شرح الحديث 82_83 من صحيح الترغيب لأبي فائزة البوجيسي _حفظه الله_

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 144) :

82 - (16) [صحيح لغيره] ورواه البزّار من حديث عائشة مختصراً،

قال : "مُعلِّم الخيرِ يَستغفر له كلُّ شيءٍ، حتّى الحيتانُ في البحرِ".

 

شرح الكلمات:

 

وقال محمد بن عيسى بن سَوْرة، الشهير بـ"أبي عيسى الترمذي" (المتوفى: 279 هـ) _رحمه الله_ في "سننه" – ت. شاكر (2/ 356):

"وَرُوِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، قَالُوا: «صَلَاةُ الرَّبِّ الرَّحْمَةُ، وَصَلَاةُ المَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ»

 

وفي "صحيح البخاري" (6/ 120):

"قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: (صَلاَةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ المَلاَئِكَةِ، وَصَلاَةُ المَلاَئِكَةِ: الدُّعَاءُ)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (يُصَلُّونَ: يُبَرِّكُونَ)." اهـ

 

وفي "فتح الباري" لابن حجر (11/ 155):

"قَوْلُهُ (صَلِّ)، تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ:

* عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: أَنَّ مَعْنَى (صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ) ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَلَائِكَتِهِ، وَمَعْنَى (صَلَاة الْمَلَائِكَة عَلَيْهِ) الدُّعَاءُ لَهُ،

* وَعند بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حيَانَ قَالَ: "(صَلَاة___الله) مغفرته، وَ(صَلَاة الْمَلَائِكَة) الاسْتِغْفَارُ."

* وَعَن بن عَبَّاسٍ: "أَنَّ مَعْنَى (صَلَاةِ الرَّبِّ) الرَّحْمَةُ. وَ(صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ) الِاسْتِغْفَارُ."

* وَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: "(صَلَاةُ اللَّهِ) رَحْمَتُهُ. - وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: "مَغْفِرَتُهُ -، وَ(صَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ) الدُّعَاءُ."

أَخْرَجَهُمَا إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْهُ، وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ الدُّعَاءَ بِالْمَغْفِرَةِ وَنَحْوِهَا،

* وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: "(الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ): الرَّحْمَةُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ: رِقَّةٌ تَبْعَثُ عَلَى اسْتِدْعَاءِ الرَّحْمَةِ."

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اللَّهَ غَايَرَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالرَّحْمَةِ فِي قَوْلِهِ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة، وَكَذَلِكَ فَهِمَ الصَّحَابَةُ الْمُغَايَرَةَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى صلوا عَلَيْهِ وسلموا حَتَّى سَأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الرَّحْمَةِ فِي تَعْلِيمِ السَّلَامِ حَيْثُ جَاءَ بِلَفْظِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَأَقَرَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَلَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ لَقَالَ لَهُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ فِي السَّلَامِ،

وَجَوَّزَ الْحَلِيمِيُّ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى السَّلَامِ عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ! وَحَدِيثُ الْبَابِ يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ.

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ: مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: أَنَّ مَعْنَى (صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ) ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ، وَتَعْظِيمُهُ. وَ(صَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِ) طَلَبُ ذَلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى،

وَالْمُرَادُ: طَلَبُ الزِّيَادَةِ، لَا طَلَبُ أَصْلِ الصَّلَاةِ،

* وَقِيلَ: (صَلَاةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ) تَكُونُ خَاصَّةً وَتَكُونُ عَامَّةً. فَـ(صَلَاتُهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ): هِيَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ، وَ(صَلَاتُهُ عَلَى غَيْرِهِمُ) الرَّحْمَةُ، فَهِيَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.

* وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَكْرٍ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ:

"(الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مِنْ اللَّهِ): تَشْرِيفٌ وَزِيَادَةٌ تَكْرِمَةٌ وَ(عَلَى مَنْ دُونِ النَّبِيِّ) رَحْمَةٌ.

وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى_: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]،

وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي السُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43]،

وَمِنَ الْمَعْلُومِ: أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَلِيقُ بِالنَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مِنْ ذَلِكَ أَرْفَعُ مِمَّا يَلِيقُ بِغَيْرِهِ،

وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ تَعْظِيمِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَالتَّنْوِيهُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا.

وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي الشُّعَبِ:

مَعْنَى (الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_): تَعْظِيمُهُ،

فَمَعْنَى قَوْلِنَا: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ): عَظِّمْ مُحَمَّدًا،

وَالْمُرَادُ: تَعْظِيمُهُ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ وَإِظْهَارِ دِينِهِ وَإِبْقَاءِ شَرِيعَتِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِإِجْزَالِ مَثُوبَتِهِ وَتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ وَإِبْدَاءِ فَضِيلَتِهِ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ،

وَعَلَى هَذَا، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ _تَعَالَى_: {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56]: ادْعُوا رَبَّكُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ." انْتَهَى.

وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ عَطْفُ آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُدْعَى لَهُمْ بِالتَّعْظِيمِ، إِذْ تَعْظِيمُ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ،

وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَظْهَرُ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى مَلَائِكَتِهِ وَإِلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُورِينَ بِذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّرَحُّمِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البزار في "مسنده" = "البحر الزخار" (18/ 184) (رقم : 169)،

وأخرجه - بلفظ آخر - ابنُ عدِيٍّ في "الكامل في ضعفاء الرجال" (2/ 464)، وابن شاهين في "شرح مذاهب أهل السنة" (ص: 47) (رقم: 51)، و أبو القاسم بن أبي يعقوب الْجُرْجَانيّ في "تاريخِ جُرْجَانَ" (ص: 62) (رقم: 4)، وأبُوْ شُجَاعٍ الدَّيْلَمِيُّ في "الفردوس بمأثور الخطاب" (2/ 201) (رقم: 2996) عن عائشة _رضي الله عنها_ قَالَتْ:

قَال رَسُول اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ_: "الْخَلْقُ كُلُّهُمْ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ الْخَيْرِ حَتَّى نِينَانِ الْبَحْرِ."[1]

 

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 284) (رقم : 26113)، والدارمي في "سننه" (1/ 363) (رقم : 355)، وزهير بن حرب في "العلم" (ص: 7) (رقم : 6)، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (ص: 73) (رقم: 218)، وفي "شرح مذاهب أهل السنة" (ص: 48) (رقم: 53)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 171) (رقم : 180) و (1/ 498) (رقم : 796)، وابْنُ بِشْرَانَ في "الأمالي" - الجزء الأول (ص: 153) (رقم : 351)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 273) (رقم : 390 و 391) موقوفا على ابن عباس _رضي الله عنهما_.[2]

 

وأخرجه الطبراني _أيضا_ في "المعجم الأوسط" (6/ 214) (رقم : 6219) عَنْ جَابِرٍ بن عبد الله الأنصاري _رضي الله عنهما_،

وحديث جابر صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (7/ 54) (رقم : 3024)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1023) (رقم : 5883).

 

من فوائد الحديث:

 

1/ استغفار الملائكة والحيتان لمعلم الخير

وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله في "فيض القدير" (3/ 506):

"يستغفرون له ويتضرعون ويطلبون له الزلفى، لأن نفع علمه يتعدى إلى جميع الحيوانات حتى من هو مأمور بقتله، فيقول: «فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ»[3]."

 

2/ للحيوانات إدراكٌ للأمور الدينية

 

وقال محمد بن إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير الصنعاني" (المتوفى: 1182هـ) _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع الصغير" (6/ 52):

"وذلك لأن نفعه يعم كل حيوان حتى من هو مأمور بقتله لأنه يعلمهم أنهم إذا قتلوا أحسنوا القتلة وإذا ذبحوا أحسنوا الذبحة،

* وفيه: ما في نظائره من الدليل على أن للحيوانات إدراكا للأمور الدينية." اهـ

3/ وفيه الحض على تَعْلِيمِ عِلْمٍ مُوصِلٍ إِلَى الْخَيْرِ

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 298):

"(عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) : قِيلَ: أَرَادَ بِالْخَيْرِ هَنَا عِلْمَ الدِّينِ وَمَا بِهِ نَجَاةُ الرَّجُلِ، وَلَمْ يُطْلِقِ الْمُعَلِّمَ لِيُعْلَمَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الدُّعَاءِ لِأَجْلِ تَعْلِيمِ عِلْمٍ مُوصِلٍ إِلَى الْخَيْرِ." اهـ

 

4/ إحياءُ شريعة الإِسلام طريق لنيل البركة

 

التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 571)

وذلك لما ينال العباد من بركاته ومن نفعه بل كل حيوان نائل من بركته، فإن بإحيائه شريعة الإِسلام ينال بركاتُه الأنامَ، ويشمل الطير والأنام فيجازونه بالطلب من الله سبحانه وتعالى له المغفرة.

 

5/ وجوب الإخلاص عند تعليم العلم

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 376)

هَذَا فِي معلم قصد بتعليمه وَجه الله تَعَالَى دون التطاول والتفاخر." اهـ

 

6/ من قصد بعلمه وجه الله _سبحانه_، فإن علمه يتعدى نفعه

 

وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله في "فيض القدير" (5/ 525):

"قال الغزالي[4]: هذا في معلمٍ قَصَدَ بتعليمه وَجْهَ اللهِ دون التطاولِ والتفاخُرِ بِخَلَافِ مَنْ نَفْسُهُ مائلةٌ إلى ذلك، فقَدِ انْتَهَضَتْ مطيعةً للشيطانِ لِيُدْلِيَهُ بِحَبْلِ غُرُوْرِهِ، ويستدرجَهُ بِمَكِيْدَتِهِ إلى غمرة الهلاكِ. وَقَصْدُهُ: أن يُرَوِّجَ عَلَيْهِ الشَّرَّ فِيْ مَعْرَضِ الْخَيْرِ حَتَّى يَلْحَقَهُ {بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} [الكهف: 103، 104]،

أما من قصد بعلمه وجه الله _سبحانه_، فإن علمه يتعدى نفعه حتى لدواب البحر بما منه الأمر بإحسان القتلة وغير ذلك، فمن ثم كانت تستغفر له. ومن ثمرات العلم النافع خشية الله ومهابته." اهـ

 

7/ في الحديث فضلُ العلم الشرعي، وفَضْلُ طالِبِهِ، ومعلِّمِهِ

 

وقال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن التميمي السمرقندي، الشهير بـ"الدارمي" (المتوفى: سنة 255 هـ) _رحمه الله_ في "سننه" (1/ 349): "بَابٌ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ وَالْعَالِمِ." اهـ

 

8/ وفيه فضل نشر العلم والدعوة إليه

 

وقال أبو حفص عمر بن أحمد البغدادي، المعروف بـ"ابن شاهين" (المتوفى: 385هـ) _رحمه الله_ في "الترغيب في فضائل الأعمال" (ص: 71):

"بَابُ فَضْلِ الْعِلْمِ وَفَضْلِ مَنْ طَلَبَهُ وَفَضْلِ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَعَلَّمَهُ وَمَا لَهُ فِي ذَلِكَ." اهـ

 

وقال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَّمَرِيُّ القرطبيُّ، المعروف بـ"ابن عبد البر الأَنْدَلُسِيُّ" (المتوفى: 463هـ) _رحمه الله_ في "جامع بيان العلم وفضله: (1/ 488): "بَابٌ جَامِعٌ لِنَشْرِ الْعِلْمِ." اهـ

 

============================

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 144)

83 - (17) [حسن موقوف] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:

أنه مرّ بسوق المدينة فوقف عليها، فقال: "يا أهل السوق! ما أعجَزَكم!"

قالوا : "وما ذاك يا أَبا هريرة؟"

قال: ذاك ميراثُ رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يُقسَم، وأنتم هاهنا؛ ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟"

قالوا : "وأين هو؟"

قال : "في المسجد"،

فخرجوا سراعاً، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم : "ما لكم؟"

فقالوا: "يا أبا هريرة! قد أتينا المسجد، فدخلنا فيه، فلم نرَ فيه شيئاً يُقسم!"

فقال لهم أبو هريرة : "وما رأيتم في المسجد أحداً؟"

قالوا : "بلى؛ رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرؤون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلالَ والحرامَ"،

فقال لهم أبو هريرة : "ويحكم! فذاكَ ميراثُ محمد _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_".[5]

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن. (1)

__________

(1) قلت: وكذا قال الهيثمي (1/ 124)، وهو الذي بدا لي بعد أن وقفت على إسناده في "الأوسط" (2/ 114 - 115 ط الحرمين) من طريق علي بن مسعدة قال: نا عبد الله الرومي، عن أبي هريرة. و (الرومي) هذا وثقه ابن حبان، وروى عنه ثلاثة من الثقات، غير علي بن مسعدة. وسائر رجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر.

 

شرح الحديث:

 

وفي "مسند أحمد" – ط. الرسالة (41/ 502) (رقم: 25053):

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:

"مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا." وصححه الأرنؤوط _رحمه الله_.

 

وفي "مختصر الشمائل" (ص: 202) (رقم: 336) - (صحيح):

"عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ (أَخِي جُوَيْرِيَةَ) لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ:

(مَا تَرَكَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَّا سِلَاحَهُ وَبَغْلَتَهُ وَأَرْضًا جعلها صدقة)." اهـ

 

مختصر الشمائل (ص: 203) (رقم: 337) - (حسن):

"عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ:

(جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: "مَنْ يَرِثُكَ؟ فَقَالَ: أَهْلِي وَوَلَدِي."

فَقَالَتْ: "مَا لِي لَا أَرِثُ أَبِي؟"

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: "سَمِعْتُ رَسُولَ الله _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَقُولُ: (لَا نُورَثُ)، وَلَكِنِّي أَعُولُ مَنْ كَانَ رَسُولُ الله _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم_ َ يَعُولُهُ، وَأُنْفِقُ عَلَى مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يُنْفِقُ عليه.")

 

مختصر الشمائل (ص: 204) (رقم: 340) - (صحيح):

"عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: (لَا يَقْسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا. مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي، فَهُوَ صَدَقَةٌ)."

 

والحديث جاء معناه في كلام الله العزيز الجبار،

* فقَالَ _تَعَالَى_:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 15، 16]،

 

تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (19/ 437):

"(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ) أباه (دَاودَ) الْعِلْمَ الذي كان آتاه الله في حياته، والمُلك الذي كان خصه به على سائر قومه، فجعله له بعد أبيه داودَ دُوْنَ سَائِرِ وَلَدِ أَبِيْهِ." اهـ

 

زاد المسير في علم التفسير (3/ 355)

قوله تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ أي: ورث نبوَّته وعِلْمه ومُلْكه، وكان لداود تسعة عشر ذكراً، فخصّ سليمان بذلك، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيها سواء

 

وقال محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد المشهور بـ"ابن قيم الجوزية" (المتوفى: 751هـ) _رحمه الله_ في "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (1/ 67):

"وَإِنَّمَا سيق هَذَا لبَيَان فضلِ سُلَيْمَان وَمَا خصّه الله بِهِ من كرامته. ومِيْرَاثُهُ: مَا كَانَ لابيه من أعلى الْمَوَاهِب، وَهُوَ الْعلم والنُّبُوَّةُ {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16]،

 

* وقال _تعالى_:

{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)} [مريم: 5، 6]،

 

وقال محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي، الشهير بـ"أبي عبد الله القرطبي" (المتوفى: 671 هـ) _رحمه الله_ في "الجامع لأحكام القرآن" (11/ 78)

هَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ فِي التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16]،

وَعِبَارَةٌ عَنْ قَوْلِ زَكَرِيَّا:

{فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } [مريم: 5، 6]، وَتَخْصِيصٌ لِلْعُمُومِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ سُلَيْمَانَ لَمْ يَرِثْ مِنْ دَاوُدَ مَالًا، خَلَّفَهُ دَاوُدُ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا وَرِثَ مِنْهُ الْحِكْمَةَ وَالْعِلْمَ، وَكَذَلِكَ وَرِثَ يَحْيَى مِنْ آلِ يَعْقُوبَ،

هَكَذَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ مَا عَدَا الرَّوَافِضِ،

وَإِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: "(يَرِثُنِي) مَالًا، (وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) النُّبُوَّةَ وَالْحِكْمَةَ. وَكُلُّ قَوْلٍ يُخَالِفُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو مدفوع مهجور.

قاله أَبُو عُمَرَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْأَكْثَرُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ زَكَرِيَّا إِنَّمَا أَرَادَ وِرَاثَةَ الْمَالِ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ) أَلَّا يُرِيدَ بِهِ الْعُمُومَ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ غَالِبُ أَمْرِهِمْ، فَتَأَمَّلْهُ.

وَالْأَظْهَرُ الْأَلْيَقُ بِزَكَرِيَّا _عَلَيْهِ السَّلَامُ_: أَنْ يُرِيدَ وِرَاثَةَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، فَتَكُونُ الْوِرَاثَةُ مُسْتَعَارَةً.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ وَلِيًّا وَلَمْ يَخْصُصْ وَلَدًا، بَلَّغَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَلَهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ وَغَيْرُهُ: "قَوْلُهُ (مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) يُرِيدُ الْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ." اهـ

 

وقال محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد المشهور بـ"ابن قيم الجوزية" (المتوفى: 751هـ) _رحمه الله_ في "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (1/ 67):

"وَكَذَلِكَ قَول زَكَرِيَّا _عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ_:

{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)} [مريم: 5، 6]،

فَهَذَا مِيرَاثُ الْعِلْمِ والنبوةِ والدعوةِ إلى اللهِ،

وَإِلَّا، فَلَا يظنّ بَنِيْ كَرِيْمٍ أنَّهُ يَخَافُ عَصَبَتَهُ أَنْ يَرِثُوْهُ مَالَهُ، فَيسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ ولدا يمنعهُم مِيرَاثَهُ، وَيكون أحقَّ بِهِ مِنْهُم،

وَقد نزه الله أنبياءَهُ وَرُسُلَهُ عَن هَذَا وَأَمْثَاله، فَبُعْدًا لِمَنْ حرَّف كتابَ اللهِ، ورَدّ على رَسُوله كَلَامَه، وَنَسَبَ الأنْبِيَاءَ إلى مَا هُمْ بُرَآءُ مُنَزَّهُوْنَ عَنهُ، وَالْحَمْد لله على توفيقه وهدايتِهِ." اهـ

 

فضائل القرآن لابن كثير (ص: 172)

والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} الآية [فاطر: 32]

فالأنبياء -عليهم السلام- لم يُخْلَقُوا للدنيا يجمعونها ويورثونها، وإنما خُلِقُوا للآخرة يدعون اليها ويرغبون فيها.

ولهذا قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"لا نورث ما تركنا فهو صدقة". [خ م]

وكان أول من أظهر هذه المحاسن من هذا الوجه، أبو بكر الصديق -رضى الله عنه- لما سُئِلَ ميراث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فأَخْبَرَ عنه بذلِكَ، ووافقه على نَقْله عنه -عليه السلام- غير واحد من الصحابة؛ منهم: عمر وعثمان وعلي والعباس وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأبو هريرة وعائشة وغيرهم، وهذا ابن عباس يقوله أيضا عنه -عليه السلام، رضي الله عنهم أجمعين." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (2/ 114) (رقم : 1429)، وحسنه الألباني.

 

وقال أبو الحسن علي بن أبي بكر، الشهير بـ"نور الدين الهيثمي" (المتوفى: سنة 807 هـ) _رحمه الله_ في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (1/ 124): "وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ." اهـ

 

من فوائد الحديث:

 

1/ ميراث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ هو العلم النافع المأخوذة من الكتاب والسنة

 

وقال شيخنا عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر _حفظه الله_ في "شرح الأربعين النووية" – تفريغ الشاملة (32/ 4):

"ميراث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وهو الحق والهدى الذي جاء به، وهو كتاب الله وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_." اهـ

 

2/ وميراث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ مضبوط في الكتب والصدور، وليس من متاع الدنيا

 

وقال صالح بن عبد الله العبود _حفظه الله_ في عقيدة محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي (1/ 131):

"وميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم مضبوط في الكتب والصدور يحمله من كل خَلَفٍ عدوله، ويتوارثه جيل بعد جيل___ورب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه." اهـ

 

3/ أعظم الحظوظ للعبد وأنفعه ما نال من العلم الشرعي

 

وقال محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد المشهور بـ"ابن قيم الجوزية" (المتوفى: 751هـ) _رحمه الله_ في "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" (1/ 67_68):

"أعظمُ الحظوظِ وأجداها ما نَفَعَ العَبْدَ، ودام نَفْعُهُ لَهُ، وَلَيْسَ هَذَا إلاَّ حَظَّهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالدّيْنِ،

فَهُوَ الْحَظ الدَّائِم النافع الَّذِي إِذا انْقَطَعت الحظوظ لأربابها، فَهُوَ مَوْصُول لَهُ أبد الآبِدِيْنَ، وَذَلِكَ لانه مَوْصُولٌ بالحي الَّذِي لَا يَمُوتُ، فَلذَلِك لا ينقطع، وَلَا يفوت.

وَسَائِرُ الحظوظِ تُعْدَمُ وتتلاشى بتلاشي متعلقاتها، كَمَا قَالَ _تَعَالَى_:

{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]،

فَإِن الْغَايَةَ لما كَانَت مُنْقَطِعَةً زائلةً، تَبِعَتْهَا أعمالُهُمْ، فَانْقَطَعَتْ___عَنْهُم أحْوَج مَا يكون الْعَامِلُ إلى عمله،

وَهَذِه هِيَ الْمُصِيبَة الَّتِي لَا تُجْبَرُ - عياذا بِاللَّه واستعانة بِهِ وافتقارا وتوكلا عَلَيْهِ وَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه –

وَقَوله (موت الْعَالم مُصِيبَة لاتجبر، وثلمةٌ لَا تُسَدُّ، وَنَجْمٌ طُمِسَ، وَمَوْتُ قَبيلَةٍ أَيْسَرُ من مَوْت عَالِمٍ)،

لِمَا كَانَ صَلَاح الْوُجُود بالعلماء، ولولا هُمْ كَانَ النَّاسُ كَالْبَهَائِمِ، بل أَسْوَأَ حَالاً.

كَانَ موتُ الْعَالم مُصِيبَةً لَا يجبُرُهَا، إلا خَلَّفَ غَيرُه لَهُ، – وأيضا - فَإِن الْعلمَاءَ هُمْ الَّذين يسوسون الْعبادَ والبلادَ والممالِكَ،

فمَوْتُهُمْ فَسَادٌ لِنِظَامِ الْعَالَمِ، وَلِهَذَا لَا يزَال الله يغْرِس فِي هَذَا الدّين مِنْهُم خالفا عَن سالف، يَحْفَظُ بِهِمْ دينَه وَكتابَه وعبادَه،

وَتَأمل إِذا كَانَ فِي الْوُجُود رجُلٌ قد فاق الْعَالَمَ فِي الْغنى وَالْكَرمِ، وحاجتُهُمْ إلى مَا عِنْده شَدِيدَةٌ، وَهُوَ محسن إلَيْهِمْ بِكُلِّ مُمْكِنٍ، ثمَّ مَاتَ، وانقطعتْ عَنْهُم تِلْكَ الْمَادَّةُ،

فموتُ الْعَالِمِ أعْظَمُ مُصِيبَةً مِنْ مَوْتِ مِثْلِ هَذَا بِكَثِيرٍ. وَمثل هَذَا، يَمُوت بِمَوْتِهِ أُمَمٌ وخَلَائِقُ." اهـ

 

ومن فوائد الحديث:

 

1/ وفيه مشروعية التنبيه لشيء غفل عنه الناس،

2/ وفيه جواز كسب الأموال والأرزاق من حله،

3/ ميراث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أعظم شيْءٍ وأغلاها، فإن فيه خير الدنيا والآخرة،

4/ مشروعية بث العلم في المساجد، فإنها أفضل بقعة في الأرض وأسهل مكان للإقبال والاستماع للمعلم،

5/ المساجد بُنِيَتْ للعبادة وذكر الله _تعالى_.

6/ فيه فضل أبي هريرة _رضي الله عنه_، ورسوخ علمه.

7/ وفيه حث الناس إلى طلب العلم بالحكمة والموعظة الحسنة.



[1] صححه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (4/ 467) (رقم: 1852)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 631) (رقم: 3343).

[2] حسنه أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي سلسلة الآثار الصحيحة أو الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين (1/ 85) (رقم: 77)

[3] أخرجه مسلم في "صحيحه" (3/ 1548/ 57) (رقم: 1955)، وأبو داود في "سننه"  (3/ 100) (رقم: 2815)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (4/ 23) (رقم: 1409)، والنسائي في "سننه"  (7/ 227 و 7/ 229_230) (رقم: 4405 و 4411_4414) وابن ماجه في "سننه" (2/ 1058) (رقم: 3170). صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 630) (رقم: 1089).

[4] كان الغزالي _رحمه الله_ يمر بأربع مراحل: مرحلة الاعتزال، ومرحلة العشاعرة، ومرحلة التصوف، وفي المرحلة الأخيرة مال إلى مذهب السلف أهل السنه الحقيقية، والله أعلم.

[5]  هناك قصة على منوال قول أبي هريرة _رضي الله عنه_ أخرجها ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 972) (رقم : 1853) : "قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عِمْرَانَ، سَمِعْتُ أَسَدَ بْنَ الْفُرَاتِ، يَقُولُ : " بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا كَانُوا يَتَنَاظَرُونَ بِالْعِرَاقِ فِي الْعِلْمِ فَقَالَ قَائِلٌ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقِيلَ لَهُ: قَوْمٌ يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين