شرح الحديث 15 من بلوغ المرام

 

15 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا_ قَالَتْ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_:

"الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

 

ترجمة أم سلمة القرشية المخزومية _رضي الله عنها_:

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (35/ 317) (رقم: 7941):

"ع: هند بنت أبي أمية، واسمه حذيفة، ويُقال: سهيل بْن المغيرة بْن عَبد الله بْن عُمَر بن مخزوم، أم سلمة القرشية المخزومية، زوج الني _صلى الله عليه وسلم_.

تزوجها رَسُول اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ في شوال سنةَ اثنتين من الهجرة بعد وقعة بدر، وبنى بها في شوال، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد، والد عُمَر بن أَبي سلمة." اهـ

 

وقال ابن كثير في "التكميل في الجرح والتعديل" (4/ 318):

"وكانت أخت عمار بن ياسر لأُمِّه." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 202)

مِنْ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ.

كَانَتْ قَبْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ أَخِيْهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ؛ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ المَخْزُوْمِيِّ، الرَّجُلِ الصَّالِحِ.

دَخَلَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ.

وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ وَأَشْرَفِهِنَّ نَسَباً، وَكَانَتْ آخِرَ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ.

عُمِّرَتْ حَتَّى بَلَغَهَا مَقْتَلُ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ، فَوَجَمَتْ لِذَلِكَ، وَغُشِيَ عَلَيْهَا، وَحَزِنَتْ عَلَيْهِ كَثِيْراً، لَمْ تَلْبَثْ بَعْدَهُ إِلاَّ يَسِيْراً، وَانْتَقَلَتْ إِلَى اللهِ.

وَلَهَا أَوْلاَدٌ صَحَابِيُّوْنَ: عُمَرُ، وَسَلَمَةُ، وَزَيْنَبُ." اهـ

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (35/ 319_320):

قال الواقدي: توفيت في شوال سنة تسع وخمسين، وصلى___عليها أبو هُرَيْرة.

وَقَال غيره: صلى عليها سَعِيد بن زيد.

وَقَال أَحْمَد بْن أَبي خيثمة: توفيت في ولاية يزيد بن معاوية، وولي يزيد يوم مات معاوية في رجب سنة ستين، ومات في منتصف ربيع الأول سنة أربع وستين.

وَقَال غيره: توفيت سنة اثنتين وستين." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 210):

"وَبَعْضُهُم أَرَّخَ مَوْتَهَا فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَوَهِمَ أَيْضاً، وَالظَّاهِرُ وَفَاتُهَا فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -.

وَقَدْ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ حَلَّتْ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ.

وَيَبْلُغُ مُسْنَدُهَا: ثَلاَثَ مائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً.

وَاتَّفَقَ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ لَهَا عَلَى ثَلاَثَةَ عَشَرَ.

وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِثَلاَثَةٍ، وَمُسْلِمٌ بِثَلاَثَةَ عَشَرَ.

 

عبد الفتاح بن السيد عَجَمِي الْمَرْصَفِيُّ _رحمه الله_ في "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" (2/ 736):

"وبلغ ما روته من الحديث الشريف ثمانية وسبعين وثلثمائة (378) حديث." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (7/ 113) (رقم: 5634)، ومسلم في "صحيحه" (3/ 1634/ 1_2) (رقم: 2065)، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/ 301_302) (رقم: 6843_6848)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1130) (رقم: 3413)

 

وفي رواية مسلم في "صحيحه" (3/ 1634/ 1) (رقم: 2065):

(الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَب)

 

صحيح مسلم (3/ 1635/ 2) (رقم: 2065):

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ»

 

من فوائد الحديث:

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 485):

"فيه: الوعيد الشديد في استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب ويقاس على ذلك سائر الاستعمالات." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 1015):

"في هذا الحديث: أن الأكل أو الشرب في آنية الذهب أو الفضة من كبائر الذنوب." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (4/ 263)

وفي حديث أم سلمة: دليل على أن الأكل في آنية الذهب والفضة من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد على ذلك بأن من فعله: فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم الجرجرة صوت الطعام والشراب وهو ينحدر في البلعوم فإذا أكل أو شرب في إناء الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم وهذا يدل على أنه من كبائر الذنوب لأن فيه الوعيد وكل ذنب فيه وعيد فإنه من كبائر الذنوب والمطلي بالذهب والفضة قال العلماء: إنه كالخالص لا يجوز أن يؤكل فيه ولا أن يشرب فيه." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (6/ 585_586):

"وهذا يدل على أن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة من كبائر الذنوب وأنه لا يحل للمؤمن أن يفعل ذلك،

أما استعمالُ الذَّهَبِ والفضةِ في غير ذلك، فهذا موضع خلاف بين العلماء. جمهور العلماء يقول: لا يجوز أن يستعمل أواني الذهب والفضة في غير___الأكل والشرب كما أنه لا يجوز في الأكل والشرب فلا يجوز أن تجعلهما مستودعا للدواء أو مستودعا للدراهم أو للدنانير أو ما أشبه ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل والشرب فيهما وما سوى ذلك فهو مثله ومن العلماء من أباح ذلك وقال إننا نقتصر على ما جاءنا به النص والباقي ليس حراما لأن الأصل الحل ولهذا كانت أم سلمة رضي الله عنها وهي ممن روى حديث النهي عن الأكل والشرب في آنية الفضة كانت عندها جلجل من فضة وعاء البيبسي وشبهه جلجل من فضة جعلت فيه شعرات من شعرات النبي صلى الله عليه وسلم يستشفي الناس بها إذا مرض الإنسان أتوا إليها وجعلت في هذا الجلجل ماء وراجته في الشعر وشربه المريض فيشفى بإذن الله فهي رضي الله عنها تستعمل الفضة في غير الأكل والشرب وهذا أقرب إلى الصواب أن استعمال الذهب والفضة في غير الأكل والشرب جائز لكن الورع تركه احتياطا لموافقة جمهور العلماء، والله الموفق." اهـ

 

أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) (3/ 2095)

وأما الشرب في الفضة، فإنما حرم من أجل المخيلة والسَّرَفِ، وهو محرم على الرجال والنساء جميعًا، فلم يرخص في قليله، وجعل حكمه حُكم كثيره." اهـ

 

المعلم بفوائد مسلم (3/ 123)

النَّهي عن ذلك لأنه من السرف والتشبّه بفعل الأعاجم، والمذهب عندنا كراهية الشرب في إناء مضبّب بالفضة كما كره أن ينظر في الِمرآة فيها حلقة فضة. قال عبد الوهاب: يجوز استعمال المضبّب إذا كان شيئاً يسيرا.

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 562):

"وأجمع العلماء أن الأكل والشرب فى آنية الفضة والذهب، واستعمالَهَا لا يحل، وما روى عن بعض السلف فى إجازة ذلك فشاذ، والظن به أنه لم يبلغه السنة فى ذلك." اهـ

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (17/ 50)

وهذا الحديث دليلٌ على تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب ، ويلحق بهما ما في معناهما مثل : التطيب ، والتكحل ، وما شابه ذلك . وبتحريم ذلك قال جمهور العلماء سلفًا وخلفًا . وروي عن بعض السلف إباحة ذلك . وهو خلاف شاذٌّ مطرح للأحاديث الصحيحة الكثيرة في هذا الباب .

 

المسالك في شرح موطأ مالك (7/ 351)

سواءٌ في هذا الحكم الرّجال والنّساء؛ لأنّ الإذن إنّما وقع في التّحلِّي خاصّة، وبقي التّحريم في سائر ذلك.

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (6/ 84)

وقوله: (يجرجر فى بطنه نار جهنم) محمول عند أهل السنة على أن الله فى ذلك بالخيار لمن أراد أن ينفذ عليه الوعيد.

 

شرح المصابيح لابن الملك (4/ 590)

" في جوفه نارَ جهنَّم "، إنما جعلَ المشروبَ منه نارًا مبالغةٌ؛ لكونه سببًا لها، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10].

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 257)

ففيه الوعيد الشديد في استعمال أواني النقدين المنصوص منه على الأكل والشرب لأنهما أغلب أنواعه فسائره مثلهما في الحرمة، وقضية هذه الأحاديث أن ذلك من الكبائر وبه صرح ابن حجر الهيتمي في «الزواجر» ، وظاهر أن محل حرمة ذلك حيث لا ضرورة، وإلا فمن وجد إناء أحدهما وليس عنده ما يصنع فيه طعامه المائع أو الرطب الذي يتلوّث سوى

الأرض، فيجوز له استعمال ذلك حينئذ «لأن الضرورات تبيح المحظورات» «وإذا ضاق الأمر اتسع» ، وقد قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} (الحج: 78) .

 

شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 462)

وَفِيهِ حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالطَّهَارَةِ، وَالْأَكْلِ بِمِلْعَقَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالتَّجَمُّرِ بِجَمْرَةٍ مِنْهُمَا، وَالْبَوْلِ فِي إِنَاءٍ، وَحُرْمَةُ الزِّينَةِ بِهِ وَاتِّخَاذِهِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّحَلِّي لِمَا يُقْصَدُ فِي الْمَرْأَةِ مِنَ الزِّينَةِ لِلزَّوْجِ.

 

التحبير لإيضاح معاني التيسير (1/ 416)

وفي الأحاديث تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة على كل مسلم مكلف من ذكرٍ وأنثى، ولا يلحق ذلك بالحلي للنساء؛ لأنه من التزين الذي أبيح لهنَّ.

ولا يخفى أنَّ النص في الأكل والشرب فقط، وألحق الجمهور بهما الاستعمال مثل آلة الطيب، والتكحل وغيرهما، ولا دليل عليه، وأباح ذلك جماعة لعدم الدليل___

التحبير لإيضاح معاني التيسير (1/ 417)

وللعلماء تعاليل في إبانة وجه التحريم، ولا دليل عليها، فقيل: لعينها، أي: لكونهما ذهباً وفضة, وقيل: لكونه قيم الأشياء فاتخاذ الآلات منها يقضي إلى قلتهما بأيدي الناس، فيجحف بهم وينقص ويجوز التحلي للنساء بهما، وقيل: السرف، وكسر قلوب الفقراء.

وتعقب بجواز الأواني من الجواهر النفسية وعاليها أنفس، وأكثر قيمة من الذهب والفضة." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 523)

واعلم أن: الحديث نص في تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة إذ لا وعيد إلا على معصية وقد ألحق أكثر العلماء بهما غيرهما حتى عبروا بتحريم الاستعمال لآنية الذهب والفضة الشامل للأكل والشرب وغيرهما وهو إلحاق___لغير الأكل والشرب بهما بلا دليل ولا علة جامعة فالحق الاقتصار على موضع النص وتحريم الأكل والشرب دون غيرهما إن حملوا العبارة على اللفظ النبوي بقولهم يحرم استعمال الذهب والفضة أو أنه الذهب والفضة ويرد النفي الخاص إلى أعم منه." اهـ

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 155_156):

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - تحريم الشرب في إناء الفضة، ومثله الذهب وأولى، والنصوص الشرعية كثيرًا ما تذكر شيئًا وتترك مثله وما هو أولى منه، من باب الاكتفاء؛ كقوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] يعني: والبرد؛ فإنَّه أولى.

2 - الوعيد الشديد على الشَّارب في إناء الفضة ومثله الذهب؛ فإنَّ عذابه غليظ شديد؛ فإنَّه بارتكاب هذه المعصية سَيُسْمَعُ لوقوع عذاب جهنَّم في جوفه صوتٌ مرعب منكر.___

3 - في الحديث إثبات الجزاء في الآخرة، وإثبات عذاب النَّار يوم القيامة؛ وهو أمرٌ واجب الاعتقاد معلومٌ من الدِّين بالضرورة.

4 - وفيه أنَّ الجزاء يكون موافقًا للعمل؛ فهذا الذي أتبع نفسه هواها، وتمتَّع بالشرب بإناء الفضة، سيتجرَّع عذاب جهنَّم، مع تلك المواضع من بدنه التي تمتعت واستلذت بالمعصية في الدُّنيا؛ وهكذا فالجزاء من جنس العمل.

 

مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى (20/ 116)

وهذا الحديث يدل على تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب ويلحق بهما ما في معناهما؛ مثل التطيب والتكحل في أوانيهما وما شابه ذلك، وبتحريم ذلك قال جمهور العلماء سلفًا وخلفًا

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 122_124):

"في هذا الحديث: دليل على أن الشرب في إناء الفضة من كبائر الذنوب، وجه ذلك: حيث رتب عليه وعيد فهو من الكبائر، وتختلف الكبائر عن الصغائر؛ لأنها - أي: الكبائر- لا تكفرها العبادات كالصلاة والصوم وما أشبه ذلك، بل لابد لها من توبة خاصة، وأيضا الكبيرة تخرج الإنسان من العدالة بمجرد فعلها؛ أي: يكون مردود الشهادة غير نافع للولاية حتى يتوب.

ومنها: أن من الأمة من قال: إن فاعل الكبيرة كافر، وإن كان القول ضعيفا، لكن لم يقل أحد من الأئمة - فيما أعلم-: إن فاعل الصغيرة يكون كافرا، إذن الكبيرة أعظم، وهل الكبائر تختلف؟ نعم، لحديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر"، فهي تختلف و [هل] من فوائد هذا الحديث: أن الأكل في آنية الفضة من كبائر الذنوب؟ ننظر إذا حرم الشرب هل يحرم الأكل؟ نعم، إلحاق الأكل بالشرب في التحريم ليس عندنا فيه شك، لكن الجزاء هل يكون في القياس، ونقول: إنه إذا جوزي الشارب في آنية الفضة بهذا الجزاء لزم أن يجازى به الآكل في آنية الفضة أو نقول: إن الجزاء قد يكون على حسب الأعمال ظاهرا؛ لأن هناك أعمالا ظاهرها أنها لا تبلغ هذا المبلغ في العقوبة، ولكن يعاقب عليها كثيرا، وهناك أعمال ظاهرها أنها لا تبلغ هذا المبلغ في الثواب عليها ويكون عليها ثواب كثير، بمعنى: أن الجزاء لا يلزم أن يكون مطابقا للحكم هذا لا شك أنه أسلم للإنسان أن يقول: إن الأكل في آنية الفضة محرم قياسا على الشرب، وهذا حكم شرعي. أما الحكم الجزائي: وهو أن الذي يأكل___في آنية الفضة يبتلع نار جهنم، فهذا يحتاج إلى توقيف، والسلامة أسلم، يكفي المؤمن أن يقال: إنه محرم.

ومن فوائد هذا الحديث: ما ذكرناه سابقا أنه يدل على جواز استعمال الفضة في غير الشرب والأكل، ويدل لهذا أن أم سلمة رضي الله عنها نفسها كان عندها شعرات من شعر النبي - عليه الصلاة والسلام- في جلجل من فضة، والجلجل: أصله الجوس؛ لأنه يتجلجل، لكنه يطلق على إناء صغير مثل الجرس، وهو موجود الآن أوعية صغيرة للكحل تشبه الجرس من بعض الوجوه، فكان عند أم سلمة جلجل من فضة في شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفى بها المرضى، إذا مرض أحد أرسلوا إلى أم سلمة بماء، فصبته في هذا الجلجل الذي فيه الشعرات، ثم حركته ثم أعطته أهل المريض ويشفى بإذن الله؛ لأن هذا من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا خاص به، كما كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها عندها جبة للرسول - عليه الصلاة والسلام- هي مكفوقة بالحرير والديباج، وكانت الجبة عند عائشة فلما توفيت عائشة رضي الله عنها أخذتها أختها أسماء، وكانوا يستشفون بها للمرضى؛ لأنها من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم.

وبالمناسبة: ذكرت لكم أمس أو قبل أمس، أن أسماء أرسلت إلى ابن عمر تقول: إنه بلغني أنك تحرم العلم في الثوب - يعني: علم الحرير- وأنك تحرم ميثرة الأرجوان، وأنك تحرم صوم شهر رجب كله، الأرجوان: لون أحمر، والميثرة: وطاء يربط على ظهر الحمار من أجل أن يكون ألين للراكب وهي البرذعة، أرسلت إليه مولاها قال: أما ما ذكرت عن صوم رجب فكيف بمن يصوم الدهر كله؛ أصوم الدهر كله كيف أحرم شهر رجب؟ ! إذن صار القول بأنه يحرمه كذب. وأما ما ذكرت من العلم فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحرير: "إنما يلبسه من لا خلاق له"، وإني خفت أن يكون العلم من ذلك؛ فإذن تركه احتياطا وورعا ولم يحرمه. وأما ما ذكرت من الميثرة - ميثرة الأرجوان- فهذه ميثرة عبد الله - يعني: نفسه- فإذا هي أرجوان، فيكون قد حرمها أو أحلها؟ أحلها، فانظر إلى السلف الصالح كيف يتأدب بعضهم مع بعض، ولا يذهب إذا نقل عن شخص ما لم يقله يذهب ينشره بين الناس، لا بل أرسلت إليه تسأله، وتبين أن ما نسب إليه ليس بصحيح، هذه لعلها تكون فائدة أفيد بكثير من الدروس، نحن نقول الآن أم سلمة رضي الله عنها لها جلجل من فضة يستشفى به، وسقنا حديث أسماء بنت أبي بكر من أجل الجبة لما قال لها مولاها: إنه خاف أن يكون العلم داخلا في تحريم___الحرير، أخرجت الجبة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبسها وإذا أكمامها فيه الحرير وجيبها فيه الحرير، وفيها أيضا لينة من حرير. قالوا: اللينة: عبارة عن قطعة من الحرير ترفع عند الجيب، وقالوا: إنهم كانوا يستشفون بها للمرضى.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين