شرح الحديث 7 من بلوغ المرام لأبي فائزة البوجيسي

7 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-:

أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ،

 

وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ:

"اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي جَفْنَةٍ[1]، فَجَاءَ لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا, فَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا، فَقَالَ: إِنَّ الْمَاءَ لَا يَجْنُبُ"

وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ.

 

ترجمة عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-

 

قال المزي في تهذيب الكمال  :

( خ م د ت س ق ) : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشى الهاشمى ، أبو العباس المدنى، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم_.

كان يقال له (الحبر)، و(البحر)، لكثرة علمه ، دعا له النبى صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين .

 

وفي صحيح البخاري (1/ 41) (رقم : 143)، و صحيح مسلم (4/ 1927) (رقم : 2477) : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الخَلاَءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَ: «مَنْ وَضَعَ هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ : (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)»

 

مصنف ابن أبي شيبة (6/ 383) (رقم : 32220) : عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود قال : «نِعْمَ، تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ»

 

ولد فى الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين .

 

و قال غير واحد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : توفى النبى صلى الله عليه وسلم ، وأنا ابن عشر سنين .

 

الأعلام للزركلي (4/ 95)

وكف بصره في آخر عمره، فسكن الطائف، وتوفي بها. له في الصحيحين وغير هما 1660 حديثا.

 

و قال أبو نعيم ، و أبو بكر بن أبى شيبة ، و يحيى بن بكير فى آخرين : مات سنة ثمان و ستين (68) هـ.

 

زاد يحيى : وهو ابن إحدى أو اثنتين و سبعين (72 سنة)، و صلى عليه محمد ابن الحنفية ،

 

و قال : اليوم مات ربانى هذه الأمة ، و مات بالطائف .

و قيل : مات سنة تسع و ستين ، و قيل : مات سنة سبعين .

و مناقبه و فضائله كثيرة جدا .

روى له الجماعة . اهـ .

 

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 331_359) للذهبي باختصار :

"صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْواً مِنْ ثَلاَثينَ شَهْراً، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ.

انتَقَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ أَبَويهِ إِلَى دَارِ الهِجْرَةِ سَنَةَ الفَتْحِ، وَقَدْ أَسْلَمَ قَبلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ؛ أَنَا مِنَ الوِلْدَانِ، وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ."

قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: تُوُفِّيَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَنَةَ ثَمَانٍ (68 هـ)، أَوْ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ (67 هـ). وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَالهَيْثَمُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ. وَقِيْلَ: عَاشَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.

و (مُسْنَدُهُ) : أَلْفٌ وَسِتُّ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ (1660) حَدِيثاً. وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : خَمْسَةٌ وَسَبْعُوْنَ. وَتَفَرَّدَ: البُخَارِيُّ لَهُ بِمائَةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيثاً، وَتَفَرَّدَ: مُسْلِمٌ بِتِسْعَةِ أَحَادِيْثَ." اهـ

 

قال الحافظ في تهذيب التهذيب 5 / 278 :

و قال ابن مسعود لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عشره منا أحد .

 

و روى ابن أبى خيثمة بسند فيه جابر الجعفى أن ابن عمر كان يقول : ابن عباس أعلم أمة محمد بما أنزل على محمد .

 

و روى ابن سعد بسند صحيح أن أبا هريرة قال لما مات زيد بن ثابت : مات اليوم حبر الأمة، و لعل الله أن يجعل فى ابن عباس منه خلفا .

 

و قال ابن أبى الزناد عن هشام بن عروة ، عن أبيه : ما رأيت مثل ابن عباس قط  

 

و قال يزيد بن الأصم : خرج معاوية حاجا ، و خرج ابن عباس حاجا ، فكان لمعاوية موكب ، ولابن عباس ممن يطلب العلم موكب .

 

و قالت عائشة : هو أعلم الناس بالحج .

 

عن ابن عمر قال : كان عمر يدعو ابن عباس ، و يقربه ، و يقول : إنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاك يوما فمسح رأسك ، و تفل فى فيك ، و قال : " اللهم فقهه فى الدين ، و علمه التأويل " .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (1/ 398) :

"قَالَ مَعْمَرٌ : عَامَّةُ عِلْمِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ ثَلاَثَةٍ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأُبَيٍّ." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-:

أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ،

وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ:

"اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي جَفْنَةٍ[2]، فَجَاءَ لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا, فَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا، فَقَالَ: إِنَّ الْمَاءَ لَا يَجْنُبُ" وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ.

 

وفي "مسند أحمد" - عالم الكتب (6/ 330) (رقم: 26802): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

عَنْ مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، قَالَتْ:

"أَجْنَبْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَاغْتَسَلْتُ مِنْ جَفْنَةٍ ، فَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا، فَقُلْتُ:

"إِنِّي قَدْ اغْتَسَلْتُ مِنْهَا"، فَقَالَ: (إِنَّ الْمَاءَ لَيْسَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ) أَوْ (لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ)، فَاغْتَسَلَ مِنْهُ.

وأخرجه القاسم بن سلام في "الطُّهُوْرِ" (ص: 215) (رقم: 149)، وابن الجعد في "مسنده" (ص: 339) (رقم: 2333)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (13/ 14) (رقم: 7098)، والدارقطني في "سننه" (1/ 80) (رقم: 137)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 27) (رقم: 259).

وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (5/ 217) (رقم: 2185)، والأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (44/ 386) (رقم: 26802)

 

وقال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَّمَرِيُّ القرطبيُّ، المعروف بـ"ابن عبد البر الأَنْدَلُسِيُّ" (المتوفى: 463هـ) _رحمه الله_ في "الاستذكار" (1/ 170):

"وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ إِذَا سَلِمَا مِمَّا يَعْرِضُ مِنَ النَّجَاسَاتِ

وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:

* أَحَدُهَا: الْكَرَاهِيَةُ لِأَنْ يَتَطَهَّرَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ

* وَالثَّانِي: أَنْ تَتَطَهَّرَ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الرَّجُلِ

* وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا إِذَا شَرَعَا جَمِيعًا فِي التَّطَهُّرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِذَا خَلَتِ الْمَرْأَةُ بِالطَّهُورِ فَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَتَطَهَّرَ بِفَضْلِ طَهُورِهَا

* وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَهَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِفَضْلِ طَهُورِ صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ جُنُبًا وَالْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا وهو قول بن عُمَرَ.

* (وَالَّذِي) عَلَيْهِ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ وَسُؤْرِهَا حَائِضًا كَانَتْ أَوْ جُنُبًا خَلَتْ بِهِ أَوْ شَرَعَا مَعًا

إِلَّا أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَإِنَّهُ قَالَ إِذَا خَلَتِ الْمَرْأَةُ بِالطَّهُورِ فَلَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ الرَّجُلُ إِنَّمَا الَّذِي رَخَّصَ فِيهِ أَنْ يَتَوَضَّآ جَمِيعًا...

قَالَ أَبُو عُمَرَ الْآثَارُ فِي الْكَرَاهِيَةِ فِي هَذَا الْبَابِ مُضْطَرِبَةٌ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ وَالْآثَارُ الصِّحَاحُ هِيَ الْوَارِدَةُ بِالْإِبَاحَةِ مثل حديث بن عُمَرَ هَذَا وَمِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ كُلُّهُمْ يَقُولُ إِنَّ الرِّجَالَ كَانُوا يَتَطَهَّرُونَ مَعَ النِّسَاءِ جَمِيعًا مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَمَيْمُونَةُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أزواجه صلى الله عليه وسلم وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى

وَقَدْ رُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ هُنَّ أَلْطَفُ بَنَانًا وَأَطْيَبُ رِيحًا

وَهَذَا مِنْهُ جَوَابٌ بِجَوَازِ فَضْلِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ___

وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ والتابعين، إلا أن بن عُمَرَ كَرِهَ فَضْلَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ." اهـ

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 167)

يَرُدُّ على من فرق بين الاجتماع والافتراق، إذ فى نفسُ اغتسالهما ووضوئهما معاً واختلاف أيديهما فيه استعمالُ كل واحدٍ فضلَ غُسْلِ الآخَرِ،

ولم يصحح أهلُ الحديثِ حديثَ النَّهْيِ عن ذلك، وتأوله بعضُهم - إن صح - على فضلِ مائِها المستعملِ فى الطهارة، إما على الحظر - على من يراهُ - أو على الندب." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (1/ 329_330):

"وَالْأَصْلُ فِي الْمَاءِ: الطَّهَارَةُ. فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يُقْضَى بِنَجَاسَتِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ لَا تَنَازُعَ فِيهِ وَلَا مَدْفَعَ لَهُ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا نَخْتَارُهُ مِنَ الْمَذَاهِبِ فِي الْمَاءِ ها هنا وَنَذْكُرُ مَعْنَى حَدِيثِ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَغَسْلِ الْيَدِ فِي بَابِ أَبِي الزِّنَادِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_.

قَالَ أَبُو عُمَرَ:

الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يَفْسَدُ إِلَّا بِمَا ظَهَرَ فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ:

 أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَمَّاهُ (طَهُورًا)، فَقَالَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } [الفرقان: 48]،

وفي (طَهُوْر) معنيان:

* أحدهما أن يكون طهور بِمَعْنَى طَاهِرٍ، مِثْلَ: صَبُورٍ وَصَابِرٍ، وَشَكُورٍ وَشَاكِرٍ، وَمَا كَانَ مِثْلَهُ.

* وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى فَعَوْلٍ مِثْلَ قَتُولٍ وَضُرُوبٍ، فَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى التَّعَدِّي وَالتَّكْثِيرِ.

يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ _عَزَّ وَجَلَّ_:

{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} [الأنفال: 11]،

وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ لِلنَّجَاسَاتِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَاتِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ هَذَا التَّأْوِيلُ.

وَمَا كَانَ طَاهِرًا مُطَهِّرًا اسْتَحَالَ أَنْ تَلْحَقَهُ النَّجَاسَةُ لِأَنَّهُ لَوْ لَحِقَتْهُ النَّجَاسَةُ لَمْ يَكُنْ مُطَهِّرًا أَبَدًا، لِأَنَّهُ لَا يُطَهِّرُهَا إِلَّا بِمُمَازَجَتِهِ إِيَّاهَا وَاخْتِلَاطِهِ بِهَا،

فَلَوْ أَفْسَدَتْهُ النَّجَاسَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَغْلِبَ عَلَيْهِ، وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ الَّتِي تَنْجُسُ بِمُمَاسَّةِ النَّجَاسَةِ لَهَا، لَمْ تَحْصُلْ لِأَحَدٍ طَهَارَةٌ وَلَا اسْتَنْجَى أَبَدًا.

وَالسُّنَنُ شَاهِدَةٌ لِمَا قُلْنَا بِمِثْلِ مَا شَهِدَ بِهِ النَّظَرُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،

فَمِنْ ذَلِكَ: أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصب على بول العرابي دَلْوٌ مِنْ مَاءٍ أَوْ ذُنُوبٌ مِنْ مَاءٍ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي الْمَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَوْلَ إِذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ مَازَجَهُ وَلَكِنَّهُ إِذَا غَلَبَ الْمَاءُ عَلَيْهِ طَهَّرَهُ وَلَمْ يَضُرُّهُ مُمَازَجَةُ الْبَوْلِ لَهُ." اهـ

 

أشار إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (1/ 54) (رقم: 221)، ومسلم في "صحيحه" (1/ 236) (رقم: 284):

عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، «فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ، أَمَرَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ»

 

تخريج الحديث:

 

اللفط الأول: أخرجه مسلم في "صحيحه" (1/ 257) (رقم: 323)، وعبد الرزاق الصنعاني في "مصنفه" (1/ 270) (رقم: 1037)، وأحمد في "مسنده" – ط. عالم الكتب (1/ 366) (رقم: 3465)، وأبو عوانة في "مستخرجه" (1/ 238) (رقم: 808)، و(البيهقيّ) في "السنن الكبرى" (1/ 290) (رقم: 900)، و(ابن خزيمة) في "صحيحه" (1/ 57) (رقم: 108)، والطبراني في "المعجم الكبير" (23/ 426) (رقم: 1033)، و(أبو نعيم) في "مستخرجه" (726، 727)، و(الدارقطنيّ) في "سننه" (1/ 81) (رقم: 139).

 

واللفظ الثاني: أخرجه أبو داود في "سننه" (1/ 18) (رقم: 68)، والترمذي في "سننه" – ت. شاكر (1/ 94) (رقم: 65)، والنسائي في "سننه" (1/ 173) (رقم: 325)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 132) (رقم: 370 و 371). وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 390) (رقم: 1927)

 

من فوائد الحديث:

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 133)

* مَا يؤْخَذُ من الحديث:

1 - جواز اغتسال الرجل بفضل طُهُور المرأة، ولو كانت المرأة جنبًا، وبالعكس. فيجوز للمرأة أنْ تغتسل بفضل طهور الرجل من باب أولى.

قال ابن عبد البر في الاستذكار: "الأصل في الماء الطهارة؛ لأنَّ الله قد خلقه طهورًا، فهو كذلك حتَّى يجمع المسلمون أنَّه نجس، والمؤمن لا نجاسة فيه، فالنجاسة أعراضٌ داخلة، والمرأة في ذلك كالرجل إذا سلما ممَّا يَعْرِضُ من النجاسات." [الاستذكار (1/ 170) – ط. دار الكتب العلمية]

2 - أنَّ اغتسال الجنب أو وضوء المتوضِّىء من الإناء، لا يُؤثِّرُ في طهورية الماء؛ فيبقى على طهوريته.

3 - حكى الوزير والنووي وغيرهما الإجماع على جواز وضوء الرجل بفضل طُهور المرأة، وإنْ خَلَتْ به، إلاَّ في إحدى الروايتين عن أحمد،

وهي الرواية المشهورة عند أصحابنا؛ فإنَّهم يرون أنَّ المرأة إذا خلت بالماء القليل لطهارة كاملة عن حدث، فإنَّه لا يُطَهِّر الرجل.

والرواية الأخرى: قال عنها في الإنصاف: وعن الإمام أحمد: يرفع حدث الرجل في أصح الوجهين، واختارها ابن عقيل وأبو الخطَّاب والمجد. قال في الشرح الكبير: هو أقيس، وهو مذهب الأئمة الثلاثة. [انظر: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" – ت. التركي (1/ 85_86)]

أما وضوء المرأة بفضل الرجل فجائزٌ بلا نزاع." اهـ كلام البسام _رحمه الله_

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 166)

اتفق العلماء على جواز اغتسال الرجل والمرأة وتوضيهما معاً من إناء واحِدٍ لحديث عائشة وميمونة وأم سلمة إِلا شيئاً روىَ فى كراهيته والنهى عنه عن أبى هريرة، والأحاديث الصحيحة ترد هذا." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (5/ 319)

في فوائده:

منها: جواز تطهير الرجل بفضل المرأة، وإن خلت به، وبالأولى إذا لم تخل به، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وجمهور أهل العلم، وقد تقدم تمام البحث فيه برقم 239.___

ومنها: كون الماء لا يتنجس بملاقاة نجس, وهو الذي أراده المصنف حيث أورده بيانا لمعنى الآيات.

ومنها: كمال حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان لا يترفع على أهله، بل يغتسل بفضلها. والله أعلم." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (3/ 92)

* في هذا الحديث من الفقه أن إدخال المرأة يدها في الماء لا يضره.

* وأنه إذا أفضلت المرأة ماء جاز للرجل الوضوء به.

* وفيه أن الجنب إذا غمس يده في الماء، فالماء طاهر مطهر.

 

سبل السلام (1/ 29)

وَأَنَّهُ يَجُوزُ غُسْلُ الرَّجُلِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ، وَيُقَاسَ عَلَيْهِ الْعَكْسُ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ، وَفِي الْأَمْرَيْنِ خِلَافٌ، وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ، وَأَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ.

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 82_83):

"في هذا الحديث من الفوائد: الإشارة إلى تعدد زوجات الرسول - عليه الصلاة والسلام- هل النبي صلى الله عليه وسلم حين تعددت زوجاته إنما أراد المتعة والتلذذ بالنساء وقضاء الوطر أو له أغراض عالية فوق ذلك؟ الثاني بلا شك ولهذا كانت زوجاته كلهن ثيبات وليس منهن بكر إلا عائشة رضي الله عنها ولو كان رجلا شهوانيا كما قاله أعداء المسلمين لكان ينتقي ما يشاء من الأبكار؛ لأنه لو طلب من أصحابه أن يتزوج من شاء ما منع من ذلك، لكنه - عليه الصلاة والسلام- أراد أن يكون له في كل قبيلة من قبائل العرب صلة.

ومن فوائد ذلك: أن هؤلاء الزوجات اللاتي لهن أقارب يخبرن أقاربهن عما كان الرسول يعمله في بيته من الأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء، فابن عباس ما الذي أطلعه على أن الرسول كان يغتسل بفضل ميمونة؟ ميمونة التي هي خالته، ففي هذا بيان لفائدة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلام أنهن يحملن من العلم إلى الأمة أكثر فأكثر متى كثر تعددهن.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز الإفضاء بما يستحيا منه عادة من أجل نشر العلم، لأم ميمونة أفضت إلى ابن عباس بهذا الشيء الذي قد يستحيا منه.

ومن فوائد هذا الحديث: أن مثل هذا لا يدخل في النهي عن إفشاء السر الذي يكون بين الزوجين؛ لأن هذا لا علاقة له بالمعاشرة إنما هو بيان حكم شرعي تنتفع به الأمة؛ وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة.

ومن فوائد هذا الحديث: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يغتسل بفضل زوجته، ولو كان من الكبراء المستكبرين لقال للزوجة: لا تقربي الماء حتى أغتسل أنا، لكنه - عليه الصلاة والسلام- ___كما نعلم هو سيد المتواضعين وخير الناس لأهله كما قاله - عليه الصلاة والسلام-: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) [ت ][3]." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 84_85):

ومن فوائد هذا الحديث: الاقتصار على ذكر العلة دون الفعل لأنها تقول: "إني كنت جنبا" وتقدير الكلام: إني اغتسلت به وأنا جنب، لكنه هكذا في الوصف الذي قد يكون مؤثرا وهو الجناية وهذا قد يشعر بأنهم لا يرون بالخلو به شيئا وإنما العلة هي الجنابة.

وفيه أيضا - في الحقيقة- فوائد؛ فمنها: ما سبق ذكره من جواز اغتسال الرجل بفضل طهور المرأة.

ومنها: أن اغتسال الجنب من الماء القليل لا ينقله عن الطهورية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما جاء يغتسل منه ليتطهر به فلا ينقله من الطهورية.

والمعروف أن الجنب إذا غمس يده ليغتسل وهو ينوي رفع الجنابة أنه ينتقل الماء من الطهورية إلى أن يكون طاهرا.

سبق لكم قبل قليل لأن الذين قالوا: إن المرأة إذا خلت بالماء لتطهر به فإنه لا رفع حدث الرجل، وقلنا لكم: إنهم قالوا إذا لم يجد غيره استعمله ثم تيمم، لكن نسيت أن أعلق على هذه الجملة: لا يمكن أن يجمع بين العبادة مرتين أبدا على رأيهم - رحمهم الله- يلزمه أن يتطهر مرتين، مرة بالماء ومرة بالتراب، وهذا لا نظير له، ولم يوجب الله عبادة مرتين أبدا، الإنسان إذا فعل العبادة حسب ما أمر فإنه لا يجب عليه إعادتها لأنه امتثل أمر الله.

ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول - عليه الصلاة والسلام- حيث إنه بين الحكم بيان العلة حيث قال: "إن الماء لا يجنب". ومن المعلوم أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- وغير الرسول يعلم أن الماء لا يجنب حقيقة، لكن أراد أن يقابلها بمثل لفظها؛

ففيه دليل أيضا على___فائدة أخرى، وهي: مخاطبة الإنسان بمثل ما خاطب به الغير، وهذا يسميها أهل البلاغة: المقابلة. فهنا الرسول قال: "إن الماء لا يجنب" كل يعلم أن الماء لا يجنب، لكن ما أراد الرسول رفع الجنابة عن الماء؛ لأن هذا معلوم، لكن أراد أن يخاطب المرأة بمثل ما خاطبت به.

خلاصة ما سبق لنا في تطهر المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة: أن ذلك على سبيل الأولوية، وأن الذي يخاطب به الرجل مع أهله، وأن الأفضل أن يغتسلا جميعا،

وأيضا ليس فيه دليل على أن الماء إذا تطهر به الرجل بعد المرأة أو العكس أن الطهارة لا ترتفع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين ذلك، ومثل هذا لو كان شريعة لبينه الرسول _عليه الصلاة والسلام_." اهـ

 



[1]  بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-: هي ميمونة بنت الحارث الهلالية -رضي الله عنها- كما أخرجه الدَّارقطني وغيره.

جَفْنَة: بفتح الجيم وسكون الفاء: هي القصعة الكبيرة، جمعها: جفان، والقصعة: إناءٌ كبير يوضع فيه الطعام، ويُتَّخذ غالبًا من الخشب. [توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 132)]

[2]  بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-: هي ميمونة بنت الحارث الهلالية _رضي الله عنها_ كما أخرجه الدَّارقطني وغيره.

جَفْنَة: بفتح الجيم وسكون الفاء: هي القصعة الكبيرة، جمعها: جفان، والقصعة: إناءٌ كبير يوضع فيه الطعام، ويُتَّخذ غالبًا من الخشب. [توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 132)]

[3]  أخرجه الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (5/ 709) (رقم: 3895)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 409) (رقم: 1924) 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين