شرح الحديث 13 من بلوغ المرام

 

13 - وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ:

قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:

"مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ _وَهِيَ حَيَّةٌ_، فَهُوَ مَيْتةٌ"

أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَاللَّفْظُ لَهُ.

 

ترجمة أبي واقد الليثي _رضي الله عنه_

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 386)

7688 - ع: أَبُو واقد الليثي صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قِيلَ: اسمه الحارث بْن مالك، (وقيل: الحارث بْن عوف، وقيل: عوف ابن الحارث) بْن أسيد بْن جابر بْن عويرة بْن عبد مناة بْن شجع بْن عامر بْن ليث بْن بكر بْن عَبْد مناة بْن علي بْن كنانة بن خزيمة ابْن مدركة بْن إلياس بْن مضر بن نزار بن معد بْن عدنان المدني.

قِيلَ: إنه شهد بدرا.___

 

ذكر البخاري وابن حبان أنه شهد بدرا، وقواه ابن عَبد الْبَرِّ، ولكن كتاب المغازي لم يذكروه.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 575)

وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ : شَهِدَ بَدْراً.

وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ.

وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ.

وَشَهِدَ الفَتْحَ، وَسَكَنَ مَكَّةَ.

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1774)

قيل: أنه شهد بدرًا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قديم الإسلام، وَكَانَ معه لواء بني ليث وضمرة وسعد [3] بْن بكر يوم الفتح. وقيل: إنه من مسلمة الفتح. والأول أصح وأكثر. يعد فِي أهل المدينة [4] وجاور بمكة سنة، ومات بها، فدفن في مقبرة لمهاجرين سنة ثمان وستين، وَهُوَ ابْن خمس وسبعين سنة. وقيل: ابْن خمس وثمانين سنة.

 

معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 758)

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ فِي تَارِيخِهِ: شَهِدَ بَدْرًا، وَأُرَاهُ وَهْمًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ، لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُنَيْنٍ وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَلَيْسَ لِشُهُودِهِ بَدْرًا أَصْلٌ.

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 387)

ذكر أَبُو حسان الزيادي أنه ولد فِي العام الَّذِي ولد فِيهِ ابن عباس، وفي ذَلِكَ وفي شهوده بدرا نظر.

وَقَال الواقدي: توفي سنة ثمان وستين (68 هـ) وهو ابن خمس وستين.

وَقَال يَحْيَى بن بكير: توفي سنة ثمان وستين وسنه سبعون سنة.

وكذلك قال مُحَمَّد بْن عَبد اللَّهِ بْن نمير، وهارون بْن عَبد اللَّهِ الحمال، وغير واحد فِي تاريخ وفاته.

وَقَال غيرهم: جاور بمكة سنة، ومات بها سنة ثمان وستين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، ودفن فِي مقبرة المهاجرين. روى له الجماعة.

 

شرح الحديث:

 

وفي سنن الترمذي ت شاكر (4/ 74) (رقم: 1480): عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ المَدِينَةَ، وَهُمْ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الإِبِلِ، وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الغَنَمِ، فَقَالَ: «مَا قُطِعَ مِنَ البَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ»

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 111_112)

وقوله: "ما قطع من البهيمة وهي حية" جملة "وهي حية" حال من البهيمة. "فهو ميت" أي: كميتة البهيمة، وهذه أخذ منها العلماء قاعدة فقالوا:

* ما أبين من حي فهو كميتته، فما أبين من الحيوان الذي إذا مات صار نجسا فهو نجس،

* وما أبين من الحيوان الذي إذا مات، فهو حلال طاهر، فهو طاهر،

* وما أبين من الحيوان الذي إذا مات فهو طاهر غير حلال فهو طاهر، وغير حلال مثل ما أبين من الآدمي، الآدمي ميتته طاهرة وما أبين منه فهو طاهر؛

فكل ما أبين من حيوان فله حكم ميتة هذا الحيوان حلا وطهرا، هذه القاعدة ما قطع من الشاة وهي حية كميتتها____نجس حرام، ما قطع من الحوت طاهر وحلال، لأن الحوت ميتته طاهرة، ما قطع من الجرادة حلال طاهر؛ لأن ميتتها حلال طاهرة، ما قطع من الآدمي طاهر وليس بحلال، لأن ميتة الآدمي طاهرة وليست بحلال.." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

سنن أبي داود (3/ 111) (رقم: 2858)، سنن الترمذي ت شاكر (4/ 74) (رقم: 1480)، العلل الكبير للترمذي = ترتيب علل الترمذي الكبير (ص: 241) (رقم: 437)، مسند ابن الجعد (ص: 434) (رقم: 2952)، مسند أحمد - عالم الكتب (5/ 218) (رقم: 21903 و 21904)، سنن الدارمي (2/ 1284) (رقم: 2061)، الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (2/ 273) (رقم: 859)، المعجم الكبير للطبراني (3/ 248) (رقم: 3304)، سنن الدارقطني (5/ 527) (رقم: 4792)، مسند أبي يعلى الموصلي (3/ 36) (رقم: 1450)، المنتقى لابن الجارود (ص: 221) (رقم: 876)، شرح مشكل الآثار (4/ 237) (رقم: 1572)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/ 137 و 4/ 266) (رقم: 7150 و 7597)، السنن الكبرى للبيهقي (1/ 35 و 9/ 411) (رقم: 77_78 و 18924).

 

وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر _رضي الله عنه_: أخرجه ابن ماجه في سننه (2/ 1072) (رقم: 3216)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (8/ 51) (رقم: 7932)، والدارقطني في سننه (5/ 528) (رقم: 4793)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (4/ 138) (رقم: 7152)،

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 987) (رقم: 5652)

 

من فوائد الحديث:

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (8/ 43)

قَالَ بن الْمَلَكِ أَيْ كُلُّ عُضْوٍ قُطِعَ فَذَلِكَ الْعُضْوُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ عَنْهُ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَنُهُوا عَنْهُ

 

الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (2/ 274)

وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الشَّعْرَ، وَلَا الصُّوفَ، وَلَا الْوَبَر

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (8/ 397)

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن قول الجمهور بجواز الانتفاع بشعر الميتة، وصوفها، ووبرها هو الحقّ؛ لأن هذه الأشياء مما لا تحلّها الحياة، فهي مخالفة لأعضاء الميتة الأخرى، بدليل أنه لو قُطع عضو من البهيمة، وهي حيّة كان حرامًا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما قُطع من البهيمة وهي حيّة فهو ميتة"، وقد وقع الإجماع على أنه لو جُزّ شعرها، أو صوفها، أو وبرها وهي حيّة، جاز الانتفاع به، فبان الفرق بذلك، واتّضح؛ فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

 

في اختلاف أهل العلم في عظام الميتة والعاج

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (8/ 398_400)

قال ابن المنذر رحمه الله: حَرَّم الله الميتة والدم ولحم الخنزير، وثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حَرَّم الميتة، وأجمع أهل العلم في حمل أقاويلهم على تحريم الميتة، واختلفوا في عظام الميتة على سبيل ما ذكرناه عنهم، فالميتة مُحَرَّمة على ظاهر كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، واتفاق الأمة، ومن الدليل الْبَيِّن على أن العظم يَحْيَى بحياة الحيوان، ويموت بموته قوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} الآية [يس: 78 - 79]، فأعلمنا أنه يُحيي العظام، ودَلَّ ذلك على أن في العظم حياةً، وليس الشعر والصوف كذلك؛ لأنه لا حياة فيهما، ودل إجماع أهل العلم على طهارة الصوف إذا جُزَّ من الشاة، وهي حية، وأن عضوًا لو قطع منها، وهي حية أن ذلك نجس، فلما أجمعوا على الفرق بينهما بأن أحدهما يَحيَى بحياة___ذي الروح، ويموت بموته، وأن الآخر لا حياة فيه، فيموت كموت ذي الروح، وأما الجلد المدبوغ، فيُستَثْنَى من جملة الميتة بالخبر الثابت عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، ولولا ذلك كان حكمه حكم الميتة، ولو وجدنا في العظم سنةً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توجب استثناءه كما توجب استثناء الجلد المدبوغ، لأخرجناه من جملة الميت، كما أخرجنا الجلد المدبوغ.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (8/ 399)

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر رحمه الله، تحقيقٌ حسنٌ جدًّا.

وحاصله أن عظام الميتة لا يجوز الانتفاع بها، وليست مثل ما قدّمنا من الشعر والصوف والوبر؛ لأنها تحلّها الحياة، بدليل الآية السابقة، فنص تحريم الميتة يشملها، بخلاف الشعر ونحوه؛ لأنها لا تحلّها الحياة، بدليل جواز الانتفاع بها لو جُزّت من الحيوان الحيّ، فافهم الفرق بإمعان، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ

 

سبل السلام (1/ 38_39):

"وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيِّتٌ. وَسَبَبُ الْحَدِيثِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْبَهِيمَةِ ذَاتُ الْأَرْبَعِ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ لِذِكْرِهِ الْإِبِلَ فِيهِ لَا الْمَعْنَى الْأَخِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَامُوسُ، لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا أُبِينَ مِنْ السَّمَكِ، وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ أَرْبَعٍ، أَوْ يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوْسَطُ، وَهُوَ كُلُّ___حَيٍّ لَا يُمَيِّزُ فَيَخُصُّ مِنْهُ الْجَرَادَ وَالسَّمَكَ وَمَا أُبِينَ مِمَّا لَا دَمَ لَهُ.

وَقَدْ أَفَادَ قَوْلُهُ [فَهُوَ مَيِّتٌ] أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحِلَّ الْمَقْطُوعُ الْحَيَاةَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ هُوَ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا.

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 151)

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - إنَّ ما أُبِينَ من بهيمة في حال حياتها، فهو كَمَيْيَتِها طهارةً أو نجاسة، حلاًّ أو حرمة، فإنْ قطع من بهيمة الأنعام ونحوها مع بقاء حياتها، فهو نجس حرام الأكل، أمَّا لو أُبِينَ من سمكة وبقيت حية، فما أبين فهو طاهرٌ مباح.

2 - قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: وهذا متفق عليه بين العلماء.

3 - ما يستثنى من ذلك: فأرة المسك التي تقطع وتُبَانُ من غزال المسك، وهي باقية حية، فهي طاهرة بالسنَّة والإجماع؛ لأنَّ ما أُبين منها بمنزلة البيض والولد والشعر ونحوها.

ويستثنى من ذلك أيضًا: "الطريدة"، وهو الصيد يقع بين القوم ولا يقدرون على ذكاته، فيقطع هذا منه بسيفه قطعة، ويقطع الآخر قطعة حتَّى يؤتى عليه فيموت.

ومثله النادُّ من الإبل ونحوها إذا توحَّشَتْ ولم يُقْدَرْ على تذكيتها؛ فقد كان الصحابة يفعلون هذا في مغازيهم؛

فقد جاء في البخاري من حديث رافع ابن خديج قال:

"كُنَّا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذي الحليفة، فَنَدَّ بعير، فطلبه الصحابة فأعياهم، فأهوى إليه رجلٌ بسهم فحبسه الله تعالى،

فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما ندَّ عليكم، فاصنعوا به هكذا".

* فائدة:

قال في حياة الحيوان والموسوعة العربية ما خلاصته:

غزال المسك: لونه أسود، له نابان أبيضان بارزان، تفرز غدة منه في سرته دمًا، في أوقاتٍ معلومة من السنة فيمرض منه، فإذا تكامل، سقط جلده الذي هو وعاؤه، فيكون منه أحسن العطور؛ وقد قال المتنبي يمدح سيف الدولة:

فَإِنْ تَفُقِ الأَنَامَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ ... فَإِنَّ الْمِسْكَ بَعْضُ دَمِ الْغَزَالِ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 112_113):

"نأخذ فوائدَ:

* أولا: ما سبب الحديث؟

سبب الحديث: أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لما قدِم المدينةَ، وجَدَهُمْ يَجُبُّوْنَ أسنمة الإبل وأليات الضأن، يتخذونها وَدَكًا، فَيُبِيْنُوْنَهَا منها وهي حية، فقال هذا، ومعرفة سبب الحديث أو الآية يعين على فهم النص.

ومن ذلك: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [البقرة: 158].

لو نظرنا إلى ظاهر اللفظ لكانت هذه الآية تدل على أن الطواف بين الصفا والمروة من القسم الجائز وأنه لا لإثم فيه،

لكن إذا عرفنا السبب وأنهم كانوا يتخوفون من الطواف بينهما؛ علمنا أن ذلك لا يدل على الإباحة، بل يدل على نفي الجناح الذي كانوا يتوهمونه، فمعرفة السبب لها أهمية بالنسبة لمعرفة المعنى.

* فمن فوائد الحديث إذن: أنه يجب على العالم إذا اقتضت الحال أن يذكر الحكم الشرعي لوقوع الناس في مخالفته، فإنه يجب عليه أن يبينه؛ لأن الرسول بيَّن هذا حينما رأى الناس يجبون الأسنمة والألياتِ. *

* ومن فوائد هذا الحديث: أنه ما قطع من البهيمة _وهي حية_، فهو كميتة البهيمة، لقوله: "فهو ميت".

وهنا نسأل: هل يجوز أن يقطع شيء من البهيمة أو لا؟ نقول: أما إذا كان عبثا ولمجرد الإيلام أو الانتقام، فإن هذا حرام ولا يجوز،

مثاله: رجل عنده معز تصرخ عليه في الليل وآذته في نومه، فنزل إليها، وقطع لسانها. حرام أو حلال؟ حرام، لأن هذا انتقام وهي بهيمة غير مكلفة، كذلك لو كان عبثا فإنه لا يجوز.

لكن لو كان لمصلحة البهيمة أو لمصلحة مالك البهيمة فهل يجوز ذلك أو لا؟ الظاهر: الجواز، لكن يجب أن يتبع أقرب الطريق إلى عدم الإيلام،

مثال ذلك: الخصاء لمصلحة البهيمة___ولمصلحة المالك أيضا؛ لأن اللحم إذا خص الفحل صار أطيب لحما،

وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين موجوءين؛ أي: مخصيين، هذا لمصلحة البهيمة، وهو بالتالي أيضا لمصلحة المالك.

أما الذي لمصلحة المالك، فهو قطع الآذان، فإنهم في الزمن الأخير صاروا يرغبون في المعز إذا قطعت أذنه، ويقولون: إن ثمنها يزيد بالضعف أو أكثر فهذه لمصلحة المالك، لكن يجب أن يستعمل أقرب الطرق إلى عدم الإيلام. ماذا يصنع؟ يبنجها حتى لا تتألم.

فإن قال قائل: ما دليلكم على أن يؤلم البهيمة لمصلحته؟

قلنا: الوسم، كان الرسول - عليه الصلاة والسلام- يسلم إبل الصدقة.

والوسْمُ: إحراقٌ بالنار مؤلم للحيوان، ولكن هذا لمصلحة المالك؛ لأن الوسم علامة، فدل ذلك على الجواز.

فإن قال قائل: قطع الآذان يشبه فعل الجاهلية حيث كانوا يبحرون البحائر ويسيبون السوائب؟

فالجواب: أنه قد يشبه صورة، لكن ما الحامل للجاهلين على أن يفعلوه؟ الحامل: العلامة على أن هذه حرام؛ لأن عندهم قواعد إذا بلغت الشاة أو البعير حرم أن تركب أو تحلب ووجب أن تسيب ثم يقصون من آذانها ما يكون علامة على ذلك، لكن هؤلاء الذين يقصون ليسوا يريدون أن يحرموها، بل يريدون بذلك زيادة الثمن والانتفاع بارتفاع القيمة، إذن تكلمنا على هذا الموضوع مع أن الحديث لم يتعرض له لكن لا مانع لأن هذا مهم.  

* ومن فوائد هذا الحديث: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على البلاغ وهداية الخلق؛ لأنه بادر - عليه الصلاة والسلام- من حين علم بذلك بادر لهذا." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 113_114)

فائدة:

استثنى بعض العلماء - رحمهم الله- مما أبين من الحي شيئين.

الشيء الأول: المسك وفأرته.

والشيء الثاني: الطريدة.

قالوا: هذا جائز المسك وفأرته، يوجد غزال يسمى غزال المسك يستخرج المسك من دمه، وفي ذلك يقول المتنبي في ممدوحه: [الوافر].___

فإن تفق الأنام وأنت متهم ... فإن المسك بعض دم الغزال

هذا استثناها بعض العلماء وقالوا: إنه ما زال المسلمون يتطيبون بالمسك، وهو يستخرج من دم الغزال.

والمسألة الثانية: الطريدة: الطريدة ذكرها الإمام أحمد رحمه الله، وأن الصحابة فعلوها؛ وهي أن يطرد القوم الظبي ثم يدركوه جميعا، ثم يقطعوه؛ هذا يقطع الرجل، وهذا يقطع الرقبة، وهذا يقطع اليد ويموت ميتة واحدة، ولم يستدل أحمد رحمه الله بحديث لكنه استدل بفعل الصحابة، ولكن هذا أيضا لا يستبعد أن ينطبق على الحديث؛ لأن هذا صيد، والصيد يحل بجرحه في أي موضع كان من بدنه، فهؤلاء جرحوه جميعا، ثم صار هذا الجرح كأنه صيد رمي بسهم، ولم يستثن العلماء مما أبين من الحي أنه يكون طاهرا إلا هاتين المسألتين." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين