شرح الحديث 122 من الأدب المفرد لأبي فائزة البوجيسي

 

67- بَابُ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنُ شاة

 

122 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ الْأَشْهَلِيِّ، عَنْ جَدَّتِهِ، أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ امْرَأَةٌ مِنْكُنَّ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ كُرَاعُ شَاةٍ مُحَرَّقٍ»

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث:

 

* حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ (صدوق: 226 هـ):

إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبى عامر الأصبحى، أبو عبد الله بن أبى أويس المدنى ( ابن أخت الإمام )، روى له :  خ م د ت ق

 

* قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ (179 هـ)

مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو الأصبحى الحمير ، أبو عبد الله المدنى الفقيه ( إمام دار الهجرة )، من كبار أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق، وقال ابن حجر:  "إمام دار الهجرة، رأس المتقنين ، و كبير المتثبتين حتى قال البخارى : أصح الأسانيد كلها : مالك عن نافع عن ابن عمر."

 

* عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ (ثقة عالم، و كان يرسل: ت. 136 هـ):

زيد بن أسلم القرشى العدوى، أبو أسامة ، و يقال أبو عبد الله ، المدنى الفقيه ، مولى عمر بن الخطاب، من الوسطى من التابعين، روى له :  خ م د ت س ق  رتبته عند ابن حجر : 

 

* عَنْ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ الْأَشْهَلِيِّ (مقبول):

عمرو بن معاذ بن سعد بن معاذ الأنصارى الأشهلى، أبو محمد المدنى (وقد ينسب إلى جده، وقلبه بعضهم فقال: معاذ بن عمرو)، من الوسطى من التابعين، روى له:  بخ كن  (البخاري في الأدب المفرد - النسائي في مسند مالك)

 

* عَنْ جَدَّتِهِ (صحابية):

حوَّاء بنت يزيد بن السكن (جدة عمرو بن معاذ الأشهلى، وأخت أسماء)، روى له:  بخ 

 

نص الحديث:

 

عَنْ جَدَّتِهِ، أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ[1]، لَا تَحْقِرَنَّ امْرَأَةٌ مِنْكُنَّ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ كُرَاعُ شَاةٍ مُحَرَّقٍ»

 

الاستذكار (8/ 601):

"قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: "الْكُرَاعُ مِنَ الْإِنْسَانِ وَالدَّوَابِّ وَسَائِرِ الْمَوَاشِي هُوَ مَا دُونَ الْكَعْبِ." اهـ[2]

 

مطالع الأنوار على صحاح الآثار (3/ 351)

"قوله: (ولو كُرَاعُ شَاةٍ)، الكراع: ما فوق الظلف للأنعام وتحت الساق." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

الأدب المفرد مخرجا (ص: 56) (رقم: 122)، موطأ مالك ت عبد الباقي (2/ 931) (رقم: 25)، مسند إسحاق بن راهويه (5/ 113) (رقم: 2218)، مسند أحمد - عالم الكتب (4/ 64 و 5/ 377 و 6/ 434) (رقم: 16611 و 23200 و 27449) سنن الدارمي (2/ 1040) (رقم: 1714)، الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (6/ 161) (رقم: 3390) المعجم الأوسط (1/ 219) (رقم: 715)، المعجم الكبير للطبراني (24/ 220 و 24/ 221) (رقم: 559 و 562)، شعب الإيمان (5/ 131) (رقم: 3187)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 216) (رقم: 8522)، وابن بَشْكُوَال في "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 418)، البر والصلة لابن الجوزي (ص: 181) (رقم: 285)

 

صحيح: صححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (ص: 70) (رقم: 90)

 

من فوائد الحديث:

 

الاستذكار (8/ 374)

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى فِعْلِ قَلِيلِ الْخَيْرِ وَكَثِيرِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ_: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } [الزلزلة: 7][3]

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لِأَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ: (لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَضَعَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ المستقي)[4]." اهـ

 

الاستذكار (8/ 375)

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى بِرِّ الْجَارِ وَصِلَتِهِ وَرِفْدِهِ." اهـ[5]

 

الاستذكار (8/ 601)

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْحَضُّ عَلَى الصِّلَةِ وَالْهَدِيَّةِ إِلَى الْجَارِ بِقَلِيلِ الشَّيْءِ وَكَثِيرِهِ

وَفِي ذَلِكَ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّأْكِيدَ فِي بِرِّهِ وَحِفْظِهِ،

فَكُلُّ مَنْ أُمِرْتَ بِإِلْطَافِهِ وَصِلَتِهِ فَقَدْ نُهِيتَ عَنْ أَذَاهُ وَالْإِضْرَارِ بِهِ،

وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحَقِّرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَسَائِرِ عَمَلِ الْخَيْرِ قَلِيلًا وَلَا تَافِهًا لِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الْيَسِيرَ وَيُضَاعِفُهُ وَيُرَبِّيهِ كَمَا يُرَبِّي الْإِنْسَانُ فَلُوَّهُ." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (4/ 295):

"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْحَضُّ عَلَى الصِّلَةِ وَالْهَدِيَّةِ بِقَلِيلِ الشَّيْءِ وَكَثِيرِهِ،

وَفِي ذَلِكَ: دَلِيلٌ عَلَى بِرِّ الْجَارِ وَحِفْظِهِ لِأَنَّ مَنْ نُدِبْتَ (إِلَى) أَنْ تُهْدِيَ إِلَيْهِ وَتَصِلَهُ فَقَدْ مُنِعْتَ مِنْ أَذَاهُ وَأُمِرْتَ بِبِرِّهِ،

وَالْآثَارُ فِي الْهَدَايَا وَحُسْنِ الْجِوَارِ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ،

* وَفِي ذِكْرِ الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ: مَا يُنَبِّهُ عَلَى فَضْلِ الْكَثِيرِ مِنْهُ لِمَنْ فَهِمَ مَعْنَى الْخِطَابِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ." اهـ

 

شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 490)

وَخَصَّ النَّهْيَ بِالنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ مَوَادُّ الْمَوَدَّةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَلِأَنَّهُنَّ أَسْرَعُ انْتِقَالًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا

 

تفسير القرطبي (5/ 186)

وَلَا يُهْدِي النَّزْرَ الْيَسِيرَ الْمُحْتَقَرَ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

(ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ) [م]،

أَيْ: بِشَيْءٍ يُهْدَى عُرْفًا، فَإِنَّ الْقَلِيلَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُهْدَى فَقَدْ لَا يَقَعُ ذَلِكَ الْمَوْقِعَ، فَلَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ إِلَّا الْقَلِيلُ فَلْيُهْدِهِ وَلَا يَحْتَقِرْ، وَعَلَى الْمُهْدَى إِلَيْهِ قَبُولُهُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (يَا نساء المؤمنات لا تحتقرن أحدا كن لِجَارَتِهَا وَلَوْ كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقًا) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (4/ 295):

"هذا يدخل السرور على أخيك وكل أدخل السرور على أخيك فإنه معروف وإحسان والله يحب المحسنين،

وهذا لا شك أنه خير إلا أنه في بعض الأحيان قد يكون المرء الذي يخاطبك من المصلحة ألا تلقاه بوجه منبسط كأن يكون قد فعل شيئا لا يحمد عليه فلا تلقه بوجه منبسط تعزيزا له لأجل أن يرتدع ويتأدب ولكل مقام مقال." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (13/ 126)

وَفِي الحَدِيث: الحض على التهادي، وَلَو باليسير، لما فِيهِ من استجلاب الْمَوَدَّة، وإذهاب الشحناء، وَلما فِيهِ من التعاون على أَمر الْمَعيشَة والهدية، إِذا كَانَت يسيرَةً، فَهِيَ أدل على الْمَوَدَّة، وَأسْقط للمؤنة، وأسهل على الْمهْدي لإطراح التَّكْلِيف، وَالْكثير قد لَا يَتَيَسَّر كل وَقت والمواصلة باليسير تكون كالكثير." اهـ

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (7/ 85)

قال المهلب: فيه الحض على التهادى والمتاحفة ولو باليسير؛ لما فيه من استجلاب المودة، وإذهاب الشحناء، واصطفاء الجيرة، ولما فيه من التعاون على أمر العيشة المقيمة للإرماق، وأيضًا فإن الهدية إذا كانت يسيرة فهى أدل على المودة، وأسقط للمئونة، وأسهل على المهدى لإطراح التكليف.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 546)

في فوائده:

1 - (منها): الحضّ على التهادي، ولو باليسير؛ لما فيه من استجلاب المودّة، وإذهاب الشحناء، ولما فيه من التعاون على أمر المعيشة، والهديةُ إذا كانت يسيرة فهي أدلّ على المودة، وأَسْقَطُ للمؤنة، وأسهل على المهدي؛ لاطِّرَاح التكلّف، والكثيرُ قد لا يتيسر كلَّ وقت، والمواصلة باليسير تكون كالكثير.

2 - (ومنها): استحباب جلب المودّة، وإسقاط التكلّف.

3 - (ومنها): شدّة اهتمام النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في توجيه أمته رجالًا ونساءً، فليست توجيهاته قاصرةً على الرجال فقط.

4 - (ومنها): بيان شدّة عناية الشارع على ما يجلب المودّة والمحبّة بين المجتمعات بحيث لا يوجد عندهم شحناء ولا بغضاء، بل يكونون يدًا واحدةً على من سواهم، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضهم بعضًا، ثم شبّك بين أصابعه"، متّفقٌ عليه، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مَثَلُ الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى"، متفق عليه، واللفظ لمسلم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 532_533):

"لا ينبغي لامرأةٍ أن تتركَ الصدقةَ إلى جارتها وإن كانت تلك الصدقةُ شيئًا قليلاً، ولا ينبغي لها أن تستحي من الصدقة بشيء قليلٍ، فإن الله تعالى يقبَل القليلَ،___ويَجزِي به جزاءً كثيرًا." اهـ

 

الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 17)

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَحُسْنُ الْجِوَارِ مَأْمُورٌ بِهِ فَإِنَّ لِلْجَارِ حَقًّا وَحُرْمَةً ثُمَّ ذَكَرَ كَمَا ذَكَرَ الْحَسَنُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ مَا لَمْ يَعْصِ اللَّهَ تَعَالَى. وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ ثَعْلَبٍ يُشَاوِرُهُ فِي الِانْتِقَالِ عَنْ مَحَلَّةٍ إلَى أُخْرَى لِتَأَذِّي الْجِوَارِ، فَقَالَ الْعَرَبُ تَقُولُ صَبْرُكَ عَلَى أَذَى مَنْ تَعْرِفُهُ خَيْرٌ لَك مِنْ اسْتِحْدَاثِ مَنْ لَا تَعْرِفُهُ وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقُولُ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا.

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زَائِدَةَ قَالَ:

(الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ). فَحَدَّثْتُ بِهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَقَالَ الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ كُلُّهَا فِي التَّغَافُلِ.

 

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (7/ 2233)

أرشد صلى الله عليه وسلم الناس إلي أن التهادي يزيل الضغائن، ثم بالغ فيه حتى ذكر أحقر الأشياء بين أبغض البغيضين، إذا حمل الجارة علي الضرة، وهو الظاهر لمعنى التتميم.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1336)

وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الْهَدِيَّةِ وَاسْتِجْلَابِ الْقُلُوبِ بِالْعَطِيَّةِ

 

البدر التمام شرح بلوغ المرام (6/ 446)

وفي الحديث الحث على التهادي ولو باليسير؛ لأن الكثير قد لا يتيسر، وإذا تواصل اليسير عاد كثيرًا مع الاجتماع. وفيه استجلاب المودة وإسقاط التكلف.

 

شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 490)

وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي إِهْدَاءِ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ وَقَبُولِهِ لَا إِلَى حَقِيقَتِهِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِإِهْدَاءِ الْكُرَاعِ أَيْ لَا يَمْنَعُ جَارَةً مِنْ إِهْدَائِهَا لِجَارَتِهَا الْمَوْجُودَ عِنْدَهَا اسْتِقْلَالُهُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَجُودَ لَهَا بِمَا تَيَسَّرَ، وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الْعَدَمِ، وَإِذَا تَوَاصَلَ الْقَلِيلُ صَارَ كَثِيرًا.

 

التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 103)

قلت: وفيه تنبيه على الأعلى بالأدنى في الطرفين في الهدية والمهدي.

 

التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 102)

"القلب مشحون بمحبة المال والمنافع، فإذا وصله شيء منها، فرح به، وذهب من غله بقدر ما دخل من فرحه." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (4/ 321)

فنستفيد من هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يهدي لجيرانه ولو شينَا قليلاً وقد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «إذا اشتريت لحمًا فأكثر مرقها وتعاهد جيرانك»، حتى في هذا الأمر،

وذلك لما يترتب عليه من الفائدة وهي الألفة بين الجيران، ولا شك أن الألفة بين الجيران فيها مصالح كثيرة منها: التعاون على البر والتقوى فيما إذا كان أحدهما مقصراً، ومنها: الحماية والرعاية، لأن جارك يحميك.___

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (4/ 322)

ومنها: التغاضي عن الحقوق إذا كان بينك وبينه حق ومعلوم أن الجار بينه وبين جاره حق فإذا كنت تهدي إليه ويهدي إليك تغاضى عن حقوقك وتغاضيت أنت عن حقوقه.

ومنها: أن الإنسان ينال بها كمال الإيمان لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره». ولهذا أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالهدية إلى الجيران حتى في الشيء القليل.

ومنها جواز هدية المرأة من بيت زوجها للشيء اليسير لقوله: وجارة لجارتها، والعلماء (رحمهم الله) قيدوا ذلك بشرط ألا يكون الزوج بخيلاً لا يرضى فإن كان بخيلاً لا يرضى فإنه لا يجوز لها أن تُهدي شيئا من بيت زوجها حتى ولو قليلاً وقد كان بعض النساء المجتهدات المحبات للخير تُهدي الشيء القليل ولو كان الزوج قد نهاها وتقول: إنه يفسد؛ لأن بعض الأزواج يقول لزوجته: لا تهدي شيئا أبداً ولو فسد الطعام، فمن النساء من تقول: إذا كان يفسد فأنا سأهدي، وجوابنا على ذلك أن نقول لها: لا يحل لكي أن تهدي إذا نهاك عن الهدية، لأن المال ماله، والبيت بيته، والإثم الحاصل بفساد هذا المال عليه هو، أما أنت فليس لك الحق، لكن في هذه الحال ينبغي لها أن تعظه وتخوفه من الله فإذا بقي شيء من الطعام الذي يفسد لو بقي تحثه على أن يتصدق به، وهذا يقع كثيرا فيما إذا كان عند الزوج وليمة، أما إذا كانت المسألة عادية، فإنه يمكنها أن تجعل الطعام بقدر الحاجة فقط، وحينئذ لا يبقى شيء في الغالب، لكن إذا كان هناك دعوة فربما يبقى شيء كثير.

ومن فوائد الحديث: جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها، وجهه أنه إذا جاز أن تتصدق من مال زوجها اليسير فمن باب أولى أن تتصدق بشيء من مالها.



[1] وفي شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 489)

قَالَ الْبَاجِيُّ: رُوِّينَاهُ بِالْمَشْرِقِ بِنَصْبِ نِسَاءٍ، وَخَفْضِ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى الْإِضَافَةِ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ، أَوْ مِنْ إِضَافَةِ الْعَامِّ لِلْخَاصِّ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، أَوْ عَلَى تَأْوِيلِ نِسَاءٍ بِفَاضِلَاتٍ، أَيْ فَاضِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ كَمَا يُقَالُ: رِجَالُ الْقَوْمِ، أَيْ سَادَتُهُمْ وَأَفَاضِلُهُمْ،

وَرُوِّينَاهُ بِبَلَدِنَا، بِرَفْعِ الْكَلِمَتَيْنِ: الْأُولَى عَلَى النِّدَاءِ وَالثَّانِيَةُ صِفَةٌ عَلَى اللَّفْظِ، أَيْ يَأَيُّهَا النِّسَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ، وَيَجُوزُ رَفْعُ الْأُولَى، وَنَصْبُ الثَّانِيَةِ بِالْكَسْرَةِ نَعْتٌ عَلَى الْمَوْضِعِ، كَمَا يُقَالُ: يَا زَيْدٌ الْعَاقِلَ بِنَصْبِ الْعَاقِلَ وَرَفْعِهِ،

وَتَعَقَّبَ الْأُبِّيُّ قَوْلَهُ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، وَمَنَعَهُ الْبَصْرِيُّونَ، وَتَأَوَّلُوا نَحْوَ مَسْجِدِ الْجَامِعِ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ، أَيْ مَسْجِدِ الْمَكَانِ الْجَامِعِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ النُّحَاةُ (مَسْجِدَ الْجَامِعِ) مِثَالًا لِإِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ، لَا لِإِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، انْتَهَى." اهـ

[2] وانظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (4/ 295)

[3] وانظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (4/ 301):

"قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الصَّدَقَةِ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَ مِنْ قَلِيلِ الْأَشْيَاءِ وَكَثِيرِهَا وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ فِي هَذَا الْبَابِ." اهـ

[4] وانظر: المسالك في شرح موطأ مالك (7/ 407):

"وإنّما ضربه النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - مثلًا؛ لأنّ الظِّلْفَ المُحْرق لا يُعْطَى، فدلّ ذلك على أنّ الحديث ليس على ظاهره، كما قال: "من بني لله مسجدًا ولو مثل مفحص قطاة بني الله له بيتًا في الجنّة"

ففي هذا الحديث الحض على فعل الخير، قليلًا كان أو كثيرًا، ويقوِّيهِ الحديث الصّحيح لأبي تميمة الهجيمي، قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - له: "لا تَحْقِرَنَّ من المعروفِ شيئًا، ولو أنّ تَضَعَ من دلْوِكَ في إناءِ المُسْتَقِي." اهـ

[5] وانظر: المسالك في شرح موطأ مالك (7/ 408):

"وفي هذا الحديث: الحضُّ على برِّ الجار وصِلَتِهِ ورِفْدِهِ، وقد تقدّم ما في ذلك من الآثار، فلا معنى للتطّويل." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين