شرح الحديث 63 من كتاب رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي _حفظه الله_

 

[63] الرابع: عن أنسٍ _رضي الله عنه_ قَالَ:

"إِنَّكُمْ لَتعمَلُونَ أعْمَالاً هي أدَقُّ في أعيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ، كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ مِنَ المُوبِقاتِ". رواه البخاري.

وَقالَ: «المُوْبِقَاتُ» : المُهلِكَاتُ.

 

ترجمة أنس بن مالك الأنصاري النجاري _رضي الله عنه_ :

 

وفي "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (3/ 353) للمِزِّيِّ:

"أَنَس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأَنْصارِيّ، النجاري، أَبُو حمزة المدني، نزيل البصرة. صاحب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسَلَّمَ، وخادمه." اهـ

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (3/ 353):

"وأمه: أم سليم بنت ملحان بْن خَالِد بْن زيد بْن حرام. خدم رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عشر سنين، مدة مقامه بالمدينة." اهـ

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (3/ 368) :

"عن أَنَسٍ قال: "شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ الْحُدَيْبِيَةَ، وعُمَرته، والْحَجَّ، والْفَتْحَ، وحُنَيْنا، والطَّائِفَ، وخَيْبَرَ." اهـ

 

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 406) :

"وَقَالَ عِدَّةٌ - وَهُوَ الأَصَحُّ -: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. قَالَهُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَسَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ، وَالمَدَائِنِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَالفَلاَّسُ، وَقَعْنَبٌ.

فَيَكُوْنُ عُمُرُهُ عَلَى هَذَا: مائَةً وَثَلاَثَ سِنِيْنَ." اهـ

 

نص الحديث و شرحه:

 

عن أنسٍ _رضي الله عنه_ قَالَ:

"إِنَّكُمْ لَتعمَلُونَ أعْمَالاً هي أدَقُّ في أعيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ، كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ مِنَ المُوبِقاتِ." رواه البخاري.

وَقالَ: «المُوبقاتُ» : المُهلِكَاتُ.

 

وفي كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 297) لان الجوزي :

"الْمَعْنى: تَعْمَلُونَ أعمالا لَيْسَ لَهَا عنْدكُمْ كثير وَقع احتقارا لَهَا، وَهِي من الموبقات أَي المهلكات،

وَهَذِه الْأَعْمَال مثل قَول الرجل للرجل: "قلبِي إِلَيْك"، "وَكنت على نِيَّةِ قصدِك"، وَنَحْوِ ذَلِك مِمَّا يكذب فِيهِ، أَو مدح الرجل الرجل بالشَّيْء الَّذِي لَيْسَ فِيهِ،

وَرُبمَا كَانَ ذَلِك لسلطان جَائِر، وَقد يكون ذَلِك فِي الْمُعَامَلَات بالربا وعقوق الْوَالِدين، وَقذف المحصنة، وغيبة الْمُسلم، وَأَشْيَاء يحتقرها الْإِنْسَان وَيجْرِي فِيهَا مَعَ الْعَادَات وَهِي مهلكة." اهـ

 

 

ورد الحديث مرفوعا عن عدة من الصحابة :

* عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ:

«إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ»

وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا: كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ، فَيَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا، فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا."

أخرجه أحمد في مسنده  (رقم : 3818)، والطيالسي في "مسنده" (رقم : 400)، ومن طريقه أخرجه أبو الشيخ في "الأمثال" (رقم : 319) ، والبيهقي في "الشعب" (رقم : 285)، والطبراني في "الكبير" (رقم : 10500) وفي "الأوسط" (رقم : 2550)، وحسنه الأرنؤوط في تعليقه على "المسند".

 

* عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ _رضي الله عنه_ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ :

«إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ»

وأخرجه أحمد في مسنده (رقم : 22808)، والطبراني في "الكبير" (رقم : 5872)، وفي "الأوسط" (رقم : 7319)، وفي "الصغير" (رقم : 904)، والرامهرمزي في "الأمثال" (رقم : 67)، والبيهقي في "الشعب" (رقم : 7267)، والبغوي في "شرح السنة" (رقم : 4203)، وصححه الأرنؤوط في تعليقه على "المسند."

 

* عَنْ عَائِشَةَ:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ طَالِبًا»،

أخرجه أحمد في "مسنده" (40/ 477_478) (رقم : 24415)، ابن ماجه (رقم : 4243) ، والدارمي في "سننه" (رقم : 2726) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (رقم : 4006) و (رقم : 4007) ، وابن حبان في "صحيحه" (رقم : 5568) والطبراني في "الأوسط" (رقم : 2398) و (رقم : 3788) ، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" (رقم : 374) ، وأبو نُعيم في "الحلية" (3/168)، والقُضاعي في "مسند الشهاب" (رقم : 955) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (رقم : 7261)،

وصححه محدث العصر الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 521) (رقم : 2731) وفي "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 644) (رقم : 2472).

 

وفي إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (9/ 282) للقَسْطِلاَّنِيِّ :

"قال الكرماني: ومعنى الحديث راجع إلى قوله _تعالى_: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ } [النور: 15].

وقد جزع بعضهم عند الموت فقيل له في ذلك فقال: (إِنِّيْ أَخَافُ ذَنْبًا لَمْ يَكُنْ مِنِّيْ عَلَى بَالٍ، وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيْمٌ)." اهـ

 

قلت:

 

قال الله _تعالى_ ردا وتوعدا على المفترين على عائشة _رضي الله عنها_ في حديث الإفك:

{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) } [النور: 14 - 18]

 

وفي "شعب الإيمان" (9/ 405_406) (رقم: 6880) بإسناده:

عن أَبَي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ:

"إِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ، يَتَّكِلُ عَلَيْهَا، وَيَعْمَلُ الْمُحَقَّرَاتِ حَتَّى يَأْتِيَ اللهَ وَقَدْ أَخْطَرَتْهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَفْرَقُ مِنْهَا حَتَّى يَأْتِيَ اللهَ آمِنًا."[1]

 

الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية (1/ 351)

وعن هشام بن حسان[2] قال: "سيئةٌ تَسُوْءُكَ خيرٌ مِنْ حَسَنَةٍ تُعْجِبُكَ." اهـ

 

الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية (1/ 352) للسخاوي:

"وقال مُطَرِّفٌ: "لأن أَبِيْتَ نائمًا وأُصْبِحَ نادمًا أحبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَبِيْتَ قَائمًا وَأُصْبِحَ مُعْجَبًا"

 

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 183):

عَنْ القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق القرشي التيمي، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ هَذِهِ الذُّنُوبَ لَاحِقَةٌ بِأَهْلِهَا»

 

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 226)

عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ:

" إِنْ عَرَضَ لَكَ إِبْلِيسُ بِأَنَّ لَكَ فَضْلًا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَانْظُرْ:

* فَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْكَ، فَقُلْ: (قَدْ سَبَقَنِي هَذَا بِالْإِيمَانِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي)،

* وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْكَ، فَقُلْ: (قَدْ سَبَقْتُ هَذَا بِالْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وَاسْتَوْجَبْتُ الْعُقُوبَةَ، فَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي)،

فَإِنَّكَ لَا تَرَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَكْبَرَ مِنْكَ أَوْ أَصْغَرَ مِنْكَ،

قَالَ: "وَإِنْ رَأَيْتَ إِخْوَانَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُكْرِمُونَكَ، وَيُعَظِّمُونَكَ، وَيَصِلُونَكَ، فَقُلْ أَنْتَ: (هَذَا فَضْلٌ أَخَذُوا بِهِ)، وَإِنْ رَأَيْتَ مِنْهُمْ جَفَاءً وَانْقِبَاضًا، فَقُلْ: (هَذَا ذَنْبٌ أَحْدَثْتُهُ)."

 

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 177):

عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

«إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ، فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ أَخَوَاتٍ. فَإِذَا رَأَيْتَهُ يَعْمَلُ السَّيِّئَةَ، فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ أَخَوَاتٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ تَدُلُّ عَلَى أَخَوَاتِهَا، وَإِنَّ السَّيِّئَةَ تَدُلُّ عَلَى أَخَوَاتِهَا»

 

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 279)

عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَنْ أَعْبُدُ النَّاسِ؟ قَالَ: «رَجُلٌ اجْتَرَحَ مِنَ الذُّنُوبِ، فَكُلَّمَا ذَكَرَ ذُنُوبَهُ، احْتَقَرَ عَمَلَهُ»

 

مصنف ابن أبي شيبة (7/ 187) (رقم: 35195):

عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَتَكُونُ نُورًا فِي قَلْبِهِ وَقُوَّةً فِي بَدَنِهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَتَكُونُ ظُلْمَةً فِي قَلْبِهِ وَوَهْنًا فِي بَدَنِهِ» وإسناده صحيح.

 

وروى أبو نعيم (3/ 30) من طريق الأصمعى قال: ثنا المعتمر عن أبيه - يعنى سليمان التيمى- قال:

"الحسنة نور في القلب، وقوة في العمل، والسيئة ظلمة في القلب، وضعف في العمل".

 

قال الله _تعالى_:

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} [البينة: 7، 8]

 

وقال _تعالى_:

{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات: 35 - 41]

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (8/ 103) (رقم : 6492)، وأحمد في "مسنده" (رقم : 12604 و 14039)، عبد بن حميد في "المنتخب"، ت. صبحي السامرائي (ص: 368) (رقم : 1224)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (7/ 212) (رقم : 4207 و4314)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (6/ 1113) (رقم : 1928)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 316) (رقم : 20761)، وفي "شعب الإيمان" (9/ 401) (رقم : 6871)، وفي "الآداب" (ص: 337) (رقم : 838).

 

من فوائد الحديث :

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (23/ 81) لبدر الدين العيني :

"وَكَانَت الصَّحَابَة يعدون الصَّغَائِر من الموبقات لشدَّة خشيتهم لله، وَلم تكن لَهُم كَبَائِر. والمحقرات إِذا كثرت، صَارَت كَبَائِرَ للإصرار عَلَيْهَا." اهـ

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال القرطبي (10/ 202):

"إنما كانوا يعدون الصغائر من الموبقات لشدة خشيتهم لله، وإن لم تكن لهم كبائر، ألا ترى أن إبراهيم (صلى الله عليه وسلم) إذا سئل الشفاعة يوم القيامة يذكر ذنبه، وأنه كذب ثلاث كذبات، وهى قوله فى زوجته: هذه أختى. وهى أخته فى الدين، وقوله: إنى سقيم. أى: سأسقم، وقوله: فعله كبيرهم هذا. يعنى الصنم، فرأى ذلك (صلى الله عليه وسلم) من الذنوب، وإن كان لقوله وجه صحيح، فلم يقنع من نفسه إلا بظاهر يطابق الباطن، وهذا غاية الخوف. والمحقرات إذا كثرت صارت كبائر بالإصرار عليها والتمادى فيها." اهـ

 

وفي شرح صحيح البخارى لابن بطال (10/ 203):

"وقال أبو عبد الرحمن الحُبُلِّيُّ:

"مَثل الذى يجتنب الكبائر ويقع فى المحقرات، كرجل لَقِيَهُ سَبُعٌ، فاتقاه حتى نجا منه، ثم لقيه فَحْلُ إبلٍ فاتقاه فنجا منه، فلدغته نملةٌ فأوجعته، ثم أخرى، ثم أخرى حتى اجتمعن عليه فصرعنه، وكذلك الذى يجتنب الكبائر، ويقع فى المحقرات".

وقال أبو بكر الصديق : "إن الله يغفر الكبائر فلا تيئسوا، ويعذب على الصغائر فلا تغتروا." اهـ

 

فيض القدير (4/ 70) للمناوي :

"كانت معرفة الصحابة بجلال الله أتم فكأن الصغائر عندهم بالإضافة إليه كبائر فبهذا السبب يعظم من العالم ما لا يعظم من الجاهل ويتجاوز عن العاصي ما لا يتجاوز عن العالم." اهـ

 

وفي فيض القدير (4/ 70):

"قال ابن عبد السلام في أماليه: "ظاهر الحديث أن العالم أكثر عذابا من الجاهل، وليس ذلك على إطلاقه." ثم ذكر تفصيلا فاطلبه من الأمالي." اهـ

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 239) لابن علان الصديقي :

"وفي الحديث: كمالُ مراقبة القوم لله _تعالى_ وكمالُ استحيائهم منه، حتى إنهم يرون تلك الأمور التي استهون غيرُهُمْ الوقوعَ فيها مهلكاتٍ لهم، لعظم شهودهم جلال الله تعالى وعظمته. أحيا الله قلوبنا من موت الغفلة بمنته." اهـ

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 239) :

"وفيه: أن الإنسان ينبغي له أن يحذر من صغار الذنوب فلعلها تكون المهلكة له في دينه، كما يحترز من يسير السموم خشية أن يكون فيها حتفه." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 62) لفيصل بن عبد العزيز آل مبارك النجدي :

"في هذا الحديث: كمال مراقبة الصحابة رضي الله عنهم لله تعالى، وكمال استحيائهم منه.

وفيه: أنَّ الإنسان ينبغي له أن يحذر من صغار الذنوب، فلعلها تكون المهلكة له في دينه.

كما يتحرز من يسير السموم خشية أن يكون فيها حتفه، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر (28) ] .

وفي الحديث: «إن المؤمن يرى ذنبه كأنه صخرة يخاف أن تقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كأنه ذباب مرّ على أنفه» [خ]." اهـ

 

وقال مقيدُهُ _أبو فائزة_: ففي "صحيح البخاري" (8/ 67) (رقم: 6308):

عَنِ الحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَيْنِ:

أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ:

«إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ» فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، قَالَ أَبُو شِهَابٍ: بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ."

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 105):

"قَوْلُهُ (إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ)،

قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ مُنَوَّرٌ فَإِذَا رَأَى مِنْ نَفْسِهِ مَا يُخَالِفُ مَا يُنَوِّرُ بِهِ قَلْبَهُ عَظُمَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَالْحِكْمَةُ فِي التَّمْثِيلِ بِالْجَبَلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ قَدْ يَحْصُلُ التَّسَبُّبُ إِلَى النَّجَاةِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْجَبَلِ إِذَا سَقَطَ عَلَى الشَّخْصِ لَا يَنْجُو مِنْهُ عَادَةً وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْخَوْفُ لِقُوَّةِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْإِيمَانِ فَلَا يَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِهَا وَهَذَا شَأْنُ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ دَائِمُ الْخَوْفِ وَالْمُرَاقَبَةِ يَسْتَصْغِرُ عَمَلَهُ الصَّالح ويخشى من صَغِير عمله السيء." اهـ

 

وقال أبو زكريا أحمد بن إبراهيم المعروف بـ"ابن النحاس" الدمشقي (المتوفى: 814 هـ) _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الجاهلين" (ص: 311):

"العاقل اللبيب الطالبُ نجاةَ نَفْسِهِ يوم القيامة، يجب أن يتفطن للصغائر من الذنوب؛ لأن أكثرَها خَفِيٌّ، لا يدركه كثير من الناس، لكثرةِ وجودها، وعدمِ إنكارها، وغلبةِ الجهل بمحلها من الدين." اهـ


[1] وأخرجه ابن أبي الدنيا في "التوبة" (ص: 147) (رقم: 208).

[2] هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرْدُوْسِيُّ الإِمَامُ، العَالِمُ، مُحَدِّثُ البَصْرَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، القُرْدُوْسِيُّ، البَصْرِيُّ، من الذين عاصروا صغار التابعين (المتوفى السنة  147 أو 148 هـ)، روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو ثقة، من أثبت الناس فى ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن و عطاء مقال، لأنه قيل كان يرسل عنهما. [انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" – ط. الرسالة (6/ 355) (رقم: 154)]

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين