شرح الحديث 87-88 من صحيح الترغيب

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 146)

87 - (4) [صحيح] ورُوي عن أبي هريرةَ قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:

"من جاء مسجدي هذا، لم يأتِهِ إلا لخيرٍ يتعلَّمُه، أو يُعلِّمُهُ فهو بمنزلةِ المجاهدين في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك، فهو بمنزلةِ الرجلِ ينظر إلى متاعِ غيرِهِ".

رواه ابن ماجه والبيهقي، وليس في إسناده من تُرِكَ، ولا أُجمعَ على ضعفه (1).

__________

(1) قلت: بل إسناد ابن ماجه صحيح على شرط مسلم؛ كما قال البوصيري في "الزوائد" (16/ 2)، وقد أخرجه الحاكم أيضاً، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وإنما هو على شرط مسلم فقط. فتصدير الحديث بقوله: "رُوي" المشير إلى تضعيف الحديث ليس بجيد.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 82) (رقم : 227)، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 148) (رقم : 7517) و (6/ 416) (رقم : 32521)، وأحمد في مسنده (15/ 245) (رقم : 9419)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (11/ 359) (رقم : 6472) والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 222) (رقم : 1575)، وفي الآداب (ص: 347) (رقم : 861)

 

صحيح: صححه في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1064) (رقم: 6184)

 

من فوائد الحديث:

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 622)

وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى جَوَازِ التَّدْرِيسِ فِي الْمَسْجِدِ خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَلَعَلَّهُ مَنَعَ رَفْعَ الصَّوْتِ الْمُشَوِّشِ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 622)

(فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) : مِنْ حَيْثُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُرِيدُ إِعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ الْعُلْيَا، أَوْ لِأَنَّ الْعِلْمَ وَالْجِهَادَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، أَوْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ نَفْعُهَا مُتَعَدٍّ إِلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 622)

( «فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ» ) ، أَيْ: فَهُوَ مُتَحَسِّرٌ مَحْرُومٌ عَمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالثَّنَاءِ الْجَمِيلِ، وَفِي الْعُقْبَى مِنَ الدَّرَجَاتِ وَالْجَزَاءِ الْجَزِيلِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: شَبَّهَ حَالَةَ مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَالتَّعْلِيمِ، بِحَالَةِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى مَتَاعِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهُ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْظُورٌ، وَكَذَلِكَ إِتْيَانُ الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ مَا بُنِيَ مَحْظُورٌ، وَلَاسِيَّمَا مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.

 

حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 100)

وَجْهُ مُشَابَهَةِ طَلَبِ الْعِلْمِ بِالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنَّهُ إِحْيَاءٌ لِلدِّينِ وَإِذْلَالٌ لِلشَّيْطَانِ وَإِتْعَابٌ النَّفْسِ وَكَسْرُ ذُرَى اللَّذَّةِ كَيْفَ وَقَدْ أُبِيحَ لَهُ التَّخَلُّفُ عَنِ الْجِهَادِ فَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا} [التوبة: 122] الْآيَةَ

 

وقال عبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البخاري الدِّهلوي الحنفي «المتوفى بها سنة (1052 هـ) _رحمه اللَّه تعالى_» في "لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح" (2/ 493):

"وقوله: (فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره)

المقصود بيان التحسر والتألم بالنظر إلى ثواب غيره ممن جاء لخير ويعمل في المسجد أعمال الخير، كما يحصل لمن ينظر إلى متاع غيره بنظر إعجاب واستحسان، وليس له مثله، وفي شرح الشيخ: ينظر هذا الجائي يوم القيامة إلى ثواب الجائين للخير، وقال الطيبي (1): المقصود بيان أن إتيان المسجد لا لخير محظور كالنظر إلى متاع الغير بغير إذنه، ولم يقصد تمليكه بوجه، فليفهم.

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (3/ 956)

شبه حالة من أتى المسجد لغير الصلاة والتعلم بحالة من ينظر إلي متاع الغير بغير إذنه، ومع ذلك لم يقصد تملكه بوجه شرعي، فإن ذلك محظور وكذلك إتيان المسجد لغير ما بني له محظور، لاسيما مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يجب توقيره وتعظيمه إجلالاً وتبجيلاً لمكانة صاحبه صلى الله عليه وسلم ولا يدخله عبثاً، ولا ماراً، فكيف بغيرهما؟" اهـ

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 456)

وقيل المقصود: أن من لم يأت المسجد لخير يتعلمه أو يعلمه ينظر يوم القيامة إلى ثواب غيره ممن يعمل أعمال الخير في المسجد كمن ينظر إلى متاع غيره نظر إعجاب واستحسان وليس له مثله

 

وقال محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأُرمي العَلًوي الأثيوبي الهَرَري الكري البُوَيطي _رحمه الله_ في "مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى" (2/ 287)

(فهو بمنزلة الرجل) الذي يدخل السوق، حالة كونه (ينظر إلى متاع غيره)، وليس له ما يبيعه ولا ما يشتريه، بل لينظر إلى أمتعة الناس، فهل يحصل له فائدة بذلك؟ فكذلك هذا،

وفيه أن مسجده صلى الله عليه وسلم سوق العلم ومركز الدين ومأخذه، فينبغي للناس شراء العلم بالتعلم والتعليم.

 

حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 101)

وَفِيهِ أَنَّ مَسْجِدَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سُوقُ الْعِلْمِ فَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ شِرَاءُ الْعِلْمِ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 456)

وقال الشوكاني: ظاهر الحديث أن كل ما ليس فيه تعليم ولا تعلم من أنواع الخير لا يجوز فعله في المسجد، ولا بد من تقييده بما عدا الصلاة، والذكر والاعتكاف، ونحوها مما ورد فعله في المسجد أو الإرشاد إلى فعله فيه

============================

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 146)

88 - (5) [حسن لغيره] وعن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"من خرج في طلب العلم، فهو في سبيل الله حتى يرجع".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن". (2)

__________

(2) قلت: الذي في الترمذي (2649): "حسن غريب"، وكذا في "تحفة المزي". لكن فيه (أبو جعفر الرازي)؛ وهو سيئ الحفظ، لكن يشهد له حديث أبي هريرة الذي قبله، إلا أن يقال: إن هذا خاص بالمسجد النبوي. وهو بعيد. والله أعلم.

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه الترمذي في "سننه" (5/ 29) (رقم : 2647)، والبزار في "مسنده" = "البحر الزخار" (13/ 130) (رقم : 6520) والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/ 17)، وأبو القاسم الطبراني في "المعجم الصغير" (1/ 234) (رقم : 380)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (10/ 290)، وفي "تاريخ أصبهان" = "أخبار أصبهان" (1/ 137)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 264) (رقم : 371)، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (ص: 72) (رقم : 213)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 241) (رقم : 271)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (6/ 124) (رقم : 2119).[1]

 

نص الحديث:

 

قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"من خرج في طلب العلم، فهو في سبيل الله حتى يرجع".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

 

مجموع رسائل ابن رجب (1/ 36_37):

"وروي عن أبي الدرداء قال: "مُذَاكَرَةُ العِلْمِ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ" (1).

ويروى عن أبي هريرة مرفرعًا (2): "لأَنْ أَفْقَهُ سَاعَة أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحيِي لَيلَةً أُصَلِّيهَا حَتَّى أُصْبِحَ".

وعنه قال: "لأَنْ أَعْلَمَ بَابًا مِنَ العِلْمِ فِي أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ سَبْعِينَ غَزْوَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-" (3).

وعن ابن عباس- رضي الله عنه- قال: "تَذَاكِرُ العِلم ِبَعضَ لَيلَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِحْيَائِهَا" (4).

وصح عن أبي موسى الأشعري أنّه قال: "لَمَجْلِسٌ أَجْلِسُهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَوْثَقُ فِي نَفْسِى مِنْ عَمَلِ سَنَةٍ" (5).

وعن الحسن قال: "لأَنّ أَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ العِلْمِ فَأُعَلِّمُهُ مُسْلِمًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لِي الدُّنْيَا كُلُّهَا أَجْعَلُهَا فِي سَبِيلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-" (6).

وعنه قال: "إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُصِيبُ البَابَ مِنَ العِلْمِ فَيَعْمَلُ بِهِ فَيكُونُ خَيرًا لَهُ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، لَوْ كَانَتْ لَهُ فَيَجْعَلُهَا فِي الآخِرَةِ".

وعنه قال: "مِدَادُ العُلَمَاءُ ودَمُ الشُّهَدَاءُ مَجْرَى وَاحِدٍ".

وعنه: "مَا مِن شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ اللهُ أَعْظْمُ عِندَ اللهِ فِي عَظِيمِ الثّوَابِ مِنْ طَلَبِ عِلْمٍ، لاَ حَجَّ، وَلاَ عُمَرَةَ، وَلاَ جِهَادَ، وَلاَ صَدَقَةَ، وَلاَ عِتْقَ، وَلَوْ كَانَ العِلْمُ صُورَةً لَكَانَتْ صُورَتُهُ أَحْسَنَ مِنْ صُورَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالسَّمَاءِ وَالعَرْشِ".___

قال الزهري: "تعلم سنة أفضلُ من عِبَادَةِ مَائَتَي سَنَة".

وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة: "لَيسَ بَعدَ الفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ العِلْمِ".

قال الثوري: "لاَ نَعلَمُ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ العِلْمِ وَالحَدِيثِ لِمَنْ حَسُنَتْ فِيهِ نيَّتُهُ. قِيلَ لَهُ: وأَيُّ شَيءٍ النِّيَّةُ فِيهِ؟ قَالَ: يُريدُ اللهَ والدَّارَ الآخِرَةَ".

وقال الشافعي: "طَلَبُ العِلْمْ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةٍ نَافِلَةٍ".

ورأى مالك بعض أصحابه يكتب العِلْم ثم تركه وقام يصلي، فَقَالَ: عَجَبًا لَكَ! مَا الَّذِي قُمْتَ إِلَيْهِ بِأَفْضَلَ مِنَ الَّذِي تَرَكْتَهُ.

وسئل الإمام أحمد: أّيُّمَا أَحَبُّ إِلَيكَ، أَن أُصَلِّي بِاللَّيلِ تَطَوُّعًا، أَو أَجْلِسَ أَنسَخُ العِلْمَ؟ قال: إِذَا كنتَ تَنسَخُ مَا تعلمَ أَمرَ دِينِكَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ.

وقال أحمد أيضاً: "العِلْمُ لاَ يَعْدِلُهُ شَيءٌ".

وقال المعافى بن عمران: "كِتَابَةَ حديثٍ واحِدٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قِيَامِ لَيلَةٍ".

ومما يدل على تفضيل العِلْم على جميع النوافل أن العِلْم يجمع جميع فضائل الأعمال المتفرقة.

فإن العِلْم أفضل أنواع الذكر، كما سبق تقريره، وهو أيضاً أفضل أنواع الجهاد.

 

مجموع رسائل ابن رجب (1/ 38)

وقال معاذ بن جبل: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ [حَسَنَة] (2)، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُدَارَسَتهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ سَبِيلُ مَنَازِلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ الْأَنِيسُ فِي الْوِحْدَةِ، وَالصَّاحِبُ فِي الْغُرْبَةِ وَالْمُحَدِّثُ فِي الْخَلْوَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالمُعِينُ عَلَى الضَّرَّاءِ، وَالسِّلَاحُ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَالزِّيْنُ عِنْدَ الْأَخِلَّاءِ، يَرْفَعُ اللهُ تَعَالَى بِهِ أَقْوَامًا فَيَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ قَادَةً وَأَئِمَّةً، تقْتَصُّ آثَارُهُمْ، وَيُقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ، وَيُنْتَهَى إِلَى رَأْيِهِمْ، تَرْغَبُ الْمَلَائِكَةُ فِي خِلَّتِهِمْ، وَبِأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهُمْ، يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ حِِيتَانُ الْبَحْرِ وَهَوَامُّهُ، وَسِبَاعُ البَرِّ وَأَنْعَامُهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ مِنَ الْجَهْلِ، وَمِصْابِيح الْأَبْصَارِ مِنَ الظُّلْمِ، وَقُوَّةُ الأَبْدَانِ مِنَ الضَّعْفِ، يَبْلُغُ [بِالْعَبْدِ فِي الْعِلْمَ] (*) مَنَازِلَ الْأَخْيَارِ والأَبْرَارِ وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ يَعْدِلُ الصِّيَامِ، وَمُدَارَسَتُهُ تَعْدِلُ الْقِيَامِ، بِهِ تُوصَلُ الْأَرْحَامُ، وَيُعْرَفُ الْحَلَالُ مِنَ الْحَرَامِ، وَهُوَ إِمَامُ الْعمَلِ، وَالْعَمَلُ تَابِعُهُ يُلْهَمُهُ السُّعَدَاءَ، وَيُحْرَمُهُ الْأَشْقِيَاءِ» (3).

رواه ابن عبد البر ... "به يُعْرَف اللهُ وَيُعْبَد، وبه يمجد ويوحد، يرفع الله بالعلم أقوامًا فيجعلهم قادة وأئمة للناس يقتدون بهم ويرجعون إلى رأيهم". في كلام أكثر من هذا.

 

من فوائد الحديث:

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 757_758):

"وجه مشابهة طلب العلم بالجهاد في سبيل الله، أنه إحياء للدين، وإذلال للشيطان وإتْعابٌ للنفس، وكسر للهوى واللذة.___

قال البخاري:

"باب الخروج في طلب العلم، ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهرٍ إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد."

وذكر حديث ابن عباس في سفر موسى _عليه السلام_ إلى الخضر.

وفيه: ما كان عليه الصحابة من الحرص على تحصيل السنن النبوية.

قيل لأحمد: رجل يطلب العلم، يلزم رجلاً عنده علمٌ كثيرٌ، أو يرحل؟

قال: "يرحل يكتب عن علماء الأمصار، فيشام الناس ويتعلّم منهم." اهـ

 

وقال الحسين بن محمود الزَّيْدَانيُّ الكوفي الضَّريرُ الشِّيرازيُّ الحَنَفيُّ، المشهورُ بـ"المُظْهِري" (المتوفى: 727 هـ) _رحمه الله_ في "المفاتيح في شرح المصابيح" (1/ 320):

"من خرج من بيته في طلب العلم فله أجر من خرج للجهاد مع الكفار حتى يرجع إلى بيته.

ووجه مشابهة طلب العلم بالجهاد: أن طلب العلم إحياء للدين، وإذلال للشيطان، وإتعابٌ للنفس، وكَسْرٌ للهوى واللذة، كما كانت هذه الأشياء في الجهاد." اهـ

 

وقال الحسين بن عبد الله، المشهور بـَرَفِ الدينِ الطِّيْبِيِّ" (743 هـ) _رحمه الله_ في "شرح المشكاة" المسمى بـ"الكاشف عن حقائق السنن" (2/ 679) تعليقا على كلام المظهري:

"أقول: ويؤيده قوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية، حض المؤمنين على التفقه في الدين، وأمرهم بأن ينفر من كل منهم طائفة إلى الجهاد، ويبقى طائفة يتفقهون، حتى لا ينقطعوا عن التفقه الذي هو الجهاد الأكبر." اهـ

 

وقال الحسين بن عبد الله، المشهور بـَرَفِ الدينِ الطِّيْبِيِّ" (743 هـ) _رحمه الله_ في "شرح المشكاة" المسمى بـ"الكاشف عن حقائق السنن" (2/ 679):

"وفي قوله ((حتى يرجع)) إشارةٌ إلى أنه بعد الرجوع وإنذار القوم له درجةٌ أعلى من تلك الدرجة؛ لأنه حينئذ وارث الأنبياء في تكميل الناقصين." اهـ

 

وقال علي بن سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى : 1014 هـ) _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1/ 302):

"وَفِيهِ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ لَهُ دَرَجَةٌ أَعْلَى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ وَارِثُ الْأَنْبِيَاءِ فِي تَكْمِيلِ النَّاقِصِينَ. قَالَ تَعَالَى: {فَلَوْلَا نَفَرَ} [التوبة: 122] أَيْ خَرَجَ {مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] أَيْ: بَعْضُهُمْ {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]." اهـ

 

وقال عبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البُخاري الدِّهلوي الحنفي (والمتوفى سنة 1052 هـ) _رحمه اللَّه تعالى_ في "لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح" (1/ 558):

"فله أجر من خرج إلى الجهاد؛ لأنه يجاهد الشيطان والنفس جهادًا أكبر، وله أجره إلى أن يرجع إلى بيته كما في الجهاد، وكذلك قالوا في الحج، وأما بعد الرجوع فيكون له أجر التعليم والتكميل ومضي الجهاد." اهـ

 

وقال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي _حفظه الله تعالى_ في "مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة" - بترقيم الشاملة (31/ 46):

"وبيَّن الرسول الكريم سيد العلماء وخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام أنّ طلب العلم نوع من أنواع الجهاد." اهـ

 

وقال د. خالد بن علي بن محمد المشيقح في "مجلة جامعة أم القرى" 19 - 24 (12/ 430) - بترقيم الشاملة:

"الوقف على العلم، وما يتعلق به من إنشاء المدارس، والمعاهد، والجامعات، والمكتبات، وصرف الرواتب على الطلبة والمعلمين مما لا خلاف فيه بين المسلمين.

فالإنفاق على العلم من الإنفاق في سبيل اللَّه وطرق الخيرو البر، إذ هو من أعظم جهات البر، وقد جعل بعض العلماء الإنفاق على العلم يعدل الإنفاق على الجهاد في سبيل اللّه." اهـ

 

قلت: فالوقف على طلبة العلم والعلماء وكفايتهم مؤنة الدنيا وتفريغهم للعلم الشرعي من أعظم القربات وأجل ما يبذله العبد في باب الصدقات.

قال حبان بن موسى: "عوتب ابن المبارك فيما يفرق من المال في البلدان دون بلده, فقال: إني أعرف مكان قوم لهم فضل وصدق, طلبوا الحديث فأحسنوا طلبه لحاجة الناس إليهم, احتاجوا! فإن تركناهم ضاع علمهم, وإن أعناهم بثوا العلم لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم".

فأفضل نعمة طلب العلم ومن أعانه على الطلب فهما في الأجر سواء.

فالإنفاق على العلم من الإنفاق في سبيل اللَّه وطرق الخير والبر، إذ هو من أعظم جهات البر، وقد جعل بعض العلماء الإنفاق على العلم يعدل الإنفاق على الجهاد في سبيل الله.

 

وقال محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد المشهور بـ"ابن قيم الجوزية" (المتوفى: 751هـ) _رحمه الله_ في "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (1/ 70_71):

"وَإِنَّمَا جعل طلب الْعلم من سَبِيل الله لَان بِهِ قوام الاسلام كَمَا أنَّ قوامه بِالْجِهَادِ فقوام الدّين بِالْعلمِ وَالْجهَاد.

وَلِهَذَا، كَانَ الْجِهَاد نَوْعَيْنِ:

* جِهَاد بِالْيَدِ والسنان،

وَهَذَا، المشارك فِيهِ كثيرٌ،

* وَالثَّانِيْ: الْجِهَاد بِالْحجَّةِ وَالْبَيَان،

وَهَذَا جِهَاد الْخَاصَّة من أتْبَاعِ الرُّسُلِ، وَهُوَ جِهَاد الائمة، وَهُوَ افضل الجهادين لعظم منفعَته وَشدَّة مُؤْنَته وَكَثْرَة أعدائه،

قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الْفرْقَان، وَهِي مَكِّيَّة:

{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} [الفرقان: 51، 52]،

فَهَذَا جِهَاد لَهُم بِالْقُرْآنِ، وَهُوَ أكبر الجهادين، وَهُوَ جِهَاد الْمُنَافِقين أَيْضًا، فَإِن الْمُنَافِقين لم يَكُونُوا يُقَاتلُون الْمُسلمين، بل كانوا مَعَهُمْ فِي الظَّاهِر،

وَرُبمَا كَانُوا يُقَاتلُون عدوَّهم مَعَهم،

وَمَعَ هَذَا، فقد قَالَ _تَعَالَى_:

{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]

وَمَعْلُومٌ: أنَّ جِهَاد الْمُنَافِقين بِالْحجَّةِ وَالْقُرْآن.

وَالْمَقْصُود: أن (سَبِيل الله) هِيَ الْجِهَاد وَطلب الْعلم ودعوة الْخلق بِهِ الى الله،

وَلِهَذَا قَالَ معَاذ _رضى الله عَنهُ_:

"عَلَيْكُم بِطَلَب الْعلم، فَإِن تعلُّمَهُ للهِ خشيَةٌ، ومُدارستَه عبَادَةٌ، ومُذاكرتُه تَسْبِيحٌ والبحثَ عَنهُ جِهَادٌ."

وَلِهَذَا، قرن _سُبْحَانَهُ_ بَين الْكتابِ الْمنزل وَالْحَدِيدِ النَّاصِرِ، كَمَا قَالَ _تَعَالَى_:

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحديد: 25]،

فَذكر الْكتابَ وَالْحَدِيدَ، إِذْ بِهِمَا قَوام الدّينِ،

كَمَا قيل:

فَمَا هُوَ إِلَّا الْوَحْيُ أو حدٌّ مُرْهَفٌ ... تميل ظُبَاهُ اخدعا كل مَايل ...

فَهَذَا شِفَاء الدَّاء من كل عَاقل ... وَهَذَا دَوَاء الدَّاءِ من كل جَاهِل ...

وَلما كَانَ كل من الْجِهَاد بِالسَّيْفِ وَالْحجّة يُسمى سَبِيل الله

فسر الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم___قَوْله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، بالامراء وَالْعُلَمَاء،

فَإِنَّهُم المجاهدون فِي سَبِيل الله. هَؤُلَاءِ بِأَيْدِيهِم، وَهَؤُلَاء بألسنتهم. فَطلب الْعلم وتعليمه من أعظمِ سَبِيلِ اللهِ _عز وَجل_.

قَالَ كَعْب الاحبار: (طَالب الْعلم كالغادي الرايح فِي سَبِيل الله _عز وَجل)،

وَجَاء عَن بعض الصَّحَابَة _رضى الله عَنْهُم_: (إِذا جَاءَ الْمَوْت، طَالب الْعلم وَهُوَ على هَذِه الْحَال مَاتَ، وَهُوَ شَهِيدٌ)،

وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: (من طلب الْعلم، فقد بَايع الله _عز وَجل_)،

وَقَالَ أبو الدَّرْدَاء: (من رأى الغُدُوَّ والرَّوَاحَ إلى الْعلم، لَيْسَ بجهاد، فقد نقص فِي عقله ورأيه)." اهـ

 

وقال الشيخ عبد الملك بن محمد القاسم في "ورثة الأنبياء" (ص: 49) - بترقيم الشاملة):

"العلم مواطن يرتحل إليها ويبذل للوصول إليها الغالي والنفيس؛ فكم من المشاق واجهت طلبة العلم، وكم من الصعوبات اعترضت طريقهم.

هذا الإمام الحاكم يصف الرحالين لطلب العلم، فيقول:

"آثروا قطع المفاوز والقفاز على التنعم في الدمن والأوطان، وتنعموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة أهل العلم والأخبار، جعلوا المساجد بيوتهم، وجعلوا غذاءهم الكتابة، وسمرهم المعارضة، استرواحهم المذاكرة، وخلوقهم المداد، ونومهم السهاد، وتوسدهم الحصى. فالشدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء، ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس! فعقولهم بلذاذة السنة غامرة، وقلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة، تعلم السنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم، وأهل السنة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم." [معرفة علوم الحديث للحاكم (ص: 2_3)]


 

وقال محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي الحنبلي (المتوفى: 763هـ) _رحمه الله_ في "الفروع وتصحيح الفروع" (2/ 348)

"الْمَوْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَوْلَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى مَا سَبَقَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ." اهـ

 

آداب المشي إلى الصلاة - ط الوزارة (ص: 45)

تعلم العلم وتعليمه يدخل في الجهاد وإنه نوع منه

وقال: استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهار أفضل من الجهاد الذي لم يذهب فيه نفسُه ومالُه." اهـ

 

فيض القدير (6/ 176)

قال الغزالي[2]:

"وهذا وما قبله وما بعده في العلم النافع، وهو الذي يزيد في الخوف من الله، وينقص من الرغبة في الدنيا.

وكل علم لا يدعوك من الدنيا إلى الآخرة، فالجهل أعود عليك فيه، فاستعذ بالله من علم لا ينفع." اهـ

 

شرح المصابيح لابن الملك (1/ 207)

يحصل له أجر الجهاد؛ لأنَّ الدِّينَ يعلو بالعلم ويحيا به، كما يعلو بالجهاد.



[1] تنبيه: كان الشيخ الألباني ضعف الحديث في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم: 2037)، ثم تراجع عنه،  وحسنه أخيرا في "صحيح الترغيب والترهيب" (رقم : 88)، ولله الحمد والمنة.

[2] الغزالي كان من المتكلمين، ثم صار من جملة الصوفية، ثم تاب منها في آخر حياته ورجع إلى مذهب السلف، والله أعلم.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين