شرح الحديث 19 من كتاب الأربعين حديثا في التربية والمنهج

 

وقال الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان _حفظه الله_ في "أربعون حديثا في التربية والمنهج" (ص 44_46):

 

الحديث التاسع عشر

 

عن أبي كبشة الأنماري _رضي الله تعالى عنه_ قال:

قال رسول الله ﷺ:

«ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ» قَالَ:

«مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ، إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ...»

 

«وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ» قَالَ:

"إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ:

* عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا.

فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ.

* وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا،

فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ،

* وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا،

فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ،

* وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا،

فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ "

أخرجه أحمد والترمذي

 

تخريج الحديث:

 

سنن الترمذي ت شاكر (4/ 562) (رقم: 2325)، سنن ابن ماجه (2/ 1413) (رقم: 4228)، مسند أحمد - عالم الكتب (4/ 230_231) (رقم: 18024 و 18031)

 

والحديث صحيح لغيره: صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 109) (رقم: 16)

 

من فوائد الحديث:

 

قوله: «ثلاث أقسم عليهن، وكذا قوله: «وأحدثكم حديثا فاحفظوه»:

 

فيه: تأكيد الكلام بالقسم تارة، وبغيره تارة أخرى؛ للاهتمام والحث على المقسم عليه، ليكون ذلك أدعى لتنبيه السّامعين.

 

وفيه: أن على دعاة الخير التنوع في استعمال أساليب الكلام مع الناس بحسب نوع المتكلم عنه. وقوله: «ما نقص مال عبد من صدقة»:

 

فيه: بركة الزكاة والصدقة.

 

وقوله: «عبد»:

فيه: استشعار معنى التعبد أثناء عمل الطاعات؛ لأن ذلك أدعى لحصول الإخلاص القلبي.

 

وقوله: «ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله ﷺ عزا»:

 

فيه: فضل الصبر وعظيم منزلته.

 

وفيه: أن احتساب الصبر على المظلمة من أسباب عزة الصابر ورفعته.

 

وفيه: أن دعاة الخير أولى الناس بالصبر والاحتساب، فذلك من أسباب قوة دعوتهم وتأثيرهم، وذلك من لوازم الصبر.

 

وفيه: أن العاقبة للمتقين في الدنيا بالعزة وفي الآخرة بالرفعة.

 

وقوله: «ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر»:

 

فيه: أن عدم الاحتساب والصبر والطمع فيها في أيدي الناس من أسباب الذل الحسي والمعنوي.

وفيه: أن أولى الناس بالبعد عن سؤال السلاطين وغيرهم هم أهل العلم؛ لأن في سؤالهم نقصا وذلّا في أنفسهم وضعفا في تأثير دعوتهم على من سألوه بخاصة وغيره عامة.

 

وقوله: «إنها الدنيا لأربعة نفر»:

 

فيه: أن على الدعاة العناية بإيصال العلم للناس بأوضح أسلوب، كاستعمال العدد في المعدود ليسهل على السامعين حفظ ما يسمع وفهمه.

 

وقوله: «عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل» :

 

فيه: أن بركة المال ـ ولو كان يسيرا ـ لا تكون إلا إذا أنفق بشرطين: العلم، والتقوى.

وفيه: أن على من تولى أموال الناس التي أراد أصحابها دعم وجوه الخير أن يتقي الله تعالى، وأن يضعها مواضعها حسب العلم الشرعي، فإن كان ذلك فله ولهم، وإن كانت الأخرى بإهمال أو تفريط ـ فعليه ولهم، فأصحاب الأموال محسنون وما على المحسنين من سبيل.                       

وفيه: أن صلة الرحم تزيد أواصرها بالوصل المالي، كقضاء دين أو عون على أمور الحياة.

وفيه: أن على دعاة الخير أن يكونوا أسبق الناس لصلة الرحم، فذلك ـ بعد توفيق الله تعالى - من أسباب قبول علمهم ونصحهم.

 

وقوله: «وعبد رزقه الله تعالى عليها ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالا لعملتُ بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء»:

 

فيه : فضل العلم على صاحبه.

وفيه : عظيم شأن الصدق في تمني فعل الخير وفيه: غبطة صاحب الخير .

وفيه: سعة فضل الله وإحسانه، حيث إنه تعالى أجرى على المتمني أجر الفاعل. وفيه: أن على طالب العلم الحرص على الاستفادة من أهل العلم ليشركهم في الأجر ـ لا ينقص من أجورهم شيئا ـ إذا حذا حذوهم،

فإن لم يستطع أجر بحسب نيته .

 

وقوله: «وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه عليها، يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل،

وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علا فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء»:

 

فيه: خلاف ما تقدم ذكره في النفرين الأولين. وفيه: كال عدل الله تعالى وحكمته وأنه يعطي من يشاء بفضله ويمنع من يشاء بعدله، وأنه تعالى لا يظلم أحدا.

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 367)

قوله : «ما نقص مال عبد من صدقة» . يشهد له قوله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ (39) ] .

قوله: «ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزًّا» ، يشهد له قوله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى (43) ] .

قوله: «ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر» وهذا مشاهد بالحس ويشهد له قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر (15) ] .

قوله: «إنما الدنيا لأربعة ... » إلخ

فالأول : عَلِمَ وعَمِلَ صالحًا.

والثاني : عَلِمَ وعزم على العمل الصالح لو قدر، فأجرهما سواء،

والثالث : لم يعْلَمْ ولم يعمَلْ في ماله صالحًا.

والرابع : لم يعلَمْ وعزم على العمل السيِّئ، لو قدر على مال فوزهما سواء.

 

قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/ 564_565) للسيوطي

قال الشيخ عزُّ الدِّين بن عبد السلام في أماليه: "معناه أنَّ ابن آدم لا يضيع له شيءٌ، ومَا لم ينتفع به في دنياه انتفع به في أُخراه، فالإنسان إذا كان له داران فحوَّل بعض ماله من إحدى داريه إلى الأخرى، لا يقال ذلك البعض المحوَّل نقصَ من ماله، وقد كان بعض السَّلف يقول إذا رأى السائلين: مرحبًا بمن جاء يُحَوِّل ما لَنَا من دُنيانا لأخرانا؛ فهذا معنى الحديث، وليس معناه أنَّ المال لا ينقص في الحس ولا أنَّ الله يخلف___عليه؛ لأنَّ ذلك معنى مستأنف" انتهى.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3308)

(" رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا ") فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْعِلْمَ رِزْقٌ أَيْضًا، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَرْزُقُ الْعِلْمَ وَالْمَالَ، وَبِتَوْفِيقِهِ وَفَتْحِهِ يُفْتَحُ بَابُ الْكَمَالِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ: «إِنَّ عِلْمًا لَا يُقَالُ بِهِ كَكَنْزٍ لَا يُنْفَقُ مِنْهُ» ، فَيَدْخُلُ الْعُلَمَاءُ وَلَوْ كَانُوا فَقُرَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3] ثُمَّ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ هُنَا مَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ ضَرُورَةِ الْحَال

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3309)

وَلَمَّا كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ إِثْمَهُ بِمُجَرَّدِ نِيَّتِهِ دُونَ إِثْمِ الْعَامِلِ الْمُشْتَمِلِ عَمَلُهُ عَلَى النِّيَّةِ وَالْمُبَاشَرَةِ أَكَّدَ الْوَعِيدَ وَشَدَّدَ التَّهْدِيدَ بِقَوْلِهِ: (" وَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ") :

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3309)

قَالَ ابْنُ الْمَلِكِ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُنَافِي خَبَرَ: " «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ» " لِأَنَّهُ عَمِلَ هُنَا بِالْقَوْلِ اللِّسَانِيِّ، وَالْمُتَجَاوَزُ عَنْهُ هُوَ الْقَوْلُ النَّفْسَانِيُّ، انْتَهَى. وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ: إِنَّ هَذَا إِذَا لَمْ يُوَطِّنُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ قَلْبُهُ بِفِعْلِهَا، فَإِنْ عَزَمَ وَاسْتَقَرَّ يُكْتَبْ مَعْصِيَةً، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 164_165)

قلت: هذا يدل على أن من كان صادق النية في فعل أي خير ومنعه عنه مانع عدم الاستطاعة أنه مثل من استطاع في الأجر.

وهذا مقتضى فضل الله وعدله؛_____لأنه ما عاق صادق النية إلا أنه تعالى ما أوسع عليه في العطاء فما امتنع عنه إلا لعائق القدر ويدل له حديث: "إن في المدينة أقواماً ما نزلنا منزلاً ولا هبطنًا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر" [م]

قاله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته،

فقد جعل المعذورين مع المستطيعين وعليه قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمجَاهِدُونَ ...} الآية. [النساء: 95]

فإنه استثنى أولى الضر وجعلهم كالمجاهدين. وبعد هذا يعلم أن حديث الهم بالحسنة لمن يستطيع فعلها.

إن قلت: يشكل عليه حديث: "ذهب أهل الدثور بالأجور ... " (2) وقوله - صلى الله عليه وسلم - للفقراء: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ... " (3) الحديث في فضل الذكر عقيب الصلوات فإنه دل على تقرير ذهاب ذو اللسان المنفقين [2/ 348] بالأجر وزيادة أجورهم لاتفاقهم.

قلت: يحتمل أنه وقع ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - قبل إعلام الله له بأن أجر ذي النية الصادقة والمنفق سواء، ويحتمل أن المراد هنا أنهما سواء في أجر نفس النية والمنفق أكثر أجراً بزيادة النفقة على النية وأنه يلاقي حديث: "من همَّ بحسنة كتبت له حسنة، فإن فعلها كتبت عشرة" (4) فكل هنا من الغني والفقير قد استويا في النية وافترقا في الإخراج إلا أن هذا خلاف ما سيق له الحديث هنا فإنه ظاهر في المساواة من كل وجه

 

مصابيح السنة (3/ 441) للبغوي :

"4 - باب استحباب المال والعمر للطاعة". اهـ

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 101)

1 - (الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة)

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 515)

9 - (الترغيب في الصدقة والحث عليها، وما جاء في جهد المقِلّ، ومَن تصدق بما لا يحب).

 

صحيح الترغيب والترهيب (2/ 640)

12 - (الترغيب في العفو عن القاتل والجاني والظالم، والترهيب من إظهار الشماتة بالمسلم).

 

الأحكام الكبرى (3/ 93)

بَاب الْعَفو وَالْإِحْسَان وَالصَّبْر والتجاوز

 

روح البيان (6/ 437) // المؤلف: إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء (المتوفى: 1127هـ) :

واعلم ان تمنى الدنيا مذموم الا ما كان لغرض صحيح وهو صرفها الى وجوه البر كالصدقة ونحوها وعن كبشة الأنماري رضى الله عنه

 

فضائل القرآن لابن كثير (ص: 200_201)

اغتباط صاحب القرآن...___

ومضمون هذين الحديثين أن صاحب القرآن فى غبطة، وهى حُسْنُ الحال، فينبغى أن يكون شديد الاغتباط بما هو فيه، ويستحب تغبيطه بذلك، يقال: غبطه فيغبطه "بكسر الباء"2 غبطًا؛ إذا تمنَّى مثل ما هو فيه من النعمة، وهذا بخلاف الحسد المذموم، وهو تمنِّي زوال نعمة المحسود عنه, سواء حصلت لذلك الحاسد أو لا، وهذا مذموم شرعًا مهلك، وهو أول معاصى إبليس حين حسد آدم ما منحه الله تعالى من الكرامة والإحترام والإعظام.

والحسد الشرعى الممدوح هو تمنِّي حال مثل ذاك الذى هو على حالة سارة، ولهذا قال -عليه السلام: "لا حسد إلا في اثنين"، فذكر النعمة القاصرة وهو تلاوة القرآن آناء الليل والنهار، والنعمة المتعدية وهي إنفاق المال بالليل والنهار، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29] .

 

مجموع فتاوى ابن باز (9/ 11_12)

ومن أهم التقوى أداء الزكاة التي أوجبها الله على المسلمين في أموالهم شكرا له سبحانه على إنعامه، ومواساة لإخوانهم المحاويج، وهو سبحانه أعطى الكثير، ولم يطلب إلا القليل.

ثم هذا المطلوب منفعته لصاحبه، فالله يأجره عليه، ويخلفه عليه، وهو سبحانه غني عن طاعة العباد قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} وقد قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}

وقال _صلى الله عليه وسلم_ : «ما نقص مال عبد من صدقة»

فأنت أيها المسلم الخائف من ربه المصدق بخبره إياك أن تظن أن الزكاة تنقص مالك بل هي تزيده وتنميه وتكون سببا للبركة، وربح التجارة، ومع ذلك تؤجر عليها أجرا جزيلا،

فبادر إلى أداء ما أوجب الله عليك وأحسن ظنك بربك، وأبشر بالخلف والأجر الجزيل،

ولا ريب أن منع الزكاة من أعظم الأسباب لحلول العقوبات، ومرض القلوب، ونزع البركات، وحبس الغيث من السماء،

وقد توعد الله من بخل بالزكاة بالعذاب الأليم___

كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}  {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}

وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن أهل الأموال الذين لا يؤدون زكاتها يعذبون بها يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فاحذروا رحمكم الله البخل بما أوجب الله عليكم، وسارعوا إلى إخراج الزكاة من أموالكم

 

سلم أخلاق النبوة (ص: 145_146)

وغنى النفس يزداد كلما شعر المسلم بفقره إلى الله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (سوة فاطر 15)

وغَنِيُّ النفس يجود بما يملك ليقينه أن مصدره الحقيقي هو إيمانه بالله رزاقاً، وليس ما في يده، مما ينتهي بأقرب الأجلين.

إما أن يفوتني بالخسارة، وإما أن أفوته بالموت.

- كما يقول الشيخ محمد الشعراوي.

غَنِيُّ النفس - كما ربَّاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ينفق.___لأنه يؤمن أن لغة الأرقام التي نتعامل بها تختلف عنها عند الله.

فأنت إذا أخرجت زكاة المائة دينار نقص العدد في لغة "الحاسوب" ولكنها لم تنقص في لغة السماء. وهي أصدق.

قال - صلى الله عليه وسلم - "مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍة" (الترمذي زهد 17) .

ولم تنقص - حتى في عُرف رجال الزراعة -

فمن خصَّص للبذور كمية من الحبّ، ثم طرحها في الحقل، فلا يمكن لعاقل أن يقول: نقص الحبّ. بل هو في الحقيقة قد زاد، وتضاعف.

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (سورة البقرة 261)

ولم ينقص المال بما يخرج من صدقة، لأننا نرى المهندس يأتي على شجر الموالح وقد امتلأ أول الإنبات، فيحاول أن يقلل العدد، فيسقط كمية منه، ليتوزع الغذاء على الباقي، فيحسن نتاجه.

فالمال خير. لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ربّي نفوساً ملكت المال، ولم يملكها.

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين