الحديث الخامس والعشرين من بهجة قلوب الأبرار

 

الحديث الخامس والعشرون :

عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ :

«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» مُتَّفَقٌ عليه.

 

ترجمة الصحابي

 

( خ م د ت س ق ) : مالك بن الحويرث بن حشيش بن عوف بن جندع بن غيرة بن سعد بن ليث ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة، أبو سليمان الليثى، نزيل البصرة، توفي بالبصرة سنة 74 هـ

 

إكمال تهذيب الكمال (11/ 41):

"وقال أبو أحمد العسكري: نزل الشام ثم تحول إلى البصرة، وكان جار أبي الأسود، وله معه فيه شعر." اهـ

 

صحيح البخاري (1/ 128)

628 - عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا، قَالَ: «ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» خ (628) _ م 674

 

صحيح البخاري (1/ 128)

631 – عن مَالِكٍ، أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا - أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا - سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ - وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا – :

وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»

 

صحيح البخاري (8/ 9)

6008 - عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا، فَقَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»

 

 

قال السعدي _رحمه الله_ بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 58_62) :

"هذا الحديث احتوى على ثلاث جمل، أولها أعظمها:

الجملة الأولى: قوله: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم»

* فيه مشروعية الأذان ووجوبه للأمر به، وكونه بعد دخول الوقت.

* ويستثنى من ذلك صلاة الفجر، فإنه _صلى الله عليه وسلم_ قال :

«إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا ينادي حتى يقال له: أصبحتَ، أصبحتَ» [خ م]

* وإن الأذان فرض كفاية، لا فرض عين، لأن الأمر من الشارع إن خوطب به كل شخص مكلف وطلب حصوله منه، فهو فرض عين. وإن طلب حصوله فقط، بقطع النظر عن الأعيان، فهو فرض كفاية. وهنا قال: «فليؤذن لكم أحدكم» وألفاظ الأذان معروفة.

* وينبغي أن يكون المؤذن: صيتا أمينا، عالما بالوقت، متحريا له؛ لأنه أعظم لحصول المقصود، ويكفي من يحصل به الإعلام غالبا.

* والحديث يدل على وجوب الأذان في الحضر والسفر، والإقامة من تمام الأذان، لأن الأذان: الإعلامُ بدخول الوقت للصلاة، والإقامة: الإعلامُ بالقيام إليها.

وقد وردت النصوص الكثيرة بفضله، وكثرة ثوابه، واستحباب إجابة المؤذن، وأن يقول المجيب مثل ما يقول المؤذن إلا إذا قال: " حي على الصلاة،__حي على الفلاح "،

فيقول كلمة الاستعانة بالله على ما دعا إليه من الصلاة والفلاح الذي هو الخير كله : " لا حول ولا قوة إلا بالله "

ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته"،

ثم يدعو لنفسه، لأنه من مواطن الإجابة التي ينبغي للداعي قصدها.

 

الجملة الثانية: «وليؤمكم أكبركم»

* فيه: وجوب صلاة الجماعة، وأن أقلها إمام ومأموم،

* وأن الأولى بالإمامة أقومهم بمقصود الإمامة، كما ثبت في الصحيح:

«يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعلمهم بالسنة،

فإن كانوا في السنة سواءً، فأقدمهم هجرة أو إسلاما» [م]

فإذا كانوا متقاربين - كما في هذا الحديث - كان الأولى منهما أكبرهما، فإن تقديم الأكبر مشروع في كل أمر طلب فيه الترتيب، إذا لم يكن للصغير مزيد فضل، لقوله صلى الله عليه وسلم «كبر كبر».

* وإذا ترتبت الصلاة بإمام ومأموم، فإنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر: كبر من وراءه، وإذا ركع، وسجد، ورفع: تبعه من بعده، وينهى عن موافقته في أفعال الصلاة.

* وأما مسابقته الإمام، والتقدم عليه في ركوع أو سجود، أو خفض أو رفع، فإن ذلك حرام، مبطل للصلاة،

فيؤمر المأمومون بالاقتداء بإمامهم، وينهون عن الموافقة والمسابقة والتخلف الكثير،

* فإن كانوا اثنين فأكثر فالأفضل: أن يصفوا خلفه، ويجوز عن يمينه، أو عن جانبيه، والرجل الواحد يصف عن يمين الإمام، والمرأة خلف الرجل، أو الرجال، وتقف وحدها، إلا إذا كان معها نساء فيكن كالرجال في وجوب المصافة، وإن وقف___الرجل الواحد خلف الإمام أو خلف الصف لغير عذر بطلت صلاته.

* وعلى الإمام تحصيل مقصود الإمامة من الجهر بالتكبير في الانتقالات والتسميع، ومن الجهر في القراءة الجهرية، وعليه مراعاة المأمومين في التقدم والتأخر، والتخفيف مع الإتمام.

 

الجملة الثالثة: - وهي الأولى في هذا الحديث - قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»

* وهذا تعليم منه _صلى الله عليه وسلم_ بالقول والفعل، كما فعل ذلك في الحج، حيث كان يقوم بأداء المناسك ويقول للناس: «خذوا عني مناسككم»

* وهذه الجملة تأتي على جميع ما كان يفعله ويقوله ويأمر به في الصلاة، وذلك بأن يستكمل العبد جميع شروط الصلاة.

(كيفيتها) ثم يقوم إلى صلاته ويستقبل القبلة، ناويا الصلاة المعينة بقلبه، ويقول " الله أكبر " ثم يستفتح، ويتعوذ بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع الاستفتاحات والتعوذات،

* ويقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ثم يقرأ الفاتحة، وسورةً طويلة في صلاة الفجر، وقصيرةً في صلاة المغرب، وبين ذلك في بقية الصلوات،

* ثم يركع مكبرا رافعا يديه حذو منكبيه في ركوعه وفي رفعه منه في كل ركعة، وعند تكبيرة الإحرام،

وإذا قام من التشهد الأول على الصحيح في الصلاة الرباعية والثلاثية، ويقول " سبحان ربي العظيم " مرة واجبة، وأقل الكمال: ثلاث مرات، فأكثر،

* وكذلك تسبيح السجود قول: " سبحان ربي الأعلى " ثم يرفع رأسه قائلا - إماما ومنفردا -: " سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه " وكذلك المأموم، إلا أنه لا يقول: " سمع الله لمن حمده "

* ثم يكبر ويسجد على سبعة أعضاء: القدمين، والركبتين، والكفين، والجبهة، مع الأنف، ويمكنها من___الأرض، ويجافيها، ولا يبسط ذراعيه انبساط الكلب،

* ثم يرفع مكبرا، ويجلس مفترشا جالسا على رجله اليسرى، ناصبا رجله اليمنى، موجها أصابعها إلى القبلة، والصلاة جلوسها كله افتراش، إلا في التشهد الأخير،

* فإنه ينبغي له أن يتورك فيقعد على الأرض، ويخرج رجله اليسرى عن يمينه، ويقول بين السجدتين: " رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني " ثم يسجد الثانية كالأولى، وهكذا يفعل في كل ركعة،

* وعليه أن يطمئن في كل رفع وخفض، وركوع وسجود وقيام وقعود، ثم يتشهد فيقول: " التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله "

* هذا التشهد الأول، ثم يقوم، إن كانت رباعية أو ثلاثية، ويصلي بقيتها بالفاتحة وحدها،

* وإن كان في التشهد الذي يليه السلام قال :

" اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال "

* ويدعو بما أحب، ثم يسلم،

* ويذكر الله بما ورد، فجميع الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة من فعله وقوله وتعليمه وإرشاده داخل في قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وهو مأمور به، أمر إيجاب أو استحباب بحسب الدلالة.

* فما كان من أجزائها لا يسقط سهوا ولا جهلا، ولا عمدا قيل له: ركن، كتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والتشهد الأخير، والسلام، وكالقيام، والركوع، والسجود، والاعتدال عنها.

 

* وما كان يسقط سهوا ويجبره سجود السهو قيل له: واجب، كالتشهد الأول، والجلوس له، والتكبيرات غير تكبيرة الإحرام، وقول " سمع الله لمن حمده " للإمام والمنفرد، وقول: " ربنا ولك الحمد " لكل مصل، وقول: " سبحان ربي العظيم " مرة في الركوع، و " سبحان ربي الأعلى " مرة في السجود، وقول: " رب اغفر لي " بين السجدتين.

* وما سوى ذلك، فإنه من مكملاتها ومستحباتها، وخصوصا روح الصلاة ولبها، وهو حضورُ القلبِ فيها، وتدبرُ ما يقوله : من قراءةٍ، وذكرٍ ودعاءٍ، وما يفعله : من قيام وقعود، وركوع وسجود، والخضوع لله، والخشوع فيها لله.

* ومما يدخل في ذلك : تجنب ما نهى عنه الرسول _صلى الله عليه وسلم_ في الصلاة، كالضحك، والكلام، وكثرة الحركة المتتابعة لغير ضرورة، فإن الصلاة لا تتم إلا بوجود شروطها وأركانها وواجباتها، وانتفاء مبطلاتها التي ترجع إلى أمرين: إما إخلال بلازم، أو فعل ممنوع فيها، كالكلام ونحوه." اهـ كلام المؤلف _رحمه الله_

 

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (5/ 144)

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ:

* فِيهِ: الْأَمر بِأَذَان للْجَمَاعَة، وَهُوَ عَام للْمُسَافِر وَغَيره، وكافة الْعلمَاء على اسْتِحْبَاب الْأَذَان للْمُسَافِر."

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (5/ 144)

* وَفِيه: حجَّة لِأَصْحَابِنَا فِي تَفْضِيل الْإِمَامَة على الْأَذَان لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (ليؤمكما أكبركما) خص الْإِمَامَة بالأكبر.

* وَفِيه: دَلِيل على أَن الْجَمَاعَة تصح بِإِمَام ومأموم، وَهُوَ إِجْمَاع الْمُسلمين.

* وَفِيه: الحض على الْمُحَافظَة على الْأَذَان فِي الْحَضَر وَالسّفر.

* وَفِيه: أَن الْأَذَان وَالْجَمَاعَة مشروعان على الْمُسَافِرين.

 

البدر التمام شرح بلوغ المرام (2/ 294)

* فيه دلالة على الحث على الأذان ويستدل به على الوجوب لاقتضاء صيغة الأمر له،

* وفي تمام الحديث "وليؤمكم أكبركم". فيه دلالة على تقديم الأكبر في الإمامة، وهذا مع الاستواء في سائر الخصال، لأنهم هاجروا جميعا وأسلموا جميعا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة واستووا في الأخذ عنه فلم يبق ما يقدم به إلا السن،

* وقد يستدل به على أفضلية الإمامة على التأذين لأنه قال : يؤذن أحدكم، وخص الإمامة بالأكبر،

ومن قال بتفضيل الأذان، قال : إنما خص الإمامة بالأكبر لأن الأذان لا يحتاج إلى كثير علم، وإنما المعظم فيه الإعلام بالوقت والإسماع بخلاف الإمامة.

 

شرح رياض الصالحين (4/ 147) للعثيمين :

فهذا الحديث فيه فوائد:

* منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشهورا بالرحمة والرفق فكان أرحم الناس بالناس وكان أرفق الناس بالناس عليه الصلاة والسلام رحيما رفيقا حتى إن الجارية من أهل المدينة البنت الصغيرة كانت تمسك بيده ليذهب معها ليقضي حاجتها وحتى العجوز كذلك فكان عليه الصلاة والسلام أرحم الناس بالناس وأرفق الناس بالناس.

* ومنها: أن الإنسان ينبغي له أن يكون شعوره شعور الآخرين لا يكون أنانيا إذا تمت له الأمور نسى من سواه، فإن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ كان مقيما في أهله مستريح البال مطمئن القلب مرتاح النفس، لكن هؤلاء الناس الشببة الذين جاءوا يتعلمون الدين كانت الفطرة والعادة والطبيعة أن الإنسان يشتاق إلى أهله،

فلما رأى أنهم اشتاقوا إلى أهلهم وسألهم من خلفوا وراءهم واخبروه أمرهم أن يرجعوا إلى أهليهم فينبغي عليك أن تشعر بشعور الآخرين وأن تجعل نفسك مكانهم حتى تعاملهم بما تحب أن تعامل به نفسك،

* ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يقيم في أهله ما أمكنه ولا ينبغي أن يتغرب عنهم ولا أن يبتعد عنهم حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر المسافر إذا سافر وقضى حاجته أن يرجع إلى أهله لأن___بقاء الإنسان في أهله فيه خير كثير فيه الألفة والمودة والمحبة والتربية ومراعاة أحوالهم والتأديب والتوجيه لهم فلهذا كان الذي ينبغي للإنسان ألا يفارق أهله إلا عند الحاجة ومتى انتهت حاجته رجع إليهم،

* ومن فوائد الحديث: أن الإنسان مأمور بأن يعلم أهله ولهذا قال: ارجعوا إلى أهليكم وعلموهم يعلمونهم ما تعلموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالإنسان ينبغي له أن يعلم أهله ما يحتاجون إليه إما أن يجعل جلسة خاصة لهم أو إذا جلسوا على الطعام أو على الشراب أو في انتظار النوم أو ما أشبه ذلك يعلمهم

ومن فوائد الحديث أيضا : أن الإنسان لا يقتصر على التعليم فقط قال: "علموهم ومروهم"

فيعلمهم ويأمرهم وأهم ما يأمر به: الصلاة وقد نص الرسول _عليه الصلاة السلام_ عليها،

فقال : "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر." [حم][1]

فلابد من تعليم الأهل ولابد من أمرهم وتأديبهم وتوجيههم،

* ومن فوائدة الحديث: وجوب الأذان وأنه فرض كفاية، لقوله: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم____

* ومنها: أنه لا يصح الأذان قبل الوقت فلو أذن الإنسان قبل الوقت ولو بتكبيرة واحدة من الأذان، فإن آذانه لا يصح ويجب عليه أن يعيده بعد دخول الصلاة، لقوله إذا حضرت الصلاة والصلاة لا تحضر إلا إذا دخل وقتها وبهذا نعرف أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي محذورة إذا أذنت بالأول من الصبح فقل الصلاة خير من النوم مرتين المراد به الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت لأنه قال الأول لصلاة الصبح خلافا لما فهمه بعض الناس من أن المراد بذلك الأذان الذي يكون قبل الفجر لأن الأذان الذي يكون قبل الفجر ليس أذانا لصلاة الفجر فقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الأذان الذي يكون قبل الفجر هو لإيقاظ النائم وإرجاع القائم فقال: إن بلالا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فبين في هذا الحديث أن الأذان الذي يكون___آخر الليل والذي يسميه الناس الأذان الأول ليس للفجر وليس للصلاة لأن الأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن هذا الأذان ليس لصلاة الفجر بقوله ليرجع قائمكم يعني ليرده ليتسحر ويوقظ نائمكم ليتسحر.

* ومن فوائد هذا الحديث: وجوب صلاة الجماعة لقوله: وليؤمكم أكبركم واللام هنا للأمر فصلاة الجماعة واجبة،

* ومن فوائد الحديث: أن صلاة الجماعة واجبة على المسافرين كما هي واجبة على المقيمين، لأن هؤلاء وفد سيرجعون إلى أهليهم فهم مسافرون وأمرهم مع ذلك بالصلاة جماعة وعلى هذا كان الإنسان في البلد وهو مسافر فإنه يجب عليه أن يحضر الجماعة في المساجد بعض العامة إذا قلت له: صل قال: أنا مسافر والمسافر ما عليه صلاة جماعة هذا خطأ يجب عليك أن تصلي مع الجماعة في المساجد ولو كنت مسافرا فأنت وأهل البلد سواء قال النبي عليه الصلاة والسلام لرجل: أتسمع النداء؟ قال: نعم قال: فأجب___

* ومن فوائد هذا الحديث : تقديم الكبير في الإمامة لقوله: وليؤمكم أكبركم وهذا لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله لأن هؤلاء الشباب وكلهم وفدوا في وقت واحد والظاهر أنه ليس بينهم فرق بين في قراءة القرآن وأنهم متقاربون ليس بعضهم أقرأ من بعض ولهذا قال: وليؤمكم أكبركم لأنهم متساوون في القراءة أو متقاربون فإذا تساووا في القراءة والسنة والهجرة فإنه يرجع إلى الأكبر سنا وفيه أيضا اعتبار الكبر في السن وأن الكبير في السن مقدم على غيره إذا لم يكن لغيره ميزة يفضل بها هذا الكبير في السن

* ومن فوائده أيضا: أنه ينبغي للإنسان أن يوجه الناس لكل أمر وإن كان يظن أنه معلوم، ولهذا قال: صلوا صلاة كذا في حين كذا مع أنهم قد صلوا مع النبي عليه الصلاة والسلام وصلوا معه عشرين ليلة وهم يعلمون ذلك لكن من أجل التنبيه قال: صلوا الظهر مثلا في صلوا العصر في وقت كذا صلوا المغرب في وقت كذا صلوا العشاء في وقت كذا، صلوا الفجر في وقت كذا___

* ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الناس بالقول وبالفعل فعلم الذي صلى بغير طمأنينة بالقول قال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع إلى آخره أما هؤلاء فقال لهم: صلوا كما رأيتموني أصلي وهذا تعليم بالفعل وكما فعل عليه الصلاة والسلام حينما صنع له المنبر فصعد عليه وجعل يصلي بالناس وهو على المنبر فيركع وهو على المنبر فإذا أراد السجود نزل من المنبر وهو مستقبل القبلة ثم سجد وقال لما سلم: إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي ومن فوائد هذا الحديث: أنه على الإنسان أن يعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيقرأ من كتب العلم التي كتبها من يوثق في عمله كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ينفذ أمر الرسول في قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (2/ 192)

* ويستفاد من هذا الحديث: الاقتداء بالفعل لقوله: "صلوا كما رأيتموني" وهذا كقوله وهو يفعل المناسك: "لتأخذوا عني مناسككم"، فالتعليم يكون بالقول ويكون بالفعل، والتعليم بالفعل أقوى تصورًا من التعليم بالقول، لكنك لو أردت أن تشرح لإنسان ما كيفية الصلاة مثلًا، أو تقوم تصلي أمامه أيهما أقرب تصورًا وفهمًا؟ أن تصلي أمامه، ولهذا كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) أحيانًا يعلم الناس بالقول، وأحيانًا بالفعل.

* ويستفاد من هذا الحديث فائدة مهمة وهي: أنه يؤمر الإنسان بأن يتعلم كيفية صلاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)؛ لأنه إذا أمرنا أن نصلي كما صلى فلا طريق لنا إلى أن نصلي كما صلى إلا بالعلم، وحينئذ نقول: إنك مأمور بأن تتعلم صفة الصلاة من سنة النبي (صلى الله عليه وسلم).



[1] وفي سنن أبي داود (1/ 133) (رقم : 495) – عن عبد الله بن عمرو _رضي الله عنهما_ قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين