مداومة خمسة أشياء لنيل الجنة

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 81)

مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَالَ هَذِهِ الْكَرَامَاتِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ:

أَوَّلُهَا: أَن يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى {40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40-41] الْآيَةَ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَرْضَى بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا، لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ ثَمَنَ الْجَنَّةِ تَرْكُ الدُّنْيَا،

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَى الطَّاعَاتِ، فَيَتَعَلَّقُ بِكُلِّ طَاعَةٍ، فَلَعَلَّ تِلْكَ الطَّاعَةَ تَكُونُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ، وَوُجُوبِ الْجَنَّةِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72] ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 14] ، وَإِنَّمَا يَنَالُونَ مَا يَنَالُونَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الطَّاعَاتِ،

وَالرَّابِعُ: أَنْ يُحِبَّ الصَّالِحِينَ وَأَهْلَ الْخَيْرِ وَيُخَالِطَهُمْ وَيُجَالِسَهُمْ، 

فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ إِذَا غُفِرَ لَهُ يَشْفَعُ لِأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_, أَنَّهُ قَالَ: «أَكْثِرُوا الْإِخْوَانَ فَإِنَّ لِكُلِّ أَخٍ شَفَاعَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

وَالْخَامِسُ: أَنْ يُكْثِرَ الدُّعَاءَ، وَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَهُ الْجَنَّةَ، وَأَنْ يَجْعَلَ خَاتِمَتَهُ إِلَى خَيْرٍ." اهـ

 

شرح الكلمات:

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 81)

مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَالَ هَذِهِ الْكَرَامَاتِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ:

أَوَّلُهَا: أَن يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى {40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40-41] الْآيَةَ.

 

* قال الله _تعالى_:

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات: 40، 41]

 

 

وقال ابن عاشور المالكي _رحمه الله_ في "التحرير والتنوير" (30/ 92):

"وَالْمُرَادُ بِـ(الْهَوى): مَا تَهْوَاهُ النَّفْسُ،

فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى (الْمَفْعُولِ)، مِثْلَ الْخَلْقِ بِمَعْنَى (الْمَخْلُوقِ)، فَهُوَ: مَا تَرْغَبُ فِيهِ قُوَى النَّفْسِ الشَّهَوِيَّةُ وَالْغَضَبِيَّةُ مِمَّا يُخَالِفُ الْحَقَّ وَالنَّفْعَ الْكَامِلَ. وَشَاعَ الْهَوَى فِي الْمَرْغُوبِ الذَّمِيمِ." اهـ

 

وقال أبو الطيب محمد صديق حسن خان الحسيني البخاري القِنَّوجي (المتوفى: 1307 هـ) _رحمه الله_ في "فتح البيان في مقاصد القرآن" (15/ 70):

"(ونهى النفس) الأمارة بالسوء (عن الهوى)، أي: زَجَرَها من الميل إلى المعاصي والمحارم التي تشتهيها. قال مقاتل: "هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها، والهوى ميل النفس إلى شهواتها."

 

وقال محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد المشهور بـ"ابن قيم الجوزية" (المتوفى: 751هـ) _رحمه الله_ في "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" = "الداء والدواء" (ص: 84):

"وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الْعُمُرِ، وَبَرَكَةَ الرِّزْقِ، وَبَرَكَةَ الْعِلْمِ، وَبَرَكَةَ الْعَمَلِ، وَبَرَكَةَ الطَّاعَةِ.

وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا تَجِدُ أَقَلَّ بَرَكَةٍ فِي عُمُرِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ، وَمَا مُحِقَتِ الْبَرَكَةُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِمَعَاصِي الْخَلْقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الْأَعْرَافِ: 96] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا - لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الْجِنِّ: 16 - 17] .

وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ»،

«وَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الرِّضَى وَالْيَقِينِ، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فِي الشَّكِّ وَالسُّخْطِ»[1]." اهـ كلام ابن القيم _رحمه الله_

 

* مسند البزار = البحر الزخار (7/ 314_315) (رقم: 2914):

عَنْ حُذَيْفَةَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ قَالَ:

قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا النَّاسَ، فَقَالَ: «هَلُمُّوا إِلَيَّ»، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ، فَجَلَسُوا، فَقَالَ:

«هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جِبْرِيلُ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ لَا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ»

 

* وقال الله _تعالى_:

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]

 

وقال الطبري في "جامع البيان" – ت. شاكر (20/ 107):

"يقول _تعالى_ ذكره: ظهرت المعاصي في برّ الأرض وبحرها بكسب أيدي الناس ما نهاهم الله عنه." اهـ

 

زاد المسير في علم التفسير (3/ 425)

قوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ في هذا الفساد أربعة أقوال: أحدها: نقصان البَرَكة، قاله ابن عباس. والثاني: ارتكاب المعاصي، قاله أبو العالية. والثالث: الشِّرك، قاله قتادة، والسدي:

والرابع: قحط المطر، قاله عطية.

 

تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 320)

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَنْ عَصَى اللَّهَ فِي الْأَرْضِ فَقَدْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ صَلَاحَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ بِالطَّاعَةِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: "لَحَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَى أَهْلِهَا مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا".[2]

وَالسَّبَبُ فِي هَذَا أَنَّ الْحُدُودَ إِذَا أُقِيمَتْ، انْكَفَّ النَّاسُ -أَوْ أَكْثَرُهُمْ، أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ -عَنْ تَعَاطِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَإِذَا ارْتُكِبَتِ الْمَعَاصِي كَانَ سَبَبًا فِي مِحَاقِ الْبَرَكَاتِ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ."

 

* وقال _تعالى_:

{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]

 

وقال ابْنُ جُزَيٍّ الغرناطي _رحمه الله_ في "التسهيل لعلوم التنزيل" (2/ 249):

"المصائب التي تصيب الناس في أنفسهم وأموالهم إنما هي بسبب الذنوب." اهـ

 

وَالثَّانِي: أَنْ يَرْضَى بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا، لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ ثَمَنَ الْجَنَّةِ تَرْكُ الدُّنْيَا،

 

القناعة لغةً:

هي الرضا باليسير من العطاء. وقال بعض أهل العلم: إن القُنوع قد يكون بمعنى الرضا وسمِّيت قناعةً؛ لأنه يقبل على الشيء الذي له راضيًا. [مشارق الأنوار للقاضي عياض البستي (2/ 187)]

 

والقناعة اصطلاحًا: هي الرضا بما أعطى الله.

 

وقال السيوطي القناعة: الرضا بما دون الكفاية والاستغناء بالموجود. [معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم للسيوطي (ص205)]

 

وقال المناوي: هي السكون عند عدم المألوفات. وقيل: الوقوف عند الكفاية.  [التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (ص275)]

 

أقسام القناعة:

 

قال الماوردي: (والقناعة قد تكون على ثلاثة أوجهٍ:

* فالوجه الأول: أن يقنع بالبلغة من دنياه، ويصرف نفسه عن التعرُّض لما سواه. وهذا أعلى منازل القناعة.

* والوجه الثاني: أن تنتهي به القناعة إلى الكفاية، ويحذف الفضول والزيادة. وهذه أوسط حال المقتنع.

* والوجه الثالث: أن تنتهي به القناعة إلى الوقوف على ما سنح، فلا يكره ما أتاه وإن كان كثيرًا، ولا يطلب ما تعذَّر وإن كان يسيرًا. وهذه الحال أدنى منازل أهل القناعة؛ لأنها مشتركةٌ بين رغبةٍ ورهبةٍ. أما الرغبة؛ فلأنه لا يكره الزيادة على الكفاية إذا سنحت. وأما الرهبة؛ فلأنه لا يطلب المتعذر عن نقصان المادة إذا تعذرت). [أدب الدنيا والدين للماوردي (ص126-127)]

 

أحاديث في القناعة:

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: ((مَن يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهنَّ، أو يعلم من يعمل بهنَّ؟ قلت: أنا يا رسول الله! فأخذ يدي فعدَّ خمسًا، فقال:

* اتَّقِ المحارم تكن أعبد الناس،

* وارضَ بما قسم الله لك، تكن أغنى الناس،

* وأحسن إلى جارك، تكن مؤمنًا،

* وأحبَّ للناس ما تحب لنفسك، تكن مسلمًا،

* ولا تكثر الضحك؛ فإنَّ كثرة الضحك تميت القلب)).  رواه الترمذي (2305)

 

* عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: (( قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله )). رواه مسلم (1054)

 

قال ابن حجر: (ومعنى الحديث: أن من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة). [فتح الباري لابن حجر العسقلاني (11/ 275)]

 

وقال المناوي: (رُزق كفافًا، وقنَّعه الله بالكفاف، فلم يطلب الزيادة). [فيض القدير (4/ 508)]

 

وقال المباركفوري: (... ((كفافًا)). أي: ما يكف من الحاجات، ويدفع الضرورات. ((وقنَّعه الله)). أي: جعله قانعًا بما آتاه). [تحفة الأحوذي للمباركفوري (4/ 508)]

 

وقال القرطبي: (أنَّ من فعل تلك الأمور واتصف بها فقد حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة) . []

 

أقوال السلف عن القناعة:

 

أدب الدنيا والدين (ص: 227)

وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: أَزْهَدُ النَّاسِ مَنْ لَا تَتَجَاوَزُ رَغْبَتُهُ مِنْ الدُّنْيَا بُلْغَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الرِّضَى بِالْكَفَافِ يُؤَدِّي إلَى الْعَفَافِ.

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 81)

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الرُّكُونُ إِلَى الدُّنْيَا مَعَ مَا يُعَايَنُ مِنَ الثَّوَابِ جَهْلٌ، وَإِنَّ تَرْكَ الْجُهْدِ فِي الْأَعْمَالِ بَعْدَمَا عُرِفَ ثَوَابُهُ عَجْزٌ، وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ رَاحَةً مَا يَجِدُهَا، إِلَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الدُّنْيَا رَاحَةٌ، وَفِيهَا غِنًى لَا يَجِدُهُ إِلَّا مَنْ تَرَك فُضُولَ الدُّنْيَا وَاقْتَصَرَ عَلَى الْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا.

 

قال عمر بن عبد العزيز: (الفقه الأكبر: القناعة، وكفُّ اللسان.) [(أدب المجالسة وحمد اللسان) لابن عبد البر (ص 87)]

 

قال عبد الله بن عباس: (القناعة مال لا نفاد له.) [العقد الفريد لابن عبد ربه (3/ 169)]

وكان محمد بن واسع يبل الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد. [إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 239)]

 

وقال بعض الحكماء: إنَّ من قنع كان غنيًّا، وإن كان مقترًا ومن لم يقنع كان فقيرًا، وإن كان مكثرًا.

 

عن أبي سليمان أنه قال: سمعت أختي تقول: الفقراء كلهم أموات إلا من أحياه الله تعالى بعزِّ القناعة، والرضا بفقره). [صفوة الصفوة لابن الجوزي (2/ 431)]

 

وقال أبو حاتم: (مِن أكثر مواهب الله لعباده وأعظمها خطرًا القناعة، وليس شيء أروح للبدن من الرضا بالقضاء، والثقة بالقسم، ولو لم يكن في القناعة خصلة تُحمد إلا الراحة، وعدم الدخول في مواضع السوء لطلب الفضل، لكان الواجب على العاقل ألا يفارق القناعة على حالة من الأحوال). [روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي (149-150)]

 

وقال أيضًا: (القناعة تكون بالقلب؛ فمن غني قلبه غنيت يداه، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه، ومن قنع لم يتسخط وعاش آمنا مطمئنًا، ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته، والجَدُّ والحرمان كأنهما يصطرعان بين العباد). [روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 151)]

 

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَى الطَّاعَاتِ، فَيَتَعَلَّقُ بِكُلِّ طَاعَةٍ، فَلَعَلَّ تِلْكَ الطَّاعَةَ تَكُونُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ، وَوُجُوبِ الْجَنَّةِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72] ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 14] ، وَإِنَّمَا يَنَالُونَ مَا يَنَالُونَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الطَّاعَاتِ،

 

1/ رغيف أدخل صاحبه الجنة

 

مصنف ابن أبي شيبة (2/ 351) (رقم: 9813):

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ:

«أَنَّ رَاهِبًا عَبَدَ اللَّهَ، فِي صَوْمَعَتِهِ سِتِّينَ سَنَةً، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ إِلَى جَنْبِهِ، فَنَزَلَ إِلَيْهَا فَوَاقَعَهَا سِتَّ لَيَالٍ، ثُمَّ سُقِطَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ هَرَبَ فَأَتَى مَسْجِدًا فَأَوَى فِيهِ، فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يَطْعَمُ شَيْئًا، فَأُتِيَ بِرَغِيفٍ فَكَسَرَ نِصْفَهُ فَأَعْطَاهُ رَجُلًا عَنْ يَمِينِهِ، وَأَعْطَى الْآخَرَ رَجُلًا عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ بُعِثَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَقَبَضَ رُوحَهُ، فَوُضِعَ عَمَلُ سِتِّينَ سَنَةً فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتِ السَّيِّئَةُ فِي أُخْرَى فَرَجَحَتْ، ثُمَّ جِيءَ بِالرَّغِيفِ فَرَجَحَ بِالسَّيِّئَةِ»

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 61) (رقم: 34211)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 144) (رقم: 3213)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 529) (رقم: 885)

 

2/ التجاوز عن المعسر

عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ "

صحيح البخاري (3/ 58) (رقم: 2078)، صحيح مسلم (3/ 1196) (رقم: 1562)

 

فتح الباري لابن حجر (4/ 309):

"وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ وَالَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنَ الْحَسَنَاتِ إِذَا كَانَ خَالِصًا لِلَّهِ كَفَّرَ كَثِيرًا مِنَ السَّيِّئَاتِ." اهـ

 

صحيح مسلم (3/ 1196) (رقم: 1563):

عن أبي قَتَادَةَ _رضي الله عنه_ قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ»

 

 

3/ تمرة أدخلت صاحبتها الجنة

سنن ابن ماجه (2/ 1210) (رقم: 3668):

عَنْ صَعْصَعَةَ، عَمِّ الْأَحْنَفِ، قَالَ:

"دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَأَعْطَتْهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، ثُمَّ صَدَعَتِ الْبَاقِيَةَ بَيْنَهُمَا، قَالَتْ: فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَتْهُ، فَقَالَ: «مَا عَجَبُكِ، لَقَدْ دَخَلَتْ بِهِ الْجَنَّةَ»

 

عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه قال: 

قال النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ «اتَّقوا النَّارَ ولو بشقِّ تمرةٍ، فمن لم يجِدْ فبكلمةٍ طيِّبةٍ» أخرجه البخاري (6540) واللفظ له، ومسلم (1016).

 

4/ سقي الماء أدخل بغيا الجنة

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما كلبٌ يُطِيفُ برَكيَّةٍ ، كاد يقتُلُه العطشُ ، إذ رأَتْه بغيٌّ من بغايا بني إسرائيلَ ، فنزَعَت مُوقَها ، فسَقَتْه فغُفِر لها به» أخرجه البخاري (3467) واللفظ له، ومسلم (2245).

 

5/ إماطة الأذى عن الطريق أدخلت الجنة

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيتُ رجلًا يتقلَّبُ في الجنَّةِ، في شَجرةٍ قطعَها من ظَهْرِ الطَّريقِ ، كانت تؤذي النَّاسَ» (مسلم:1914).

 

وَالرَّابِعُ: أَنْ يُحِبَّ الصَّالِحِينَ وَأَهْلَ الْخَيْرِ وَيُخَالِطَهُمْ وَيُجَالِسَهُمْ، فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ إِذَا غُفِرَ لَهُ يَشْفَعُ لِأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: «أَكْثِرُوا الْإِخْوَانَ فَإِنَّ لِكُلِّ أَخٍ شَفَاعَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

 

صحبة الأخيار من علامات الأَبرار، وصحبة الأخيار والصالحين من دين الإسلام، وصحبة الأخيار من الولاء للمؤمنين، وموالاتنا للمؤمنين تفرض علينا أن نصاحبهم، فمصاحبة الصالحين من المواضيع العقديّة.

 

وينبغي أن يتذكر المسلم قولَه تعالى:

{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)} [الفرقان: 27 - 29]

 

وعند مصاحبتك للأصدقاء تذكَّر قولَهُ تعالى: (الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف:67]

 

سنن أبي داود (4/ 259) (رقم: 4832):

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»

 

ولابد من التحرّي لاختيار الأصدقاء قال عليه الصلاة والسلام: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدُكم من يخالل)

 

الإخوان لابن أبي الدنيا (ص: 89) (رقم: 38): قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ:

«اعْتَبِرُوا النَّاسَ بِأَخْدَانِهِمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ يُخَادِنُ مَنْ يُعْجِبُهُ نَحْوُهُ»

 

قال علقمة: ( اصحب مَنْ إنْ صَحبتَهُ زانَك، وإن أصابتك خَصاصةٌ عانك، وإن قُلتَ سدَّد مقالك، وإن رأى منك حسنةً عدَّها، وإن بدت منك ثُلمةٌ سدَّها، وإن سألته أعطاك، وإذا نزلَت بك مهمَّةٌ واساك )

 

الإخوان لابن أبي الدنيا (ص: 96) (رقم: 44):

عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْعَوْفِيِّ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: اصْحَبْ مَنْ إِنْ صَحِبْتَهُ زَانَكَ وَإِنْ خَدَمْتَهُ صَانَكَ وَإِنْ أَصَابَتْكَ خَصَاصَةٌ مَأَنَكَ وَإِنْ رَأَى مِنْكَ حَسَنَةً عَدَّهَا وَإِنْ رَأَى مِنْكَ سَقْطَةً سَتَرَهَا وَإِنْ قُلْتَ صَدَّقَ قَوْلَكَ وَإِنْ صُلْتَ سَدَّدَ صَوْلَكَ

 

إحياء علوم الدين (2/ 172)

وقال بعض العلماء لا تصحب إلا أحد رجلين:

* رجل تتعلم منه شيئاً في أمر دينك فينفعك،

* أو رجل تعلمه شيئاً في أمر دينه فيقبل منك،

* والثالث فاهرب منه

 

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (6/ 291)

مُحَمَّدَ بْنَ وَاسِعٍ، يَقُولُ: مَا بَقِيَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ أَلَذُّهُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ وَلِقَاءَ الْإِخْوَانِ

 

وروى عن مالك بن دينار قال: (لم يبق من روح الدنيا إلاّ ثلاث: لقاء الإخوان، والتهجّد بالقرآن، وبيتٌ خالٍ يُذكر اللهُ فيه)

 

وقال سعيد بن المسيب: (كتب إليَّ بعضُ إخواني من أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (عليك بإخوان الصدق فكن في إكتسابهم فإنهّم زينةٌ في الرَّخاء، وعدّةٌ عند عظيم البلاء)

أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (10/ 559) (رقم: 7992)

 

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه وروي عن الشافعي أيضاً معناه: (لولا القيامُ بالأسحار، وصحبةُ الأخيار، ما أخترت البقاءَ في هذه الدار)

 

وروى الشيخان عن أبي موسى أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (إنّما مثلُ الجليسُ الصالحُ والجليسُ السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إمّا أن يُحذيَك، وإمّا أن تبتاع منه، وإمّا أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكيرِ إمّا أن يحرق ثيابك، وإمّا أن تجد منه ريحاً خبيثه)

قال النووي في شرح مسلم (16/178): (فيه فضيلُة مجالسة الصالحين، وأهل الخير، والمروءة، ومكارم الأخلاق، والنهيُ عن مجالسةِ أهلِ الشرِّ، وأهلِ البدع).

 

وقال ابن حجر في شرح الحديث (4/324): (وفي الحديث النهيُ عن مجالسةِ من يُتَأذى بمجالسته في الدين والدنيا، والترغيبُ في مجالسةِ من يُنْتَفَعُ بمجالسته فيها)

 

زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 376)

وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي الْعَقْلِ: تَرْكُ الْفُضُولِ مِنَ الْكَلَامِ، وَالسِّوَاكُ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ، وَمُجَالَسَةُ الْعُلَمَاءِ.

 

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (3/ 322)

وَقِيلَ: مُجَالَسَةُ الْعَارِفِ تَدْعُوكَ مِنْ سِتٍّ إِلَى سِتٍّ: مِنَ الشَّكِّ إِلَى الْيَقِينِ، وَمِنَ الرِّيَاءِ إِلَى الْإِخْلَاصِ، وَمِنَ الْغَفْلَةِ إِلَى الذِّكْرِ، وَمِنَ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا إِلَى الرَّغْبَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَمِنَ الْكِبْرِ إِلَى التَّوَاضُعِ، وَمِنْ سُوءِ الطَّوِيَّةِ إِلَى النَّصِيحَةِ.

 

وَالْخَامِسُ: أَنْ يُكْثِرَ الدُّعَاءَ، وَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَهُ الْجَنَّةَ، وَأَنْ يَجْعَلَ خَاتِمَتَهُ إِلَى خَيْرٍ." اهـ

 

أولا :

روى الترمذي (3373) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ) .وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.

 

ثانيا :

هذا الحديث ـ على فرض صحته ـ يدل على أن دعاء الله وسؤاله واجب في الجملة ، بحيث إن من ترك دعاء الله بالكلية ، فإن الله يغضب عليه ، لأنه ترك هذه العبادة العظيمة التي هي الدعاء ، ولأن ذلك يشعر بتكبره ودعواه أنه مستغن عن الله غير محتاج إليه .

قال ابن القيم رحمه الله :

" هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِضَاءَهُ فِي سُؤَالِهِ وَطَاعَتِهِ، وَإِذَا رَضِيَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَكُلُّ خَيْرٍ فِي رِضَاهُ، كَمَا أَنَّ كُلَّ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ فِي غَضَبِهِ " انتهى من الجواب الكافي (ص 18)

وقال أيضا :

" وَالْغَضَب لَا يكون إِلَّا على ترك وَاجِب أَو فعل محرم " انتهى من جلاء الأفهام (ص 352)

وقال القاري رحمه الله في شرحه لهذا الحديث :

" لِأَنَّ تَرْكَ السُّؤَالِ تَكَبُّرٌ وَاسْتِغْنَاءٌ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ . قَالَ الطِّيبِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ مِنْ فَضْلِهِ، فَمَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَبْغَضُهُ، وَالْمَبْغُوضُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ " انتهى من مرقاة المفاتيح (4/ 1530)

 

ثالثا:

روى أحمد (10749) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ . قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" .

 

قال القاري : " (إذًا نُكْثِرُ) أَيْ: مِنَ الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ فَوَائِدُهُ " انتهى من مرقاة المفاتيح (4/ 1538)

 

وقال ابن علان رحمه الله :

" (إذاً نكثر) أي: إذا كانت الدعوة بما عدا ما ذكر مجابة ، نكثر من سؤال خيري الدارين لتحصيلهما بالوعد الذي لا يخلف " انتهى من دليل الفالحين (7/ 304)

 

وعن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُم فَلْيُكثِر ، فَإِنَّمَا يَسأَلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه ابن حبان (2403) والطبراني في "الأوسط" (2/301) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/150) : رجاله رجال الصحيح . وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1325)

والله يحب الملحين في الدعاء .

قال ابن القيم :

" إنّ اللهَ لَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ الْمُلِحِّينَ، بَلْ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَيَغْضَبُ إِذَا لَمْ يُسْأَلْ " انتهى من الجواب الكافي (ص 230)

 

وقال أيضا :

" وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالا، وهو يحب الملحين في الدعاء، وكلما ألح العبد عليه في السؤال أحبه وقربه وأعطاه " انتهى من حادي الأرواح (ص 91)

 

فالمراد بالإكثار من الدعاء الأمران : الإلحاح فيه ، وتنوع الدعاء ، فيسأل المسلم ربه كل شيء من خيري الدنيا والآخرة ، ويلح على الله في هذا السؤال ويكرره ، لأن ذلك من تمام عبادته وكمال التوكل عليه وحسن الظن به والرجاء فيه .

 

رابعا:

قد أخطأ من أخبرك: إنه لا ينبغي لأحد أن يسأل الله شيئًا إلا الجنة.

بل يسأل العبد ربه كل شيء من أمور الدنيا والآخرة صغيرها وكبيرها ، فإن أي شيء إن لم ييسره الله لم يتيسر .

 

ومن أجمع الأدعية التي وردت في القرآن الكريم قوله تعالى : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [سورة البقرة/201] ، فهذا الدعاء لم يترك شيئا من خيري الدنيا والآخره إلا تضمنه .

 

وروى مسلم (2679) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ ، وَلْيُعَظِّمْ الرَّغْبَةَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ) .

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" :

"وَمَعْنَى قَوْله : (لِيُعَظِّم الرَّغْبَة) أَيْ يُبَالِغ فِي ذَلِكَ بِتَكْرَارِ الدُّعَاء وَالْإِلْحَاح فِيهِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِهِ الْأَمْر بِطَلَبِ الشَّيْء الْعَظِيم الْكَثِير , وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي آخِر هَذِهِ الرِّوَايَة : (فَإِنَّ اللَّه لَا يَتَعَاظَمهُ شَيْء)" انتهى .

وقال أبو سعيدٍ الخدريُّ : إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ، فَارْفَعُوا فِي الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يَنْفَدُهُ شَيْءٌ.

"جامع العلوم والحكم" (2/48) .

وروى ابن السني في عمل اليوم والليلة (355) بسند صحيح عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (سَلُوا اللَّهَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الشِّسْعَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ لَمْ يُيَسِّرْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ) ، ومعنى : ( حتى الشسع ) أي : حتى إصلاح النعل إذا انقطع .

 

وفي الحديث القدسي قول الله تبارك وتعالى :

( يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ... يَا عِبَادِي ! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ )

رواه مسلم (2577)

ويقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/225) :

" وفي الحديث دليل على أن الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم من الطعام والشراب والكسوة وغير ذلك ، كما يسألونه الهداية والمغفرة ،

وفي الأثر : (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع) ، وكان بعض السلف يسأل الله في صلاته كل حوائجه، حتى ملح عجينه وعلف شاته ، وفي الإسرائيليات : أن موسى عليه الصلاة والسلام قال : يا رب؛ إنه ليعرض لي الحاجة من الدنيا ، فأستحي أن أسألك . قال : سلني حتى ملح عجينك وعلف حمارك .

فإنَّ كلَّ ما يحتاج العبد إليه إذا سأله من الله ، فقد أظهر حاجته فيه ، وافتقاره إلى الله ، وذاك يحبه الله " انتهى .



[1]  أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/ 215) (رقم: 10514)، البيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 382) (رقم: 203)، أبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (5/ 106 و 10/ 41). ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 528) (رقم: 1064)، ففيه: خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْعُمَرِيُّ. وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/ 646) (رقم: 2476): "خالد بن يزيد، أبو الهيثم العمري المكي، عن ابن أبي ذئب، والثوري. كذبه أبو حاتم، ويحيى. وقال ابن حبان: يروى الموضوعات عن الاثبات." اهـ

وفيه كذلك أحمد بن سهل بن أيوب الأهوازي، في "النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد" (1/ 179) (رقم: 45):

"قال [المعلمي] في "الفوائد" (ص 307): (هالك)".

وقال أبو الطيب المنصوري في "إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني" (ص: 122) (رقم: 119): "واهٍ ليس بشيء." اهـ

[2]  أخرجه أحمد - عالم الكتب (2/ 362) (8738)، والنسائي (8/ 76) (رقم: 4905)، وابن ماجه (2/ 848) (رقم: 2538). وحسنه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (6/ 407) (رقم: 4382)


Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين