شرح الحديث 61 من رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

[61] الثاني: عن أبي ذر جُنْدُب بنِ جُنادَةَ، وأبي عبدِ الرحمنِ معاذِ بنِ جبلٍ _رضي الله عنهما_ :

عن رسولِ الله _صلى الله عليه وسلم_ قَالَ :

«اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» . رواه الترمذي، وَقالَ: (حديث حسن) .

 

ترجمة أبي ذر _رضي الله عنه_:

 

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 46) :

"أَبُو ذَرٍّ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ الغِفَارِيُّ * (ع)

وَقِيْلَ: جُنْدُبُ بنُ سَكَنٍ. وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ جُنَادَةَ. وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ.

وَنَبَّأَنِّي الدِّمْيَاطِيُّ : أَنَّهُ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ بنِ سُفْيَانَ بنِ عُبَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ غِفَارَ - أَخِي ثَعْلَبَةَ - ابْنَيْ مُلَيْلِ بنِ ضَمْرَةَ أَخِي لَيْثٍ وَالدِّيْلِ، أَوْلاَدِ بَكْرٍ، أَخِي مُرَّةَ، وَالِدِ مُدْلِجِ بنِ مُرَّةَ، ابْنَيْ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ.

قُلْتُ: أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

قِيْلَ: كَانَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ.

ثُمَّ إِنَّهُ رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ، فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ. وَكَانَ يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ." اهـ

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 298) للمزي :

وَقَال أَبُو الحسن المدائني: مات بالربذة وصلى عليه ابن مسعود سنة اثنتين وثلاثين، وقدم ابن مسعود المدينة فأقام عشرة أيام، ثم مات بعد عاشرة ". روى له الجماعة." اهـ

 

ترجمة معاذِ بنِ جبل _رضي الله عنه_:

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (28/ 105):

"معاذ بن جبل بن عَمْرو بن أوس بن عائذ." اهـ

 

وفي الأعلام للزركلي (7/ 258_259):

"كان أعلم الأمة بالحلال والحرام. وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي _صلّى الله عليه وسلم_. أسلم وهو فتى، وآخى النبي صلّى الله عليه وسلم بينه وبين جعفر بن أبي طالب.

وشهد العقبة مع الأنصار السبعين. وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

وبعثه رسول الله، بعد غزوة تبوك، قاضيا ومرشدا لأهل اليمن، وأرسل معه كتابا إليهم يقول فيه: (إني بعثت لكم خير أهلي)، فبقي في اليمن إلى أن توفي النبي _صلّى الله عليه وسلم_، وولي أبو بكر، فعاد إلى المدينة.

ثم كان مع أبي عبيدة بن الجراح في غزو الشام. ولما أصيب أبو عبيدة (في طاعون عمواس) استخلف معاذا. وأقره عمر، فمات في ذلك العام.

وكان من أحسن___الناس وجها ومن أسمحهم كفا. له 157 حديثا. توفي عقيما بناحية الأردن، ودفن بالقصير المعيني (بالغور) ومن كلام عمر: (لولا معاذ لهلك عمر) ينوه بعلمه." اهـ

 

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (1/ 461) :

"وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَالفَلاَّسُ: سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ: وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً. وَكَذَا قَالَ الوَاقِدِيُّ فِي سِنِّهِ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

الثاني: عن أبي ذر جُنْدُب بنِ جُنادَةَ، وأبي عبدِ الرحمنِ معاذِ بنِ جبلٍ _رضي الله عنهما_ :

عن رسولِ الله _صلى الله عليه وسلم_ قَالَ :

* «اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ،

 

فصل : حقيقة التقوى

 

وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 400):

* وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : "الْمُتَّقُونَ الَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنَ اللَّهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْهُدَى، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ فِي التَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ".

* وَقَالَ الْحَسَنُ : "الْمُتَّقُونَ اتَّقَوْا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَأَدَّوْا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ."

* وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : "لَيْسَ تَقْوَى اللَّهِ بِصِيَامِ النَّهَارِ، وَلَا بِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَالتَّخْلِيطِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ تَقْوَى اللَّهِ تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ، فَمَنْ رُزِقَ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْرًا، فَهُوَ خَيْرٌ إِلَى خَيْرٍ."

* وَقَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ: "التَّقْوَى أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ تَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ تَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ. "

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : "تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ الْعَبْدُ حَتَّى يَتَّقِيَهُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، وَحَتَّى يَتْرُكَ بَعْضَ مَا يَرَى أَنَّهُ حَلَالٌ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا يَكُونُ حِجَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ[1]، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَيَّنَ لِلْعِبَادِ الَّذِي يُصَيِّرُهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ :

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلْزَلَةِ: 7_8]،

فَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ أَنْ تَفْعَلَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ أَنْ تَتَّقِيَهُ." اهـ

 

فصل : ثمرة التقوى وأثره

 

وفي المعين على تفهم الأربعين - ت دغش (ص: 239) لابن الملقن :

"وحصل لك من ذلك :

* المِدحةُ والثناء: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186].___

* والحفظُ والحِراسَةُ مِن الأعداء: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120].

والثانية : والنَّصرُ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} [النحل: 128]، و {اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)} [البقرة: 194].

* والنَّجاةُ مِن الشَّدائدِ، والرِّزقُ الحلال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3].

* وإِصلاحُ العَمَلِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب: 70 - 71].

* وغُفرانُ الذُّنوبِ : {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب: 71].

* والنُّورُ : {اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: 28].

* والمحبةُ : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4] وما أعظمها وأنفعها.

* والإِكرَامُ : {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

* والبِشارةُ عندَ الموتِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 63 - 64].

* والنَّجاة مِن النَّار: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 72]، {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17].

* والخلود في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 401_402)

وَقَالَ الْحَسَنُ : مَا زَالَتِ التَّقْوَى بِالْمُتَّقِينَ حَتَّى تَرَكُوا كَثِيرًا مِنَ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْحَرَامِ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : إِنَّمَا سُمُّوا مُتَّقِينَ، لِأَنَّهُمُ اتَّقَوْا مَا لَا يُتَّقَى.

وَقَالَ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ : "الْمُتَّقُونَ تَنَزَّهُوا عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَلَالِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعُوا فِي الْحَرَامِ، فَسَمَّاهُمُ اللَّهُ مُتَّقِينَ".

وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ " «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ بِأْسٌ» ".

وَحَدِيثُ: " «مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» ".

وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ : "الْمُتَّقِي أَشَدُّ مُحَاسَبَةً لِنَفْسِهِ مِنَ الشَّرِيكِ الشَّحِيحِ لِشَرِيكِهِ".

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] [آلِ عِمْرَانَ: 102] ، قَالَ : "أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرَ". وَخَرَّجَهُ الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ،

وَشُكْرُهُ يَدْخُلُ فِيهِ : جَمِيعُ فِعْلِ الطَّاعَاتِ.___

وَمَعْنَى ذِكْرِهِ فَلَا يُنْسَى: ذِكْرُ الْعَبْدِ بِقَلْبِهِ لِأَوَامِرِ اللَّهِ فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ فَيَمْتَثِلُهَا، وَلِنَوَاهِيهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَيَجْتَنِبُهَا." اهـ

 

* وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا،

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 416 و 19):

"وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ» " قَدْ يُرَادُ بِالْحَسَنَةِ التَّوْبَةُ مِنْ تِلْكَ السَّيِّئَةِ،...وَقَدْ يُرَادُ بِالْحَسَنَةِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ» " مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّوْبَةِ." اهـ

 

وفي مجموع الفتاوى (10/ 655 و 658) لابن تيمية :

"وَالذُّنُوبُ يَزُولُ مُوجِبُهَا بِأَشْيَاءَ:

* (أَحَدُهَا): التَّوْبَةُ.

* وَ(الثَّانِي): الِاسْتِغْفَارُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَغْفِرُ لَهُ إجَابَةً لِدُعَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ فَهُوَ الْكَمَالُ.

* (الثَّالِثُ): الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الْمُكَفِّرَةُ...

* وَمِمَّا يُزِيلُ مُوجِبَ الذُّنُوبِ " الْمَصَائِبُ الْمُكَفِّرَةُ " وَهِيَ كُلُّ مَا يُؤْلِمُ مِنْ هَمٍّ أَوْ حُزْنٍ أَوْ أَذًى فِي مَالٍ أَوْ عِرْضٍ أَوْ جَسَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ." اهـ

 

وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 411) :

"وَقَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ «وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا»

لَمَّا كَانَ الْعَبْدُ مَأْمُورًا بِالتَّقْوَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَابُدَّ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ أَحْيَانًا تَفْرِيطٌ فِي التَّقْوَى، إِمَّا بِتَرْكِ بَعْضِ الْمَأْمُورَاتِ، أَوْ بِارْتِكَابِ بَعْضِ الْمَحْظُورَاتِ، فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يَمْحُو بِهِ هَذِهِ___السَّيِّئَةَ، وَهُوَ أَنْ يُتْبِعَهَا بِالْحَسَنَةِ،

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114] [هُودٍ: 114] .

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ:

«أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَدَعَاهُ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ قَالَ: " بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً»." اهـ

 

وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» . رواه الترمذي، وَقالَ: (حديث حسن) .

 

وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 454):

"وَقَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ : " «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» "

هَذَا مِنْ خِصَالِ التَّقْوَى، وَلَا تَتِمُّ التَّقْوَى إِلَّا بِهِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِلْحَاجَةِ إِلَى بَيَانِهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ التَّقْوَى هِيَ الْقِيَامُ بِحَقِّ اللَّهِ دُونَ حُقُوقِ عِبَادِهِ، فَنَصَّ لَهُ عَلَى الْأَمْرِ بِإِحْسَانِ الْعِشْرَةِ لِلنَّاسِ." اهـ

 

فصل : في تعريف حسن الخلق وأقسامه

 

تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته - (2 / 445_446) لابن القيم :

قَالَ التِّرْمِذِيّ قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك : " حُسْن الْخُلُق طَلَاقَة الْوَجْه , وَبَذْل الْمَعْرُوف , وَكَفّ الْأَذَى "

وَقَالَ غَيْره : "حُسْن الْخُلُق قِسْمَانِ :

أَحَدهمَا : مَعَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَهُوَ أَنْ يَعْلَم أَنَّ كُلّ مَا يَكُون مِنْك يُوجِب عُذْرًا , وَكُلّ مَا يَأْتِي مِنْ اللَّه يُوجِب شُكْرًا , فَلَا تَزَال شَاكِرًا لَهُ مُعْتَذِرًا إِلَيْهِ سَائِرًا إِلَيْهِ بَيْن مُطَالَعَة وَشُهُود عَيْب نَفْسك وَأَعْمَالك. 

وَالْقِسْم الثَّانِي : حُسْن الْخُلُق مَعَ النَّاس .

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 60)

وقال ابن المبارك: حُسْن الخُلُق: بسط الوجه، وبذلُ المعروف، وكفّ الأذى.

 

الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 207)

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ :

"حَقِيقَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ بَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَكَفُّ الْأَذَى وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ." اهـ

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3235)

قال الحسن : "حسن الخلق بسط الوجه، وبَذْلُكَ الندى وكفُّ الأَذَى".

وقال الواسطي : "هو أن لا يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله تعالى".

وقال أيضاً : "هو إرضاء الخلق في السراء والضراء".

وقال سهل : "أدنى حسن الخلق : الاحتمال وترك المكافأة، والرحمة للظالم، والاستغفارُ له والشفقة عليه." اهـ

 

تنوير الحوالك - (1 / 209) للسيوطي :

قال الباجي : وتحسين خلقه أن  يظهر منه لمن يجالسه أو ورد عليه البشر والحلم والاشفاق والصب على التعليم والتودد إلى الصغير والكبير

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 457)

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ تَفْسِيرُ حُسْنِ الْخُلُقِ،

فَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ : "حُسْنُ الْخُلُقِ : الْكَرَمُ وَالْبِذْلَةُ وَالِاحْتِمَالُ".

وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : "حُسْنُ الْخُلُقِ : الْبِذْلَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَالْبِشْرُ الْحَسَنُ"، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ كَذَلِكَ.

وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ : "هُوَ بَسْطُ الْوَجْهِ، وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَكَفُّ الْأَذَى...

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ تَفْسِيرُ حُسْنِ الْخُلُقِ فَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: حُسْنُ الْخُلُقِ: الْكَرَمُ وَالْبِذْلَةُ وَالِاحْتِمَالُ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حُسْنُ الْخُلُقِ: الْبِذْلَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَالْبِشْرُ الْحَسَنُ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ كَذَلِكَ. وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: هُوَ بَسْطُ الْوَجْهِ، وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَكَفُّ الْأَذَى.___

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : "حُسْنُ الْخُلُقِ كَظْمُ الْغَيْظِ لِلَّهِ، وَإِظْهَارُ الطَّلَاقَةِ، وَالْبِشْرُ إِلَّا لِلْمُبْتَدِعِ وَالْفَاجِرِ، وَالْعَفْوُ عَنِ الزَّالِّينَ إِلَّا تَأْدِيبًا، وَإِقَامَةُ الْحَدِّ، وَكَفُّ الْأَذَى عَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوَمُعَاهَدٍ إِلَّا تَغْيِيرَ مُنْكَرٍ وَأَخْذًا بِمَظْلَمَةٍ لِمَظْلُومٍ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ." اهـ

 

مجموع الفتاوى (10/ 658_659) لابن تيمية :

وَجِمَاعُ الْخُلُقِ الْحَسَنِ مَعَ النَّاسِ:

* أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك بِالسَّلَامِ وَالْإِكْرَامِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالزِّيَارَةِ لَهُ،

* وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك مِنْ التَّعْلِيمِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِ،

* وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ.

وَبَعْضُ هَذَا وَاجِبٌ وَبَعْضُهُ مُسْتَحَبٌّ.

وَأَمَّا الْخُلُقُ الْعَظِيمُ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الدِّينُ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مُطْلَقًا هَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ كَمَا {قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ} وَحَقِيقَتُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى امْتِثَالِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِطِيبِ نَفْسٍ وَانْشِرَاحِ صَدْرٍ. وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي وَصِيَّةِ اللَّهِ فَهُوَ أَنَّ اسْمَ تَقْوَى اللَّهِ يَجْمَعُ فِعْلَ كُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ إيجَابًا وَاسْتِحْبَابًا وَمَا نَهَى عَنْهُ تَحْرِيمًا___وَتَنْزِيهًا وَهَذَا يَجْمَعُ حُقُوقَ اللَّهِ وَحُقُوقَ الْعِبَادِ." اهـ

 

فيض القدير (3/ 464)

"قال يوسف بن أسباط:

"علامة حسن الخلق عشرة أشياء:

* قلة الخلاف،

* وحسن الإنصاف،

* وترك طلب العثرات،

* وتحسين ما يبدو من السيئات،

* والتماس المعذرة،

* واحتمال الأذى،

* والرجوع بالملامة على نفسه،

* والتفرد بمعرفة عيوب نفسه دون عيوب غيره،

* وطلاقة الوجه،

* ولطف الكلام." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الترمذي في "سننه" (4/ 355) (رقم : 1987)، وأحمد في "مسنده" (35/ 284) (رقم : 21354)، والدارمي في "سننه" (3/ 1837) (رقم : 2833)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (10/ 381) (رقم : 7663)، والطبراني في "مكارم الأخلاق" (ص: 316) (رقم : 13)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (4/ 378).

 

والحديث حسن:  حسنه الألباني _رحمه الله_ في "تخريج مشكاة المصابيح" (3/ 1409) (رقم : 5083).

 

منزلة الحديث :

 

الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 351) للهيتمي :

وهذا من جوامع كلمه صلى اللَّه عليه وسلم؛ فإن التقوى - وإن قلَّ لفظها -، إلا أنها كلمةٌ جامعةٌ:

* لِحُقُوْقِهِ _تعالى_، وهي أن يُتقى اللَّهُ حقَّ تقاته؛ أي: "بأن يطاع فلا يعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يكفر"،

* ولحقوقِ عِبَادِهِ بِأَسْرِهَا، فَمِنْ ثَمَّ شَمَلَتْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ؛ إذ هي اجتناب كل منهيٍّ، وفعل كل مأمورٍ". اهـ[2]

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 49) للسعدي :

"هذا حديث عظيم جمع فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين حق الله وحقوق العباد. فحقّ الله على عباده: أن يتقوه حقّ تُقاته. فيتّقوا سخطه وعذابه باجتناب المنهيات وأداء الواجبات." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية (ص: 41) لإسماعيل بن محمد الأنصاري (المتوفى: 1417هـ) _رحمه الله_ :

"يستفاد منه:

1 - الأمر بتقوى الله، وهو وصية الله لجميع خلقه، ووصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته.[3]

2 - إن الإتيان بالحسنة عقب السيئة يمحو السيئة. وهذا من فضل الله تعالى على عبده، فإنه لا بد أن يقع منه أحيانا تفريط في التقوى: إما بترك بعض المأمورات، أو بارتكاب بعض المحظورات، فأمره الله بفعل ما يمحو ذلك التفريط، وهو أن يتبعه بالحسنة.

3 - الترغيب في حسن الخلق، وهو من خصال التقوى التي لا تتم التقوى إلا به، وإنما أفرد بالذكر للحاجة إلى بيانه، فإن كثيرا من الناس يظن أن التقوى بمجرد القيام بحق الله دون حقوق عباده، وليس الأمر كذلك، بل الجمع بين حقوق الله وبين حقوق عباده هو المطلوب شرعا، وهو عزيز لا يقوى عليه إلا الكمل." اهـ

 

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 69)[4]:

"مِمَّا يُستفاد من الحديث :

1_ كمال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم لأمَّته، ومن ذلك ما اشتمل عليه هذا الحديث من هذه الوصايا الثلاث العظيمة الجامعة.

2_ الأمر بتقوى الله في جميع الأحوال والأمكنة والأزمان.[5]

3_ الحثُّ على إتباع السيِّئات بالحسنات.

4_ أنَّ الحسنات تمحو السيِّئات.

5_ الحثُّ على مخالقة الناس بالأخلاق الحسنة." اهـ

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 197) :

"من فوائد هذا الحديث :

 

1_ وجوب تقوى الله عزّ وجل حيثما كان الإنسان، لقوله: "اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ" وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه سواء كنت في العلانية أو في السر.

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 198)

2_ أن الحسنات يذهبن السيئات لقوله: أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا.

3_ فضل الله عزّ وجل على العباد وذلك لأننا لو رجعنا إلى العدل لكانت الحسنة لاتمحو السيئة إلا بالموازنة، وظاهر الحديث العموم.

4_ الحث على مخالقة الناس بالخلق الحسن، لقوله: "وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ"." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 60_61) لفيصل بن عبد العزيز آل مبارك النجدي _رحمه الله_ :

"هذه وصية عظيمة جامعة لحقوق الله تعالى وحقوق عباده، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ} [النساء (131) ] ، وتقوى الله تعالى: طاعته، بامتثال أمره واجتناب نهيه.

وقال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود (114، 115) ] .

وقال ابن المبارك: حُسْن الخُلُق: بسط الوجه، وبذلُ المعروف، وكفّ الأذى.

وقد وصف الله المتقين في كتابه بمثل ما وصّى به النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث، فقال عزَّ وجلّ: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ___وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران (133: 136) ] ."

 

جامع العلوم والحكم (ص / 181) لابن رجب الحنبلي :

"وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( وخالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسن )) هذا من خصال التقوى ، ولا تَتِمُّ التقوى إلا به ، وإنَّما أفرده بالذكر للحاجة إلى بيانه ،

فإنَّ كثيراً من النَّاس يظنُّ أنَّ التقوى هي القيامُ بحقِّ اللهِ دونَ حقوق عباده ، فنصَّ له على الأمر بإحسان  العشرة للناس ،

فإنَّه كان قد بعثه إلى اليمن معلماً لهم ومفقهاً وقاضياً ، ومَنْ كان كذلك ، فإنَّه يحتاج إلى مخالقَةِ النَّاسِ بخلق حسن ما لا يحتاج إليه غيرُه ممن لا حاجةَ للنَّاس به ولا يُخالطهم ، 

وكثيراً ما يغلب على من يعتني بالقيامِ بحقوق الله ، والانعكاف على محبته وخشيته وطاعته إهمالُ حقوق العباد بالكُلِّيَّة أو التقصير فيها ، والجمعُ بَيْنَ القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيزٌ جداً لا يَقوى عليه إلاَّ الكُمَّلُ مِنَ الأنبياءِ

وقد عدَّ الله في كتابه مخالقة الناس بخلق حسن من خصال التقوى ، بل بدأ بذلك في قوله : {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران: 133، 134]". اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (24/ 303) لاب عبد البر :

"وَفِي أَمْرِ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مُعَاذًا بِتَحْسِينِ خُلُقِهِ إِذْ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَمْرٌ بِالرِّفْقِ بِالنَّاسِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ الخليفة إذا بعث عاملا أنْ يُوصِيَهُ بِذَلِكَ وَبِمِثْلِهِ تَأَسِّيًا بِرَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_." اهـ[6]

 

التعيين في شرح الأربعين (1/ 153_154) لأبي الريع الطوفي :

"وفي الحديث أحكام ثلاثة جامعة في بابها:

أحدها: يتعلق بحق الله عزَّ وجلَّ، وهو أن يتقيه حيث ما كان فإن الله عزَّ وجلَّ معه وناظر إليه ورقيب عليه حيث ما كان. وتقوى الله _عزَّ وجلَّ_ : امتثال مأموره واجتناب محظوره.___

فإذا اتقى الله بفعل ما أمر، وترك ما نهى فقد أتى مجميع وظيفة التكليف.

الحكم الثاني: يتعلق بحق المُكلَّفِ، وهو أنَّه إذا فعل سيئة أتبعها حسنة تمحوها، وتدفع عنه حكمها لقوله عزَّ وجلَّ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [سورة هود: 114]

أي : عظة لمن اتعظ، فلا تعجَزَنَّ أيها الإنسان إذا أتيت بسيئة بقلبك أو لسانك أو جارحتك أن تتبعها حسنة من صلاة ركعتين، أو صدقة وإن قلَّت، أو ذكر الله عزَّ وجلَّ، ولو أن تقول: "سبحان الله وبحمده"،

فإنه أحبُّ الكلام إلى الله عز وجلَّ، والحمد لله تملأ الميزان. وفي الصحيح:

"كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"[7]

فلا تعجزن عن إتباع السيئة نحو هذا الكلام المبارك يمحها إن شاء الله عزَّ وجلَّ.

ثم إن كانت السيئةُ صغيرةً كفاها الحسنة اليسيرة، والذكر اليسير، وإن كانت كبيرة فأكثر مما يمحوها من ذلك.

الحكم الثالث: يتعلق بحقوق الناس وهو مخالقتهم، أي: معاشرتهم بخلق حسن، والخلق الحسن قيل: كفُّ الأذى وبذل الندى." اهـ

 

الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3235_3236) لشرف الدين الطيبي

قوله: ((وأتبع السيئة الحسنة تمحها))

قيل: يعلم منه أن العبد لا يستغني في حال من الأحوال عن محو آثار السيئات عن قلبه بمباشرة حسنات تضاد آثار تلك السيئات. فسماع الملاهي يكفر بسماع القرآن وبمجالس الذكر، وشرب الخمر يكفر بالتصدق بكل شراب حلال. وعلى هذا قفس؛

لأن المرض يعالج بضده والمتضادات هي المتناسبات! فلذلك ينبغي أن يمحو كل سيئة بحسنة من جنسها لكي تضادها، فالبياض يزال___بالسواد لا بغيره، وحب الدنيا أثر السرور بها في القلب، فلا جرم كفارته كل أذى يصيب المسلم من الهم والغم.

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 412) :

"دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُتَّقِينَ قَدْ يَقَعُ مِنْهُمْ أَحْيَانًا كَبَائِرُ وَهِيَ الْفَوَاحِشُ، وَصَغَائِرُ وَهِيَ ظُلْمُ النَّفْسِ، لَكِنَّهُمْ لَا يُصِرُّونَ عَلَيْهَا، بَلْ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَقِبَ وُقُوعِهَا، فَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَيَتُوبُونَ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَالتَّوْبَةُ: هِيَ تَرْكُ الْإِصْرَارِ." اهـ

 

موارد الظمآن لدروس الزمان (3/ 91)

"إن التقوى لا تتقيد بزمان ولا مكان وإنما هي عبادة وإخلاص للرحمن وكف عن محارمه ومكافحة لهوى النفس والشيطان.

وموضعها القلب من كل إنسان على حد قوله - صلى الله عليه وسلم -: «التقوى هاهنا ويشير إلى صدره» وتظهر آثارها على الجوارح بعمل الطاعات والانكفاف عن المحرمات." اهـ



[1] وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 399) : "وَيَدْخُلُ فِي التَّقْوَى الْكَامِلَةِ فَعْلُ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالشُّبُهَاتِ، وَرُبَّمَا دَخَلَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِعْلُ الْمَنْدُوبَاتِ، وَتَرْكُ الْمَكْرُوهَاتِ، وَهِيَ أَعْلَى دَرَجَاتِ التَّقْوَى." اهـ

[2] الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 362) :

"وهو جامعٌ لسائر أحكام الشريعة؛ إذ هي لا تخرج عن الأمر والنهي، فهو كل الإسلام؛ لأنه متضمنٌ لما تضمنه حديث جبريل من الإسلام والإيمان والإحسان، ولما تضمنه غيره من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام مما سبق ويأتي." اهـ

[3] وتواصى بالتقوى سلفنا الصالح _رحمه الله_، ففي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 406) لابن رجب :

* "قَالَ رَجُلٌ لِيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ : "أَوْصِنِي!"، فَقَالَ : "أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْإِحْسَانِ. فَـ{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128]."

* وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يُرِيدُ الْحَجَّ : "أَوْصِنِي!"، فَقَالَ لَهُ : "اتَّقِ اللَّهَ، فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ، فَلَا وَحْشَةَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ لِرَجُلٍ مِنَ التَّابِعِينَ عِنْدَ مَوْتِهِ: أَوْصِنَا، فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِخَاتِمَةِ سُورَةِ___النَّحْلِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128].

* وَكَتَبَ رَجُلٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَخٍ لَهُ : "أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهَا أَكْرَمُ مَا أَسْرَرْتَ، وَأَزْيَنُ مَا أَظْهَرْتَ، وَأَفْضَلُ مَا ادَّخَرْتَ، أَعَانَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ عَلَيْهَا، وَأَوْجَبَ لَنَا وَلَكَ ثَوَابَهَا".

* وَكَتَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَى أَخٍ لَهُ : "أُوصِيكَ وَأَنْفُسَنَا بِالتَّقْوَى، فَإِنَّهَا خَيْرُ زَادِ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، وَاجْعَلْهَا إِلَى كُلِّ خَيْرٍ سَبِيلَكَ، وَمِنْ كُلِّ شَرٍّ مَهْرَبَكَ، فَقَدْ تَوَكَّلَ اللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_ لِأَهْلِهَا بِالنَّجَاةِ مِمَّا يَحْذَرُونَ، وَالرِّزْقِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ."

* وَقَالَ شُعْبَةُ : "كُنْتُ إِذَا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ، قُلْتُ لِلْحَكَمِ : "أَلَكَ حَاجَةٌ"، فَقَالَ : "أُوصِيكَ بِمَا أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ : «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ.»" 

وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 408) :

وَكَتَبَ ابْنُ السِّمَاكِ الْوَاعِظُ إِلَى أَخٍ لَهُ : "أَمَّا بَعْدُ، أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ نَجِيُّكَ فِي سَرِيرَتِكَ وَرَقِيبُكَ فِي عَلَانِيَتِكَ، فَاجْعَلِ اللَّهَ مِنْ بَالِكَ عَلَى كُلِّ حَالِكَ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ، وَخَفِ اللَّهَ بِقَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ، وَقُدْرَتِهِ عَلَيْكَ. وَاعْلَمْ أَنَّكَ بِعَيْنِهِ لَيْسَ تَخْرُجُ مِنْ سُلْطَانِهِ إِلَى سُلْطَانِ غَيْرِهِ وَلَا مِنْ مِلْكِهِ إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، فَلْيَعْظُمْ مِنْهُ حَذَرُكَ، وَلْيَكْثُرْ مِنْهُ وَجَلُكَ، وَالسَّلَامُ." اهـ

[4] المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر _حفظه الله_.

[5] وفي بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 51) للسعدي :

"فمن اتقى الله، وحقق تقواه، وخالق الناس على اختلاف طبقاتهم بالخلق الحسن فقد حاز الخير كله؛ لأنه قام بحق الله وحقوق العباد ولأنه كان من المحسنين في عبادة الله، المحسنين إلى عباد الله.." اهـ

[6] وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 404) :

"وَفِي الْجُمْلَةِ، فَالتَّقْوَى هِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، وَوَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا." اهـ

وتوارث السلف في الوصية بالتقوى، ففي "جامع العلوم والحكم"، ت. الأرنؤوط (1/ 406) لابن رجب الحنبلي :

"وَاسْتَعْمَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، فَقَالَ لَهُ : "أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي لَابُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ، وَلَا مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ وَهُوَ يَمْلِكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ." 

وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى رَجُلٍ : "أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا، وَلَا يَرْحَمُ إِلَّا أَهْلَهَا، وَلَا يُثِيبُ إِلَّا عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْوَاعِظِينَ بِهَا كَثِيرٌ، وَالْعَامِلِينَ بِهَا قَلِيلٌ، جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنَ الْمُتَّقِينَ".

وَلَمَّا وُلِّىَ خَطَبَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ : "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ _عَزَّ وَجَلَّ_، فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ _عَزَّ وَجَلَّ_ خَلَفٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ خَلَفٌ." اهـ

[7] أخرجه صحيح البخاري (8/ 86) (رقم : 6406)، صحيح مسلم (4/ 2072) (رقم : 2694)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين