شرح الحديث 59 من رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

[59] السادس: عن أبي خالد حَكيمِ بنِ حزامٍ - رضي الله عنه – قَالَ :

قَالَ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ :

«البَيِّعَانِ بالخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا[1]، فَإنْ صَدَقا وَبيَّنَا بُوركَ لَهُمَا في بيعِهمَا، وإنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بركَةُ بَيعِهِما» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.[2]

 

ترجمة حكيم بن حزام الأسدي _رضي الله عنه_ :

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (7/ 170) :

"حَكِيْمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أسدِ بْنِ عَبْدِ___الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كلاب القرشي الأسدي، أَبُو خالد المكي،

وأمه: أم حكيم فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى،

وعمته: خديجة بنت خويلد زوج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم." اهـ

 

وفي "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 485) للذهبي:

"وَكَانَ سَمْحًا جَوَادًا كَرِيمًا، عَالِمًا بِالنَّسَبِ، أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وفي الإسلام مائة رقبة، وَكَانَ ذا رأي وعقل تامٍّ، وَهُوَ أحدُ مَنْ دَفَنَ عُثْمَان سرًا.

وباع دارًا لمعاوية بستين ألفًا، وتصدق بِهَا، وَقَالَ: اشتريتها في الجاهلية بزق خمر.

وَرُوِيَ أن الزبير لَمَّا تُوُفِّيَ، قَالَ حكيم بن حزام لابن الزبير: "كم عَلَى أخي من الدَين؟" قَالَ: "ألف ألف درهم." قَالَ: "عَلَيَّ مِنْهَا خَمْسُ مِائَةِ ألْفٍ."

تُوُفِّيَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَة أربع وخمسين." اهـ

 

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 701) : "أَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِائَةَ بَعِيرٍ ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وُلِدَ فِي الْكَعْبَة."

 

وفي الأعلام للزركلي (2/ 269) :

"حَكِيم بن حِزام (000 - 54 هـ = 000 - 674 م).

حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، أبو خالد، صحابيّ، قرشي. وهو ابن أخي خديجة أم المؤمنين،

مولده بمكة (في الكعبة) شهد حرب الفجار، وكان صديقا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها. وعمر طويلا، قيل 120 سنة. وكان من سادات قريش في الجاهلية والإسلام، عالما بالنسب. أسلم يوم الفتح،

وفيه الحديث يومئذ: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن) له في كتب الحديث 40 حديثا. توفي بالمدينة." اهـ

 

وقال الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (24/ 25):

وكان من المؤلفة، ثم حَسُنَ إسلامُه.

وقد شَهِدَ بدراً مع الكفار، ونجا مع مَنْ نجا، فكان إذا اجتهدَ في اليمين يقول قال: والذي نجاني يومَ بدر.

وكان يفعلُ المعروف ويَصِلُ الرحمَ.

وكانت دارُ الندوة بيده، فباعها مِن معاوية بمئة ألف درهم، فلامه ابن الزبير، فقال له: يا ابن أخي اشتريتُ بها داراً في الجنة، فتصدَّقَ بالدراهِمِ كُلُّها.

وهو ممَّن عاش مئةً وعشرين سنة، شطرُها في الجاهلية وشطرُها في الإسلام." اهـ


نص الحديث:


السادس: عن أبي خالد حَكيمِ بنِ حزامٍ - رضي الله عنه – قَالَ :

قَالَ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ :

«البَيِّعَانِ بالخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإنْ صَدَقا وَبيَّنَا بُوركَ لَهُمَا في بيعِهمَا، وإنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بركَةُ بَيعِهِما» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (3/ 58) (رقم : 2079)، ومسلم في "صحيحه" (3/ 1164) (رقم : 1532)، وأبو داود في "سننه" (3/ 273) (رقم : 3459)، والترمذي في "سننه" (3/ 540) (رقم : 1246).

 

من فوائد الحديث :

 

فتح الباري لابن حجر (4/ 329):

* "وَفِي الْحَدِيثِ: فَضْلُ الصِّدْقِ،

* وَالْحَثُّ عَلَيْهِ، وَذَمُّ الْكَذِبِ،

* وَالْحَثُّ عَلَى مَنْعِهِ،

* وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِذَهَابِ الْبَرَكَةِ،

* وَأَنَّ عَمَلَ الْآخِرَةِ يُحَصِّلُ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 57)

في هذا الحديث: فضل الصدق والحث عليه، وذم الكذب والتحذير منه، وإنه سبب لذهاب البركة.

* وفيه: دليل على ثبوت خيار المجلس للبائع والمشتري." اهـ

 

الاستذكار (6/ 477)

"وَأَمَّا قَوْلُهُ ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا))، فَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ وَقَضَاءٌ وَشَرْعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، لا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ بِرَأْيِهِ." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 127)

* الحكمة في جعل الخيار للمتبايعين إلى أن يتفرقا: أنه قد تستزل البادرةُ من كلِّ واحِدٍ منهما لأجل تطلعه إلى ما في يد صاحبه استزلالاً، لا يؤمن أن يَنْدَمَ على أثره،

فجعل الشرع له مُهْلَةً ما داما في مجلسهما، لينظر كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا ما حصل في يده، ويتمكن من تقليبه، فإذا نهض من مجلسه وجب البيع؛ لأن ذلك المقدار من الزمان كاف في ترويه.

* والتفرق في اللغة لا يحمل إلا على التفرق بالأبدان.

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 536_539):

"اعْلَم أَن الشَّرْع لما علم أَن الْعُقُود فِي الْغَالِب تقع بَغْتَة من غير ترو وَلَا فكر، وَأَنه رُبمَا نَدم أحد المبتاعين بعد الْفَوات، جعل الْمجْلس حد التروي وَالنَّظَر.

وَهَذَا الحَدِيث نَصٌّ فِي ثُبُوت خِيَار الْمجْلس، وَبِه قَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ.

وَقَالَ أَبُو حنيفَة مَالك: لَيْسَ خِيَار الْمجْلس بِثَابِت. وَقد اعْترضُوا على هَذَا الحَدِيث من خَمْسَة أوجه:

أَحدهَا: أَنهم قَالُوا: يرويهِ مَالك ومذهبه على خِلَافه، ورأي الرَّاوِي مقدم على رِوَايَته؛ لِأَن رَأْيه يشْعر بالطعن فِيمَا روى.

وَالثَّانِي: أَنه خبر وَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى، فَلَا يقبل.

وَالثَّالِث: أَنه يُخَالف قِيَاس الْأُصُول؛ لِأَن عُقُود____الْمُعَاوَضَات لَا يثبت فِيهَا خِيَار الْمجْلس.

وَالرَّابِع: أَنهم حملوه على المتساومين، وسميا متبايعين لِأَن حَالهمَا يؤول إِلَى ذَلِك.

وَالْخَامِس: أَنهم حملوه على حَالَة التواجب إِذا قَالَ البَائِع: بِعْت وَلم يقل المُشْتَرِي: قبلت، فالبائع مُخَيّر بَين أَن يَفِي بِمَا قَالَ أَو يرجع، وَالْمُشْتَرِي مُخَيّر بَين أَن يقبل أَو يرد.

قَالُوا: وَقد حمل الْكَلَام على حَقِيقَته؛ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثبت الْخِيَار بِسَبَب التبايع؛ والتبايع اسْم لحالة تشاغلهما بِالْبيعِ. فَأَما بعد ارتباط الْإِيجَاب بِالْقبُولِ فَلَا يسميان متبابعين، إِنَّمَا يُقَال: كَانَا متبايعين. فعلى هَذَا يكون الْمَعْنى: مَا لم يَتَفَرَّقَا بالأقوال.

وَقد يَقع التَّفَرُّق بالْقَوْل، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمَا تفرق الَّذين أُوتُوا الْكتاب} [الْبَيِّنَة: 4] . [15]

وَالْجَوَاب:

أما قَوْلهم: يرويهِ مَالك، فَجَوَابه من ثَلَاثَة أوجه:

أَحدهَا: أَنه مَتى صَحَّ الحَدِيث كَانَ حجَّة على رَاوِيه وَغَيره؛ لِأَن الْحجَّة مَا كَانَت من قبل الرَّاوِي، بل من نَقله، فَلَا يلْتَفت إِلَى خِلَافه، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون نسي أَو تَأَول. وَقد علمنَا سَبَب مُخَالفَة مَالك للْحَدِيث؛ فَإِنَّهُ قَالَ: رَأَيْت عمل أهل الْمَدِينَة بِخِلَافِهِ، وَعِنْده أَن عمل أهل الْمَدِينَة حجَّة. وَقد أزرى عَلَيْهِ فِي هَذَا الرَّأْي ابْن أبي ذِئْب وَغَيره.

وَقَالَ الشَّافِعِي: رحم الله مَالِكًا، لست أَدْرِي من اتهمَ فِي هَذَا الحَدِيث: أتهم نَفسه أَو نَافِعًا، وَأعظم أَن أَقُول: اتهمَ ابْن عمر!

وَالثَّانِي: أَن الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر من غير طَرِيق مَالك، يرويهِ البُخَارِيّ وَمُسلم من طَرِيق يحيى بن سعيد، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ كِلَاهُمَا عَن نَافِع. وَيَرْوِيه مُسلم من حَدِيث ابْن جريج____وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان عَن نَافِع.

وَالثَّالِث: أَن هَذَا الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ من مُسْند حَكِيم بن حزَام عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَقَوْلهمْ: خبر وَاحِد فِيمَا يعم بِهِ الْبلوى، وَيُخَالف قِيَاس الْأُصُول،

هَذَا مِمَّا صنعه فِي الجدل أَبُو زيد الْحَنَفِيّ، وَهُوَ مَرْدُود عَلَيْهِ؛ لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُؤَدِّي مَا حمله من الرسَالَة إِلَى الشَّخْص الْوَاحِد وَإِلَى الْإِثْنَيْنِ وَإِلَى الْجَمَاعَة، فَإِذا بلغ عَن الثِّقَة لزم الحكم البَاقِينَ،

وَكم من حكم قد انْفَرد بروايته وَاحِد، فَتَبِعَهُ الْبَاقُونَ.

فَإِنّ حكم التَّيَمُّم كَانَ عِنْد عمار وخفي على عمر،

وَحكمَ الاسْتِئْذَان كَانَ عِنْد أبي مُوسَى وخفي على عمر،

وَحكم الْمُتْعَة كَانَ عِنْد عَليّ وخفي على ابْن عَبَّاس،

وَحكم الْإِقْدَام على بلد الطَّاعُون كَانَ عِنْد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وخفي على الجم الْغَفِير الَّذين سافروا مَعَ عمر إِلَى الشَّام، إِلَى غير هَذَا.

وَقد ينْفَرد الصَّحَابِيّ بِرِوَايَة حَدِيث. وَقد يروي الحَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة، فَإِن قَوْلَه: " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " لَا يَصح إِلَّا من رِوَايَة عمر وَحده. وَقَولَه: " من كذب عَليّ مُتَعَمدا " قد روينَاهُ عَن سِتِّينَ نفسا من الصَّحَابَة، رَوَوْهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

ثمَّ الْعجب من أَصْحَاب أبي حنيفَة، فَإِنَّهُم يبطلون الْوضُوء بالقهقهة ويوجبون الْوتر بِأَحَادِيث آحَاد لَا تثبت. وَكَيف يَقُولُونَ هَذَا!

وَأما حملهمْ إِيَّاه على التساوم لَا يُمكن لوَجْهَيْنِ:

أَحدهمَا: أَن____البيع غير المساومة. وَالثَّانِي: أَن ذَلِك يسْقط فَائِدَة التَّخْصِيص بِالْبيعِ؛ فَإِن السّوم فِي كل العقد، وَيثبت بِهِ الْخِيَار.

وَحَملهمْ على حَالَة التواجب لَا يَصح؛ لِأَنَّهُمَا لَا يسميان متبايعين إِلَّا على وَجه التَّجَوُّز.

وَحَملهمْ التَّفَرُّق على الْأَقْوَال غلط من وَجْهَيْن:

أَحدهمَا: أَن هَذَا الحَدِيث مُفَسّر فِي رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: مَا لم يفترقا عَن مكانهما، وَهَذَا الَّذِي عقله ابْن عمر رَاوِي الحَدِيث؛ فَإِنَّهُ كَانَ يمشي بعد العقد.

وَالثَّانِي: أَنه أَلْفَاظ الصِّحَاح كلهَا: " مَا لم يَتَفَرَّقَا " وَقد فرق اللغويون بَين يَتَفَرَّقَا ويفترقا بالْكلَام.

وَقَوله: إِلَّا بيع الْخِيَار. مَعْنَاهُ أَن يخيره قبل التَّفَرُّق وهما بعد فِي الْمجْلس، فَيَقُول: اختر." اهـ

 

طرح التثريب في شرح التقريب (6/ 149)

فِيهِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ مَا دَامَا مُصْطَحِبَيْنِ فَإِذَا تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا انْقَطَعَ هَذَا الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ

 

طرح التثريب في شرح التقريب (6/ 155)

ظَاهِرُهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَقَدْ اسْتَثْنَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا لَمْ يُثْبِتُوا فِيهَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ ثُبُوتُهُ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وَاسْتَثْنَى الْأَوْزَاعِيُّ مِنْ ذَلِكَ بُيُوعًا ثَلَاثَةً بَيْعَ السُّلْطَانِ لِلْغَنَائِمِ، وَالشَّرِكَةَ فِي الْمِيرَاثِ، وَالشَّرِكَةَ فِي التِّجَارَةِ قَالَ فَلَيْسَ فِي هَذِهِ خِيَارٌ.

 

كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (4/ 475)

وفي الحديث: فضلُ الصدق، والحت عليه، وذمُّ الكذب، والحثُّ على اجتنابه، وأنه سبب لذهاب البركة، وأن عمل الآخرة يحصِّل خير الدنيا والآخرة بملازمة الصدق واتباعه

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 99)

هذا الحديث أصل في بيان المعاملات النافعة، والمعاملات الضارة وأن الفاصل بين النوعين: الصدق والبيان.

فمن صدق في معاملته، وبين جميع ما تتوقف عليه المعاملة من الأوصاف المقصودة، ومن العيوب والنقص. فهذه معاملة نافعة في العاجل بامتثال أمر الله ورسوله، والسلامة من الإثم، وبنزول البركة في معاملته. وفي الآجلة بحصول الثواب، والسلامة من العقاب.

ومن كذب وكتم العيوب، وما في العقود عليه من الصفات فهو مع إثمه معاملته ممحوقة البركة. متى نزعت البركة من المعاملة خسر صاحبها دنياه وأُخراه.

ويستدل بهذا الأصل على تحريم التدليس، وإخفاء العيوب، وتحريم الغش، والبخس في الموازين والمكاييل والذرع وغيرها؛ فإنها من الكذب والكتمان. وكذلك تحريم النجش, والخداع في المعاملات وتلقي الجلب ليبيعهم، أو يشتري منهم2.

ويدخل فيه: الكذب في مقدار الثمن والمثمن، وفي وصف المعقود عليه، وغير ذلك.

وضابط ذلك: أن كل شيء تكره أن يعاملك فيه أخوك المسلم أو غيره ولا يخبرك به، فإنه من باب الكذب والإخفاء والغش.

ويدخل في هذا: البيع بأنواعه، والإجارات، والمشاركات وجميع المعاوضات، وآجالها ووثائقها. فكلها يتعين على العبد فيها، الصدق والبيان، ولا يحل له الكذب والكتمان.

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 100)

وفي هذا الحديث: إثبات خيار المجلس في البيع، وأن لكل واحد من المتبايعين الخيار بين الإمضاء أو الفسخ، ما داما في محل التبايع. فإذا تفرّقا ثبت البيع ووجب، وليس لواحد منهما بعد ذلك الخيار إلا بسبب يوجب الفسخ، كخيار شرط، أو عيب يجده قد أخفى عليه، أو تدليس أو تعذر معرفة ثمن، أو مثمن.

والحكمة في إثبات خيار المجلس: أن البيع يقع كثيراً جداً، وكثيراً ما يندم الإنسان على بيعه أو شرائه؛ فجعل له الشارع الخيار؛ كي يتروى وينظر حاله: هل يمضي، أو يفسخ؟ والله أعلم.

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (34/ 111)

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان وجوب التحفّظ فِي البيع والشراء، وذلك لا يكون إلا بصدق كلّ واحد منهما فيما يُخبر به منْ المبيع، أو الثمن، وبيان ما فيهما منْ عيوب، فلا يجوز لمسلم أن يبيع سلعة معيبة، إلا إذا بيّن ما فيها منْ العيب، ومثله المشتري.

(ومنها): حصول البركة للمتبايعين إن حصل منهما الشرط، وهو الصدق، والتبيين، ومحقها إن وُجد ضدّهما، وهو الكذب، والكتم، وهل تحصل البركة لأحدهما، إذا وُجد المشروط، دون الآخر؟ ظاهر الْحَدِيث يقتضيه. ويحتمل أن يعود شؤم أحدهما عَلَى الآخر، بأن تُنزع البركة منْ المبيع، إذا وُجد الكذب، أو الكتم منْ كلّ واحد منهما، وإن كَانَ الأجر ثابتًا للصادق المبيّن، والوزر حاصلٌ للكاذب الكاتم.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الأول هو الظاهر؛ لظاهر الْحَدِيث، وَقَدْ تقدّم قريباً أن ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى رجّحه. والله تعالى أعلم.

(ومنها): أن الدنيا لا يتمّ حصولها إلا بالعمل الصالح، وأن شؤم المعاصي يَذهب بخير الدنيا والآخرة.

(ومنها): بيان فضل الصدق، والحثّ عليه، وأنه سبب لبركة كسب العبد.

(ومنها): ذمّ الكذب، والحثّ عَلَى تركه، وأنه سبب لذهاب البركة منْ كسب العبد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (27/ 74_75):

في فوائده:

1 - (منها): بيان وجوب الصدق في البيع والشراء، وذلك لا يكون إلا بصدق كلّ واحد منهما فيما يُخبر به من المبيع، أو الثمن، وبيان ما فيهما من عيوب، فلا يجوز لمسلم أن يبيع سلعة مَعِيبة، إلا إذا بيّن ما فيها من العيب، ومثله المشتري.

2 - (ومنها): حصول البركة للمتبايعين إذا حصل منهما الشرط، وهو الصدق، والتبيين، ومحقها إن وُجد ضدّهما، وهو الكذب، والكتم، وهل تحصل البركة لأحدهما، إذا وُجد المشروط، دون الآخر؟ ظاهر الحديث يقتضيه، ويَحْتَمِل أن يعود شؤم أحدهما على الآخر، بأن تُنزع البركة من المبيع، إذا وُجد الكذب، أو الكتم من كلّ واحد منهما، وإن كان الأجر ثابتًا للصادق المبيّن، والوزر حاصلٌ للكاذب الكاتم.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الأول هو الظاهر؛ لظاهر الحديث، وقد تقدّم قريبًا أن ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى رجّحه، والله تعالى أعلم.

3 - (ومنها): أن الدنيا لا يتمّ حصولها إلا بالعمل الصالح، وأن شؤم المعاصي يَذهب بخير الدنيا والآخرة.___

4 - (ومنها): بيان فضل الصدق، والحثّ عليه، وأنه سبب لبركة كسب العبد.

5 - (ومنها): ذمّ الكذب، والحثّ على تركه، وأنه سبب لذهاب البركة من كسب العبد.

6 - (ومنها): بيان أن عمل الآخرة يُحَصّل خيري الدنيا والآخرة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

موارد الظمآن لدروس الزمان (5/ 241_242) لعبد العزيز السلمان :

مِمَّا يَتَأَكَّدُ اجْتِنَابُهُ وَالتَّحْذِيرِ عَنْهُ وَإِنْكَارُهُ، الغِشُّ وَالخِدَاعُ فِي المُعَامَلاتِ___فَإِنَّ الإِسْلامَ يُحَرِّمُ ذَلِكَ بِكُلِّ صُورَةٍ، فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَفِي سَائِرِ أَنْوَاعِ المُعَامَلاتِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَالمُسْلِمُ مُطَالَبُ بِالتْزَامِ الصَّدْقِ فِي كُلِّ شُؤُونِهِ، وَالنَّصِيحَةُ فِي الدِّينِ أَغْلا مِنْ كُلِّ كَسْبٍ

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (2/ 1091)

وفي الحديث دليل: على ثبوت خيار المجلس.

وفيه دليل: على وجوب الصدق في البيوع؛ بذكر مقدار أصل الثمن في الإخبار، وما في الثمن أو السلعة من عيب وغيره.

وفيه دليل: على تحريم الكذب في ذلك.

وفيه: الحث على تعاطي الصدق، وعلى منع تعاطي الكذب.

وفيه: أنَّ الصدق سبب البركة، والكذب سبب لمحقها.

وفيه دليل: على ذكر الصدق، وإن ضرَّ ظاهرًا، وعلى ترك الكذب، وإن زاد ظاهرًا؛ فإنه يضرُّ باطنًا وظاهرًا، والله أعلم." اهـ



[1] وفي المعلم بفوائد مسلم (2/ 255): "وهذه التأويلات عندي لا يصح الاعتماد عليها. أما استعمال التفرق في الأقوال، فلا شك أن استعماله في الأبدان أظهر منه، والأخذ بالظاهر أولى." اهـ

وقال الترمذي كما في تحفة الأحوذي (4/ 374) :

وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالُوا: «الفُرْقَةُ بِالأَبْدَانِ لَا بِالكَلَامِ» وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا»، يَعْنِي: الفُرْقَةَ بِالكَلَامِ، وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ هُوَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا رَوَى وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوجِبَ البَيْعَ مَشَى لِيَجِبَ لَهُ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ

[2] وفي الاستذكار (6/ 473) :

"وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا)) مِنْ أَثْبَتُ مَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْعُدُولِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْقَوْلِ به وادعا النَّسْخِ فِيهِ وَتَخْرِيجِ مَعَانِيهِ". اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين