شرح الحديث 11 من بلوغ المرام لأبي فائزة البوجيسي

11 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:

"أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ, فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ, وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ والطِّحَالُ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ ضَعْفٌ

 

ترجمة عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي –رضي الله عنهما-

 

( خ م د ت س ق ) : عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نُفَيل بن عبد العُزَّى بن عبد الله بن قُرْط بن رِياح[1] بن رَزاح[2] بن عديِّ ابن كعب بن لُؤَيِّ بن غالب بن فهر (قريش) بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنَ إِلْيَاسَ بْنَ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ : القرشى العدوى[3]،

 

كنيته : أبو عبد الرحمن المكى ثم المدنى،

 

إسلامه وفضائله:

 

أسلم قديما مع أبيه و هو صغير لم يبلغ الحلم ، و هاجر معه ، و قدمه فى ثقله ، و استصغر يوم أحد ، و شهد الخندق و ما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 209)

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ آدَمَ، جَسِيْماً، إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ السَّاقَيْنِ، يَطُوْفُ.

وَقَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ لَهُ جُمَّةٌ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 204)

أَسْلَمَ وَهُوَ صَغِيْرٌ، ثُمَّ هَاجَرَ مَعَ أَبِيْهِ لَمْ يَحْتَلِمْ، وَاسْتُصْغِرَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَوَّلُ غَزَوَاتِهِ الخَنْدَقُ، وَهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 210)

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ الفَتْحَ، وَلَهُ عِشْرُوْنَ سَنَةً.

 

و هو شقيق حفصة أم المؤمنين ، أمهما زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون. اهـ .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 204)

رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً نَافِعاً عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَعَنْ : أَبِيْهِ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَبِلاَلٍ، وَصُهَيْبٍ، وَعَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَزَيْدٍ عَمِّهِ، وَسَعْدٍ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، وَأَسْلَمَ، وَحَفْصَةَ أُخْتِهِ، وَعَائِشَةَ، وَغَيْرِهِم.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 208)

عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَارَزَ رَجُلاً فِي قِتَالِ أَهْلِ العِرَاقِ، فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ

 

صحيح البخاري (9/ 40) (رقم : 7029) : عن حَفْصَةُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» فَقَالَ نَافِعٌ: «فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ»

 

وفي رواية :

صحيح البخاري (9/ 41) (رقم : 7031) : قَالَ الزُّهْرِيُّ: «وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ مِنَ اللَّيْلِ»

 

و قال عبد الله بن مسعود : أن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر .

 

و قال جابر بن عبد الله : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا مالت به و مال بها ، إلا عبد الله بن عمر .

 

و قال سعيد بن المسيب : مات ابن عمر يوم مات ، و ما فى الأرض أحد أحب إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منه .

 

و قال الزهرى : لا نعدل برأى ابن عمر ، فإنه أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة، فلم يخف عليه شىء من أمره ، و لا من أمر أصحابه .

 

و قال مالك : بلغ ابن عمر ستا و ثمانين سنة ، وافى فى الإسلام ستين سنة تقدم عليه وفود الناس .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 211)

وَعَنْ عَائِشَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَلْزَمَ لِلأَمْرِ الأَوَّلِ مِنِ ابْنِ عُمَرَ.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بنُ العَلاَءِ المَازِنِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيْقٍ، قَالَ:

قَالَتْ عَائِشَةُ لابْنِ عُمَرَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَنْهَانِي عَنْ مَسِيْرِي؟

قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْكِ، وَظَنَنْتُ أَنَّكِ لَنْ تُخَالِفِيْهِ - يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ -.

قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَاتَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ فِي الفَضْلِ مِثْلُ أَبِيْهِ.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 213)

عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:

لَوْ نَظرْتَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ إِذَا اتَّبعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقُلْتَ: هَذَا مَجنُوْنٌ

 

و قال نافع ، عن ابن عمر : عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر

و أنا ابن ثلاث عشرة ، فردنى ، و عرضت عليه يوم أحد ، و أنا ابن أربع عشرة

فردنى ، و عرضت عليه يوم الخندق و أنا ابن خمس عشرة فأجازنى .

 

و قال الزبير بن بكار: "هاجر و هو ابن عشر سنين ، و شهد الخندق وهو ابن خمس عشرة، ومات سنة ثلاث و سبعين."

 

و قال الواقدى ، و كاتبه محمد بن سعد ، و خليفة بن خياط ، و غير واحد : مات سنة أربع و سبعين .

 

قال أبو سليمان بن زبر: "وهذا أثبت، أن ابن عمر مات فى هذه السنة ، وأن أبا نعيم قد أخطأ فى ذكره فى سنة ثلاث و سبعين ، فإن رافع بن خديج مات سنة أربع ، وابن عمر حى وحضر جنازته."

 

و قال رجاء بن حيوة : أتانا نعى ابن عمر ، و نحن فى مجلس ابن محيريز ، فقال:

ابن محيريز : والله إن كنت لأعد بقاء ابن عمر أمانا لأهل الأرض .

 

و مناقبة و فضائلة كثيرة جدا .


نص الحديث:


وَعَن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:

"أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ, فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ, وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ والطِّحَالُ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ ضَعْفٌ 


تخريج الحديث:

 

سنن ابن ماجه (2/ 1102) (رقم: 3314)[4]، مسند أحمد - عالم الكتب (2/ 97) (رقم: 5723)، مسند الشافعي - ترتيب السندي (2/ 173) (رقم: 607)، المنتخب من مسند عبد بن حميد ت صبحي السامرائي (ص: 260) (رقم: 820)، الضعفاء الكبير للعقيلي (2/ 331)، سنن الدارقطني (5/ 490) (رقم: 4732)، وابن ثرثال التَّيْمِيُّ في "جُزْئِهِ" (ص: 77) (رقم: 185)، السنن الكبرى للبيهقي (1/ 384 و 9/ 432 و 10/ 12) (رقم: 1196 و 1197 و 18997 و 19697)، وفي "معرفة السنن والآثار" (13/ 466) (رقم: 18853)، السنن الصغير للبيهقي (4/ 54) (رقم: 3047)، الطب النبوي لأبي نعيم الأصفهاني (2/ 747) (رقم: 874)، شرح السنة للبغوي (11/ 244) (رقم: 2803).

 

فتح الباري لابن حجر (9/ 621)

"أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا وَقَالَ إِنَّ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا الْمَوْقُوفَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ." اهـ

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3/ 111) (رقم: 1118)، و"إرواء الغليل" (8/ 164 و 8/ 207) (رقم: 2526 و 2583)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 102) (رقم: 210)

 

من فوائد الحديث:

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 103)

قوله: "أحلت لنا ميتتان ودمان" هذا كالاستثناء من قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم} [المائدة: 3]. ومعلوم أن الميتة والدم نجسان؛ لأنهما حرام، وقد ذكرنا قبل أن كل حيوان محرم فهو نجس، والدليل قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة}. يعني: إلا أن يكون المطعوم ميتة، {أو دما مسفوحا}. هذه اثنين {أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام: 145].

{فإنه} الضمير يعود على ما سبق، يعني: على المطعوم الذي وجده محرما؛ أي: فإن هذا المطعوم رجس، وليس عائدا على لحم الخنزير كما قال بعضهم، بل هو عائد على ما وجده الرسول - عليه الصلاة والسلام- محرما، فقوله: {فإنه رجس} هذه علة للتحريم، ففهمنا أن جميع المحرمات من الحيوانات نجسة ويأتينا - إن شاء الله- أنه يستثنى منها شيء.

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 145_146):

"* ما يؤخذ من الحديث:

1 - تحريم الدم المسفوح؛ أخذًا من إباحة الدمين المذكورين في الحديث؛ فاستثناء حل بعض الشيء دليلٌ على حرمة الباقي، وله أدلَّةٌ أخرى معروفة.

2 - تحريم الميتة، وهي ما ماتت حتف أنفها، أو ذكيت تذكية غير مشروعة.

3 - أنَّ الكبد والطِّحال حلالان وطاهران.

4 - أنَّ ميتة الجراد والحوت طاهرة وحلال...___

5 - الحديث دليل على أنَّ السمك والجراد إذا ماتا في ماءٍ، فإنَّه لا يَنْجُسُ قليلاً كان الماء أو كثيرًا، ولو تغير طعمه أو لونه أو ريحه، فإنَّه لم يتغير بنجاسة، وإنَّما تغير بشيءٍ طاهرٍ، وهذا وجه سياق الحديث في باب المياه.

 

حجة الله البالغة (2/ 282)

الكبد وَالطحَال عضوان من أَعْضَاء بدن الْبَهِيمَة لكنهما يشبهان الدَّم فأزاح النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشّبَه فيهمَا وَلَيْسَ فِي الْحُوت وَالْجَرَاد دم مسفوح فَلذَلِك لم يشرع فيهمَا الذّبْح

 

سبل السلام (1/ 35)

وَيَدُلُّ عَلَى حِلِّ مَيْتَةِ الْجَرَادِ عَلَى أَيِّ حَالٍ وُجِدَتْ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَرَادِ شَيْءٌ، سَوَاءٌ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِسَبَبٍ.

وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ اشْتَرَطَ مَوْتَهَا بِسَبَبٍ عَادِيٍّ، أَوْ بِقَطْعِ رَأْسِهَا، إلَّا حُرِّمَتْ. وَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حِلِّ مَيْتَةِ الْحُوتِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ وُجِدَ، طَافِيًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.

 

نيل الأوطار (8/ 169)

وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى حِلِّ أَكْلِ الْجَرَادِ. وَفَصَّلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَيْنَ جَرَادِ الْحِجَازِ وَجَرَادِ الْأَنْدَلُسِ، فَقَالَ فِي جَرَادِ الْأَنْدَلُسِ: لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ، وَهَذَا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَضُرُّ آكِلَهُ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ سُمِّيَّةٌ تَخُصُّهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ جَرَادِ الْبِلَادِ تَعَيَّنَ اسْتِثْنَاؤُهُ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى حِلِّ أَكْلِ الْجَرَادِ وَلَوْ مَاتَ بِغَيْرِ سَبَبٍ

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 415)

وقال ابن قدامة (ج 8: ص 572) : يباح أكل الجراد بإجماع أهل العلم وقد قال عبد الله بن أبي أوفى: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات نأكل الجراد. رواه البخاري. ولا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب في قول عامة أهل العلم منهم الشافعي وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي وابن المنذر

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 103)

فيستفاد من هذا الحديث فوائد:

الفائدة الأولى: أنه ليس للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحلل إلا بإذن الله لقوله: "أحلت لنا"، وهذا مبني على صحة الحديث مرفوعا، وسنتكلم عليه - إن شاء الله تعالى- أو نتكلم عليه الآن.

الحديث يقول المؤلف أنه فيه ضعف، وقد صححه جماعة من الحفاظ صححوه موقوفا على من؟ على ابن عمر، فيكون من قول ابن عمر، ولكن نقول: إن قول ابن عمر "أحلت لنا ميتتان ودمان" في حكم المرفوع؛ لأنه يتكلم عن حكم شرعي، ولا يمكن أن يأتي به من عنده؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه، وعلى هذا فيكون إن لم يصح مرفوعا صريحا فهو مرفوع حكما.

نأخذ الفائدة الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك أن يحلل أو يحرم إلا بإذن اله، ولهذا لما نهى___

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 104)

النبي صلى الله عليه وسلم عن قربان المسجد فيمن أكل بصلا أو ثوما في يوم خيبر، قال الناس: حرمت حرمت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس لي تحريم ما أحل الله". يعني: ليس لي التحريم.

التحريم إلى من؟ إلى الله عز وجل، فإذا أحل الرسول شيئا أو حرم شيئا علمنا أن الله قد أذن له، ليس المعنى أنه إذا أحل شيئا نقول: أين الدليل أن الله حرمه، فكفى بقول الرسول صلى الله عليه وسلم دليلا، لكن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أحله ولا حرمه إلا بإذن الله.

قال لهم: "إنه ليس لي تحريم ما أحل الله، ولكنها شجرة أكره ريحها"، فدل هذا على أن محمد رسول الله لا يملك أن يحرم ثم إنه في القرآن ما يدل على هذا {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين} [الحاقة: 44 - 47].

إذن الرسول - عليه الصلاة والسلام- معصوم من أن يتقول على الله، فإذا لم يأذن له الله في تحليل شيء أو تحريمه فلن يحلله ولن يحرمه.

من فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول - عليه الصلاة والسلام- وإلقائه الخطاب، وذلك بالإجمال ثم التفصيل "ميتتان ودمان"، عندما يرد على سمع المخاطب مثل هذه تجده يتشوق ما هذا؟ ما هاتان الميتتان وهذان الدمان؟ وهذا لا شك أنه من حسن التعليم، أن الإنسان يأتي بالشيء مجملا ثم يأتي به مفصلا، وقد وصف الله آيات القرآن بذلك قال: {كتاب أحكمت ءاياته ثم فصلت} [هود: 1]. فالإجمال ثم التفصيل لا شك أنه من أساليب البلاغة البالغة.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الجراد ميتته حلال، وهذا إذا صار بفعل آدمي فلا شك في ذلك كما لو شوى الجرادة أو كبها في الماء الذي يغلي من النار هذا واضح أنه حلال؛ لأنه من فعل العبد، لكن لو وجدنا جرادا ميتا على ظهر الأرض أحلال هو أم لا؟ حلال، إلا إذا علمنا أنه مات بسم؛ يعني: أن مبيدات رشت عليه ومات، فهنا نقول: لا تأكله؛ لأن في ذلك ضررا، والدين الإسلامي قاعدته: "لا ضرر ولا ضرار".

إذا قال قائل: ما الحكمة في أن ميتته تحل وهو حيوان بري يعيش في البر؟

قال العلماء: الحكمة في ذلك: أنه ليس له دم، وأصل خبث الميتة: احتقان الدم فيها، ولذلك إذا أنهر الدم وماتت صارت حلالا، الجراد ليس فيه دم فلذلك صارت ميتته حلال، إذا كان الحيوان مما يحرم أكله لخبثه وليس له دم صار طاهرا، وقصة الذباب تعرفونها الرسول أمر "إذا وقع الذباب في شراب أجدنا أن نغمسه". وهو سوف يموت إذا كان الشراب حارا.___

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 105)

على كل حال: ما الحكمة في أن ميتة الجراد حلال؟ أنه ليس له دم، والعلة في تحريم الميتة: هو احتقان الدم فيها، ودليل ذلك: أنه إذا انهر هذا الدم صارت حلالا، أقول مرة ثانية: إذا كان الحيوان مما يحرم أكله وليس له دم، ماذا يكون؟ سكون طاهرا.

ومن فوائد هذا الحديث: حل جميع حيوانات البحر، ونسأل لو وجدت سمكة على صورة أنثى فتاة حلال أم حرام؟ حلال، جميع الحيتان حلال سواء على صورة آدمي، أو صورة سبع، أو صورة كلب لعموم قوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} [المائدة: 96]. وجه ذلك - يا إخواني-: أن {صيد} مفرد مضاف، والمفرد المضاف خذوها قاعدة مفيدة في علم الأصول، المفرد المضاف يكون عامل، اقرءوا قول الله تعالى: {واذكروا نعمت الله عليكم} [آل عمران: 103]. أي نعمة؟ كل النعم، {إن تعدوا نعمت الله لا تحصوها} [إبراهيم: 34]. إذن كل النعم؛ ولهذا قال العلماء: لو قال الرجل: "امرأتي طالق" وله أربع نساء من يطلق؟ كل النساء، ولو قال: "عبدي حر" وله أكثر من عبد؛ عتق كل العبيد ما لم ينو الواحد، إذن جميع حيتان البحر حلال حيها وميتها.

الدليل من غير هذا الحديث: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} [المائدة: 96]. قال ابن عباس رضي الله عنهما - وناهيك به علما في التفسير- قال: صيده ما أخذ حيا وطعامه ما اخذ ميتا، وإنما قال ذلك؛ لأنه لو كان المراد بالطعام الذي هو ثمار الأشجار في البحر لم يكن لتخصيص البحر فائدة؛ لأن ثمار الأشجار حلال في البر وفي البحر، إذن فالمراد بطعامه ما ذكر رضي الله عنه وهو ما أخذ من الحيتان ميتا.

ومن فوائد هذا الحديث: حل الكبد ولو كانت تقطر دما، لكن بشرط أن تكون من مذكاة مع أنها دم، ماذا نقول في دم القلب بعد الذبح، لأن القلب بعد الذبح يتحجر فيه الدم؟ ولهذا إذا شقه الإنسان صار فيه دم، أهو نجس أم طاهر؟ أحلال أو حرام؟ حلال.

فإذا قال قائل: لماذا لم يذكر في الحديث؟

نقول: لأن دم القلب خفي ليس ظاهرا كالكبد والطحال فهو خفي كالدم الذي في العروق؛ ولهذا لدينا ضابط اضبطوه: جميع الدم الذي يكون بعد الذكاة حلال طاهر ولو كان أحمر، ولو تغير به القدر؛ لأنه لما تمت الذكاة صارت جميع البهيمة حلالا طيبا.

إذن الدم الذي يبقى في اللحم والعروق وفي جوف القلب حكمه طاهر حلال.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الأصل في الميتات التحريم، الدليل: أحل ميتتان، يعني: غير هذا حرام، ويؤخذ هذا من المنطوق أو من المفهوم؟ من المفهوم، يعني: وحرم علينا ما سواهما، وكذلك نقول في الدم.___

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 106)

الأصل في الدم أنه حرام يكون نجسا؟ نعم؛ لأننا قلنا: القاعدة كل ما حرم من الحيوان فهو نجس، وكانوا في الجاهلية كان الرجل منهم إذا نفد طعامه شق عرق ناقته ثم مصه، ومعلوم أن الدم يغذي لا شك؛ فحرم الله ذلك إلا بعد الذكاة." اهـ



[1] وفي العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين (5/ 330) لتقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسى المكي (المتوفى: 832 هـ) : براء مهملة مكسورة وياء مثناة من تحت." اهـ

[2] وفي المؤتلف والمختلف للدارقطني (2/ 992) : وأمَّا رَزَاح , بفتح الراء , هو جد عُمَر بن الخطاب بن نُفَيل بن عبد العُزَّى بن رياح عَبد الله بن قرط بن رَزَاح بن عَدِيّ بن كَعْب.

[3] وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 38) (رقم : 127) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ :

«عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنَ إِلْيَاسَ بْنَ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ»

[4]  وأخرج الشطر الأول منه ابن ماجه في سنن ابن ماجه (2/ 1073) (رقم: 3218)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين