِّ إلى الشمس، وبالعكس؛ كما في شرح النووي على مسلم (13/ 152).

2 - إذا خللت، فإنَّها لا تباح بالتخليل، بل حرمتها باقية؛

ويؤيد هذا ما روى أبو داود (3675)، والترمذي (1294): "أنَّ الخمر لما حرمت، سأل أبو طلحة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن خمر عنده لأيتام هل يخلِّلها؟ فأمره بإراقتها".

3 - أمَّا إذا تخللت بنفسها بدون تخليل، بأن انقلبت من كونها خمرًا إلى أنْ___صارت خلاًّ، فإنَّها تباح؛ لأنَّ غليانها المطرب قد زال؛ فصارت مباحة، والقاعدة: "الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا".

4 - الحديث يدل على نجاسة الخمر، ولقوله تعالى: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90]،

وحكى أبو حامد الغزالي الإجماع على نجاستها، وقال ابن رشد: الخلاف شاذ.

5 - أمَّا الصنعاني فيقول في سبل السَّلام: الحق أنَّ الأصل في الأعيان الطهارة، وأنَّ التحريم لا يلزم النجاسة؛ فإنَّ الحشيشة محرَّمة طاهرة، وكل المخدرات والسموم القاتلات لا دليل على نجاستها.

وأمَّا النجاسة: فيلازمها التحريم، فكل نجس محرم، ولا عكس؛ وذلك لأنَّ الحكم في النجاسة هو المنع عن ملامستها على كلِّ حال،

فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها، بخلاف الحكم بالتحريم، فإنَّه يحرم لبس الحرير والذهب، وهما طاهران إجماعًا.

وإذا عرفت هذا: فإنَّ تحريم الخمر الذي دلَّت عليه النصوص لا يلزم منه نجساتها، بل لابد من دليل آخر، وإلاَّ بقينا على الأصل المتفق عليه من الطهارة، فمن ادَّعى خلافه، فالدليل عليه. أهـ.

وتقدَّم كلام الغزالي وابن رشد حكاية الإجماع على نجاستها، وتقدَّم دليل نجاستها من السنَّة المطهرة في حديث رقم (19).

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 136)

الخمر تجب إراقتها ولا يجوز اتخاذها، وإذا كان الرسول - عليه الصلاة والسلام- منع اتخاذها لتكون خلا أو تخليلها، فاتخاذها من أجل أن يشربها مرة أخرى من باب أولى ولا إشكال في ذلك.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين