شرح الحديث 78 من صحيح الترغيب لأبي فائزة البوجيسي

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 143)

78 - (12) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"إذا مات ابنُ آدم[1] انقطع عمله إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو عِلمٍ يُنتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له".

رواه مسلم وغيره

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1255) (رقم : 1631)، وأبو داود في سننه (3/ 117) (رقم : 2880)، والترمذي في سننه (3/ 652) (رقم : 1376)، وأحمد في مسنده (14/ 438) (رقم : 8844)، والنسائي في سننه (6/ 251) (رقم : 3651)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب (2/ 372) (رقم: 8844)، والدارمي في "سننه" (1/ 462) (رقم: 578)، والبخاري في "الأدب المفرد" (ص: 28) (رقم: 38)، وابن حبان في "صحيحه" (7/ 286) (رقم: 3016)، والطبراني في "الدعاء" (ص: 375) (رقم: 1250).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (6/ 28) (رقم: 1580)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 199) (رقم: 793)

 

من فوائد الحديث :

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 557) لفيصل بن عبد العزيز الحريملي :

"فيه : دليل على أن عمل ابن آدم ينقطع بعد الموت، لقوله تعالى {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم (39) ] .

قال ابن كثير: ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن تبعه أن القراءة لا يصل إهداؤها، إلى الموتى لأنه ليس من عملهم، ولا كسبهم.

وأما حديث : «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث» ، فهي في الحقيقة من سعيه وكده وعمله. انتهى ملخصًا." اهـ[2]

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 303) للزيداني :

"إذا مات الإنسان لا يكتب له بعد موته أجر وثواب؛ لأن الأجر جزاء العمل الصالح، والعملُ ينقطعُ بموتِ الرَّجل إلا إذا فعل فعلًا في الحياة يدوم خيره، وإذا كان كذلك يلحقه أجره." اهـ[3]

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 304)

الولد كشجرةِ مثمرة، فكما أن من غرس شجرة مثمرة يحصل له ثواب بأكل تلك الثمرة، سواء يدعو آكلها للغارس أو لا يدعو، فكذلك الأب كالغارس، والولد الصالح كالشجرة المثمرة، فهذا مثل قوله: "من سنَّ سُنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 304)

فإن كان الولد سيئًا لا يلحق من سيئاته إلى الأب إثم؛ لأن نيَّةَ الأب في طلب الولد الخير لا الشر؛ لأن نيته في طلب الولد أن يحصل له ولد صالح يعبد الله ويحصل منه الخير إلى الناس، وإنما يصل من شر الولد إلى الأب نصيبٌ أن يعلِّمَ الأبُ الولدَ شرًا كالسرقة وشرب الخمر وغيرهما من المعاصي.

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 102)

دار الدنيا جعلها الله دار عمل، يتزود منها العباد من الخير، أو الشر، للدار الأخرى، وهي دار الجزاء. وسيندم المفرطون إذا انتقلوا من هذه الدار، ولم يتزودوا لآخرتهم ما يسعدهم، وحينئذ لا يمكن الاستدراك. ولا يتمكن العبد أن يزيد حسناته مثقال ذرة، ولا يمحو من سيئاته كذلك." اهـ[4]

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 413_414) :

"وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله :

"هذه الثلاث الخصال إنما جرى عملها بعد الموت على من نُسبت إليه؛ لأنه تسبّب في ذلك، وحَرَصَ عليه، ونواه، ثم إن فوائدها متجدّدة بعده دائمة، فصار كأنه باشرها بالفعل، وكذلك حكم كلّ ما سنّه الإنسان من الخير، فتكرّر بعده، بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من سنّ سُنّةً في الإسلام حسنة، كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة"، رواه مسلم. وإنما___خصّ هذه الثلاثة بالذكر في هذا الحديث؛ لأنها أصول الخير، وأغلب ما يَقصد أهل الفضل بقاءه بعدهم، والصدقة الجارية بعد الموت هي: الْحُبُسُ، فكان حجةَ على من يُنكر الْحُبُس. وفيه ما يدلّ على الحضّ على تخليد العلوم الدينيّة بالتعليم، والتصنيف، وعلى الاجتهاد في حمل الأولاد على طريق الخير والصلاح، ووصيّتهم بالدعاء عند موته، وبعد الموت. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله_." اهـ[5]

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 102_104) للعلامة السعدي :

"وانقطع عملُ العبد عنه إلا هذه الأعمالَ الثلاثةَ التي هي من آثار عمله.

الأول : الصدقة الجارية، أي: المستمر نفعها.

وذلك كالوقف للعقارات التي ينتفع بمغلها، أو الأواني التي ينتفع باستعمالها، أو الحيوانات التي ينتفع بركوبها ومنافعها، أو الكتب والمصاحف التي ينتفع باستعمالها والانتفاع بها، أو المساجد والمدارس والبيوت وغيرها التي ينتفع بها.

فكلها أجرها جارٍ على العبد ما دام يُنتفع بشيء منها. وهذا من أعظم فضائل الوقف. وخصوصا الأوقاف التي فيها الإعانة على الأمور الدينية، كالعلم والجهاد، والتفرغ للعبادة، ونحو ذلك.

ولهذا اشترط العلماء في الوقف: أن يكون مصرفه على وجهةِ برٍّ وقربةٍ.____

الثاني : العلم الذي ينتفع به من بعده، كالعلمِ الذي علمه الطلبة المستعدين للعلم، والعلمِ الذي نشره بين الناس، والكتبِ التي صنفها في أصناف العلوم النافعة.

وهكذا كل ما تسلسل الانتفاع بتعليمه مباشرةً، أو كتابةً، فإن أجره جارٍ عليه. فكم من علماء هداة ماتوا من مئات من السنين، وكتبهم مستعملةٌ، وتلاميذهم قد تسلسل خيرهم. وذلك فضل الله.

الثالث: الولد الصالح - ولد صلب، أو ولد ابن، أو بنت، ذكر أو أنثى -،

ينتفع والده بصلاحه ودعائه. فهو في كل وقت يدعو لوالديه بالمغفرة والرحمة، ورفع الدرجات، وحصول المثوبات.

وهذه المذكورة في هذا الحديث هي مضمون: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12][6]

فما قدموا : هو ما باشروه من الأعمال الحسنة أو السيئة.

وآثارهم: ما ترتب على أعمالهم، مما عمله غيرهم، أو انتفع به غيرهم.

وجميع ما يصل إلى العبد من آثار عمله ثلاثة:

الأول: أمور عمل بها الغير بسببه وبدعايته وتوجيهه.

الثاني: أمور انتفع بها الغير أيَّ نفعٍ كان، على حسب ذلك النفع باقتدائه به في الخير.

الثالث: أمور عملها الغير وأهداها إليه، أو صدقة تصدق بها عنه أو دعا له، سواء أكان من أولاده الحسيين أو من أولاده الروحيين الذين تخرجوا بتعليمه، وهدايته وإرشاده، أو من أقاربه وأصحابه المحبين، أو من عموم____المسلمين، بحسب مقاماته في الدين، وبحسب ما أوصل إلى العباد من الخير، أو تسبب به، وبحسب ما جعل الله له في قلوب العباد من الود الذي لا بد أن تترتب عليه آثاره الكثيرة التي منها: دعاؤهم، واستغفارهم له.

وكلها تدخل في هذا الحديث الشريف.

وقد يجتمع للعبد في شيء واحد عدة منافع، كالولد الصالح العالم الذي سعى أبوه في تعليمه، وكالكتب التي يقفها أو يهبها لمن ينتفع بها." اهـ

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 104) :

"ويستدل بهذا الحديث على الترغيب في التزوج الذي من ثمراته حصول الأولاد الصالحين، وغيرها من المصالح، كصلاح الزوجة وتعليمها ما تنتفع به، وتنفع غيرها. والله أعلم." اهـ[7]

 

شرح رياض الصالحين (4/ 567) للعثيمين :

"يتأكد علينا أن نحرص غاية الحرص على صلاح أولادنا لأن صلاحهم صلاح لهم وخير حيث يدعون لنا بعد الموت." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (4/ 567_568) :

"وأفضل هذه الثلاثة : العلم، الذي يُنتفع به،

وأضرب لكم مثلاً، بل أمثالا كثيرةً : أبو هريرة _رضي الله عنه_ من أفقه الصحابة بعد الرسول _صلى الله عليه وسلم_، يَسْقُط أحيانا على الأرض من شدة الجوع،

ومع ذلك أكثر المسلمين الآن لا يقرءون إلا رواياتِه، فهو الذي نقل لنا هذه الأحاديثَ، وهي صدقة جارية، إذًا ما قورنت بأي صدقات أخرى في عهده.

الإمام أحمد شيخ الإسلام ابن تيمية يُدَرِّسُنَا، وهو في قبره، لأن كتبه بين أيدينا،

أكبرُ خليفة، أكبرُ تاجر في عهد ابن تيمية _رحمه الله_، هل وصل خيرهم إلينا اليومَ أبدا؟! إذا العلم أنفع____الثلاثةِ،

فـ(الصدقة الجارية) قد تتعثر، و(الولد الصالح) قد يموت،

لكن العلم النافع الذي ينتفع به المسلمون باقٍ إلى ما شاء الله،

فاحرص أخي على العلم فهو لا يعدله شيء كما قال الإمام أحمد لمن صحت نيته فاحرص على العلم الشرعي وعلى مساعداته كالنحو وما أشبه ذلك حتى ينفعك الله وينفع بك والله الموفق" اهـ[8]

 

شرح رياض الصالحين (5/ 439_440) للعثيمين :

"وفي هذا : دليل على أن الدعاء لأبيه وأمه وجدِّه وجدتِّه أفضلُ من الصدقة عنهم، وأفضل من الصلاة لهم، وأفضل من الصيام لهم، لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لا يمكن أن يدل أمته إلا على خير ما يعلمه لهم، (ما من نبي بعثه الله إلا دل أمته على خير ما يعلمه لهم)[9]،

فلو علم الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أن كونك تتصدق عن أبيك وأمك أفضلُ من الدعاء لقال في الصدقة ما قال في الدعاء،

فلما عدل عن الصدقات والصيام والصلاة وقراءة القرآن، _والمقام مقام تحدث عن الأعمال_، لما عدل عن هذه الأعمال إلى الدعاء، علمنا يقينا _لا إشكال فيه_ : أن الدعاء أفضل من ذلك،

فلو سألنا سائل : أيهما أفضل أتصدق لأبي أو ادعو له قلنا الدعاء أفضل لأن رسول الله____هكذا أرشدنا، فقال : «أو ولد صالح يدعو له»،

والعجيب أن العوام وأشباه العوام يظنون أن الإنسان إذا تصدق عن أبيه، أو صام يوما لأبيه، أو قرأ حزبا من القرآن لأبيه أو ما أشبه ذلك، يرون أنه أفضل من الدعاء.

ومصدر هذا، هو الجهل، وإلا فمن تدبر النصوص علم أن الدعاء أفضل، ولهذا لم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم في أي حديث بحرف واحد إلى العمل الصالح يجعله الإنسان لوالده أبدا.

قال الإمام مالك أنه حصلت قضايا أعيان يسأله الصحابة هل يتصدقوا عن أبيه وهو ميت وعن أمه وهي ميتة فيقول : نعم لا بأس لكنه لم يحث الأمة على ذلك ولم يرشدهم إلى هذا لكن سئل في قضايا أعيان سعد بن عبادة رضي الله عنه سأله هل يتصدق بحائطه يعني ببستانه عن أمه بعد موتها قال الرسول: "نعم."

وجاءه رجل قال: يا رسول الله إن أمي أفتلتت نفسها يعني ماتت بغتة أفأتصدق عنها قال: "نعم"،

لكن ما أراد أن يشرع تشريعا عاما للأمة." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (6/ 657) للعثيمين :

فالمساجد أحب البقاع إلى الله لأنها محل ذكره وعبادته وقراءة شرعه وغير ذلك من مصالح الدنيا والدين ولهذا كان بذل المال فيها من أفضل أنواع البذل والبذل فيها من الصدقة الجارية وهي أفضل من أن يجعل الإنسان ماله في أضحية أو عشاء أو ما أشبه ذلك فإذا جعل ماله في بناء المساجد وعمارتها كان ذلك أفضل لأن المساجد صدقة جارية باقية عامة كل المسلمين ينتفعون بها المصلون والدارسون والمتعلمون والمعلمون والذين آواهم البرد أو الحر إلى المساجد إلى غير ذلك

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 373) للقاضي عياض اليحصبي :

"وفيه : دليلٌ على جواز الوقف والحبس، ورَدٌّ على من منعه مِن الكوفيين؛ لأن الصدقة الجارية بعد الموت إنما تكون بالوقوف.[10]

وفى هذا : دليل على أنه لا يجزئ عمل الأبدان من صلاة وصيام ولا نيابة فى غير المال الذى نص عليه ونفى غيره.

 

معالم السنن (4/ 89)

قال الشيخ: فيه دليل على أن الصوم والصلاة وما دخل في معناهما من عمل الأبدان لا تجري فيها النيابة.[11]

وقد يستدل به من يذهب إلى أن من حج عن ميت فإن الحج في الحقيقة يكون للحاج دون المحجوج عنه وإنما يلحقه الدعاء ويكون له الأجر في المال الذي أعطى ان كان حج عنه بمال.

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (8/ 62)

قَالَ الْمُنَاوِيُّ : "وَفَائِدَةُ تَقْيِيدِهِ بِالْوَلَدِ مَعَ أَنَّ دُعَاءَ غَيْرِهِ يَنْفَعُهُ : تَحْرِيضُ الْوَلَدِ عَلَى الدُّعَاءِ." اهـ[12]

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 304) للزيداني :

"قوله: "يدعو له" إنما قال هذا لتحريض الولد على الدُّعاء لأبيه، لا لأنه لو لم يدعُ الولد لا يلحق والده منه ثواب، بل يحصل له، فكما أن الأب يحصل له ثواب من الولد فكذلك الأم يحصل لها ثواب من ولدها بل ثوابها أكثر؛ لأن حقَّها على الولد أكثر." اهـ

 

شرح النووي على مسلم (11/ 85) :

"وَ [فيه][13] بَيَانُ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَالْحَثُّ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَالتَّرْغِيبُ فِي تَوْرِيثِهِ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّصْنِيفِ وَالْإِيضَاحِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَارَ مِنَ الْعُلُومِ الْأَنْفَعَ فَالْأَنْفَعَ،

وَفِيهِ : أَنَّ الدُّعَاءَ يَصِلُ ثَوَابُهُ إِلَى الْمَيِّتِ،

وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ، وَهُمَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ قَضَاءُ الدَّيْنِ كَمَا سَبَقَ،

وَأَمَّا الْحَجُّ : فَيَجْزِي عَنِ الْمَيِّتِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ، وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ :

* إِنْ كَانَ حَجًّا وَاجِبًا،

* وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، وصى به، فهو مِنْ بَابِ الْوَصَايَا.

وَأَمَّا إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، فَالصَّحِيحُ : أَنَّ الْوَلِيَّ يَصُومُ عَنْهُ، وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ.

وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَجَعْلُ ثَوَابِهَا لِلْمَيِّتِ وَالصَّلَاةُ عَنْهُ وَنَحْوُهُمَا : فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهَا لَا تَلْحَقُ الْمَيِّتَ، وَفِيهَا خِلَافٌ وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْحِ في شرح مقدمة صحيح مسلم." اهـ

 

الترغيب والترهيب للمنذري – ت. عمارة (1/ 110)

وناسخ العلم النافع له أجره وأجر من قرأه أو نسخه أو عمل به من بعده ما بقي خطه والعمل به، لهذا الحديث وأمثاله، وناسخ غير النافع مما يوجب الاثم عليه وزره ووزر من قرأه، أو نسخه، أو عمل به من بعده ما بقي خطه، والعمل به لما تقدم من الأحاديث: من سنّ سنة حسنة أو سيئة، والله أعلم.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 414) للإثيوبي :

"جعل الشارع الولد من جملة كسب الإنسان، فقد أخرج ابن ماجه بإسناد صحيح، من حديث عائشة -رضي الله عنها-، مرفوعًا : "إن أطيب ما أكل الإنسان من كسب يده، وإن ولده من كسبه"[14]،

فسمّاه كسبًا، كما عدّه في هذا الحديث من أعماله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 415_416) للإثيوبي :

"في فوائده :

1 - (منها): بيان ما يلحق الإنسان بعد موته من الثواب، وهو ثواب الصدقة الجارية، وهو يعمّ ما فعله الإنسان قبل موته، مِنْ وَقْف، ونحوه، مما له البقاء بعد موته.

2 - (ومنها): أن فيه دليلًا على صحّة الوقف، وعظيم ثوابه، والردّ على من أنكر ذلك.

3 - (ومنها): أن فيه فضيلة العلم، والحثّ على الاستكثار منه، والترغيب في توريثه بالتعليم، والتصنيف، والإيضاح، وأنه يُختار من العلوم الأنفع، فالأنفع.

4 - (ومنها): أن فيه فضيلة الزواج؛ لرجاء ولد صالح، وقد سبق في "كتاب النكاح" بيان اختلاف أحوال الناس فيه، وأوضحنا ذلك هناك، ولله الحمد والمنّة.

5 - (ومنها): أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، وكذلك الصدقة[15]، وهما مجمعٌ عليهما، وكذلك قضاء الديون، وأما الحجّ فيجزي عن الميت عند الشافعيّ، وموافقيه، وهو الحقّ، كما تقدّمت أدلّته في "كتاب الحجّ"، قال____النوويّ : وهذا داخل في قضاء الدَّين إن كان حجًّا واجبًا، وإن كان تطوّعًا وأوصى به، فهو من باب الوصايا، وأما إذا مات، وعليه صيامٌ، فالصحيح أن الوليّ يصوم عنه؛ لصحّة أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وأما قراءة القرآن، وجَعْل ثوابها للميت، والصلاة عنه، ونحوهما، فمذهب الشافعيّ، والجمهور أنها لا تَلْحَق الميت، وفيها خلاف. انتهى كلام النوويّ رحمه الله.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الجمهور عندي هو الأرجح؛ لعدم دليل صحيح على وصول ثواب القرآن، ونحوه إلى الأموات، فمن جاءنا بنصّ صحيح صريح لذلك، فعلى الرأس والعين، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}." اهـ

 

صحيح ابن حبان - مخرجا (7/ 286)

ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ عُمُومَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ انْقَطَعَ عَمَلُهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا كُلَّ الْأَعْمَالِ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (30/ 158_159):

"في فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان فضل الصدقة عن الميت، ووجه ذلك أنه حمل معنى الصدقة الجارية على الصدقة التي يُجريها وليّ الميت بعد موته، فيلحقه ثوابها، مع أن أعماله انقطعت، وهذا فيه الفضل العظيم للصدقة، لكن تقدّم أن الأولى حمل الحديث على أعمّ من ذلك، فيدخل فيه أيضًا ما فعله الميت قبل موته من وقف، ونحوه، مما له البقاء بعد موته. واللَّه تعالى أعلم.

(ومنها): أن فيه دليلاً على صحّة الوقف، وعظيم ثوابه، والردّ على من أنكر ذلك.

(ومنها): أن فيه فضيلة العلم، والحث على الاستكثار منه، والترغيب في توريثه بالتعليم، والتصنيف، والإيضاح، وأنه يختار من العلوم الأنفع، فالأنفع.

(ومنها): أن فيه فضيلة الزواج؛ لرجاء ولد صالح، وقد تقدّم ما يتعلّق بفضل النكاح في "كتاب___النكاح".

(ومنها): أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، وكذلك الصدقة، وهما مجمعٌ عليهما، وكذلك قضاء الديون، وأما الحجّ فيجزي عن الميت عند الشافعيّ، وموافقيه، وهو الحقّ، كما تقدّمت أدلّته في "كتاب الحجّ".

قال النوويّ: وهذا داخل في قضاء الدين إن كان حجَّا واجبّا، وإن كان تطوّعًا وأصى به، فهو من باب الوصايا، وأما إذا مات، وعليه صيامٌ، فالصحيح أن الوليّ يصوم عنه؛ لصحّة أمر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بذلك. وأما قراءة القرآن، وجعل ثوابها للميت، والصلاة عنه، ونحوهما، فمذهب الشافعيّ، والجمهور أنها لا تلحق الميت، وفيها خلاف. انتهى كلام النوويّ ["شرح مسلم" (11/ 88)].

قال الجامع _عفا اللَّه تعالى عنه_:

ما قاله الجمهور عندي هو الأرجح؛ لعدم دليل صحيح على وصول ثواب القرآن، ونحوه إلى الأموات، فمن جاءنا بنصّ صحيح صريح لذلك، فعلى الرأس والعين، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل." اهـ

 

الروح (ص: 122)

أخْبر أَنه إِنَّمَا ينْتَفع بِمَا كَانَ تسبب إِلَيْهِ فِي الْحَيَاة وَمَا لم يكن قد تسبب إِلَيْهِ فَهُوَ مُنْقَطع عَنهُ

 

وقال محمد بن محمد بن محمد، شمس الدين الْمَنْبِجِيُّ[16] (المتوفى: 785هـ) _رحمه الله_ في "تسلية أهل المصائب" (ص: 35):

"واعلم أن النية في طلب الولد وفقده وقصد بقائه، إذا صحت النية حصل الثواب الجزيل على النيتين جميعاً، لأن الأعمال بالنيات." اهـ

 

وقال محمد بن محمد بن محمد، شمس الدين الْمَنْبِجِيُّ[17] (المتوفى: 785هـ) _رحمه الله_ في "تسلية أهل المصائب" (ص: 52):

"البكاء لا ينفع الميت بل ينفعه العمل الصالح، وليعلم أن البكاء المجرد، ليس فيه منفعة للميت البتة وإنما ينفعه عمله." اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 303)

الأجر جزاء العمل الصالح، والعملُ ينقطعُ بموتِ الرَّجل إلا إذا فعل فعلًا في الحياة يدوم خيره، وإذا كان كذلك يلحقه أجره

حاشية السيوطي على سنن النسائي (6/ 251)

قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ إِنَّمَا أَجْرَى عَلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ الثَّوَابَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِوُجُودِ ثَمَرَةِ أَعْمَالِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ كَمَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي حَيَاتِهِمْ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 285)

إِنَّ فَائِدَتَهَا لَا تَنْقَطِعُ عَنْهُ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يُثِيبُ الْمُكَلَّفَ بِكُلِّ فِعْلٍ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ بِوَجْهِ مَا عَلَى كَسْبِهِ، سَوَاءٌ فِيهِ الْمُبَاشَرَةُ وَالتَّسَبُّبُ." اهـ

 

البدر التمام شرح بلوغ المرام (6/ 399_400):

"الحديث فيه دلالة على أنه لا ينقطع ثواب هذه الثلاثة الأشياء بالموت، وأنه يجري بعد الموت،

قال العلماء _رحمهم الله تعالى_:

معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة؛ لكونه كان سببها؛ فإن الولد من كسبه، وكذلك الذي خلَّفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف.

وفيه: دلالة على فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح، وسيأتي في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى، اختلاف أحوال الناس فيه،

وعلى فضيلة العلم والحث على الاستكثار منه، والترغيب في توريثه بالتعليم والتصنيف والإيضاح، وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع،

وعلى أن الدعاء___يصل ثوابه إلى الميت من الولد، وكذلك غيره؛ وهو الصدقة وقضاء الدين، وهو مجمع على ذلك، وأما الحج فيجزئ عن الميت." اهـ

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (5/ 99_100):

"ما يؤخذ من الحديث:

1 - المؤلف ذكر هذا الحديث في هذا الباب؛ لأنَّ الوقف من الصدقة الجارية.

2 - أول من وقف في الإسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، كما أخرج ابن أبي شيبة: "إنَّ أول من وقف في الإسلام وقف عمر" وسيأتي إن شاء الله.

3 - الدنيا جعلها الله تعالى دار عمل يتزود منها العباد من الخير، أو يحملون معهم من الشر للدار الأخرى، التي هي دار الجزاء، وسيفلح المؤمنون، كما سيخسر المفرطون.

4 - إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاَّ من هذه الأعمال الثلاثة، التي هي من آثار عمله، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12].

5 - الأول: الصدقة الجارية كوقف العقار الذي ينتفع به، والحيوان المنتفع بركوبه، والأواني المستعملة، وكتب العلم، والمصاحف الشريفة، والمساجد والربط، فكل هذه وأمثالها أجرها جار على العبد ما دامت باقية، وهذا أعظم فضائل الوقف النافع الذي يعين على الخير، والأعمال الصالحة من علمٍ وجهادٍ وعبادةٍ، ونحو ذلك.___

6 - من هذا نستدل على أنَّ الوقف الشرعي الصحيح هو ما كان على جهة بر من قريبٍ، أو فقيرٍ، أو جهةٍ خيريةٍ نافعة.

7 - الثاني: العلم الذي يُنتفع به بعد وفاته من طلاب محصلين ينشرون العلم، وكتب مؤلفة يستفاد منها، أو كتب طبعها وأعان على نشرها بين الناس، ففي الحديث الصحيح؛ "لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لكَ من حُمْر النَّعَم".

8 - الثالث: الولد الصالح، سواء كان ولد صلب، أو ولد ولد، ذكرًا كان أو أنثى، فينتفع بدعائه وإهدائه القُرب والأعمال الصالحة إليه، وإذا عبد الله تعالى استفاد والده، أو جده من عمله.

9 - قد يجتمع للعبد الثلاثة كلها، بأن يجعل صدقة جارية، ويستفاد من عليه، أو نشره الكتب، ويكون له ذرية صالحون، يدعون له، ويهدون إليه الأعمال الصالحة، ففضل الله واسع.

10 - قال ابن الجوزي: من علم أنَّ الدنيا دار سباق، وتحصيل الفضائل، وأنَّه كلما علت مرتبته في علم وعمل، زادت مرتبته في دار الجزاء، أنهب الزمان، ولم يُضِعْ لحظة، ولم يترك فضيلة تمكنه إلاَّ حصلها، ومن وُفِّق لهذا فليغتنم زمانه بالعلم، وليصابر كل محنةٍ وفقرٍ إلى أن يحصل له ما يريد." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (4/ 279_281):

"وفي هذا الحديث فوائد:

أولاً: الحث على العمل الصالح والمبادرة به؛ لقوله: "إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله"،

والإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت؛ فإذا كان لا يدري متى يفجؤه الموت، وقد علم أنه إذا مات انقطع عمله. أوجب له ذلك كثرةَ العمل الصالح، والمبادرةَ به، وعدمَ الكسلِ والتهاونِ.

ومن فوائد الحديث: فضيلة الصدقة الجارية لقوله: "إلا من ثلاثٍ: صدقة جارية".___

ومن فوائده أيضًا: فضيلة العلم، وأن الإنسان إذا خلَّف علمًا، وانتفع الناس به بعد موته، فهو عمل له يكسب به أجرًا،

الغالب أن انتفاع الناس بالعلم أكثر من انتفاعهم بالمال، والدليل على ذلك أنك ترى أهل العلم الذين انتفع الناس بعلمهم سواءٌ انتفعوا بروايتهم أو بتفقههم، تجد انتفاع الناس بهم مُنْذُ سنواتٍ عديدةٍ،

والصدقات الجارية تندثر وتزول، انظر مثلاً: صدقة عمر رضي الله عنه التي تصدق بها في خيبر، أين هي؟ تَلِفَتْ!

انظر إلى علم أبي هريرة تجده باقيًا، وكذلك عِلْمُ عمر فيما رواه عن النبي _صلى الله عليه وسلم_، وفيما رواه تفقهًا،

إنما العلم أعظم نفعًا، وأكثر وأعم من الصدقة الجارية.

ومن فوائد الحديث: إثبات مشروعية الوقف، وأن الوقف ليس من الأمور البِدْعِيَّةِ، بل هو من الأمور المشروعة؛ لأنه داخل في قوله: "صدقة جارية".

ومن فوائد الحديث: الحث على نشر العلم، وأنه ينبغي لطالب العلم أن ينتهز الفرص، وألا يَدَعَ فرصةً تذهب، إلا وهو ناشر لعلمه؛ لأنه كلما انتشر العلم كثر الانتفاع بالعلم، وكلما كثر الانتفاع، كثر الأجر والثواب، فينبغي لك أن تنشر العلم.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يشترط أن يكون العلم كثيرًا وافرًا؛ لأن كلمة علم نكرة، والنكرة تدل على الإطلاق، فهو علم بلا قيد، أي علم ينتفع به؛ فإنه ينفعك بعد موتك حتى لو علَّمْتَ الناسَ بِسُنَّة من السنن الرواتب، أو بسنة مما يفعل أو يقال في الصلاة، وانتفع الناس بها بعد موتك، كان لك أجرها جاريًا كما قلت،

وجه الدلالة من الحديث: أنه مطلق "علم ينتفع به" لم يقل: "علم كثير"، فكلُّ علْمٍ يُنْتَفَعُ به ولو قَلَّ؛ فإنه يكتب للإنسان بعد موته،

هل نقول: لو أن الإنسان أوقف شيئًا على طباعة كتب العلم هل يدخل في الصدقة الجارية أو في العلم الذي ينتفع به؟ في الاثنين؛ لأنه صدقة جارية وعلم ينتفع به؛ لأن الإعانة على العلم لها أجر العلم.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يعتني بتربية أولاده على الصلاح؛ لقوله: "أو ولد صالح"

ومعلوم أن التربية لها أثر كبير في إصلاح الأولاد، وأنت إذا اتقيت الله تعالى فيهم في التوجيه والأدب اتقوا الله فيك،

وإذا أهملت حق الله فيهم فيوشك أن يهملوا حق الله فيك جزاءً وفاقًا، إذن نأخذ من كلمة "ولد صالح" أنه ينبغي _إنْ لَمْ نَقُلْ يجب_ أن يعتني بتربية أولاده على الصلاح.

ومن فوائد الحديث: أن الدعاء للميت أفضل من إهداء القرب إليه، يعني: أن تدعو له أفضل من أن تصلي له ركعتين، أو أن تتصدق عنه بدرهمين، أو أن تضحي عنه، أو أن تحج عنه، أو أن تعتمر عنه،

فالدعاء أفضل، ووجه ذلك: أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال (وهو يتحدث عن العمل): "أو ولد صالح يدعو له"

ولم يقل: "أو ولد صالح يصلي له أو يتصدق عنه أو يصوم عنه"، أو ما___أشبه ذلك،

ولهذا لم يكن من عهد السلف أن يكثروا التصدق أو العمل للأموات، وإنما حدث هذا في الأزمنة المتأخرة.

فلو سألنا سائل: "ما تقولون: أيهما أفضل أن أصوم يومًا لأبي الميت، أو أدعو له؟"

قلنا: الأفضل أن تدعو له، وصُمْ لنفسك، وادعوا الله له، ولاسيما عند الفطر،

لو سألنا: هل الأفضل أن أعتمر لأبي أو أدعو له؟

قلنا: اعتمر لنفسك وادع الله له في الطواف في السعي، وهذا هو الأحسن، وأنت أيضًا سوف تحتاج للعمل سيمر بك الذي مر على أبيك، فلا تُوَزِّعْ عَمَلَكَ على فلانٍ وفلانٍ، واجعلِ الْعمَلَ لك، وهؤلاء ادع الله لهم.

ومن فوائد الحديث: أن الأولاد غير الصالحين لا يؤمل فيه الخير؛ لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قَيَّدَ ذلك بالولد الصالح؛

فالولد غير الصالح لا يؤمل في الخير، وهذا هو الغالب أن الولد غير الصالح يكون نكدًا على أبيه وعلى أهله،

ولكن مع ذلك ينبغي للإنسان إذا وهب الله له ولدًا غير صالح أن يحرص على إصلاحه، وأن يلح على الله بالدعاء في أن يصلحه، وألا ييأس من روح الله، فكثيرًا ما يصلح الولد بعد أن كان فاسدًا،

لا يقول: "والله، عجزت، وهذا لا ينصلح حاله."

هذا لا يجوز؛ لأنك لا تدري كم أناس صلحوا بعد أن كانوا فساقًا!" اهـ

 

وقال عبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البخاري الدِّهلوي الحنفي (والمتوفى سنة 1052 هـ) _رحمه اللَّه تعالى_ في "لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح" (1/ 530)

وأما الثلاثة المذكورة في هذا الحديث فإنها أعمال محدثة بعد وفاته لا ينقطع عنه؛ لأنه سبب تلك الأعمال، فهذه الأشياء يلحقه منها ثواب طارئ خلاف أعماله التي مات عليها، كأنه ينقطع عمله المنضم إلى عمل الغير إلا عن ثلاثة، هذا حاصل كلام التُّورِبِشْتِي والطيبي، وجعل الطيبي المرابط داخلة في الصدقة الجارية، ولا يخلو عن خفاء، فتدبر، واللَّه أعلم.



[1] لم يرد في صحيح مسلم لفظ: "...إذا مات ابن آدم..."، وإنما الوارد فيه: "...إذا مات الإنسانُ..."

واللفظ الذي أورده المؤلف _رحمه الله_ إنما أخرجه ابن أبي الدنيا في "النفقة على العيال" (2/ 612) (رقم: 430) عن أبي هريرة _رضي الله عنه_

[2]  وفي إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 373) للقاضي عياض :

"عمل الميت منقطع بموته، لكن هذه الأشياء لما كان هو سببها؛ من اكتسابه : الولد، وبثه العلم عند من حمله فيه، أو إيداعه تاليفاً بقى بعده، وإيقافه هذه الصدقة - بقيت له أجورها ما بقيت ووجدت." اهـ

وفي شرح النووي على مسلم (11/ 85) :

"قَالَ الْعُلَمَاءُ : "مَعْنَى الْحَدِيثِ : أَنَّ عَمَلَ الْمَيِّتِ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ وَيَنْقَطِعُ تَجَدُّدُ الْثوَابِ لَهُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبَهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِهِ وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيمٍ أَوْ تَصْنِيفٍ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ وَهِيَ الْوَقْفُ." اهـ

[3]  وفي توضيح الأحكام من بلوغ المرام (5/ 100) :

"قال ابن الجوزي : من علم أنَّ الدنيا دار سباق، وتحصيل الفضائل، وأنَّه كلما علت مرتبته في علم وعمل، زادت مرتبته في دار الجزاء، أنهب الزمان، ولم يُضِعْ لحظة، ولم يترك فضيلة تمكنه إلاَّ حصلها، ومن وُفِّق لهذا فليغتنم زمانه بالعلم، وليصابر كل محنةٍ وفقرٍ إلى أن يحصل له ما يريد." اهـ

وانظر : الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 222) لابن مفلح، عيون الرسائل والأجوبة على المسائل (2/ 779) لعبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب آل الشيخ (المتوفى: 1293هـ).

[4]  وفي شرح رياض الصالحين (5/ 437) للعثيمين :

"وهذا الحديث فيه الحث أعني حث الإنسان على المبادرة بالأعمال الصالحة لأنه لا يدري متى يفاجئه الموت فليبادر قبل أن ينقطع العمل بالعمل الصالح الذي يزداد به رفعة عند الله سبحانه وتعالى وثوابا،

ومن المعلوم أن كل واحد منا لا يعلم متى يموت ولا يعلم أين يموت كما قال الله تعالى: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض____تموت فإذا كان الأمر كذلك فإن العاقل ينتهز الفرص فرص العمر في طاعة الله عز وجل قبل أن يأتيه الموت ولم يستعتب ولم يتب." اهـ

[5]  "المفهم" 4/ 554 - 555.

[6]  وفي "زاد المسير في علم التفسير" (3/ 519) لابن الجوزي :

"وفي (أثارهم) ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها خُطاهم بأرجُلهم، قاله الحسن، ومجاهد، وقتادة.

قال أبو سعيد الخدري : شَكَت بنو سَلِمَةَ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بُعْدَ منازلهم من المسجد، فأنزل الله تعالى: وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلّم: «عليكم منازلكم، فإنّما يكتب آثارُكم» ، وقال قتادة وعمر بن عبد العزيز: لو كان اللهُ مُغْفِلاً شيئاً، لأغفل ما تعفِّي الرِّياحُ من أثرَ قَدَم ابن آدم.

والثاني : أنها الخُطا إلى الجمعة، قاله أنس بن مالك.

والثالث : ما أثَروا من سُنَّة حسنة أو سيِّئة يُعْمَل بها بعدهم، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، واختاره الفراء، وابن قتيبة، والزجاج." اهـ

وفي "تفسير السعدي" = "تيسير الكريم الرحمن" (ص: 693) :

"{وَآثَارَهُمْ} : وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم،

فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته، أو عمل خيرا، من صلاة أو زكاة أو صدقة أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدا، أو محلا من المحال التي يرتفق بها الناس، وما أشبه ذلك، فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر.

ولهذا : {من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة}

وهذا الموضع، يبين لك علو مرتبة الدعوةِ إلى الله والهدايةِ إلى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل إلى ذلك، ونزولِ درجة الداعي إلى الشر الإمام فيه، وأنه أسفل الخليقة، وأشدهم جرما، وأعظمهم إثما." اهـ

[7]  وفي شرح النووي على مسلم (11/ 85) : "وَفِيهِ فَضِيلَةُ الزَّوَاجِ لِرَجَاءِ وَلَدٍ صَالِحٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ." اهـ

[8]  وفي شرح رياض الصالحين (5/ 439) للعثيمين :

"أما الثاني فـ(علم ينتفع به)، وهذا أعمها وأشملها وأنفعها أن يترك الإنسان وراءه علما ينتفع المسلمون به سواء ورث من بعده بالتعليم الشفوي أو بالكتابة فتأليف الكتب وتعليم الناس وتداول الناس لهذه المعلومات مادام مستمرا فأجر المعلم جاز مستمر لأن الناس ينتفعون بهذا العلم الذي ورثه." اهـ

[9]  أشار به إلى ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (3/ 1472) (رقم : 1844) : عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ _رضي الله عنهما_ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : « إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ».

[10]  وفي شرح النووي على مسلم (11/ 85) : "وَفِيهِ دَلِيلٌ لِصِحَّةِ أَصْلِ الْوَقْفِ وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ." اهـ

[11]  وفي المسالك في شرح موطأ مالك (4/ 221) :

"وفي العارضة : قال علماؤنا : "لا يصلِّي أحدٌ عن أحدٍ باتِّفَاقٍ فَرْضًا ولا نافلة، حياةً ولا موتًا، وكذلك الصِّيام فإنّه لا يصومه أحدٌ عن أحدٍ." اهـ

[12]  وفي الذخيرة للقرافي (6/ 314) :

"الدُّعَاء لَيْسَ خَالِصا بِالْوَلَدِ بَلْ كُلُّ مَنْ دَعَا لِشَخْصٍ رَجَاءَ نَفْعِهِ بِدُعَائِهِ قَرِيبًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ثَوَابَ الدُّعَاءِ يَحْصُلُ لِلْمَدْعُوِّ لَهُ بَلْ مُتَعَلِّقُ الدُّعَاءِ وَمَدْلُولُهُ لُغَةً فَصَارَ ذِكْرُ الْوَلَدِ مَعَهُمَا مُشْكِلًا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْوَلَدَ أَكْثَرُ دُعَاءً لِأَنَّ دَاعِيَةَ الْقَرَابَةِ تَحُثُّهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ خَصَّصَهُ بِالصَّالِحِ لِأَنَّ الصَّلَاحَ مَعَ الْبُنُوَّةِ نظمة كَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَإِجَابَتِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالذِّكْرِ مِنْ غَيْرِهِ." اهـ

[13]  ما بين المعقوفتين زيادة مني للإيضاح، ليس من كلام النووي _رحمه الله_.

[14]  أخرجه : سنن أبي داود (3/ 288) (رقم : 3528)، سنن الترمذي ت شاكر (3/ 631) (رقم : 1358)، سنن النسائي (7/ 240) (رقم : 4449)، سنن ابن ماجه (2/ 723 و 768) (رقم : 2137 و 2290)،

صححه الألباني في "صحيح الأحكام" (171) ، الإرواء (6 / 66) ، المشكاة (2770).

[15]  وفي عون المعبود وحاشية ابن القيم (8/ 62) لشرف الحق العظيم آبادي :

"وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ بَيَانِ أَنَّ الْإِسْنَادَ مِنَ الدِّينِ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ وَيَنْتَفِعُ بِهَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَلْحَقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَوَابٌ فَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَخَطَأٌ بَيِّنٌ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ وَلَا تَعْرِيجَ عَلَيْهِ انْتَهَى." اهـ

[16] وفي "اللباب في تهذيب الأنساب" (3/ 259):

"المنبجي (بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعدهَا جِيم): هَذِه النِّسْبَة إِلَى مَنْبِجٍ، وَهِي إِحْدَى مدن الشَّام، وبناها كِسْرَى لما غلب على الشَّام، وسماها مُنَبّه فعربت وَقيل منبج،

نسب إِلَيْهَا كثير من الْعلمَاء، مِنْهُم:

* عمر بن سعيد بن سِنَان المنبجي الْحَافِظ، يروي عَن أَحْمد بن أبي شُعَيْب الْحَرَّانِي، وَأبي مُصعب الزُّهْرِيّ، وَهِشَام بن عمار، روى عَنهُ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمدَ الطَّبَرَانِيّ، وَعبدُ اللهِ بْنُ عَدِيٍّ الْجِرْجَانِيُّ، وَغَيرُهُمَا،

* وَأَبُو عَليّ الْحسن بن سَلامَة بن ساعد المنبجي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ، تفقه على أبي عبد الله الدَّامغَانِي، وروى الحَدِيث عَن أبي نصر الزَّيْنَبِي وَغَيره سمع مِنْهُ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ بِبَغْدَاد." اهـ

[17] وفي "اللباب في تهذيب الأنساب" (3/ 259):

"المنبجي (بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعدهَا جِيم): هَذِه النِّسْبَة إِلَى مَنْبِجٍ، وَهِي إِحْدَى مدن الشَّام، وبناها كِسْرَى لما غلب على الشَّام، وسماها مُنَبّه فعربت وَقيل منبج،

نسب إِلَيْهَا كثير من الْعلمَاء، مِنْهُم:

* عمر بن سعيد بن سِنَان المنبجي الْحَافِظ، يروي عَن أَحْمد بن أبي شُعَيْب الْحَرَّانِي، وَأبي مُصعب الزُّهْرِيّ، وَهِشَام بن عمار، روى عَنهُ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمدَ الطَّبَرَانِيّ، وَعبدُ اللهِ بْنُ عَدِيٍّ الْجِرْجَانِيُّ، وَغَيرُهُمَا،

* وَأَبُو عَليّ الْحسن بن سَلامَة بن ساعد المنبجي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ، تفقه على أبي عبد الله الدَّامغَانِي، وروى الحَدِيث عَن أبي نصر الزَّيْنَبِي وَغَيره سمع مِنْهُ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ بِبَغْدَاد." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين