شرح الحديث 80_ 81 من صحيح الترغيب لأبي فائزة البوجيسي

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 143)

80 - (14) [حسن لغيره] وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنهم؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

"من علّم علماً؛ فله أجرُ مَن عَمِلَ به، لا ينقُصُ من أجرِ العاملِ شيءٌ".

رواه ابن ماجه. (1)

وسهل يأتي الكلام عليه (2).

__________

(1) قلت: وسنده محتمل للتحسين، ويشهد له حديث: "من سن في الإسلام سنة حسنة. ." الحديث، وما في معناه مما تقدم (2 - السنة/ 3 - باب/ الأحاديث 1 - 5)، وحديث: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله"، وما في معناه مما يأتي في (7 - باب/ 1 و2 - حديث).

(2) قلت: يعني في آخر الكتاب حيث قال: "باب ذكر الرواة المختلف فيهم المشار إليهم في هذا الكتاب"، وقد رأيت الاستغناء في نقله لأن كتب الجرح والتعديل تغني عن ذلك، وبخاصة أن كثيراً مما ذكره في بعض المترجَمين فيه نظر.

 

ترجمة معاذ بن أنس الجهني _رضي الله عنه_:

 

الطبقات الكبرى ط دار صادر (7/ 502)

مُعَاذُ بْنُ أَنَسٍ الْجُهَنِيُّ صَحِبَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم، وَرَوَى عَنْهُ أَحَادِيثَ، وَسَكَنَ مِصْرَ، وَهُوَ أَبُو سَهْلِ بْنُ مُعَاذٍ، الَّذِي رَوَى عَنْهُ زَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الشَّامِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (28/ 105) (رقم: 6019) - بخ د ت ق:

"معاذ بن أنس الجهني الأَنْصارِيّ لهُ صُحبَةٌ عداده في أهل مصر، وهو والد سهل بْن معاذ بْن أنس." اهـ

 

الإصابة في تمييز الصحابة (6/ 107) (رقم: 8054):

"معاذ بن أنس الجهنيّ، حليف الأنصار.

قال أبو سعيد بن يونس: صحابيّ كان بمصر والشام قد ذكر فيهما...

وذكر أبو أحمد العسكريّ ما يدلّ على أنه بقي إلى خلافة عبد الملك بن مروان، وكأنه أشار إلى ما أخرج البغويّ من طريق فروة بن مجاهد، عن سهل بن معاذ، قال: غزوت مع أبي الصائفة في زمن عبد الملك وعلينا عبد اللَّه بن عبد الملك، فقام أبي في الناس ... فذكر قصة فيها أنه غزا مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم." اهـ

 

إكمال تهذيب الكمال (11/ 244)

وفي كتاب الصحابة لأبي عبيد الله الجيزي:

شهد فتح مصر، قال: أخبرني بذلك يحيى بن عثمان بن صالح، ولأهل مصر عنه شبيه بأربعين حديثا.

وقال البرقي: جاء عنه نحو من خمسين حديثا من طريق أهل مصر، كلها غير حديث واحد رواه أهل الشام عنه.

 

شرح الحديث:

 

ورد بمعناه ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (3/ 1506) (رقم: 1893):

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»،

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه ابن ماجه في "سننه" (1/ 88) (رقم : 240)، والطبراني في "المعجم الكبير" (20/ 198) (رقم : 446)، وأبو حفص ابن شاهين البغدادي في "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (ص: 73) (رقم : 217)، وفي "شرح مذاهب أهل السنة" (ص: 51) (رقم : 56).

 

من فوائد الحديث :

 

1/ فيه فضل العلم وتعليمه ونشره بين الناس

 

الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين (ص: 71) :

"بَابُ فَضْلِ الْعِلْمِ وَفَضْلِ مَنْ طَلَبَهُ وَفَضْلِ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَعَلَّمَهُ وَمَا لَهُ فِي ذَلِكَ." اهـ

 

2/ على طالب العلم أن يحسن نيته في طلبه ليحصل على الأجر والفضائل

 

3/ فيه أن تعليم الناس الخير من الأعمال التي يجري أجرها.

 

4/ وفيه: إشارة إلى أنَّ تعليم العلم سبب لبقاء الخير بين الناس

 

5/ وفيه الحث على طلب العلم الشرعي والدعوة إليه.

 

6/ وفيه إشارة إلى تفضيل الناس بعضهم على بعضٍ.

 

7/ وفيه أن المعلم أعظم أجرا من المتعلمين.

وقال أبو الخير محمد بن عبد الرحمن، الشهير بـ"السخاوي" (المتوفى: 902هـ) _رحمه الله_ في "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" (2/ 932):

"ولا يخفى أنَّ كثرة الأجر يُوجبُ التفضيل." اهـ

 

8/ وفيه: أن المعلم يحصل على أجرين: أجر العلم الذي يطلبه، وأجر تعليم العلم.

وقال أبو الخير محمد بن عبد الرحمن، الشهير بـ"السخاوي" (المتوفى: 902هـ) _رحمه الله_ في "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" (2/ 932):

"مَنْ علم علمًا، فله أجرُه وأجرُ مَنْ عمل به إلى يوم القيامة." اهـ

 

9/ من إحياء السنن: تعليم العلم الشرعي

وقال أبو حفص عمر بن أحمد البغدادي، المعروف بـ"ابن شاهين" (المتوفى: 385هـ) _رحمه الله_ في "شرح مذاهب أهل السنة" (ص: 35) :

"بَابٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ مَعَانِي الْعُلَمَاءِ فَضْلُ مَنْ أَحْيَا السُّنَنَ." اهـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 144)

81 - (15) [حسن لغيره] وعن أبي أمامة الباهلي قال:

ذُكِرَ لرسولِ الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ رجلانِ: أحدُهما عابدٌ، والآخر عالمٌ،

فقال عليه أفضل الصلاة والسلام:

"فضلُ العالمِ على العابدِ، كفضلي على أدناكم".

ثم قال رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"إنّ الله وملائكتَه وأهلَ السمواتِ والأرضِ -حتى النملةَ في جُحرها، وحتى الحوتَ- لَيصلُّون على مُعلمي الناسِ الخيرَ".

رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح".

 

ترجمة أبي أمامة الباهلي _رضي الله عنه_:

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 359) (رقم: 52): "أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ * (ع): صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزِيلُ حِمْصَ. رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً. " اهـ

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1602)

سكن أَبُو أمامة الباهلي مصر، ثم انتقل منها إِلَى حمص فسكنها، ومات بها، وَكَانَ من المكثرين فِي الرواية عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأكثر حديثه عند الشاميين.

 

إكمال تهذيب الكمال (6/ 367) (رقم: 2499): "(ع) صدي بن عجلان بن وهب (ويقال: ابنِ عَمْرٍو) أبو أمامة الباهلي. وباهلة: هم بنو سعد مناة ومعن ابني مالك بن أعصر بن سعد بن قيس غيلان بن مضر.

 

مختصر تاريخ دمشق (11/ 77)

سكن أبو أمامة الشام، وسكن حمص، وهو الصدي بن عجلان بن وهب بن عَريب بن وهب بن رياح بن الحارث بن مَعْن بن مالك بن أعصُر. من أهل الشام.

 

مختصر تاريخ دمشق (11/ 78)

نُسب إلى باهلة. وباهلة بنت أود بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشحب بن يعرب بن قحطان. هي امرأة معن بن زيد بن أعصُر بن قيس عيلان.

 

الأعلام للزركلي (3/ 203):

"صُدَيّ بن عَجْلان (000 - 81 هـ = 000 - 700 م)

صدي بن عجلان بن وهب الباهلي، أبو أمامة: صحابي. كان مع علي في (صفين) وسكن الشام، فتوفي في أرض حمص. وهو آخر من مات من الصحابة بالشام. له في الصحيحين 250 حديثا." اهـ

 

إكمال تهذيب الكمال (6/ 369):

"وفي «الاستيعاب»: "كان من المكثرين في الرواية. وذكره ابن منده في «الأرداف»." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 360)

قَالَ سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. قُلْتُ لأَبِي أُمَامَةَ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 360):

"وَرُوِيَ: أَنَّهُ بَايعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ." اهـ[1]

 

كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ) _رحمه الله_ في "بغية الطلب فى تاريخ حلب" (10/ 4328):

"أبو أمامة الباهلي: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه صدي بن عجلان، شهد صفين مع علي رضي الله عنه، تقدم ذكره." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 360)

وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ.

قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ) .

فَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ، وَامْرَأَتُهُ، وَخَادِمُهُ لاَ يُلْفَوْنَ إِلاَّ صِيَاماً." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 363)

قَالَ المَدَائِنِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ أَبُو أُمَامَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ.

وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ.

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 736)

"توفي سنة إحدى وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة. ويقَالَ: مات سنة ست وثمانين.[2]

قَالَ سفيان بن عيينة: كان أبو أمامة الباهلي آخر من بقى بالشام من أصحاب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عمر: قد بقى بالشام بعده عبد الله بن بسر، هو آخر من مات بالشام من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." اهـ

 

الطبقات الكبرى ط دار صادر (7/ 412)

قَالُوا: وَتُوُفِّيَ أَبُو أُمَامَةَ بِالشَّامِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَسِتِّينَ سَنَةً

 

تاريخ دمشق لابن عساكر (24/ 75)

عن عبد الصمد بن سعيد القاضي قال:

"في تسمية من نزل حمص من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أبو أمامة صُدَيُّ بن عجلان، سكن حمص، ثم سلس بوله فاستأذن الوالي إلى أن يصير إلى دنوة، فأذن له، فمات بها، وخلف ابنا يقال له المغلس

 

تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 1022)

وقال الوليد بن مسلم: حدثنا ابن جَابِرٍ، عَنْ مَوْلاةٍ لِأَبِي أُمَامَةَ، قَالَتْ: كَانَ أَبُو أُمَامَةَ يُحِبُّ الصَّدَقَةَ، وَلا يَقِفَ بِهِ سائل إلا أعطاه، فأصبحنا يوما وليس عندنا إِلا ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ، فَوَقَفَ بِهِ سَائِلٌ، فَأَعْطَاهُ دِينَارًا، ثُمَّ آخَرُ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ آخَرُ فَكَذَلِكَ، قُلْتُ: "لَمْ يَبْقَ لَنَا شَيْءٌ."

ثُمَّ رَاحَ إِلَى مَسْجِدِه صَائِمًا، فَرَقَقْتُ لَهُ، وَاقْتَرَضْتُ لَهُ ثَمَنَ عَشَاءٍ، وَأَصْلَحْتُ فِرَاشَهُ، فَإِذَا تَحْتَ الْمِرْفَقَةِ ثَلاثُمِائَةِ دِينَارٍ،

فَلَمَّا دَخَلَ وَرَأَى مَا هَيَّأْتُ لَهُ حَمَدَ اللَّهَ وَتَبَسَّمَ وَقَالَ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ تَعَشَّى، فَقُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ جِئْتَ بِمَا جِئْتَ بِهِ، ثُمَّ تَرَكْتُهُ بِمَوْضِعِ مَضْيَعَةٍ،

قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: "الذَّهَبُ". وَرَفَعْتُ الْمِرْفَقَةَ، فَفَزِعَ لِمَا رَأَى تَحْتَهَا وَقَالَ: مَا هَذَا وَيْحَكِ! قُلْتُ: لا عِلْم لِي. فَكَثُرَ فَزَعُهُ." اهـ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 360_361):

"عَنْ أَبِي أُمَامَةَ:

أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَاهِلَةَ، فَأَتَيتُهُم، فَرَحَّبُوا بِي، فَقُلْتُ:

جِئْتُ لأَنْهَاكُم عَنْ هَذَا الطَّعَامِ، وَأَنَا رَسُوْلُ رَسُوْلِ اللهِ لِتُؤْمِنُوا بِهِ.

فَكَذَّبُوْنِي، وَرَدُّونِي، فَانْطَلقتُ وَأَنَا جَائِعٌ ظَمْآنُ، فَنِمْتُ، فَأُتِيتُ فِي مَنَامِي بِشَربَةٍ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبتُ، فَشَبِعتُ، فَعَظُمَ بَطْنِي.

فَقَالَ القَوْمُ: [أَتَاكُم] رَجُلٌ مِنْ___أَشْرَافِكُم وَخِيَارِكُم، فَرَدَدْتُمُوْهُ؟

قَالَ: فَأَتَوْنِي بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ، فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَطْعَمَنِي وَسَقَانِي.

فَنَظَرُوا إِلَى حَالِي؛ فآمَنُوا." اهـ

 

نص الحديث:

 

وعن أبي أمامة الباهلي قال:

ذُكِرَ لرسولِ الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ رجلانِ: أحدُهما عابدٌ، والآخر عالمٌ،

فقال عليه أفضل الصلاة والسلام:

"فضلُ العالمِ على العابدِ[3]، كفضلي على أدناكم".

ثم قال رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"إنّ الله وملائكتَه وأهلَ السمواتِ[4] والأرضِ -حتى النملةَ في جُحرها، وحتى الحوتَ- لَيصلُّون على مُعلمي الناسِ الخيرَ".

رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح".

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الترمذي في "سننه" (5/ 50) (رقم : 2685)، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 233) (رقم : 7911) و (8/ 234) (رقم : 7912)، وابن عبد البر الأندلسي في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 174) (رقم : 183)، وابن شاهينَ في "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (ص: 73) (رقم : 216)، وفي "شرح مذاهب أهل السنة" (ص: 48) (رقم : 52)، وتمَّام الرازي في "الفوائد" (2/ 98) (رقم : 1243)، والشجري كما في ترتيب الأمالي الخميسية (1/ 76) (رقم : 282).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح" (رقم: 213) - التحقيق الثاني)

 

من فوائد الحديث:

 

سنن الترمذي ت شاكر (5/ 48)

بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الفِقْهِ عَلَى العِبَادَةِ

 

زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه (ص: 170)

فهذه النصوص المذكورة فيها بيان منزلة العلم ومكانته، وعظم شأنه وأهميته، وما يترتب عليه من آثار حميدة وخصال كريمة في الدنيا والآخر، وما ينتج عنه من خضوع وانقياد لشرع الله، وإذعان وامتثال لأمره، فالعالم عرت ربه، وعرف نبيه، وعرف أوامر الله وحدوده، وميز بين ما يحبه الله ويرضاه وبين ما يكرهه ويأباه، فهو يعمل بأمر الله فيما يأتي ويذر، هذا إن وفق للعمل بما علم وإلا فعلمه وبال عليه.

قال الآجري في مقدمة كتابه أخلاق العلماء:"إن الله عز وجل وتقدست أسماؤه اختص من خلقه من أحب فهداهم للإيمان، ثم اختص من سائر المؤمنين من أحب فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة وفقههم في الدين وعلمهم التأويل، وفضلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كل زمان وأوان، رفعهم بالعلم وزينهم بالحلم، بهم يعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح، فضلهم عظيم وخطرهم جزيل، ورثة الأنبياء، وقرة عين الأولياء، الحيتان في البحار لهم تستغفر، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع، والعلماء في___

زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه (ص: 171)

القيامة بعد الأنبياء تشفع، مجالسهم تفيد الحكمة، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة، هم أفضل من العُبَّاد، وأعلى درجة من الزهاد، حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، يذكرون الغافل، ويعلمون الجاهل، لا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف منهم غائله، بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون، وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون، جميع الخلق إلى علمهم محتاج ... إلى أن قال: فهم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة، هم غيظ الشيطان، بهم تحيا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ مثلهم في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، إذا انتطمست النجوم تحيروا، وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا" اهـ[5]

 

الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين (ص: 71)

بَابُ فَضْلِ الْعِلْمِ وَفَضْلِ مَنْ طَلَبَهُ وَفَضْلِ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَعَلَّمَهُ وَمَا لَهُ فِي ذَلِكَ

 

شرح مذاهب أهل السنة لابن شاهين (ص: 35)

بَابٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ مَعَانِي الْعُلَمَاءِ فَضْلُ مَنْ أَحْيَا السُّنَنَ

 

شرح السنة للبغوي (1/ 278)

وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَلْهَمَ الْحِيتَانَ وَغَيْرَهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ الاسْتِغْفَارَ لِلْعُلَمَاءِ، لأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ بَيَّنُوا الْحُكْمَ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهَا وَيَحْرُمُ لِلنَّاسِ، فَأَوْصَوْا بِالإِحْسَانِ إِلَيْهَا، وَنَفْيِ الضَّرَرِ عَنْهَا، مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِمْ.

قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: وَفَضْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ نَفْعَ الْعِلْمِ يَتَعَدَّى إِلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ، وَفِيهِ إِحْيَاءُ الدِّينِ، وَهُوَ تِلْوُ النُّبُوَّةِ.

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 179)

فيه عظم شرف العلماء.

قال: الزملكاني، في كتابه المسمى "تحقيق الأَوْلَى من أهل الرفيق الأعلى" بعد كلام طويلٍ سَاقَهُ في وجوه التفضيل وأسبابه ما لفظه:

"والذي اسْتَقَرَّ مِنْ ذِلِكَ: أن العَالِمَ الْمُسْتَحِقَّ للتفضيل بالعلم، هو الذِيْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ النَّافِعَ في الدُّنْيَا والآخرةِ، وقام بحق علْمِهِ مِنْ عَمَلٍ أَوْ نَفْعٍ أو هِدَايَةٍ أو غيْرِ ذَلِكَ، مِنْ حُقُوْقِ الْعِلْمِ النَّافِعِ، فَذَلِكَ هُوَ العالِمُ الْمُفَضَّلُ بِعْلِمِهِ." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 759)

فيه: عِظَمُ شرف العلماء الذين تعلموا العلم، وقاموا بحقه من عمل، أو نفع، أو هداية، أو غير ذلك من حقوق العلم النافع، وأنهم بمنزلة الأنبياء.

 

تحفة الأحوذي (7/ 379)

"نِسْبَةُ شَرَفِ الْعَالِمِ إِلَى شَرَفِ الْعَابِدِ كَنِسْبَةِ شَرَفِ الرَّسُولِ إِلَى شَرَفِ أَدْنَى الصَّحَابَةِ." اهـ[6]

 

فيض القدير (4/ 432)

نسبة شرف العالم إلى شرف العابد كنسبة شرف الرسول إلى أدنى شرف الصحابة فإن المخاطبين بقوله أدناكم الصحب وقد شبهوا بالنجوم في حديث أصحابي كالنجوم وهذا التشبيه ينبه على أنه لا بد للعالم من العبادة وللعابد من العلم لأن تشبيههما بالمصطفى وبالعلم يستدعي المشاركة فيما فضلوا به من العلم والعمل كيف لا والعلم مقدمة للعمل وصحة العمل متوقفة على العلم؟ ذكره الطيبي.

وقال الذهبي: إنما كان العالم أفضل لأن العالم إذا لم يكن عابدا فعلمه وبال عليه وأما العابد بغير فقه فمع نقصه هو أفضل بكثير من فقيه بلا تعبد كفقيه همته في الشغل بالرئاسة." اهـ

 

شرح المصابيح لابن الملك (1/ 204)

"وإنما لم يطلق (المعلّم) ليُعلَم أن استحقاق الصلوات لأجل تعليم علم يوصل إلى الخير؛ أي: إلى الله تعالى." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 298)

وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وَجْهِ الْأَفْضَلِيَّةِ بِأَنَّ نَفْعَ الْعِلْمِ مُتَعَدٍّ وَنَفْعَ الْعِبَادَةِ قَاصِرٌ، مَعَ أَنَّ الْعِلْمَ فِي نَفْسِهِ فَرْضٌ، وَزِيَادَةَ الْعِبَادَةِ نَافِلَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 324)

وَسَبَبُهُ أَنَّ الْعِلْمَ نَفْعُهُ مُتَعَدٍّ وَالْعِبَادَةَ مَنْفَعَتُهَا قَاصِرَةٌ، وَالْعِلْمُ إِمَّا فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ، وَالْعِبَادَةُ الزَّائِدَةُ نَافِلَةٌ وَثَوَابُ الْفَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ أَجْلِ النَّفْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 

الذخيرة للقرافي (1/ 44)

وَهَذَا الْحَدِيثُ أَبْلَغُ مِنَ الأول بِكَثِير جدا فَإِن فَضله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى أَدْنَاهُمْ أَعْظَمُ مِنْ فَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى الْكَوَاكِبِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 316)

وإنما فضل العالم يكون أكثر من فضل العابد؛ لأن العابد يعمل شيئًا ينفع نفسه فقط وهو العبادة، وأما علم العالم ينفع نفسه وغيره من المسلمين.

 

شرح المصابيح لابن الملك (1/ 204)

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فضل العالِم على العابد كفضلي على أدناكم" في العلم، وهو يُشعِر أن درجةَ العلماء قاصيةٌ لا تُنال إلا باجتهاد عظيم.

 

وقال أحمد بن عبد الرحيم، المعروف بـ«الشاه ولي الله الدِّهْلَوِيِّ» (المتوفى: سنة 1176 هـ) _رحمه الله_ في "حجة الله البالغة" (1/ 290):

"اعْلَم أَن الْعِنَايَة الإلهية إِذا حلت بشخص، وصيره الله مَظَنَّة لتدبير إلهي لَا بُد أَن يصير مرحوما وَأَن تُؤمر الْمَلَائِكَة بمحبته وتعظيمه لحَدِيث محبَّة جِبْرَائِيل

وَوضع الْقبُول فِي الأَرْض، وَلما انْتقل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنزلت الْعِنَايَة الْخَاصَّة بِهِ بِحَسب حفظ مِلَّته إِلَى حَملَة الْعلم وَرُوَاته ومشيعيه، فانتج فيهم فَوَائِد لَا تحصى." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 489):

"قال الطيبي: "في هذا التشبيه تنبيه على أنه لا بد للعالم من العبادة، وللعابد من العلم كيف لا؟ والعلمُ مُقَدِّمَةُ الْعَمَلِ، وصِحَّةُ الْعَمَلِ متوقفةٌ على العلم، وللناس كلام هنا طويل.

والذي يفهم من الحديث أنه أراد بفضل العالمُ النَّافِعُ بِعِلْمِهِ عبادَ اللهِ بتعليمٍ وفُتْيَا وإرشادٌ وتزهِيْدٌ وغير ذلك من دلائل الخير على مجردِ من يقتصر على العبادة سواءٌ كان عَالِمًا بِحَيْثُ يُسَاوِيْ هذا النافع للعباد بعلمه أم دونه في العلم، لا الجاهل! فإن عبادته لا اعتداد بها، كما دلت لهذه الجملة الاستئنافية التي هي إبانة لعلة الفضل." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 489_490):

"ذكر النملة والحوت بعد ذكر الثقلين والملائكة تتميم بجميع أنواع الحيوان وخص النملة من حيوانات البر لأنها مثل في الحقارة فتعرف صلاة غيرها بطريق___الأولى والحوت من حيوان البحر وهو عام لكل حيوان يجري." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 490)

"(ليصلون) هذا من جمع معاني المشترك فإن صلاته تعالى غير صلاة خلقه والمراد يدعون الله بالاستغفار لهم كما سلف فيستغفرون، وفيه: أيضا تغليب العقلاء على غيرهم." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 490):

"(على معلم الناس الخير) دل على أن هذا الفضل والتفضيل لمن أفاض نفائس علوم الدين على العباد وشملت بركة علمه الحاضر والباد." اهـ

 

وقال عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّد الرَّحْمَانِيُّ الْمُبَارَكْفُوْرِيُّ (المتوفى: 1414 هـ) _رحمه الله_ في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1/ 319):

"أراد بالخير هنا علم الدين وما به نجاة الرجل. وفيه إشارة إلى وجه الأفضلية بأن نفع العلم متعدٍ، ونفع العبادة قاصر." اهـ

 

وقال علي بن أحمد بن بن محمد بن إبراهيم البُوْلَاقِيُّ[7]، الشهير بـ"العَزِيْزِيِّ" (المتوفى 1070 هـ) _رحمه الله_ في "السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير" (3/ 379):

"ولا رتبة فوق رتبة من يرحمه الله، وتشتغل الملائكة وجميع الخلق بالاستغفار والدعاء له." اهـ

 

تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم (ص: 7):

"واعلم أنه لا رتبة فوق رتبة مَنْ تَشْتَغِلُ الملائكةُ وغَيْرُهُمْ بالاستغفارِ والدعاءِ له، وَتَضَعُ لَهُ أَجْنِحَتُها، وأنه لَيُنَافَسُ في دعاء الرجل الصالح أو مَنْ يُظَنُّ صلاحه فكيف بدعاء الملائكة،

وقد اختلف في معنى "وضع أجنحتها":

* فقيل: التواضع له، * وقيل: النزول عنده والحضور معه، * وقيل: التوقير والتعظيم له، * وقيل: معناه تحمله عليها فتعينه على بلوغ مقصده.

وأما إلهام الحيوانات بالاستغفار لهم، فقيل: لأنها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم والعلماء هم الذين يبينون ما يحل منه وما يحرم ويوصون بالإحسان إليها ونفي الضرر عنها." اهـ

 

وقال عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ) _رحمه الله_ في "قوت المغتذي على جامع الترمذيْ" (2/ 673_280):

"قال الشيخ كمال الدِّين الزملكاني في كتابه المسمى "تحقيق الأولى من أهل الرفيق الأعلى": "اعلم أنَّ التفضيل تارةً يكون بين الصفتين وتارةً يكون بين المتصفين، ثم التفضيل بين المتصفين قد يراد به الأكثر منهما ثوابًا، وقد يراد به الأقرب إلى الله تعالى وفي كلام كثير من العلماء الإشارة إلى أنَّ الفضيلة تكون بكثرة الثواب، وهذا يحتاج إلى تفصيل لأنه إن أريد بكثرة الثواب ما يعطيه الله تعالى للعبد في الآخرة من درجات الجنة، ولذاتها، ومآبها ومآكلها، ومشاربها [ومساكنها] ومناكحها وملكها ونعيمها الجسماني فللمنع في ذلك مجال،

وإن أريد به ما يعطيه الله تعالى للعبد من مقامات القرب، ولذة النظر إليه، وسماع كلامه، ولذات المعارف الإلهية التي تحصل عند كشف الغطاء وما ناسب ذلك فهو القول الآخر،

وهو الأقرب إلى أن يقال أنَّ الثوابين___

قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/ 674)

متلازمان فمن كان أرفع في أحدهما فهو أرفع في الآخرة وفي ذلك نظر للمتأمل، ثم الفضيلة تارةً تكون باعتبار ذاتي وتارةً تكون باعتبار عرضي فالذي بالاعتبار الذاتي كتفضيل أحد الجنسين على الآخر في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} والذي بالاعتبار العرضي فما يمكن اكتسابه كقوله تعالى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ} .

وقد يطلق المفضل على كل عطية لا تلزم المعطى، ثم إنَّ الصفة التي يستحق بها التفضيل قد يكون فضِيلة بالنسبة إلى ما دونها كما يكون في التفاضل بين الحيوانات في كثرة الحمل أو في حسن المشي، أو في قوة العَدو فإنما تظهر فضيلة أحدهما على الآخر بالنسبة إلى اعتبار حال الآخر، وقد تكون فضيلة في نفسها كالعِلم فإنه شريف مطلوب لذاته، وهو فضيلة بالنسبة إلى ما دونه أيضًا.

ومن وجه آخر، وهو أنَّ الفضيلة قد تراد لذاتها، وقد يراد لما يتوصَّل بها إليه كالعلم، والعبادة، فإنَّ العلم في ذاته مطلوب متلذذ به مفتخر به وتراد العبادة لما توصل إليه من السَّعادة الأخروية، ويشاركها في ذلك العِلم فيظهر بهذا أنَّ التفضيل بين أمرين قد يكون باعتبار ذاتيهما وقد يكون باعتبار ما يوصلان إليه، وقد أطلق بعضهم أنَّ___

قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/ 675)

الفضل في الأعمال الصَّالحة باعتبار كثرة الثواب، وعندي أنَّ ذلك ليس على إطلاقه بل إن كانت ذات هذا الوصف، أو العَمل أشرف، وأعلى فهو أفضل، وقد يخص الله تعالى بعض الأعمال من الوعد بما لا يخص به الآخر ترغيبًا فيه إمَّا لنفرة النَّفس عنه أو لمشقته عليها فيرغب فيه بمزيد الثواب، أو لأنَّ غيره مما يكتفي فيه بداعي النَّفس والثواب عليه فضل، فالإنصاف أنَّ المفاضلة تارةً تكون بكثرة الثواب، وتارةً تكون بحسب ثمرتهما، وتارةً تكون بحسَب الوصفين بالنظر إليهما، وتارةً تكون بحسب متعلقاتها وقد تكون بأمر عرضي، هذا إذا كان الكلام في وصفين لذات، وأما المفاضلة بين الذاتين فقد يكون لأمر يرجع إلى الجنسين، وهذا أمر لا يدخل تحت الاكتساب، كفضل الإنسان على الحمار، وقد يكون لأمر يرجع إلى الشخصين، وهذا النوع من التفضيل عند التحقيق يرجع إلى التفضيل بالأوصاف.

قال ابن حزم: التفضيل قسمان لا ثالث لهما فضل اختصاص من الله [تعالى] بلا عمل، وفضل مجازاة بعمل فأما فضل الاختصاص دُون العمل فيشترك فيه جميع المخلوقين من الحيوان الناطق، وغير الناطق، والجمادات، والأعراض كفضل الملائكة، وفضل الأنبياء، وفضل إبراهيم بن رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الأطفال، وناقة صالح، وذبيح إبراهيم وفضل مكة، والمدينة، والمساجد على البقاع، والحجر الأسود على الحجارة، وشهر رمضان ويوم الجمعة، وليلة القدر، وأما فضل___

قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/ 676)

المجازات فلا يكون إلاَّ للحي الناطق، وهم الملائكة والإنس، والجن فقط، والأقسام المستحق بها التفضيل [في] هذا القسم، وهو المستحق بعمل، سبعة:

ماهيَّة العمل وكميته وفي العرض فيه، وكيفيته والكمّ، والزمان، والمكان، والإضافة، فالماهيَّة أن يكون أحدهما يوفي فروضه، والآخر لا يوافيها، يكثر النوافل، أو نوافل أحدهما أفضل من نوافل الآخر، والكمية أن يخلص أحدهما في العمل ويشوبه الآخر ببعض المقاصد الدنيوية، والكيفية أن يوفي أحدهما جميع حقوق العَمل ورتبه، والآخر يأتي به ولكن ينقص من رتبه، والكم أن يستويا في الفرض ويتفاوتا في النوافل، والزمان كصدر الإسلام، أو وقت الحاجة، والمكان كالصَّلاة في المسجد الحرام، أو المدينة، والإضافة كعمل نبي، أو عمل مع نبي؛ فهذا تلخيص ما ذكره في جهات الفضل، ثم قال: ونتيجة الفضل بهذه الوجوه، شيئان:

أحدهما: تعظيم الفاضل على المفضُول، فهذا يشترك فيه ما كان فضله بغير عمل بل باختصاص، وما كان فضله بعمل.

والثاني: علو الدَّرجة في الجنَّة إذ لا يجوز الحكم للمفضول بعلو [الدرجة في الجنة] على الفاضل، وإلاَّ لبطل الفضل، وهذا القِسم من التفضيل يختص به الفاضل بفضل عمله، دون من حكم بفضله لاختصاص هذا خلاصة ما ذكره.

واعلم أنَّ فضيلة العَمل على العمل، والوصف على الوصف.___

قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/ 677)

والشخص على الشخص من الأمور التوقيفيَّة التي لا يسع الإنسان الكلام فيها من قبل نفسه، ولا ينبغي أحد أن يحكم بتفضيل شخص، ولا نوع على نوع إلاَّ بتوقيف ممن له التفضيل، أو بدليل يستند إلى كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو إجماع الأمة، فإذا قام دليل شرعي على تفضيل مقام على مقام، أو نوع على نوع، علمنا بمقتضى الدليل الشرعي، وأما غير ذلك فلا سبيل إليه لأنه لاَ استقلال للعقل في الأحكام الشرعية لا سيَّما في فضائل الأعمال فإنها ترجع في الحقيقة إلى مقادير الثواب والعقاب، أو إلى تفاوُت درجات القرب الإلهي ولا مجال للعقل في ذلك، وقد يعرض لبعض العَاملين أن يعطى نوعًا من الأجر في الآخرة لا يحصل لغيره، ويكون ما فعلَهُ غيره أفضل من فعلهُ، كما ورد أنَّ الصائمين يدخلون الجنَّة من باب الريان لا يدخل منه غيرهم" كرامة لهم مع أنَّ في العبادات ما هو أفضل من الصيام، وقد يكون الأجر على العمل بحسب فضله على غيره ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد وردت في أعمال خاصَّة، وعُود بأُجور لم يرد مثلها على غيرها بل قد ورد تخصِيص بعض الأعمال المفضُولة بنوع من الأجر لم يحصُل على العمل الفاضِل، مثاله: ما روى أبو موسى الأشعري أنَّ النَّبيَّ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثة لهم أجران رجُلٌ من أهل الكتاب آمن بنبيه، وآمن بمحمَّد___

قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/ 678)

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والعبد المملوك إذا أدى حق الله تعالى، وحق مواليه، ورجل كانت لهُ أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلَّمها فأحسن تعليمها ثم أعقتها، وتزوجها فله أجران" وكان في الصحابة جماعَة آمنوا بأنبيائهم، وآمنوا بمحمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أنَّ غيرهم من الصحابة أفضل منهم، واختص هؤلاء بأنَّ لهم أجرين، وبأن يؤتوا أجرهم مرتين، وكذلك العبد المملوك، والمتزوج عتيقته وكما ورد في أجر الشهيد من الحياة بعد الموت وكذلك كثير من الخصائص، وهذه الخصوصيات لم تحصل لغيرهم، فثبت أنَّ الدرجات تتفاوت تارةً بحسب تفاوت الأعمال وتارةً بحسب رتب الأعمال، وتارةً بحسب خُصُوصِيَّة عمل خاص، أو وقت خاص، فإذا حاولنا الكلام في تفضيل مرتبة على مرتبة أو عمل على عمل فلا بد من ملاحظة ذلك فيما لم يكن فيه نصّ بتفضيل فيحتاج إلى الاجتهاد في

جِهات الترجيح.

وأما ما ورد النَّص بكونه أفضل من شيء آخر من غير معَارض فلا يعدل عن المنصوص عليه ولا حكم سِوى شريعة الله المأخوذة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وأما العلم فهو فضل في ذاته وشرف للذات المتصفة به كيف ما كان، وهو خير من الجهل على كل حال، لكن هذا الفضل، والشرف___

قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/ 679)

الذي يشير إليه عقليٌ، وأما فضل العِلم من جهة الشرع فإنما كان لكونه قربة إلى الله تعالى ومقتضيًا لثوابه، وموجبًا لخشيته، ومؤديًا إلى معرفته أو الفهم عنه أو فهم كلامه، أو هداية ضال، أو إرشاد مسترشد، وكل واحد من هذه الأمور فضله بحسب متعلقه، وما ترتب عليه من الخير في الدنيا والآخرة.

وعلم لا يؤدي إلى مقصود شرعي فليس هو العِلم النافع الذي به يستحق العالم التفضيل الشرعي، والعلوم تنقسم إلى محمودة، ومذمومة.

والمحمود هاهنا ينقسم إلى فرض عين، وفرض كفاية، وإلى مندوب، وإلى ما يختلف في هذه الرتب بحسب الأشخاص، أو الأزمان، أو الأمكنة، وعلى الجملة فكل علم أدى إلى مقصود شرعي من غير معارض معتبر فهو في قسم العِلم المحمود ومنها فاضل، ومنها مفضول، ومنها ما لا يوصف المتصف به بفضل شرعي كعلم العروض مثلاً، ومنها ما يكون مذمومًا شرعًا كعلم السحر، والطلسمات، وأحكام النجوم وما جرى مجرى ذلك، ومنها ما لا يدخل فيه مدح ولا ذم إلاَّ بحسب ما يستعمل فيه، أو يقصد به كعِلم الهندسة، وما شاكله، وجميع العُلُوم الشرعيَّة يجري فيها كلام يناسب ما ذكرناه في تفاضل العبادات، فإنَّ الفاضل منها قد يكون مفضولاً باعتبار، والمفضول قد يصير فاضلاً باعتبار، وقد ينتقل العلم بحسن قصد متعلمه واستعماله له في مقصوده شرعي من درجة الإباحة إلى درجة الندب كعِلم الحساب، وتسييرات الشمس، والقمر إذا تعلمه ليتوصَّل من هذا إلى قسمة المواريث، ومن هذا إلى معرفة أوقات العبادات، وكذلك قد يصير فرض الكفاية من___

قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/ 680)

العلوم فرض عين، وهذا ظاهر، وأما إدراك فضل علم على علم بالنظر إلى ذاته لا بالنظر إلى حال متعلمه، ولا قصده، ولا ما عرض من كونه في وقت معيَّن أو زمنٍ مُعَيَّن، بل من حيث كونه علمًا فالحق فيه أنَّ شرف العلم بشرف معلومه، فكلما كان متعلق العِلم أشرف كان العلم أشرف، فعلى هذا الأشرف من العِلم الموصل إلى معرفة الله تعالى، ومعرفة صِفاته، والغوص في معاني كلامه، والفهم عنه، وتحقيق توحيده، وتنزيهه، إما بالأدلة، وذلك شأن علماء أصول الدِّين القائمين بحقه، أو بالمعارف الإلهية، وذلك شأن العارفين بالله تعالى، ويحتاج إدراك هذا العلم إلى المبالغة في تزكية النفس، وتطهير القلب، والتنزه عن أوضار الذنوب، ورذائل الأخلاق.

إذا تقرر هذا فشرف العالم وفضله بشرف العِلم وفضله، فكلما كان العِلم أشرف، وأفضل كان العالم به من حيث اتصافه به أشرف وأفضل من المتصف بما دونه من حيث اتصافه به، نعم قد يعرض للمتصف بالعِلم المفضول حالة يكون فيه أفضل من المتَّصف بالعِلم الذي هو أعلى رُتبة منه كما يعرض للعلم المفضول [به] حالة يكون فيها أفضل من العِلم الفاضِل فيكون التفضيل في هذا المقام بحسب العَوارض فإذا انتفت العَوارض،

أو قطع النظر عنها رجع الأمر إلى تفضيل العِلم على الاخر من حيث هو هو، فلذلك لا نقطع القول بإطلاق تفضيل العالم في الجملة فإنه قد لا يكون عالمًا بعلم يقتضي التفضيل بل العالم بالعلم الذي يقتضي التفضيل، كالعالم بعلم الشريعة الذي هو وراثة النبوة وعلم الحلال والحرام الذي يهتدي به إلى طريق الآخرة إذا لم يكن قائمًا بحق علمه." اهـ

 

وقال الشيخ الفوزان _حفظه الله_ في "التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية" (ص: 238):

فالعلماء لهم احترام ومنزلة. فلا يجوز الطعن فيهم وتنقصهم حتى لو حصل من بعضهم خطأ في الاجتهاد، فهذا لا يقتضي تنقصهم؛ لأنهم قد يخطئون، ومع ذلك هم طالبون للحق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد." [خ م][8]

وهذا في حق العلماء، وليس المتعالمين؛ لأنه لا يحق لهم أن يدخلوا فيما لا يحسنون." اهـ



[1]  وفي مختصر تاريخ دمشق (11/ 78):

"قال أبو أمامة: لما نزل: " لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المؤْمِنِيْنَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ " قال أبو أمامة: قلت: يا رسول الله: أنا ممن بايعك تحت الشجرة. قال: يا أبا أمامة، أنت مني وأنا منك." اهـ

[2]  وهذا الأخير رجحه الذهبي قائلا في "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 1023): "قَالَ الْمَدَائِنِيُّ، وَخَلِيفَةُ وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ. وَشَذَّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ." اهـ

[3] وفي مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 318) للرحمني:

"(فضل العالم) بالعلم الشرعي مع القيام بفرائض العبودية. (على العابد) أي على المتجرد للعبادة بعد تحصيل قدر الفرض من العلوم." اهـ

[4] وقال عبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البُخاري الدِّهلوي الحنفي (والمتوفى سنة 1052 هـ) _رحمه اللَّه تعالى_ في "لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح" (1/ 551): "وقوله: (وأهل السماوات) تعميم للملائكة حتى لا يتوهم تخصيص ببعض الملائكة، وأهل السماوات والأرض ويشمل الملائكة والجن والإنس والحيوانات كلها." اهـ

[5] انظر: أخلاق العلماء (ص 13، 14).

[6] وقال المناوي _رحمه الله_ في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 170): "نِسْبَة شرف الْعَالم إِلَى شرف العابد كنسبة شرف الرَّسُول إِلَى أدنى شرف الصَّحَابَة." اهـ

[7] وقال المعلمي _رحمه الله_ في تعليقه على "الأنساب" للسمعاني (2/ 365): "(357- البولاقي) في التاج (ب ل ق) «بلاق كغراب- والعامة تقول بولاق، كطومار- مدينة كبيرة على ضفة النيل على فرسخ من مصر» وفي الطالع السعيد رقم 70 «أحمد بن محمد الأسواني الفقيه الأديب البولاقي ذكره ابن عرام في سيرة بنى الكنز." اهـ

[8] أخرجه البخاري (رقم:7352) ومسلم (رقم: 1716).

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين